مدرعة النمر: فخر صناعة الدفاع تتحوَّل لتابوت متحرك
تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية خبر مقتل 7 من جنود الجيش الإسرائيلي داخل غزة. الخبر كان مملوءًا بالحسرة والتساؤل، ففقد الجنود في الحروب أمر طبيعي، لكن الذهول الإسرائيلي أتي من أن هؤلاء الـ7 كانوا في أقوى حصون الترسانة الإسرائيلية الحديثة، مدرَّعة النمر. فبجانب الحزن على مقتل الجنود، كان هناك رعب من أن تصبح المدرعة بلا جدوى.
مدرعة نمر تروِّج لها إسرائيل منذ لحظة ولادتها بأنها المُدرعة القَالبة للموازين. وأنها توفر أمانًا كاملًا لجنودها في أي حرب شوارع داخل أي منطقة. لكن كان لكتائب القسام رأي آخر، وحوَّلت تلك التحفة العسكرية إلى مقبرة لأبرز قوات النخبة الإسرائيلية. خصوصًا أنها بُنيت على هيكل الجيل الرابع، والأحدث، من دبابة الميركافا التي تصفها إسرائيل بأنها الدبابة الأشرس في العالم.
الصدمة الإسرائيلية أتت من أنها صممت النمر لتحمل مثل هذه الضربات بشكل أساسي. ففي عام 2004 كانت القوات الإسرائيلية قد توغلت في القطاع تبحث عن جثامين عدد من جنودها قتلتهم المقاومة في كمين لمدرعة من طراز إم 113. كانت رحلة البحث كمينًا آخر، ونجحت المقاومة في إصابة مدرعة أخرى من طراز كيو إم 113. في تلك اللحظة أدرك مهندسو الجيش الإسرائيلي، وصانعو أسلحته، أنهم بحاجة لناقلة جند جديدة.
سنوات من البحث والتجارب أفرزت للعالم قرارًا ببناء ناقلة جند مدرعة على طراز الميركافا 4. والهدف الأساسي أمام الجهة المنتجة هو عدم تكرار فضيحة عام 2004. ولضمان ذلك زُودت المدرعة بمعدات حماية إضافية، وأصبحت نظريًّا مضادة لصواريخ الآر بي جي. وتملك نظامًا دفاعيًّا ذكيًّا يمكنها من تحديد مصدر التهديد المقترب منها، ثم مهاجمته وتحييده.
يلزم للمدرعة 3 أفراد على الأقل لتشغيلها، ويمكنها حمل 8 أفراد. ويبلغ طول المدرعة الواحدة 9 أمتار، وعرضها قرابة 4 أمتار. وتزن الواحدة منها 60 طنًّا. ولتصميمها استعانت إسرائيل بشركة أوشكوش الأمريكية، شركة متخصصة في تصميم وصناعة الشاحنات المتطورة والمركبات العسكرية. لكن طوال الفترة الماضية، قبل استهداف المقاومة للمدرعة، كانت الصحف الإسرائيلية والأجنبية تقول إن النمر مصممة بالكامل في إسرائيل، وإنه جرى الاستعانة ببرامج حاسوبية متطورة لتصميمها.
كل تلك الإمكانات لا بد لها من ثمن باهظ، فأصبحت تكلفة المدرعة الواحدة تتراوح بين 3 و4 ملايين دولار، حسب ارتفاع أسعار توريد القطع المستخدمة في تصنيعها. لكن تلك التكلفة المرتفعة للغاية كانت سببًا رئيسيًّا في إبطاء عملية تصنيعها، خصوصًا أن إسرائيل ظلت فترة زمنية طويلة لا تحتاج إلى التوغل البري في أي مناطق خطرة.
لكن عادت إسرائيل إلى مكان تهديدها الأزلي، قطاع غزة. وبدأت حربًا عام 2014، تكبَّد الاحتلال فيها خسائر فادحة. حينها قرر القادة الإسراع في إعداد الناقلة النمر. نُفذت الناقلة الجديدة وباتت تتمشى في الشوارع تحت قيادة قوات محددة من النخبة الإسرائيلية فحسب. وظهر منها إصدار جديد لاحقًا يستخدمه سلاح المهندسين لاختراق العوائق الخرسانية.
كما قررت إسرائيل إصدار نسخة أكثر تطورًا تحت اسم النمر 2. النسخة كان مقررًا ظهورها عام 2022، وفيها تحسينات إضافية كزيادة قوة الموتور إلى 1500 حصان، الحالية تبلغ قوة محركها 900 حصان فحسب، وجعل إطلاق الرشاشات النارية يعمل باللمس. لكن لم تنتظر إسرائيل تلك التطورات وأدخلت المدرعة بنسختها التقليدية في الخدمة بدلًا من المدرعة زئيف، أي الذئب.
تستطيع النمر أن تسير بسرعة 55 إلى 60 كيلومترًا في الساعة، وأن تناور في مناطق التضاريس الصعبة والوعرة، وتحمل بجانب طاقمها في حالتها القصوى 8 أفراد. تتمتع المدرعة برؤية 360 درجة، ويستطيع من بداخلها مراقبة محيطها بالخارج كاملًا. كما أن مقعد السائق فيها يكون فوق عجلة القيادة، ما يعطي مجالًا أوسع للرؤية.
المدرعة بالطبع مزودة بنظام لتدوير الهواء، ومكيِّف هواء أيضًا. وبها نظام يسمح للإطارات بالتزود التلقائي بالهواء حال نقص الهواء الموجود بها لأي سبب. المدرعة بالكامل قائمة على فكرة بسيطة للغاية، ألا يضطر الجندي للخروج منها إطلاقًا. ولهذا السبب فيها فتحات صغيرة للقنص، ورشاشات مثبتة.
لكن إذا كان الخروج لحالة طوارئ، فالمدرعة مزودة بـ 5 مخارج للطوارئ، حال أُصيبت المدرعة بأي عبوة ناسفة أو صاروخ ويحتاج الطاقم لمغادرتها. وتجنبًا للاشتعال السريع تم طلاء هيكلها الخارجي بمواد بطيئة الاشتعال كي تؤخر من اشتعال النيران فيها حال مهاجمتها بمولوتوف أو أي مواد حارقة أو مشتعلة. كذلك تحاط المدرعة بألواح حماية تستطيع استقبال، أو امتصاص، طلقات الأسلحة الخفيفة مثل الرشاشات حتى عيار 2.62 ملم.
سوف تعيد الاستهدافات الحديثة الخبراء العسكريين للمربع صفر مرة أخرى، فبدلًا من الانشغال بإضافة رفاهيات جديدة على المدرعة، أو وضع أسلحة رشاشة بقدرات أعلى، فإن الخبراء سيعودون إلى النقطة الأولى، كيف تكون تلك الآلية محصنة ضد الاستهداف؟ فالبروباجندا التي أحاطت المدرعة قد تدمرت، وبعد أن كان الجند يشعرون بالأمان لمجرد وجودهم داخل مدرعة النمر، باتوا يشعرون أن الناقلة تقودهم لحتفهم، وأنهم يسيرون في تابوت متحرك.