بانوراما رمضانية: العقدة
من المعروف أنَّ الأعمال الدِّرامية بمختلف أشكالها تمرُّ بثلاث مراحل أساسية هي: البداية، والعُقدة، والنِّهاية. تتضمن مرحلة البداية التَّقديم للحبكَة الدِّرامية والشَّخصيات الأساسيِّة بالعمل، ثم مرحلة العُقدة التي تشهد ذُروة التصاعد الدرامي، وتنتهي بمرحلة النهاية التي تشهد التطور الأخير للأبطال والحبكة سواءً بحل هذه العقدة أو تركها مفتوحة سواءً للغرض الفنِّي، أو لمجرد طرح القضية اجتماعيًا.
يتنافس في هذا الموسم الرمضانيِّ 31 عملًا دراميًا من مختلف الألوان ما بين الكوميديا والحركة والتراجيديا وغيرها. اخترنا في هذا التقرير تسعةٌ من أبرز الأسماء المطروحة هذا العام، وسنقوم في الأجزاء الثلاثة لهذا التقرير بعرض مراحل التَّطور الدِّرامي المختلفة بهذه الأعمال، وكذا طرح توقعاتنا الشخصية لشكل هذا التطور ومآله الأخير.
ونّوس
لم يخيب المسلسل توقعاتنا عن مدى جودته فـ«عبد الرحيم كمال» و«شادي الفخراني» أنتجا تحفة فنية بروزها «يحيى الفخراني» بأدائه المبهر، ومبارياته التمثيلية مع باقي نجوم العمل، ربما كان الإيقاع بطيئًا إلى حد ما، ولكن تلك هي طبيعة العلاقة بين الإنسان والشيطان، فلا يحدث شيء تقريبًا في الحياة سوى أنه يغويهم ويمتثلون.
نتوقع في الجزء المقبل من المسلسل أن يتصاعد الصراع أكثر، ويخرج الإغواء من أن يكون بين الفرد ونفسه ليكون بين أفراد العائلة، وسوف يأخذ الصراع شكلًا أقسى عندما ينسى الجميع الأموال التي كانت السبب الأساسي في الصراع ويقتتلون على الضغائن التي بدأت تنشأ بسبب وسوسة «ونوس» في آذان أفراد العائلة.
أفراح القبة
كما كان متوقعًا، جاء المسلسل على مستوى الحدث، فكان التحدي الأصعب تحويل رواية لنجيب محفوظ لعمل درامي، ونجح صناع العمل في هذا التحدي، بداية من الطاقم التمثيلي الممتاز، خصوصا «إياد نصار» و«صبا مبارك» و«صبري فواز» و«صابرين» و«مني زكي»، و«جمال سليمان» على رغم من عدم إتقانه اللهجة المصرية ولكنه أتقن شخصية سرحان وصفاته الموجودة في الرواية. والعيوب لم تكن كثيرة، أخطاء في المكياج الخاص بالمرحلة الزمنية، وضعف بعض الممثلين عن ممثلين آخرين.نتوقع أن تستمر المسرحية في كشف المزيد من ماضي الأبطال ومعاناتهم وخطاياهم، وسنرى الكثير من الأحلام المهزومة، أحلام تحية وعائلتها وكرم وحليمة، وسرحان وطارق. ونتوقع أن تتنبأ المسرحية بالمستقبل، فعباس كرم مؤلف المسرحية وقاتل تحية، سيقرر الانتحار، بسبب عدم قدرته على كتابة نص مسرحي بروعة أفراح القبة، وبهذا المشهد تنتهي المسرحية والمسلسل.
القيصر
المسلسل بشكل عام مقبول، فقصته مشوقه وأحداثه سريعة، بالإضافة إلى النهايات الجيدة للحلقات. أداء «يوسف الشريف» مميز، تصميم السجن والمعارك متطور بشدة.علي جانب آخر فالمسلسل مليء بالمغالطات على مستوى النص، من حيث عدائه لمنظمات حقوق الإنسان ومحاولة شيطنتها في مقابل تمجيده للشرطة، وعدم منطقية بعض الأحداث.توقعنا في الجزء الأول أن الحبكة الرئيسية ستدور حول مطاردة الشرطة للقيصر، الذي قام بالعديد من العمليات الإرهابية، وأثناء الهروب سيتم التعرف على الكثير من الشخصيات التي ستطارد القيصر أو ستساعده. ولكن المسلسل خالف هذا التوقع، فالقيصر كان يريد دخول السجن، ولم يكن متورطًا في عمليات ارهابية، وتم الاستعانة به من قبل رجال الشرطة للمساعدة في الصراع بين منظمات حقوق الإنسان التي ترغب في العديد من المكاسب المالية او السياسية، ورغبة الشرطة في نزع الإرهاب من مصر.نتوقع في الأحداث القادمة، كشف مزيد من الحقائق عن حياة القيصر السابقة، ومساعدته لرجال الشرطة في وأد مخطط «الدساس» والمنظمات الحقوقية والمؤامرات الأجنبية، وسينتهي المسلسل بارتباط يوسف الشريف بريهام عبد الغفور بعد قصة حب متوقعة.
سقوط حر
المسلسل بشكل عام جيد جدًا من ناحية الصنعة فلا يمكنك أن تأخذ أخطاءً على المخرج ولا على السيناريو ولا حتى على الديكور، هناك فقط ملحوظة وحيدة هو أن تطور الأحداث في العشر حلقات الأولى لم يكن متوازيًا مع تطور الشخصيات، فتتابع الأحداث ينبئك أن شهورًا عديدة مرت، ولكن التصاعد الدرامي كان بطيئًا.كنا قد توقعنا في البداية أن تتقاطع قصة البطلة «ملك» مع باقي قصص نزيلات المستشفى، ولكن لم يتحقق هذا فالقصص كانت تروى بشكل متوازٍ، والتقاطعات الحقيقية مع الشخصية الرئيسية هي تقاطعات الشخصيات الموجودة خارج المستشفى مع البطلة الأساسية «نيللي كريم».نتوقع في الجزء المقبل أن تبدأ الأحداث في الوضوح أكثر، فهناك مؤشرات تجعلنا نتوقع أن يكون «سليم» الشهم طيب القلب متورطًا في الجريمة الأساسية التي اتهمت فيها «ملك» وأنه لا يريد لها أن تتعافى حتى لا تنكشف جريمته، وأنه استغل مرضها النفسي ليلفق لها التهمة، وأن المستشفى التي أدخلها لها مؤخرًا متواطئة معه بشكل أو بآخر، نتوقع أيضًا أن تكون «سهام» أم «ملك» هي المخلص لها بشكل أو بآخر، وفي كل الأحوال فإننا نتمنى لآدم أن تعود حياته لتكون شبه طبيعية وألا يتعذب أكثر.
رأس الغول
المسلسل جيد كما كان متوقعًا، به الكثير من مواطن القوة، ولكنه لن يبلغ مرحلة الأعمال التي ستبقى في الذاكرة. أداء قوي ومتوقع من الساحر «محمود عبد العزيز»، حيث استطاع إضافة الكثير من الكوميديا،الإخراج أيضا مميز، فكما توقعنا ومنذ اللحظة الأولى يستعرض «أحمد سمير فرج» قدراته الإخراجية، سواءً بإتقانه لتصوير الأماكن الشعبية، وواقعية المطاردات، ورؤيته البصرية التي توقعنا بعض ملامحها في مقال البداية. لم يخلُ المسلسل أيضًا من الجوانب السلبية حيث يعاني من بعض الأحداث التقليدية، فأغلب الأحداث برغم سرعتها ولكنها متوقعة منذ اللحظات الأولى، كذلك عدم ظهور أداء لافت سوى من محمود عبد العزيز، برغم امتلاء المسلسل بالنجوم.توقعنا في الجزء الأول أن تدور حبكة المسلسل حول «درويش» النصاب، الذي يستطيع الخروج من المواقف العصيبة بأكبر المكاسب الممكنة، ولكن المسلسل خالف توقعنا، فمحمود عبد العزيز لم يكن نصابًا، بل هو شخص يعمل في محل للأجهزة الإلكترونية، ويشتري مساعده «تابًا» مسروقًا، وللصدفة يكون التاب خاصًا بوزيرة الصحة، ويتم محاولة تعقب التاب ومطاردة درويش من قبل الشرطة، وعندما يذهب درويش للوزيرة تتعرض لمحاولة اغتيال فتوجه إليه الاتهامات.نتوقع نهاية تقليدية للمسلسل، فدرويش سيتطيع إثبات براءته، وستجمع بينه وبين الوزيرة علامات الإعجاب والتقدير.
مسلسل مأمون و شركاه
جاءت نتيجة مشروع «عادل إمام» و«يوسف معاطى» متوقعة للغاية، حتى الآن دارت أحداث المسلسل حول «مأمون» الرجل البخيل الذي تكتشف أسرته امتلاكه أموالًا طائلة، كما توقعنا في الجزء الأول من هذا المقال، لا جديد يذكر ولا أحداث تفاجئنا، ولا حتى خط منطقي تكلف “يوسف معاطى” عناء رسمه، حتى أنه ارتكب مغالطة منطقية فادحة ليبرر كشف البنك عن ثروة مأمون، حينما افتعل حريقًا مفاجئًا أدى في النهاية لخروج خبر امتلاك مأمون لأموال طائلة من خلال شاشات الإعلام وهو أمر لا يمكن حدوثه في الواقع نظرًا لأن البنوك لا تكشف أرقام وتفاصيل حسابات عملائها بمثل هذه البساطة.على جانب آخر ننتظر في الحلقات المقبلة دخول مأمون السجن كما رأينا في إعلانات المسلسل التي سبقت رمضان، كما نتوقع انتصار البطل في النهاية بشكل معنوي حيث سيتحول لشخصية أفضل تعيد جمع أسرتها حولها من جديد، ويبدو جليًا أن هذا سيتم تحقيقه بمواجهة مفتعلة أخرى مع السفارة الأمريكية التي تريد أن تشتري منزل الأسرة. يجدر الإشارة إلى المعالجة السطحية المتكررة التي يقدمها يوسف معاطي لشخصية المتدين أو الإرهابي المحتمل التي ظهرت كزوج لبنت مأمون. مرة أخرى لا مبرر لمشاهدة هذا المسلسل سوى العشرة بين الجمهور وبين تجاعيد وجه عادل إمام.
مسلسل الكيف
يحاول المسلسل جاهدًا حتى الآن الابتعاد عن خط الفيلم الدرامي الذي يحفظه الجميع، ولكن كل هذا لا يشفع له عند جمهوره الذي يظل يقارن بين أبطاله وبين أبطال الحكاية الأصليين.كما توقعنا نجح باسم سمرة في جذب الانتباه إليه في دور «مزاجنجي»، على الأقل بصورة أكبر من «أحمد رزق» الذي يشاركه بطولة العمل. لم ينجح العمل حتى الآن في جذب مشاهدات تليق باسم «الكيف» وهذا ما ينبئ بفشل خلطة إعادة إنتاج الأعمال الدرامية التي نجحت في عقود سابقة. حتى الآن درات أحداث المسلسل حول رسم الخط الدرامي الخاص بتورط الدكتور في صنع خلطة المخدرات برفقة أخيه المزاجنجي. ننتظر في الحلقات المقبلة أن تنتهي الحبكة بعد أن وافق أخيرًا «دكتور صلاح» على صنع خلطة الأعشاب التي عرف أن «البهظ» يضيف لها خلطة من المخدرات الأشد تدميرًا للجهاز العصبي وكل ذلك إثر ضغوط الحياة عليه وتهديده بالحبس. النهاية ربما ستأتي أخيرًا بسقوط والدتهم التي أدمنت الترامادول دون قصد في الحلقات السابقة في تجربة “الخلطة” التي صنعها أبناؤها بأيديهم.
شهادة ميلاد
رغم أن الدراما المصرية لم تقتحم عالم المسلسلات الحركية سوى مؤخرًا، إلا أن المسلسل جيد على هذا المستوى، حيث أنه لا يعتمد على الأكشن فقط وإنما أيضًا اهتم صُنّاعه بأن يكون أداء الممثلين راقيًا ولا يركن إلى الاستسهال. وكما توقعنا فإن الضابط الشريف بطل العمل يكتشف سرًا خطيرًا عن نسبه، وهو أن والده الحقيقي هو المحرك الأساسي للقضية التي يلاحقها «علي» والتي قُتل فيها عشرون ضابطًا من زملائه على يد تاجر سلاح كان مموله الأساسي هو «يحيى نصير» والد علي.
نتوقع في الجزء المقبل أن يضحّي طارق لطفي بكل شيء في سبيل غسل روحه من ذنوب والده، عن طريق تحقيق العدالة حتى بعد إغلاق القضية بشكل رسمي، وأن يكون انتقامه هو السبيل الوحيد لتهدئة ضميره حتى لو خسر في سبيل ذلك عمله وحياته كلها.
هي ودافنشي
وسط زحام رمضان نجح مسلسل «هي ودافنشي» في جذب انتباه الجمهور ويبدو أن صُنّاعه قدا استطاعوا الإجابة على السؤال الذي طرحناه في مقالنا السابق ألا وهو كيف ستجد الدراما طريقها بين الانفجار المسرحي المتوقع لخالد الصاوي وبين الأداء التمثيلي الناعم لليلى علوي، وقد نجحت الخلطة حتى الآن في اعتمادها على أسلوب التواصل بالخواطر بين بطلي العمل، كما نجحت الحبكة في رسم خطوط متشابكة بينهم.ننتظر في الحلقات المقبلة أن تتطور الأحداث بشكل سريع كما حدث حينما انتصفت أحداث المسلسل بلقاء شخصية المحامية وشخصية الرسام المحبوس في دهاليز أحد المعتقلات، ومن هنا يظهر سؤال جديد، هل سينجح صناع هذا العمل في ختامه بصورة جيده تُرضي شغف جمهورهم خاصةً بعد أن رفعوا توقعاته إلى حد السماء. نتوقع أن يختار صناع الفيلم نهاية سعيدة تنتهي بـ«دافنشى» حرًا ليلتقي بـ«كارما» أخيرًا دون ساتر أو لثام لتتحقق نبوءة المسلسل وعنوانه في آخر حلقاته، هي ودافنشي أخيرًا سويا، في الواقع وليس في الخيال.