«مافيا باي بال»: المجموعة التي سيطرت على عالم ريادة الأعمال الأمريكي
بالضغط على هذا الرابط سيعود بك الزمان إلى عام 2007، لتطالع تقريرًا صحفيًا تاريخيًا لمجلة Fortune تتصدره صورة فوتوغرافية، تضم ثلاثة عشر رجلًا يرتدون ملابس رياضية وسترات جلدية وقمصانًا حريرية، يبدون وكأنهم رجال عصابات، أعلى الصورة ستقرأ عنوانًا صحفيًا مثيرًا: «مافيا باي بال!»
ماذا يعني ذلك؟
تعلم من «ثيل» و«ليفشين»: كيف تؤسس شركة ناشئة؟
عام 1998، وخلال تناول الصديقين «ماكس ليفشين» و«بيتر ثيل» الطعام في مطعم بالقرب من جامعة ستانفورد، تحدث ليفشين عن شركة يريد تأسيسها، فتحمّس ثيل للاستثمار فيها كمؤسس مشارك عبر شركته التي جعلته من أصغر أعضاء وادي السيليكون سنًا، إن لم يكن أصغرهم. كانت فكرة ليفشين تدور حول نقل الأموال بطريقة تشبه نقل أجهزة PalmPilots لجهات الاتصال والملاحظات والمهام إلى الحاسوب، لكن ثيل كانت لديه رؤية أكبر، وشرعا في إنشاء «عملة عالمية جديدة»، عبر تأسيس شركة ناشئة في عام 1999 تابعة لشركة Confinity التي يمتلكها ثيل، تمنح المستهلكين خيارًا أسهل لتحويل الأموال.
جلب الصديقان مئات الموظفين، بدآ بكل شخص يعرفانه في جامعتيهما ستانفورد وإلينوي، استغل ثيل شبكة أصدقائه الذين عملوا في مجلة «ستانفورد ريفيو» التي أسسها عام 1987، واستعان ليفشين بمهندسين من إلينوي، التي كانت موطنًا لمطوري برنامج Netscape أساس متصفحات الويب.
اختارا الموظفين بطريقة مختلفة، أرادا أفرادًا يتمتعون بالقدرة على المنافسة، وتعدد اللغات، وإتقان الرياضيات، وإدمان العمل، لم يبحثا عن مستشارين أو حملة الماجستير في إدارة الأعمال. يحكي ليفشين عن ذلك فيقول: «سألت أحدهم عما يحب أن يفعله من أجل المتعة، قال: أستمتع بلعب الأطواق، فرفضت توظيفه؛ لأن كل شخص عرفته في الجامعة يحب لعب الأطواق كان أحمق».
قد تتوقع هنا أننا بصدد مجموعة من المغامرين من شباب وادي السيليكون، لكن ما قد لا تتوقعه هو ما سيقوم به هؤلاء المغامرون.. الأمر حقًا سيكون ضخمًا!
كيف بدأت باي بال؟
بسبب توظيف أصدقائهما، خلق ثيل وليفشي جوًا تنافسيًا، ولزيادة التنافسية بدآ في البحث عن مؤسس ثالث، ولم يترددا في التواصل مع صديقهما من ستانفورد إلون ماسك. كانا يتابعان خطواته، ويقدران تميزه وجرأته في اقتحام مجال التمويل، ويعلمان الصعوبات التي واجهها للعثور على مستثمرين يؤمنون بفكرته عن نظام بنكي كامل الخدمات عبر الإنترنت، لكنه لم ييأس على الرغم من قلة الخبرة في هذا المجال، لذا، أراد أن يكون رائده، فقد كان يؤمن بأن المصرفيين يديرون أمور التمويل بشكل خطأ، وأن بإمكانه إدارة الأعمال بشكل أفضل من أي شخص آخر، ما دفعه لاستثمار أمواله من بيع أولى شركاته Zip2 لشركة Compaq في عام 1999، ليؤسس في العام نفسه شركة X.com للمدفوعات المالية عبر الإنترنت.
في أوائل عام 2000، قرر الأصدقاء دمج الشركتين، وفقًا لأبحاث الشركة كان اسم X.com محيرًا، وافترض البعض أنه إباحي، لذا استقر الأصدقاء على اسم «باي بال»، ليؤسسوا معًا عملاقة الدفع عبر الإنترنت.
في أبريل 2000، أصبح ماسك الرئيس التنفيذي للشركة، بعدها دخل في جدال مع مجلس الإدارة أدى إلى تنحيته كرئيس تنفيذي مع بقائه بمجلس الإدارة، بينما كان يقضي «شهر العسل» عقب زواجه.
تأثرت الشركة– كغيرها- بموجة الانهيار التكنولوجي التي سمّيت «فقاعة الإنترنت»، كانت الشركة في حالة من الفوضى الكارثية، فقد عُزل إلون ماسك وكانت تحرق 10 ملايين دولار شهريًا في سوق لا يمكن فيه جمع رأس مال إضافي، وعلى الرغم من ذلك نجت باي بال، على عكس العديد من الشركات الناشئة في ذلك الوقت، وفي عام 2002 استحوذت eBay عليها مقابل 1.5 مليار دولار، في صفقة هزّت عالم التكنولوجيا؛ كإحدى الصفقات الكبرى في أعقاب الانهيار التكنولوجي.
جعلت الصفقة مؤسسي باي بال أثرياء وبائسين في الوقت نفسه؛ بسبب صدامهم الفوري مع الفكر التنفيذي التقليدي لشركة eBay، المرتبط بالاجتماعات المتعددة المطوّلة، في مقابل مرونة وسرعة مجموعة باي بال، فنتج عن ذلك نزوح جماعي، بدأ باستقالة ثيل، ومن ثم تبعه كثيرون من المؤسسين والمديرين التنفيذيين.
يمكن القول إن هذا الموقف هو بداية أسطورة إلون ماسك، حيث بدأ يفكر بجدية في رحلات الفضاء، وإرسال صواريخ إلى المريخ، كما كان بداية هيمنة باي بال على سوق المدفوعات الإلكترونية اعتمادًا على قوة eBay، لكن الحكاية ليست حكاية ماسك، وليست حكاية باي بال، والقصة لم تنتهِ بعد بل بدأت للتو، بيع باي بال لم يكن بداية ماسك فقط، إنما بداية أكبر مجموعة مستثمرين في وادي السيليكون، التي اشتُهرت- بسبب تقرير فورتشن- بمسمّى «مافيا باي بال»، التي كان ثيل وليفشين بمثابة وكيلها ومستشارها.
مَن هم أشهر أعضاء المافيا؟
تضم المافيا نحو 24 شخصًا كانوا مديرين ومهندسين سابقين في باي بال، أشهرهم:
1- بيتر ثيل
- المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي.
- أسس صندوق التحوط Clarium Capital.
- استثمر 500 ألف دولار في شبكة التواصل الاجتماعي– الوليدة حينها- Facebook، ليصبح أول مستثمر خارجي فيها.
- أحد أقوى أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في مجال التكنولوجيا بتأسيسه Founders Fund عام 2005، الذي ساعد في إطلاق SpaceX وAirbnb.
- شارك في تأسيس شركة البيانات الضخمة Palantir في عام 2003، والتي عمل رئيسها التنفيذي ألكسندر كارب كعضو مساهم في شركة Axel Springer المالكة لـ Business Insider.
- أسهم في تمويل Yelp وLinkedIn، واستثمر في Uber وLyft.
- استثمر في سوق العملات المشفرة عبر شركة Layer1 الناشئة لتعدين البيتكوين.
2- ماكس ليفشين
- مؤسس مشارك في باي بال ورئيس قسم التكنولوجيا.
- أسس موقع Slide للعروض التقديمية وعروض الشرائح
- عام 2010 أصبح نائب رئيس Google للهندسة، وغادر بعدها بعام عقب إيقاف Google Slide.
- ساعد في تأسيس Yelp كأكبر مساهم في الشركة عام 2004.
- عمل كعضو مجلس إدارة في Evernote وYahoo.
- شارك في تأسيس شركة الخدمات المالية Affirm.
- أسس شركة HVF Labs لتمويل مشروعات البيانات.
- أسس SciFi VC.
- دعّم Stripe وPinterest.
- أطلق تطبيق Glow، لتتبع الخصوبة وتحسين احتمالات الحمل.
3- إيلون ماسك
- صاحب X.com للمدفوعات الإلكترونية التي اندمجت مع Confinity لتكوّنا باي بال، وأكبر مساهم في الشركة والرئيس التنفيذي.
- عُزل من منصبه وبقى كمساهم.
- في 2002 أطلق SpaceX لتطوير صواريخ فضائية منخفضة التكلفة نسبيًا، وتوفير إنترنت عبر الأقمار الصناعية Starlink.
- تولى قيادة شركة السيارات الكهربائية Tesla Motors عام 2008.
- استحوذ على SolarCity للطاقة المستدامة عام 2016.
- أطلق The Boring Company لحفر الأنفاق عام 2017.
4- رويلوف بوتا
- نائب رئيس الشؤون المالية في باي بال ثم المدير المالي للشركة، ومفاوض صفقة البيع.
- أحد أكبر مستثمري التكنولوجيا في العالم.
- انضم في 2003 كشريك في عملاق رأس المال الاستثماري «التريليوني» Sequoia Capital، الذي موّل عمالقة التكنولوجيا، مثل آبل وجوجل ويوتيوب وإنستجرام وياهو.
- عمل كعضو مجلس إدارة في 13 شركة، منها Square وEventBrite وWeebly وJawbone وEvernote وTumblr وXoom وYouTube قبل استحواذ جوجل عليها.
5- ريد هوفمان
- انضمّ من الشبكة الاجتماعية الأولى في العالم SocialNet كعضو في مجلس إدارة باي بال، ثم مدير العمليات ثم نائب الرئيس التنفيذي.
- شارك في تأسيس LinkedIn عام 2002.
- أصبح أحد أشهر المستثمرين الملاك في وادي السيليكون، عبر استثمارات وحصص ملكية في Facebook وZynga وFlickr وDigg.
- عام 2010 انضم كشريك في Greylock Partners، لتمويل الشركات الناشئة.
- عام 2017 انضم إلى مجلس إدارة Microsoft.
- مؤلف كتب عدة حول الشركات الناشئة والتطوير المهني، وصاحب بودكاست Masters of Scale، يجري عن طريقه مقابلات مع مؤسسي الشركات حول كيفية إطلاق شركاتهم وتوسيع نطاقها.
6- ديفيد ساكس
- مدير العمليات في باي بال.
- أسس شركة إنتاج أفلام تسمى Room 9 Entertainment بتمويل من ثيل وليفشين وماسك، وأنتج أول أفلامه عن صناعة التبغ بعنوان «شكرًا لك على التدخين» عام 2005.
- عام 2006 أسس موقع علم الأنساب Geni.com.
- أسس شبكة التواصل الاجتماعي Yammer، التي استحوذت عليها Mircosoft في 2012، وعُّين نائبًا لرئيس الشركة في Microsoft Office.
- عام 2016، شغل منصب الرئيس التنفيذي في Zenefits، وهي شركة برمجيات للموارد البشرية.
- عام 2017، شارك في تأسيس شركة Craft Ventures الاستثمارية.
- يستثمر ويمتلك حصصًا في SpaceX وThe Boring Company وAirbnb وPostmates وSlack وغيرها.
7- جاويد كريم
- مهندس تصميم وتنفيذ الأنظمة في باي بال.
- أسس موقع YouTube عام 2005، مع تشاد هيرلي (مصمم شعار باي بال الأول) وستيف تشين، وكان صاحب أول فيديوهات الموقع.
- عام 2008، تعاون مع رابويس في تأسيس Youniversity Ventures؛ لمساعدة الطلاب والخريجين على تطوير أفكار تجارية.
- أسهم في تمويل Truebill، وهو تطبيق تمويل شخصي.
8- أندرو ماكورماك
- انضم كمساعد لثيل خلال استعداد باي بال لطرحها للاكتتاب العام.
- أسهم مع ثيل في إنشاء صندوق التحوط Clarium Capital.
- أسس مجموعة مطاعم في سان فرانسيسكو.
- عام 2008 انضم مجددًا إلى Thiel Capital لتطوير Yahoo، وeCount، وهي جزء من المجموعة المصرفية الأمريكية Citigroup، ومن ثم كشريك لثيل في شركة Valar Ventures لرأس المال الاستثماري، بغرض الاستثمار في شركات التكنولوجيا الناشئة خارج وادي السيليكون، في أوروبا وكندا.
9- جيريمي ستوبلمان
- انضم كمهندس في X.com، وأصبح نائب رئيس الهندسة في باي بال.
- استقال بعد فترة وجيزة من صفقة eBay، ليؤسس مع سيمونز موقع Yelp للمراجعات والتوصيات عبر الإنترنت في عام 2004، بتمويل مليون دولار من ليفشين.
- أقنعه ستيف جوبز برفض عرض الاستحواذ المقدم من Google في عام 2010 وفي عام 2012، أصبحت Yelp شركة عامة محدودة.
10- كيني هوري
- مؤسس مشارك ومدير مالي في باي بال.
- عمل كمدير تطوير في eBay ثم انضم إلى ثيل كنائب رئيس للأسهم الخاصة في Clarium Capital عام 2004.
- في 2005، شارك في تأسيس صندوق Founders Fund.
- في عام 2012، شارك في تأسيس Popexpert، وهي منصة تعليمية عبر الإنترنت تتيح للمستخدمين التواصل وجهًا لوجه مع الخبراء في مختلف المجالات.
11- كيث رابويس
- نائب الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال والشؤون العامة والسياسة في باي بال.
- شارك في الاستثمار وتطوير وإدارة أعمال LinkedIn وSlide وSquare.
- انضم كشريك في Founders Fund، وعمل في مجالس إدارة Yelp وXoom وReddit.
- يستثمر في Vise AI لأتمتة إدارة المحافظ.
12- لوك نوزيك
- نائب رئيس التسويق والاستراتيجية في باي بال.
- شارك في تأسيس Founders Fund مع ثيل.
- عام 2017، أطلق شركة الاستثمار Gigafund، والتي ساعدت في تمويل SpaceX، وتمتلك منصة ResearchGate، للأوراق العلمية والبحثية.
13- بريمال شاه
- مدير تنفيذي في باي بال.
- بعد البيع أصبح رئيسًا لمنظمة Kiva غير الربحية، التي تسمح للأشخاص بإقراض رواد الأعمال والطلاب المتعثرين عبر الإنترنت في أكثر من 70 دولة.
14- راسل سيمونز
- مهندس البرمجيات الرئيس في باي بال.
- شارك في تأسيس Yelp.
- عام 2012 أطلق Learnirvana، وهو برنامج تعليمي على الإنترنت لتعلم اللغات.
15- ديف مكلور
- مدير التسويق في باي بال، والمسؤول عن شبكة مطوريها.
- غادر عام 2004 إلى Founders Fund.
- أطلق 500Startups، وهو صندوق لدعم المشروعات الناشئة.
من أين تأتي قوة المافيا؟
مثّلت هذه المجموعة من رواد الأعمال والمستثمرين جيلًا جديدًا من الثروة والسلطة في وادي السيليكون، حيث أطلقوا مئات الشركات، وأسسوا عالمًا متكاملًا من شركات الاستثمار، والمؤسسات الخيرية، وشركات الطاقة النظيفة، وصناعة السيارات الكهربائية، وصواريخ الفضاء، وعدد كبير من شركات الإنترنت المهيمنة على كل مجالات الويب تقريبًا، ما يمكن أن يعد بمثابة «وادي سيليكون مصغّر»، معتمدين على شبكات علاقاتهم لربط الأشخاص والشركات بعلاقات واستثمارات متشابكة، تتميز بغزارة التوسع وتوليد الشركات بشكل ملفت ساعدهم على الهيمنة.
تنبع فاعليتهم من تنوعهم، فمجموعتهم تضم جميع الخبرات اللازمة لإنشاء شركة ناشئة وإنجاحها، من مهندسين متميزين، ورواد أعمال موهوبين في الابتكار، ومديرين تنفيذيين ذوي خبرات رائدة في تحويل الأفكار إلى أعمال وشركات، فضلًا عن الممولين والمستثمرين والمُلّاك، بدأوا معًا كشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، عملت الأحلام المشتركة وضغوط النجاح والريادة على تقوية ترابطهم، وزادهم ثقة وتماسكًا نضالهم جميعًا من أجل بقاء شركتهم، كانت باي بال تخسر الملايين شهريًا؛ بسبب قرصنة الحسابات وسرقات الأموال، وواجهت منافسة شديدة من eBay، لكنهم صمدوا حتى اعترفت eBay في النهاية بقدراتهم عندما أغلقت خدماتها للدفع عبر الإنترنت واشترت باي بال.
تنبع قوتهم من عدة عناصر أولها ترابطهم، فهم يجتمعون باستمرار في حفلات ولقاءات منزلية، يحضرون حفلاتهم المشتركة، ويساعدون في تشكيل خطط أعمال بعضهم البعض، ويدعمون شركات بعضهم البعض ويموّلونها، ويستثمرون فيما بينهم، ويشاركون في عضوية مجالس إدارات شركاتهم، ويملكون حصصًا في مئات الشركات المشركة بينهم، بحيث تبدو رابطة متشابكة؛ نتيجة لتداخل العلاقات وتداول الأموال وتدوير التمويل وحركة الأعمال التي لا تتوقف.
العنصر الثاني، يأتي من تداخل أعمالهم واستغلال مناقشاتهم في توليد شركات وأعمال وتمويلات، على سبيل المثال، كان سيمونز من أوائل المهندسين الذين وظفهم ليفشين، ثم أصبح لاحقًا أحد مؤسسي Yelp، بعدها أقنع مهندسًا آخر بالانضمام إلى باي بال، ليصير فيما بعد من أوائل المعينين في YouTube، والذي كان أحد مؤسسيه جاويد، الذي أنشأ موقع YouTube، وفي حفل شواء عام 2005، عرض جاويد الموقع على رابويس الذي كان حينها يعمل في LinkedIn، وبدوره أخبر بوتا الشريك في Sequoia Capital؛ للاستثمار في الموقع. قبلها بعام، في 2004 تأسس موقع Yelp بعد مأدبة غداء بأحد المطاعم؛ احتفالًا بعيد ميلاد ليفشين، حيث بدأ الأمر بالحديث عن مدى صعوبة العثور على توصية بطبيب أسنان جيد، وأدى الحديث إلى تفكير في موقع ويب للعثور على الخدمات المحلية، فناقش سيمونز وستوبلمان الفكرة في طريق عودتهما، ومن ثم عرضاها على ليفشين، الذي وافق على تمويل المشروع بمليون دولار، وساعد رابويس في إعداد العرض التقديمي للفكرة، وقدّم هوفمان إرشاداته، وأسهم ثيل بالمشورة التجارية.
عنصر ثالث مهم لقوتهم ينبع من فكرهم الاحتكاري المهيمن، والذي يمكن أن نستشفه بسهولة من مقال لبيتر ثيل الأب الروحي للمافيا، الذي تتصدره صورة معبرة لأرنب يقفز عابرًا ثلاث سلاحف، تحت عنوان «المنافسة للخاسرين»، والذي يؤكد فيه أنه «إذا كنت ترغب في إنشاء قيمة دائمة فابحث عن بناء احتكار»، وأن ما يسمح لشركة ما بتجاوز النضال اليومي من أجل البقاء، هو- فقط- أرباح الاحتكار.
ما حجم تأثيرهم واستثماراتهم؟
تمثل المافيا الجوانب الأفضل والأسوأ والأكثر إثارة للجدل في وادي السيليكون، في ظل أنها الشبكة الأشهر لرواد الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، فهم يستثمرون ويمتلكون حصصًا في مئات الشركات التي أنتجها وادي السيليكون بداية من عام 2000 وحتى الآن، ما جعلهم حديثًا إعلاميًا لا ينتهي على مر السنين، سواء فيما يخص أسواق المال والأعمال والاستثمارات والسياسة، في ظل ارتباط اسميّ ثيل وماسك بدونالد ترامب الرئيس الأمريكي المثير للجدل، وكذا في جدالات حقوق الإنسان، فقد أُجبر عضوان على ترك وظيفتيهما بعد مزاعم بالتحرش الجنسي، حتى في أحاديث المساواة و«الفيمينست»، فقد اتهموا بالمساهمة في تناقص أعداد النساء في أسواق التكنولوجيا المختلفة؛ نظرًا لأنهم رجال وظّفوا أصدقاءهم من الرجال أيضًا!
في يناير 2019، قام موقع venturebeat بتقصّي تأثيرهم بإعداد قاعدة بيانات شاملة لاستثمارات 20 عضوًا منهم على مدار عقدين من الزمان؛ بهدف رصد استثمارات شركاتهم، سواء المشتركة بينهم أو التي تتداخل مع استثمارات خارجية أو تُعد استثمارات شريكة مع شركات خارج المافيا. كانت النتيجة كالتالي:
- 1005 استثمارات لأعضاء المافيا وشركات رأس المال الاستثماري التابعة لهم في 646 شركة، خلال الفترة من 1995 إلى 2018 بتريليونات الدولارات.
- في الفترة من 2009 إلى 2014، كان لدى 15.5% من الشركات الناشئة مُؤسِّسة (امرأة) واحدة على الأقل، وفي الفترة نفسها كان لدى 13% من الشركات الناشئة التي استثمرت المافيا فيها مؤسس واحد. ربما أسهم ذلك في اتهامهم بالذكورية!
- زادت أنشطتهم الاستثمارية الجماعية بشكل كبير في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما قاموا بعمل 10-40 استثمارًا سنويًا، وفي عام 2010، قاموا بحوالي 100 استثمار، ومنذ عام 2010، قاموا بنحو 70-130 استثمارًا سنويًا.
- شبكة الاستثمارات الأساسية تتكون من ساكس وليفشين ورابويس وثيل وبانيستر، أكثرهم إنتاجًا ثيل وبانيستر؛ إذ يستثمران في أكثر من 100 شركة.
- 31% من الشركات التي استثمر فيها ثيل تتلقى أيضًا استثمارًا واحدًا على الأقل من عضو آخر في المافيا، وفي المقابل 47% لرابويس، و16% لهوفمان، و41% لليفشين، و46% لساكس، و18% لبانيستر.
- من بين 646 شركة، تلقت 103 منها استثمارات من أعضاء متعددين.
قد يكون الأمر أشبه بشبكة عنكبوت أو «مجلس إدارة عالم الويب»، وقد يكونون مافيا بالمعنى الإجرامي للمصطلح، لكن تتبع تلك الشبكة من الاستثمارات يؤكد قدرة هذه المجموعة على الهيمنة بشكل مخيف، تلك الهيمنة التي يظهر وجهها القبيح باستمرار؛ لأنهم ببساطة ليسوا ملائكة بل «مافيا».