دبلوماسية الباندا: الدببة الظريفة في مهمة رسمية
محتوى مترجم | ||
| المصدر |  | |
| التاريخ | ||
| الكاتب | ||
قبل عقد مضى، ارتحل وانج وانج وفوني من الصين، وحطا رحالهما في أستراليا. لعل أفضل ما توصف به علاقتهما هو التعقيد؛ ذلك أنهما لم يقدرا على التناسل، بالرغم من المساعدة الطبية المكثفة، وترك هذا سؤالًا معلقًا عما إذا كان سيُسمح لهما بالبقاء في أستراليا.
إن مصير حيواني الباندا العملاقين ربما يتوقف الآن على نتيجة الانتخابات الاتحادية؛ فالاحتفاظ بهما في حديقة حيوان أديلايد يُكلف الحكومة الصينية مليون دولار سنويًا، بيد أن حزب العمل الاتحادي وعد بتحمل التكلفة لسنوات خمس، لكن مصير الائتلاف الحاكم نفسه لم يزل غائمًا بعد.
إنه مجرد فصل آخر في قصة نوع مميز في عالم الأحياء، حيث تطغى السياسة والاقتصاد والدبلوماسية الدولية على اعتبارات الحفاظ على النوع.
برنامج تربية الصيد
تُعير الصين حاليًا (أو تُؤجر) حيوانات الباندا لـ26 حديقة حيوان في 18 دولة، وآخر تلك الحدائق انضمامًا إلى القائمة حديقة أهتاري في فنلندا، التي استعارت في 2018 زوجًا من الباندا لمدة 15 عامًا، فيما انتظرت حديقة حيوان كوبنهاجن في الدنمارك بلهفة زوجًا آخر، يُفترض أنه وصلها في أبريل/نيسان 2019.
من الناحية الرسمية، فإن كل ذلك جزء من برنامج تربية الصيد للمساعدة على حماية الأنواع من الانقراض. ومع أن حالة الحفاظ على الباندا قد تحسنت من «مهددة» إلى «هشة» في 2016، فإن عدد المتبقي منها يترواح بين 500 و1000 باندا بالغة مطلقة في البرية، محمية في ست سلاسل جبلية معزولة في جنوب وسط الصين.
كذلك فإن المحميات المخصصة للباندا حول العالم – والبالغ عددها 67 – محمية – تزيد من احتياطي الباندا لدى الصين، فأي صغار يولدون في الخارج هم ملك للصين، ويعودون إليها في أغلب الأحوال لضمهم إلى برنامج تربية الصيد.
لكن عدد مواليد الباندا في حدائق الحيوان لطالما كان ضئيلًا للغاية، وحسبما يقول بيل ماكشيا، العامل في مؤسسة سميثسونيان والملقب بـ«رجل الباندا»، فإن حيوانات الباندا المطلقة في البرية لا تعاني من مشكلات كبيرة في التزاوج والتغذية، لأنه «في البرية، تنتشر تجمعات من ذكور الباندا بطول قمم الجبال خلال فصل الربيع، وتظل أنشطة التزاوج مستمرة وكثيفة بفضل زيارات الإناث في مواسم الدفء».
لا يمكن لحدائق الحيوان توفير هذه الظروف. ولأن حيوانات الباندا العملاقة تميل إلى العزلة بطبيعتها، فإنها تسكن وحيدة باستثناء بضعة أيام قلائل كل عام، حين تكون الإناث مستعدات للتزاوج، وعمليات التزاوج الطبيعي للباندا نادرة أصلًا في حدائق الحيوان، لأن اختيار الشريك غير متاح في الأسْر، ومعظم المواليد يكونون نتاج عمليات تلقيح صناعي.
اعتبارات التجارة
لا نقصد القول هنا إن توطين الباندا في حدائق الحيوان لا يحافظ على بقائها، لكن يبدو أن أهدافًا استراتيجية أخرى – مثل تبييض وجه الصين وتعزيز علاقات التجارة- تحكم أمورًا كهذه.
وعلى سبيل المثال، فقد دُشنت حظيرة الباندا الجديدة بحديقة حيوان تيربارك في برلين قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين الكبار في هامبورج عام 2017، وحضرت الافتتاح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الصيني شي جين بينج، وتم تفسير الحدث باعتباره إقرارًا من الصين بوضع ألمانيا كمنافس للولايات المتحدة على قيادة العالم الغربي.
وفي 2012، جرى ربط إعلان الصين عن نيتها إرسال أربعة حيوانات باندا إلى حديقتي حيوان تورنتو وكالجاري في كندا بمباحثات تجارية ناجحة حول اتفاقية لحماية الاستثمارات الأجنبية، توجت مفاوضات امتدت لعشرين عامًا. كما جرى ربط استقبال حيواني باندا في حديقة حيوان إدنبره الإسكتلندية باتفاقيات تجارية بقيمة مليارات الدولارات.
أما إعارة الباندا لحديقة حيوان أديلايد، فكان من أعلن عنها هو الرئيس الصيني هو جينتاو بنفسه، خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي في سيدني عام 2007، وفي اليوم ذاته أعلن رئيس الوزراء الأسترالي جون هوارد والرئيس هو جينتاو خططًا للشروع في «حوار أمني» سنوي.
دبلوماسية الباندا
يُعتقد أن دبلوماسية الباندا قد نشأت في القرن السابع، عندما أهدت إمبراطورة الصين وو زيتان زوجًا من الباندا لليابان. وفي القرن العشرين، تبنى الزعيم ماو تسي تونج دبلوماسية الباندا، وأهدى بعضها لدول شيوعية صديقة. وعندما ذهب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1972، أهداه دينج شياو بينج اثنين منها.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت هدايا الباندا الثمينة تُوجه إلى الدول الرأسمالية الغنية، لسببين في الواقع؛ أولهما، أن الصين استخدمت الباندا لتحسين صورتها وتعميق العلاقات مع دول قادرة على إمدادها بموارد وتكنولوجيا ثمينة، ويمكن القول إن هذا يجري في إطار ممارسة القوة الناعمة.
السبب الثاني، أنه منذ زلزال سيشوان المدمر عام 2008، استخدمت الصين عوائد إعارات الباندا لتمويل جهود الحماية المحلية وترميم منشآت حماية الباندا المتصدعة، وإجراء أبحاث علمية عملاقة حول الباندا.
السلاسل المالية
بالنسبة لحدائق الحيوان المضيفة، فإن الاحتفاظ بالباندا أمر مكلف، وهو ما تشعر به حديقة حيوان أديلايد حتى مع تحمل الحكومة نفقة تأجير الباندا البالغة مليون دولار سنويًا، فمنذ البداية لجأت الحديقة إلى الاستدانة لبناء حظيرة باندا مجهزة (كلفتها نحو 8 ملايين دولار).
إن العناية بكل حيوان باندا يكلف أيضًا مئات الآلاف من الدولارات كل عام، وتكاليف الاحتفاظ به في حدائق الحيوان هي الأعلى على الإطلاق، وتبلغ نحو خمسة أضعاف تكاليف الاحتفاظ بفيل.
الطعام وحده صداع لوجيستي؛ فحيوانات الباندا العملاقة ليست من آكلات العشب، لكنها لسبب ما أحبت مذاق نبات الخيزران منذ ستة آلاف عام، وتوقفت عن تنويع طعامها، بما في ذلك تناول اللحوم، لكن الخيزران ليس غنيًا بالعناصر الغذائية، وفوق ذلك فهو عسير الهضم، مما يعني أن الباندا يجب أن ينال قسطًا من الراحة بعد تناوله.
يمكن لحيوان الباندا البالغ أن يأكل 12 كيلوجرامًا من الخيزران الطازج يوميًا، ولأنها حيوانات نهمة فقد تحتاج إلى أكثر من ضعف هذه الكمية.
كل هذا يعني أن حيوانات الباندا يجب أن تخضع للتقييم كمشروع تجاري. هل سيعود هذا الاستثمار بأرباح؟ هل ستجتذب الباندا إلى حديقة الحيوانات عددًا من الزوار كفيلًا بتغطية نفقات إعاشتها؟
لقد كان لدى حديقة حيوان أديلايد توقعات متفائلة، سرعان ما تبين مدى مبالغتها؛ فككل حديقة حيوان وصلتها حيوانات باندا، شهدت أديلايد طفرة سريعة في عدد الزوار، لكن بحلول عام 2010 عادت الأمور إلى مستويات ما قبل الباندا.
وتبين أن فوني ووانج وانج لن يضيفا 600 مليون دولار إلى اقتصاد جنوب أستراليا على مدى عقد كما كان متوقعًا، وبلغت أرباحهما في أفضل عام 28 مليون دولار، لكن ميلاد باندا صغير جديد قد يحسن الأمور نوعًا ما.
ما وراء القيمة المالية
يسهل الآن معرفة لماذا يطلق البعض على حيوانات الباندا اسم الأفيال البيضاء، لكن دعنا أولًا نقف قليلًا عند فضل هجرة الباندا في إبعاد شبح الانقراض عنها، فالأموال التي تجنيها الصين من إعارات الباندا تُنفق على أبحاث ومشروعات للحافظ على النوع في محميتي بيفانجشا ووولونج بمقاطعة سيشوان الصينية.
هناك أيضًا القيمة الكامنة في وجود حراس حدائق الحيوان الأسترالية، والأطباء البيطريين والعلماء، وكلهم يشكلون جزءًا من شبكة معرفة عالمية.
إننا لا نعرف الكثير بعد عن سلوك الباندا والتأثيرات البيئية التي تعرضها للخطر، لكننا قدمنا إسهامًا صغيرًا بأبحاثنا لتخفيف الضغط عن حيوانات الباندا العملاقة حبيسة الحدائق، وحال بقاء فوني ووانج وانج في أديلايد، يمكن للحديقة أن تضيف علمًا قيمًا.
وكعلماء يهتمون بالحيوانات ورفاهيتها، نعتقد أنه من المهم تذكّر أن فوني ووانج وانج ساعدا في ربط مئات الآلاف من الأطفال والبالغين بالطبيعة.
إن لحيواني الباندا العملاقين هذين شخصيتيهما المميزتين، وصلاتهما الحميمة بالأشخاص الذين يعتنون بهما يوميًا. الطبيعة ليست مجرد قيمة اقتصادية، وإنما هي حيوية لبقائنا واستمرارنا. إن لم تكن قد زرت فوني ووانج وانج، فلا تفوت الفرصة متى استطعت.