الشِّللية داخل غرف خلع الملابس: «عفريت» لا ينصرف
تمنح العبارة أعلاه متابع كرة القدم كل ما يحتاج إليه؛ تحمل بطياتها من الغموض ما يجعله قادرًا على تخطِّي أي قصور فنِّي آل بنهاية المطاف إلى خسارة مباراة مهمة أو حتى لقب كان في المتناول. لماذا؟ لأن الفريق مُفكك، أو مُقسم لـ «شِلل»، باللغة الدارجة.
هذه الجملة السحرية ساعدت جماهير برشلونة على تقبُّل سنواتٍ كارثية في انتظار اعتزال أبقار الفريق المُقدسة، ومكنت جماهير باريس سان جيرمان من فهم السبب الجنوني خلف عدم قدرة فريق يضم نجوم العالم على تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا ولو مرة واحدة، كما تعين جماهير الأهلي والزمالك المصريين بين الحين والآخر على غض الطرف عن حقيقة تردِّي مستوى الكرة المصرية بشكل عام وفتح مناقشات جديدة حول قدرة مجموعة بعينها من اللاعبين على إفساد عمل المنظومة التي يجب أن تبقى متحدة لكي تنجح.
والسؤال: هل تتحكَّم الزُّمر أو «الشِّلل» بالفعل في مستويات فرق كرة القدم؟ والأهم كيف يحدث ذلك؟
«إللي يحضَّر العفريت»
الحقيقة الأولى التي نحاول جميعًا تجاهلها هي أنَّ مصير أي فريق مرتبط بشكل أساسي بلاعبيه، الذين أصبحوا منذ وقتٍ طويل أكثر قدرة على إبداء امتعاضهم من بعض المسلمات؛ مثل ضرورة الانصياع لتعليمات المدرِّب أو تقبل انتقادات الجماهير اللاذعة.
كانت هذه المسلمات – قبل قانون بوسمان – سببًا رئيسيًّا في تحجيم أنا لاعب كرة القدم المحترف؛ لسبب بديهي جدًّا وهو أنَّ مستقبله المهني متعلق فعليًّا بمدى قدرته على تملُّق كل عناصر اللعبة، بغض النظر عن مستواه على أرض الملعب. وقتئذٍ كانت محاولة التمرد أشبه بتوقيع اللاعب على شهادة وفاته الكروية. أما الآن تبدَّل الحال تمامًا.
يعرف البعض هذه الظاهرة باسم «قوة لاعب كرة القدم»، التي قلصت صلاحيات المدرب، أو بمعنى أوضح، منحت اللاعب صلاحيات إضافية، يمكنه عن طريقها إبداء رأيه أمام الجميع دون خوفٍ، بعدما كان اللاعب مجرَّد طالب في مدرسة، لا يُتوقع منه أن يقف الند للند أمام أستاذه.
حاليًّا، يمتلك كل فريق، كبير أو صغير، مجموعة من اللاعبين الذين يمكنهم – إذا أرادوا – قلب حال النادي رأسًا على عقب. في الواقع، وجود «الشِّلل» أو الزُّمر ليس مستحدثًا، على العكس تمامًا، «الشِّللية» ظاهرة فطرية، تنشأ تلقائيًّا بمجرد اجتماع أي مجموعة من البشر في مكانٍ واحد.
هنا يجب علينا أن نطرح سؤالًا، وهو لماذا نمتلك جميعًا صورة ذهنية سلبية عن وجود «شلة» داخل فريق كرة قدم؟ هل يعني ذلك انهيار الفريق؟ الإجابة هي نعم ولا.
أن تحاول إرضاء الجميع
وظيفة المدير الفني مُعقدة للغاية، فإذا ما تغاضينا عن محاولته دراسة الخصوم تكتيكيًّا بشكل جيد، فالمشكلة الأولى التي يصطدم بها هي محاولته أن يوحد الفريق حول هدف واحد وهو الفوز. لكن كيف يمكنه النجاح في ذلك، في ظل استياء نصف قائمته – على أقل تقدير – من عدم اللعب في التشكيل الأساسي.
عند هذه اللحظة تبدأ المشكلة، إما أن يقرر المدرب الدفاع عن قناعاته، وإما أن يتنازل عنها خوفًا من تمرُّد «بعض الأسماء»، أو أن يحاول موازنة الأمور بين هذا وذاك، بشكل لا يخل بمصلحة الفريق بشكل عام. وفي الحقيقة أيًّا ما كان قرار المدير الفني، سيغضب البعض، ثم يتعاطف معهم البعض الآخر، لتبدأ «الشِّلة» سيئة السمعة في الظهور، منتظرة اللحظة المناسبة لهدم استقرار الفريق.
وجود الأحزاب داخل الفرق الرياضية أمر حتمي؛ بديهيًّا، يميل الرياضيون لعقد علاقات أكثر عمقًا بالزملاء الأقرب من حيث العمر، أو أصحاب نفس الجنسية، أو حتى أصحاب الاهتمامات المماثلة خارج إطار كرة القدم.
في دراسة نشرت في موقع «Human Kinetics» بعنوان «الزُّمر: تصورات الرياضيين»، أضافت المجموعة البحثية سببًا إضافيًّا لظهور الأحزاب أو الشلل داخل الفرق الرياضية، وهو ترابط الأفراد الذين يسعون إلى امتلاك نفوذ أكبر داخل الفريق.
هذه الفئة الأخيرة تحديدًا يمكنها طبقًا للدراسة التي تخللتها مقابلات مع 18 رياضيًّا بـ 9 رياضات جماعية مختلفة أن تؤثر سلبًا على نتائج الفريق بشكل عام.
في نفس الدراسة، ذكرت لاعبة كرة قدمٍ هاوية أنها لم تكُن ضمن الشِّلة الأكثر نفوذًا داخل الفريق، وبغض النظر عن شعورها بالنبذ خلال التدريبات والمباريات، وتأثير ذلك على أدائها كلاعبة بشكل عام، أضافت أن إحدى عضوات ذلك الحزب كانت تتعمد عدم استقبال تمريراتها داخل المباراة.
ربما يدور في رأسك الآن سؤالًا بديهيًّا، وهو أنه هل يمكن أن يحدث ذلك في مستوى احترافي؟ في الدوري المصري كمثال؟
على استحياء، حاول جيرو أن يخبرنا أن كيليان مبابي، نجم باريس سان جيرمان، يتعمَّد تجاهله داخل أرض الملعب. لكن ما السبب؟ هل لعدم الثقة في قدراته فقط؟ أم لأنه ليس صديقه بنزيما؟ لا ندري.
طبقًا لأحد لاعبي البريميرليج، الذي فضل أن تبقى هويته محجوبة، تتأثر علاقات اللاعبين خارج الملعب بعلاقتهم داخله، والأهم أن ما افترضنا أنه سلوك لا يمكن أن يصدر إلا من فتاة هاوية، يحدث في أفضل دوريات كرة القدم على الإطلاق: الدوري الإنجليزي الممتاز.
يقول اللاعب لصحيفة ذي أثلتيك: لن تصدق إمكانية حدوث ذلك في المستوى العالي، لكن الحقيقة هي كلما ارتفع مستوى المنافسة ازدادت قوة الزُّمر. في بعض الأحيان لا يمرر اللاعبون للاعبين معينين، لكن لا يرى المشجعون ذلك، ولا يمنحه الإعلام ثقلًا، إلا عندما تسوء النتائج.
أين ترى نفسك؟
يؤمن بعض المدربين بالطريقة الكلاسيكية في القضاء على «الشِّلل» داخل الفريق، سواءً كان ذلك بالترهيب أو الترغيب. فمثلًا، يرى الإيطالي كارلو أنشيلوتي، أن أولى مهامه كمدير فني هي تكسير الزُّمر، والإعلان صراحةً بأن اندماج عناصر الفريق كافة هو السبيل الوحيد للنجاح، حتى لو كلفه ذلك إقصاء من يحاول الإخلال بهذه القاعدة.
على الرغم من ذلك، يمنح أمثال أنشيلوتي بعض اللاعبين صلاحيات استثنائية داخل غرفة الملابس، لا لإقصاء من هم أقل نجوميةً، لكن لاستخدامهم كنماذج يُحتذى بها على مستوى الشخصية أو على المستوى الفني.
من جهة أخرى، يعتقد «فيل جاكسون»، مدرب كرة السلة الأمريكية الأسطوري، أن تأثير الزُّمر السلبي يظهر بسبب اهتمام الرياضيين بما عرفه بقاعدة الـ «Three M’s: Money-Minutes- Me»، بمعنى أن تكوين أي مجموعة لزمرة قد لا يمثل أي عائق أمام نجاح الفريق بشكل عام، بل نظرة كل عنصر داخل الفريق للأموال، الدقائق، السلطة التي يحصل عليها مقارنةً بزملائه. من ثم يبدأ في استخدام علاقته بالمقربين منه لتشكيل «الشلة السامة» التي قد تتسبب في نهاية المطاف في تراجع مستوى الفريق بأسره.
ربما يقودنا ذلك في النهاية إلى ضرورة التعامل مع الأخبار المتعلقة بتكوين لاعبي أي فريق على وجه الأرض لأحزاب داخلية، تضر بدرجات متفاوتة بالأداء الذي نشاهده على شاشة التلفاز بالمزيد من الجدية؛ لأن «الشللية» التي تبدأ كسلوك فطري بين أي مجموعة من البشر، قد تصبح فجأة الصخرة التي تتحطم عليها أحلام الجماهير.