«مفارقة الجد»، أو ماذا لو قَتَلتَ جدك في الماضي؟
ماذا لو قررت أن تسافر عبر الزمن للماضي، ليتسبب سفرك هذا في مقتل جدك؟ مفارقة الجد The Grandfather Paradox هي أشهر مفارقة فكرية متعلقة بالسفر عبر الزمن. وحاول الكثير الوصول لحل لتلك المفارقة التي تعتبر تناقضا مع إمكانية تحقيق فرضية السفر عبر الزمن.
مفارقة الجد «Grandfather Paradox»
هي مفارقة مطروحة تنتهي بعدم الاتساق بعد تغيير الماضي. تم وصف المفارقة لأول مرة في عام 1931، وكان اسمها حينها «الجدال القديم عن منع مولدك بواسطة قتل جدك»، ويعود استخدامها في أدب الخيال العلمي لأول مرة في عام 1933، في رواية «ناثينال شاكنر».
تكون المفارقة كالتالي: يعود المسافر الزمنيّ إلى الوراء ليلتقي جدّه قبل تعرّفه على جدته، ثم يقوم بقتله، وبالتالي لا يولد المسافر الزمنيّ حقًا، لكن إن لم يولد فكيف سافر إلى الماضي ليقتل جدّه؟
لا تقتصر المفارقة على منع الشخص ميلاد نفسه فحسب، بل تحصل في كل حدث يؤدي فيه السفر إلى الماضي إلى انعدام سبب السفر في المقام الأول. مثال آخر هو اختراع آلة زمن للقيام بمهمة معيّنة في الماضي، لكن بعد القيام بها سينعدم سبب اختراع آلة الزمن.
النظريات العلميّة
مبدأ الاتساق الذاتي لنوفيكوف:
يشرح المبدأ إمكانية السفر عبر الزمن إلى الماضي دون أيّة مخاطر أو مفارقات، حيث أنّ الفيزياء حول أو في “المنحنيّات الزمنية المغلقة” لا يمكن أن تتجاوز قواعد الفيزياء الخاصة بالكون، وأنّها ستسعى بطريق أو آخر لجعل الأحداث متسقةً مع الكون ومع ما جرى. فأيّ شيء سبق أن حدث، لا بدّ أن يحدث ولا يستطيع المسافر عبر الزمن أن يغيره مهما حاول. طرح سيث لويد وباحثون آخرون في MIT نسخة أكبر من مبدأ نوفيكوف، حسب مبدأ الاحتماليات لمنع المفارقات من الحدوث. تزداد غرابة النتائج كلما حاول الشخص مقاربة حدث أكثر أهميّة، حيث أنّ الكون يفضّل منع الأشياء المستحيلة.
العوالم الموازية
في هذه الحالة، قتل المسافر لجدّه يؤدي لخلق عالم موازٍ جديد يبدأ من تلك اللحظة التي عاد بها المسافر إلى الماضي، وفي ذلك الكون لا وجود للمسافر الزمنيّ حقًا، ولكن وجوده في عالمه الذي سافر منه لا يتغير أبدًا. وحسب هذا الحلّ، إن كان السفر عبر الزمن موجودًا حقًا، فإنّ الناتج هو عوالم موازية ذات «مستقبلات» مختلفة. هذا حتى يحدث في حالة قيام الشخص بالسفر للماضي وقتل نفسه، وهكذا يخلق عالمين متوازيين في الأول الشخص حيّ وسليم، بينما لا يوجد الشخص في العالم الموازي الجديد.
اعتبارات أخرى
بعض الآراء حول مفارقة الجد أدّت لظهور آراء سلبيّة حول السفر عبر الزمن، واعتباره متناقضًا في طبيعته الفعليّة. فحسب كتاب «Logical Reasoning» للفيلسوف «برادلي دويين»:
لكن يعتقد بعض العلماء والفلاسفة أنّ السفر إلى الماضي لا يحتاج أن يكون منطقيًّا حتى يكون موجودًا، وذلك بالاعتماد على مبدأ الاتساق الذاتي لنوفيكوف. حتى برادلي دوين قام بمراجعة رؤيته بعد محادثة مع الفيلسوف نورمان شفارتز.
الجديد في مفارقة الجد بين دويتش ولويد
حسب النسبيّة العامة، تشوّه الجاذبية الزمكان بواسطة الطاقة والكتلة، لذلك فإنّ حقل جاذبيةٍ كبيرٍ جدًا -كذلك المولّد من قبل ثقبٍ أسود- يمكن أن يشوّه الزمكان بشكل هائلٍ ليحنيه بذلك على نفسه ويشكّل ما يُعرف بالمنحى الزمنيّ المغلق TC : Closed Timelike Curve ، وهي حلقة يمكن استخدامها للسفر عبر الزمن والعودة بها لنقطة بدء المنحنى.
يرفض هوكينغ والكثير من الفيزيائيين نموذج CTC (كنا قد تكلمنا باختصار عنها في المفارقة الوجوديّة)، لأنّ الجسيمات الكبيرة المسافرة عبر هذه المنحنيات ستولّد تناقضات ومفارقات تحطم مفهوم السبب والنتيجة (Causality)، حيث لن نعلم حينها أيّ الحدثين أدّى إلى الآخر، لأنّ الحدث المستقبلي أدى لظهور السبب في الماضي.
حسب نموذج وضعه عالم الفيزياء النظريّة، «ديفيد دويتش – David Deutsch»، يمكن تجنّب هذه التناقضات المسببة من قبل CTC في المستوى الكمومي بسبب سلوك الجسيمات الأساسية التي تتبع قواعد مشوشة من الاحتمالات المختلفة بدلًا من الحتميّة المطلقة، لأنّ الجسيمات الأساسية، كالفوتونات، تتصرف كموجات وجسيمات، وأن هذه الجسيمات الدقيقة تخضع لعالم الاحتمالات المختلفة، ولا يمكن التحكم بها بدقة أو توقع نتيجة حدث ما بدقة.
قام فريق من الفيزيائيين باختبار نموذج دويتش لأول مرّة، ودارت محاكاتهم حول معرفة تعامل النموذج مع مفارقة الجدّ، لكن بدل اجتياز إنسانٍ لمنحنىً زمنيّ مغلق، تمّ إرسال جسيم أساسي ليعود في الزمن عبر مسار مدروس بحيث يقلب مفتاحًا على آلة توليد الجسيمات التي ولّدته ليشغّلها. إذا قلب الجسيم المفتاح، تقوم الآلة بإصدار هذا الجسيم -الجسيم ذاته- إلى ال CTC مرةً أخرى، إن لم يقلب المفتاح، لن تصدر الآلة شيئًا. في هذا النموذج لا يوجد شيء قطعيّ، فقط توزيع للاحتمالات.
بإسقاط رؤى «دويتش» على إنسانٍ بدلًا من جسيم، سيولد هذا الإنسانُ باحتمالٍ مساوٍ لـ 1/2 لقيامه بقتلِ جده، وسيكون لدى الجدِ احتمالٌ يساوي 1/2 أيضاً للهرب من الموت على يد حفيده، وهذا جيدٌ بما يكفي من وجهة نظرٍ احتماليةٍ لإغلاقِ الحلقة والخروجِ من مفارقة الجد.
درس الفريق محاكاة نموذج دويتش باستخدامِ التفاعلات بين أزواجٍ من الفوتونات المستقطبة في نظامٍ كموميّ مكافئٍ رياضياً لاجتيازِ فوتونٍ واحدٍ لـ CTC، فقامُوا بتشفيرِ الاستقطابِ بحيثُ يمثّل أحد الفوتوناتِ تفاعلًا سابقًا للفوتون الأول، فبدلًا من إرسالِ شخصٍ عبر حلقةٍ زمنيةٍ، نصنعُ شبيهاً مزدوجًا أصليًا لهذا الشّخصِ ونرسله عبر محاكي المنحنى الزمني، لنرى إذا كان المشابهَ الذي سيخرج من الحلقةِ يشبهُ تماماً الشخصَ الأصليّ كما كانَ في تلك اللحظةِ في الماضي بقياسِ حالاتِ الاستقطابِ للفوتونِ الثاني بعدَ تفاعلهِ مع الأولِ، برهن الفريق على نجاحِ فرضية الاتساقِ الذاتيّ «Consistency-Self» لدويتش، فقد كانَ الفوتون الثاني الخارجِ من محاكاةِ الـ CTC مطابقًا تمامًا للفوتون الأول عند المدخل.
في 2009 طرح سيث لويد، عالم الفيزياء النظريّة في MIT، حلّ أقل تطرّفًا من نموذج CTC في مفارقة الجدّ، وذلك باستخدام النقل الآنيّ الكمومي وأطلق عليه اسم ما بعد الانتقاء، وبمساعدة زملائه استطاع لويد أن يجري المحاكاة في المعامل لنموذجه في 2011، ويقول لويد:
يعترف لويد بأنّ طبيعة المنحنيات الزمنيّة المغلقة غريبة للغاية وأنّه لا يعرف إن كان نموذجه أو نموذج دويتش هو الصحيح فعلًا، بل ربما كما يعتقد هوكينغ، لا وجود أصلًا لCTC.
ماذا يعتقد هوكينغ إذًا؟ وهل هو حزين فعلًا لأنّ أحدًا لم يلبِ دعوته؟ نتعرف على ذلك في المقال القادم
- تمدد الزمن
- محاكاة تحل مفارقة الجد
- هل السفر للمستقبل ممكن؟
- مفارقات السفر عبر الزمن
- Time Travel & the Bootstrap Paradox Explained
- Professor predicts human time travel this century
- Stephen King’s Rules for Time Travel
- COSMONAUT SERGEI KRIKALEV, THE WORLD’S MOST PROLIFIC TIME TRAVELER
- Time travellers: please don’t kill Hitler