باتريك فييرا: التغيير الذي احتاجه أرسنال ولا زال
تخضع كرة القدم إلى أهواء الانتماء دون شك. كريستيانو رونالدو الأعظم في عيون جماهير ريال مدريد هو ذاته بينالدو المنتهي الذي تقلل من شأنه جماهير برشلونة، ميسي الرجل الذي قارب على إعادة اختراع كرة القدم يصفه البعض بعديم الفائدة الذي يفتقد القيادة. هكذا هي كرة القدم منذ أن قرر أحدهم ركلها وقرر آخر منعه من ذلك ولن يتغير ذلك أبدًا.
لا يحتاج تاريخ اللعبة إلى الكثير من الوقت لإنصاف الموهوبين وتهميش من لا يستحقون الذكر. قلة من لاعبي كرة القدم لم يتركوا مساحة للتقليل من شأنهم حتى ولو في عيون منافسيهم. يحتاج الأمر شخصًا يعي تمامًا أنه يصنع التاريخ وأن كل موسم، وكل مباراة، وكل موقف هو صفحة ستدوَن دون شك.
إذا أُلقي إليك كتاب تاريخ كرة القدم فمن المؤكد أن هناك بعض الفرق التي ستحظى بفصول هي الأهم في هذا الكتاب. كان ميلان التسعينات واحدًا منها بما احتواه من أسماء وطريقة لعب وتغيير في مجريات كرة القدم. كذلك كان أرسنال فينجر أيضًا بتلك الثورة التي أحدثها في ملاعب إنجلترا. رجل وحيد كان بالجودة اللازمة للظهور كناشئ في ميلان التسعينيات ثم مؤسس وركيزة جوهرية في فريق أرسنال فينجر، كان هذا الرجل هو الفرنسي باتريك فييرا.
فييرا الميلان وفرنسا: الصفحة الأخيرة
ولد فييرا في داكار لكنه رحل عن السنغال في الثامنة فقط من عمره. انفصل والداه في سن صغيرة ولم يلتق بأبيه مرة ثانية، لذا اكتسب اسم عائلة والدته التي تعود أصولها إلى الرأس الأخضر. وبمشاركة جده في الجيش الفرنسي، بات باتريك مؤهلًا لنيل الجنسية الفرنسية بمجرد الولادة.
نحن الآن في مرحلة المراهق الأفريقي الذي يجيد كرة القدم فيتم توظيفه في وسط الملعب لما يتمتع به من بنية جسدية ومجهود وفير. يتحدث البعض الآن أن بعض اللاعبين أصحاب البشرة السمراء يتم ظلمهم جراء وضعهم في هذا النمط الذي يفترض أن هذا اللاعب الأفريقي هو مدمر للهجمات لا صانع لها. لكن فييرا لم يظلم بهذا التصنيف أبدًا بل إنه بما امتلك من قدرات كان سببًا لتصدير تلك الصورة النمطية.
بدأ نجم فييرا فى اللمعان بعد انضمامه إلى نادي كان الفرنسي، في عمر السابعة عشر، ثم ارتدى شارة القيادة في عمر التاسعة عشر فقط. كان ما يمتلكه الشاب واضحًا للجميع؛ قدرة على تأدية المطلوب دون ذرة تهاون، بالإضافة لشخصية قيادية قادرة على تحمل المسؤولية في سن صغيرة.
في منتصف التسعينيات قرر الميلان الذي يعج بالنجوم انتداب هذا القائد الصغير في رحلة إلى جنة كرة القدم. لم تستمر تلك الرحلة كثيرًا، حيث نافس فييرا مواطنه ديسايي الذي قرر كابيلو أن ينقله من قلب الدفاع إلى وسط الملعب. لم يستطع فييرا أن يشارك رفقة الميلان سوى في مباراتين فقط، ليقرر الرحيل من أجل فرصة المشاركة في كأس العالم الذي استضافته فرنسا بعد عامين فقط.
المثير هنا أن عقب رحيل فييرا ولأسباب لا تتعلق به بالطبع أصاب الميلان والدوري الإيطالي كله العطب لتنتهي مرحلة جنة كرة القدم التي لن تذكر فييرا إلا في الصفحة الأخيرة. كذلك لا أحد يتذكر مشاركة فييرا في كأس العالم 98 إلا كبديل لدقائق معدودة في المباراة النهائية.
ربما لن تلحظ اسم فييرا في الصفحة الأخيرة للميلان وفرنسا 98، لكنك حتمًا ستتوقف عند اسمه كثيرًا كعنوان رئيسي في مرحلة أرسنال فينجر.
فييرا أرسنال: الصفحة الأولى والأخيرة والعنوان كذلك
كانت لندن غارقة في الضباب كعادتها، إلا أن ملعب الهايبري كان أكثرها ضبابًا. تم إقالة المدرب بروس ريوتش وبعد أيام معدودة وصل الفرنسي صاحب العشرين عامًا فقط. كان فييرا يفاضل بين اياكس وأرسنال إلا أن مدرب أرسنال الجديد كان له عامل الحسم في انضمام فييرا، الرجل الذي وصل لندن بعد فييرا بشهر رغم أنه أول تعاقداته السيد أرسين فينجر.
بدأ فينجر ثورته في إنجلترا وكذلك فييرا بدأ ثورة خاصة داخل الملعب. كان للفرنسيين سمعة تتلخص في تجنب الالتحام الجسدي، لكن عندما شاهدت جميع الفرق الإنجليزية هذا العملاق الذي كان يتفوق على الجميع طوال الوقت، لم يصدقوا أعينهم.
كان فييرا هو الرجل القادر على الصراخ في وجه زملائه ومنافسيه والجماهير إذا استلزم الأمر. وعندما قيل إن أرسنال هو أكثر الأندية ذات الطابع الإنجليزي على الإطلاق، كان باتريك الفرنسي صاحب البشرة السمراء يتحول إلى رمز للمدفعجية. ولم يكن هذا مفاجئًا لأن فييرا قبل كل شيء أحب النادي وجماهيره وكانت رغبته في كل مباراة أن يصل بأرسنال للمجد.
استطاع فييرا أن يصل بأرسنال للمجد بالفعل بعد تحقيق ثلاثة ألقاب للدوري، أحد تلك الدوريات كان دون هزيمة. كان فييرا تقلد لتوه شارة الكابتن والفريق يلعب بشكل لا يصدق. قدم الفريق ككل نوعًا من الموسيقى المتناغمة، فبينما كان بيركامب و هنري وبيريز ليونبرج يعزفون عزفهم الرقيق كان فييرا يتولى العزف الثقيل عندما يستلزم الأمر.
ماذا فعل فييرا تحديدًا داخل الملعب؟
تحدث فييرا عن دور لاعب الوسط مدمر الهجمات وكأنه كان يشرح للجميع ماذا فعل على أرضية الملعب لسنوات. يعتبِر فييرا الخطوة الأولى للاعب خط الوسط الدفاعي هي فهم دوره وتقبله، تحت شعار: «أنت هنا للعمل الجاد ومساعدة الآخرين قبل مساعدة نفسك».
يستطرد باتريك في الشرح لتوضيح تغير دور لاعب الوسط الدفاعي عن الماضي حيث كان الأمر يتعلق فقط بحماية المدافعين الأربعة، لكن الآن يُطلب منك القيام بكل شيء مثل تسجيل الأهداف (أحرز باتريك 55 هدفًا في مسيرته) وتقديم التمريرات الحاسمة (صنع الفرنسي 57 هدفًا في مسيرته) بالإضافة إلى الدفاع.
ثم يتجلى فييرا مقدمًا عصارة خبراته للجميع عندما يوجه حديثه للجميع، كلاعب خط وسط دفاعي يجب أن تكون على دراية تكتيكية. أنت في قلب الفريق لذا عليك أن تجمع كل الخطوط معًا وتسمح للاعبين الآخرين بالتعبير عن أنفسهم.
للقيام بذلك، تحتاج إلى التحدث كثيرًا واستخدام عقلك، لأنه في كثير من الأحيان عليك أن تكون في المكان المناسب في الوقت المناسب. عليك تغطية الفجوة بين خط الوسط والمدافعين الأربعة، وتغطية الظهيرين الأيمن والأيسر عندما يتقدمون إلى الأمام، وقلبي الدفاع عندما يندفعون إلى أعلى الملعب.
كان فييرا يعي تمامًا ما يفعله، وكأنه كان يكتب تاريخه الخاص بقدميه. أما عن مكانته لأرسنال، فقد امتلك الفرنسي ما افتقده النادي اللندني قبله وتلاشي تمامًا بعده، وهو روح البطولة والأداء الرجولي في كل موقف وكل مباراة.
رحل فييرا من أرسنال نحو يوفتنوس ثم إلى الإنتر بعد موسم واحد بسبب فضيحة الكالتشيوبولي الشهيرة. حقق مع الإنتر أربعة دوريات متتالية مقدمًا نفس المستوى الثابت، وإن قلت قدراته الجيدة مع تقدمه بالعمر، لكن لم تغب عنه أبدًا روح البطولة.
ربما لا تحب فييرا ولا تثمن كرة القدم التي يقدمها لكنك لا تملك أمامه سوى الاحترام. احتدت المنافسة بينه وبين روي كين مانشستر لسنوات، إلا أن الأخير لا يذكر فييرا إلا كواحد من أساطير اللعبة. هل يرفض غرورك الاعتراف بالرجل؟ حسنًا، سأتركك مع هذا التصريح الأخير وأرجوك انتبه جيدًا لماهية صاحب التصريح ثم راجع نفسك مرة أخرى.