الانتخابات البرلمانية ٢٠١٠ و ٢٠١٥: الانتقال من الطمأنينة الى الارتباك
لا يمكن الفصل بأي حال من الأحوال بين شكل التحالفات الانتخابية على الأرض والعاكسة لطبيعة السياسة في مصر، وبين ملامح العلاقة بين السلطة التنفيذية وعلى رأسها الرئيس والبرلمان، خاصة بعد إقرار دستور وضع قواعد مختلفة لتوازن معادلة الحكم.
وبالنظر إلى ما تهتم به الروقة من مقارنة بين آخر برلمان في عهد مبارك وأول برلمان بعد الـ 30 من ينويو، نجد أن وجود ظهير سياسي للرئيس داخل البرلمان هو أمر هام سواء كان – الظهير- ينتمي رسميا للرئيس كأعضاء الحزب الوطني في 2010 أو يتبنون أفكار الرئيس كما نرى في انتخابات 2015. أضف إلى ذلك أن انتخابات 2015 ربما تنتهي إلى نتيجة مفادها أنه ليس بالضرورة أن يكون ظهير الرئيس ينتمى إليه بقدر ما يشترك معه في المصلحة.
خريطة التحالفات الحزبية
دائما ما تعبر ملامح التحالفات الانتخابية عن مصالح السلطة من ناحية ومراكز القوى داخل المجتمع السياسي من جهة أخرى. ففي انتخابات 2010 كان من الواضح أن الأحزاب جميعها تدور في فلك حول الحزب الحاكم سواء كان ذلك بعقد صفقات سرية أو الاتفاق علنا.
وبالرغم من إنكار كافة أحزاب المعارضة، حينذاك، عقد اتفاقات مع الحزب الوطني الحاكم إلا أنه كان هناك فريق مؤيد لهذه الفكرة، وفي المقابل هناك من عارض قيام المعارضة بالاتفاق سرا مع الحزب الحاكم، ويستدلون على ذلك بانسحاب الوفد والإخوان من الانتخابات في جولتها الثانية.
وفيما يخص التحالفات العلنية فانقسمت إلى تحالف بين حزب التجمع والحزب الوطني الديمقراطي، ويظهر هذا برفض الحزب الانسحاب من الانتخابات وحصوله على 5 مقاعد في دور الانعقاد العاشر لمجلس الشعب.
أما التحالف الآخر فكان بين أحزاب المعارضة بعضها البعض والتي تألفت من مجموعتين الأولى ضمت ستة أحزاب وهم (الحزب الجمهورى الحر – حزب الشعب الديمقراطي – حزب الاتحاد الديمقراطي – حزب الأمة – حزب المحافظين) مشاركين بنحو 13 مرشح ولم ينجح أي منهم.
أما الثانية تشكلت من سبعة أحزاب (حزب الغد – حزب الجيل – حزب الأحرار الاشتراكي – حزب مصر العربي الاشتراكي – حزب شباب مصر – حزب التكافل الاجتماعي – حزب الخضر) مشاركين بنحو 110 من المرشحين فاز منهم مرشح واحد فقط، وهو النائب عن حزب الغد رجب هلال حميدة[1].
ولأن النظام الانتخابي هو اللاعب الرئيسي في لعبة الانتخابات، وبالتالي هو المحدد لشكل وطبيعة التحالفات الانتخابية تختلف ملامح خريطة التحالفات لانتخابات 2015. فمع تغير السياق السياسي والقانوني والفاعلين السياسين على الساحة تشكلت تحالفات وقوائم مختلفة يعتمد فيها البعض على قوة بعض الأحزاب، وأخرى تعتمد على أسماء بعض الشخصيات العامة ذات السمعة الجيدة بين جمهور الناخبين.
طبقا للنظام الانتخابي الجديد تقسم إلى الخريطة الانتخابية إلى قوائم، حيث تقدم حوالي 15 قائمة للمنافسة على 120 مقعدا، ويمكن تقسيم تلك القوائم إلى المجموعات التالية حسب حجم منافستها على الأقاليم الأربعة[2]:
المجموعة الأولى
تضم هذه المجموعة قائمة «في حب مصر» حيث تقدم التحالف بأوراقه للمنافسة على جميع قطاعات الجمهورية بأربعة قوائم، والتي يقودها لواء المخابرات السابق «سامح سيف اليزل» ومن أبرز ممثلي القائمة رئيس الوزراء السابق «كمال الجنزوري»، و«أكمل قرطام» رئيس حزب المحافظين، و«محمد العرابي» وزير الخارجية الأسبق، ومن الشباب قائد حركة تمرد «محمود بدر»، ومن رجال الإعلام والصحافة وزير الاعلام السابق «أسامة هيكل».
والجدير بالذكر هنا أن التحالف قد يفوز بالتزكية في قائمة شرق الدلتا نظرا لعدم تقدم أي قائمة أخرى للمنافسة وذلك في حالة تصويت 5% من الناخبين عن دائرة شرق الدلتا[3].
المجموعة الثانية
تأتي قائمة «مصر» في ثاني المجموعات حيث تقدمت بأوراقها للمنافسة على 3 قطاعات فقط في الصعيد وغرب الدلتا والقاهرة الكبرى. يقود القائمة «أحمد الفضالي» مؤسس تيار الاستقلال بالاضافة إلى تحالف أحزاب الجامعة المصرية، الذي يضم (الحركة الوطنية، ومصر بلدي، والجيل، والغد).
المجموعة الثالثة
يظهر حزب النور كأول حزب منافس على مقاعد القائمة وذلك بتقديمه أوراقا للمنافسة على قائمتين فقط في غرب الدلتا – حيث ما يتمتع به من نفوذ واضح – والقاهرة الكبرى. والجدير بالذكر أنه كاد أن ينافس على ثلاث قوائم وإدخال قطاع الصعيد في حساباته الانتخابية إلا أنه انسحب «مغلبا المصلحة الوطنية» على حد تعبير بيان الحزب. ومن أبرز الأسماء المرشحة «أشرف ثابت» عضو المجلس الرئاسي للحزب، والدكتور «باسم الزرقا» نائب رئيس الحزب للشئون السياسية.
المجموعة الرابعة
يتذيل المجموعات ائتلاف «نداء مصر» من جهة والتحالف الجمهوري للقوى الاجتماعية من جهة أخرى، فـ«نداء مصر» يخوض الانتخابات البرلمانية على قائمتين في غرب الدلتا والصعيد، ومن أبرز مرشحيه عمرو عبد الحكيم عامر، والمستشار عادل عبد الحميد وزير العدل السابق.
أما التحالف الجمهوري فقدم أوراقه بقائمة واحدة للقاهرة الكبرى، على رأس القائمة المستشارة تهاني الجبالي وكذلك الفريق حسام خير الله وكيل جهاز المخابرات الأسبق، وعصام محيي الدين أمين عام الطرق الصوفية.
وقد تم استبعاد 6 قوائم من قبل اللجنة العليا للانتخابات، وترجح بعض التقديرات أن ذلك يفتح أبواب البرلمان أمام قوائم «في حب مصر» فهي التحالف الوحيد الذي لم تستبعد قوائمه في الأربع قطاعات.
أما على مستوى النظام الفردي، فقد أعلن حزب الوفد أنه ينافس على 273 مقعدا على مستوى الجمهورية دون الدخول في تحالفات[4]، كما تخوض أحزاب اليسار من خلال «ائتلاف الأحزاب اليسارية» الانتخابات بالتنافس على 40 مقعدا.
وبالنسبة للائتلافات والأحزاب المحسوبة على الإسلام السياسي، فيدفع الائتلاف العام للطرق الصوفية بـ 190 مقعدا على مستوى الفردي والقائمة، وأخيرا يخوض حزب النور الانتخابات منفردا في سبع محافظات فقط.
وفي الوقت الذي دخلت فيه الأحزاب والحركات الاجتماعية الانتخابات البرلمانية في 2010 و 2015، هناك كلتة مقاطعة للإنتخابات. ففي 2010 دعى كل من «د. محمد البرادعي» وحركة شباب 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير والحركة المصرية من أجل التغيير وحزب الغد جبهة أيمن نور بمقاطعة الانتخابات حتى تعديل الدستور وتحديدا المادة 76 و77 الخاصة بالانتخابات الرئاسية[5]، كما كان إلغاء شرط الإشراف القضائي (تعديلات 2007 الدستورية) والقيود المفروضة على الرقابة الداخلية والدولية، وهو الحد الأدنى من ضمانات نزاهة وحيادية وتنافسية الانتخابات[6].
ويبدو هنا أن رؤية المعارضين كانت صائبة حيث حللوا المشهد السياسي آن ذاك بشكل صحيح، وتعد النتائج التي اكتسح فيها الحزب الوطني دليلا على ذلك، والتي أثارت كافة الأحزاب التي رفضت المقاطعة.
كذلك تشهد انتخابات 2015 مقاطعة من كل من حزب الوسط (البيان) وكذلك مصر القوية وحزب العيش والحرية، اعتراضا منهم على ما يروه من تضييق للحياة السياسية فيي مصر وانتهاج سياسة الاقصاء تجاه المعارضين.
كما أعلن تحالف «صحوة مصر» عدم تقديم أوراق قوائمه للجنة العليا اعتراضا عجز اللجنة العليا للانتخابات[7]. ويأتى حزب الدستور ليتغيب عن المشهد الانتخابي وسط تخبط وانقسام داخل قواعده الداخلية[8].
علاقة البرلمان بالرئيس: نتائج سابقة وسيناريوهات متوقعة
جاءت نتائج انتخابات 2010 عاكسة لطبيعة الحياة السياسية في ذلك الوقت، حيث ازداد نفوذ الحزب الوطني الحاكم أكثر وتم إقصاء التيار الديني المنافس للحزب الحاكم في الانتخابات وكذلك الأحزاب المعارضة الليبرالية منها والاشتراكية.
فقد اكتسح الوطني الغالبية العظمى من مقاعد مجلس الشعب في دورته العاشرة حيث استحوذ على 419 مقعدا بنسبة 83.1%، وتلتهم فئة المستقلين الذي حصلوا على 70 مقعدا، من بينهم مقعد وحيد لمرشح منتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما نسبته 13.9%، ولم تظفر الأحزاب المعارضة سوى بـ 15 مقعدا وهو ما يمثل 3% من إجمالي المقاعد.
وحين ذاك لم تأت النتائج بمفاجآت غير متوقعة سواء في محصلتها النهائية أو سياقها العام، وما اختلف فيه بعض المتخصصين هو المفارقة الحاصلة بين نسبة تمثيل جماعة الإخوان المسلمين في برلمان 2005 والتي وصلت إلى 20% وانخفاضها ليفوز عضو واحد فقط في الانتخابات، فهناك من اعتبرها مفاجأة وآخرون اعتبروا ذلك طبيعيا لما قامت به حكومة أحمد نظيف من تدابير وملاحقات لتتفادى تكرار نسبة التمثيل السابقة[9].
وفي المقابل تأتي التوقعات حول شكل البرلمان القادم لتسير في اتجاه واحد متفق عليه عند بعض المحللين، ونوجزها فيما يلي[10]:
- أن البرلمان القادم سيكون مفتتا، وليس هناك تكتل واضح، بغض النظر عن علاقته بالرئيس، مما سيسهل على الرئيس تمرير الحكومة الأولى، بحيث تكون له يد واضحة في المرحلة القادمة.
- ضعف حجم المعارضة داخل البرلمان المقبل وهو ما سيؤثر على سياسات البرلمان من خلال تعديل بعض القوانين، أو تحسين جودتها، ومن ثم فالمرجح ألا يكون هناك تغيير جذري.
- محدودية تمثيل الأحزب داخل البرلمان القادم، لما تعيشه الأحزاب من مأزق شديد بسبب قانون الانتخابات الذي قضى على التمثيل الجيد للأحزاب، نتيجة القائمة المطلقة. فضلا عن الأزمات الداخلية كالتى عصفت بحزب الوفد ولازالت مع حزب الدستور.
واختلف المحللون حول قوى الإسلام السياسي، فرأى البعض أن البرلمان القادم سيضم 10% من هذه القوى، معللين ذلك بأن جماعة الإخوان في أقصى حالات انكماشها على مر السنين كانت تمثل 10% من نسبة المقاعد في البرلمان. فيما رأى آخرون أن تيار الإسلام السياسي سيقتصر التمثيل فيه على الجبهة السلفية والتي ستواجه انحسارا كبيرا بفعل خبرة الناخبين السابقة حين اعتلائهم مقاعد البرلمان ووصولهم إلى رأس السلطة التنفيذية.
وفي ضوء الإطار السياسي الذي شهده المجال العام في 2010 ويشهده في 2015 والنتائج السابقة والمتوقعة لشكل البرلمان، تتشكل علاقة الرئيس بالبرلمان، وتظهر طبيعة هذه العلاقة. ففي عهد مبارك كان يبدو أن العلاقة بين رئيس ومرؤوس، وليست بين سلطتين كلاهما لديه شرعية وأدواته التنفيذية والتشريعية والرقابية، وربما يعود ذلك لضعف سلطات البرلمان أمام السلطة التنفيذية سواء كان من الناحية الدستورية، حيث لا يملك البرلمان محاسبة الرئيس وسحب الثقة منه أو من السلطة التنفيذية المتمثلة في مجلس الوزراء.
وفي حالة «منح» السلطة التشريعية حق سحب الثقة، تأتي الأغلبية التابعة لحزب الرئيس مبارك لتصوت برفض الاستجوابات وطلبات سحب الثقة من الوزراء، والتي تلزم بتصويت ثلثي أعضاء مجلس الشعب وفقا لدستور 1971م. وفي هذا السياق كان حزب الرئيس هو المسيطر في كافة دور الانعقاد على البرلمان، ويأتي تصريح مبارك بعد انتخابات 2010 ردا على قيام المعارضة ببرلمان موازٍ بـ«خليهم يتسلوا» ساخرا من خسارتهم في الانتخابات البرلمانية.
أما المشهد الحالي فقد يختلف على المستوى الدستوري كثيرا عن 2010، حيث بات لمجلس النواب دور في اختيار رئيس الحكومة، فضلا عن مراجعة المجلس لكل التشريعات التي يصدرها رئيس الدولة، وله الحق في رفضها إن شاء، وللمجلس حق عزل الرئيس كما للرئيس حق حل المجلس، وإجراء استفتاء شعبي على ذلك.
وعلى أساس هذا التغير تأتي ثلاثة سيناريوهات متوقعة لطبيعة العلاقة بين البرلمان والرئيس[11]، أولها: تعاوني؛ حيث تتسم العلاقة بين الرئيس ومجلس النواب بالتعاون والاتفاق بينهما، وذلك فيما يخص الأجندة التشريعية، والخطة والموازنة العامة للدولة وغيرها من التشريعات.
وفي ضوء ذلك تكون الأغلبية في البرلمان من الأحزاب المساندة والداعمة لـ30 يونية 2013، بالإضافة إلى المستقلين الذين ينتمون إلى التيارات القومية والليبرالية. وسيكون من السهل تشكيل الحكومة في ظل هذا التعاون، وتمرير ما يشاء من قوانين وهو أمر يخل بالعلاقة الطبيعية بين البرلمان والرئيس.
وثاني السيناريوهات: الشد والجذب؛ حيث يتبع كل من الرئيس والبرلمان سياسية «العصا والجزرة» تجاه الطرف الآخر، فتكون العلاقة بينهما يسودها شكل من أشكال التعاون في بعض الفترات تارة، ونوع من الجذب في فترات أخرى ولكنها لن تصل إلى حد الصدام، وهنا سيحاول كل طرف منهما إعمال حقوقه وسلطاته التي كفلها له الدستور.
ويتحقق ذلك إذا استطاع أحد الأحزاب أو الائتلافات تشكيل أغلبية برلمانية، وتدخل في عملية تشكيل الحكومة. وكذلك الاختلاف على وضع الأجندة التشريعية أو على تمرير بعض القوانين التي يري فيها الرئيس والحكومة ضرورية. وفي هذه الحالة سيكون لمجلس النواب دور مهم وفعال في تحقيق عملية التحول الديمقراطي.
وأخيرا تأتي المواجهة لتكون السيناريو الثالث والأقل احتمالية في الحدوث. ويتحقق وسط عدة احتمالات: الأول: هو حصول التيارات الإسلامية على أكثرية عددية في البرلمان، وتشكيلها للحكومة. والاحتمال الثاني: هو حدوث انشقاق بين القوي المدنية والليبرالية والمستقلين داخل البرلمان، وقيام هذه القوى المختلفة بالتكتل ضد الأجندة التشريعية للرئيس، وفي هذه الحال ربما يلجأ كل طرف إلى الدستور حيث يقوم الرئيس بتهديد البرلمان بالحل، ويسعى البرلمان لسحب الثقة من الرئيس وعزله.
- أماني مسعود وغادة موسى وآخرون، كمال المنوفي «محرر» ، دراسة تحليلية لانتخابات مجلس الشعب 2010، القاهرة، برنامج الديمقراطية وحقوق الإنسان، 2011، ص 155: ص 157.
- صحيفة الشروق، 14 سبتمبر 2015، العدد 2416، ص8.
- صحيفة المصري اليوم، 14 سبتمبر 2015، العدد 4109، ص10.
- الوفد يخوض معركة النواب بـ273 مرشحا، صحيفة الشروق، 14 سبتمبر 2015، العدد 2416، ص8.
- اليوم السابع، 5نوفمبر 2010.
- عمرو حمزاوي، ثمانية أسباب لدعوة المعارضة لمقاطعة انتخابات مجلس الشعب المقبلة، معهد كارنيجي، 12 سبتمبر 2010.
- الدولة ليست جادة في اجراء الانتخابات..واللجنة العليا عاجزة، صحيفة المصري اليوم، 14 سبتمبر 2015، العدد 4109، ص10.
- أحزاب مصرية ترفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية.. ما السبب؟، 17 سبتمبر 2015.
- مرجع سابق، كمال المنوفي «محرر» ، دراسة تحليلية لانتخابات مجلس الشعب 2010، ص 145 : ص150.
- ندوة التحالفات الانتخابية وتشكيل البرلمان القادم، المركز العربي للبحوث والدراسات، القاهرة.
- بوابة الوفد الإلكترونية، 26 فبراير 2015.