كسر قيود الاحتلال بالعلم: مدرسة فلسطينية تحظى بدعم هوكينج
يعد تنظيم مدرسة علمية رفيعة المستوى، تغطي أبرز الموضوعات المعاصرة في مجال ما، بمشاركة جامعات ومختبرات عالمية، وإلقاء علماء بارزين من أكبر جامعات العالم أمرًا غير اعتيادي؛ خاصة إذا كانت مخصصة لطلاب الدراسات العليا فقط.
يزداد هذا التحدي عندما تنعقد هذه المدرسة في إحدى الدول النامية، ويتضاعف عندما تقام هذه المدرسة على الأراضي الفلسطينية، الدولة التي تعاني من احتلال، يفرض قيودًا على تبادل الطلاب والأكاديميين.
هوكينج يدعو لدعم المدرسة الفلسطينية
إنها «المدرسة الفلسطينية في الفيزياء المتقدمة»، التي دعا ستيفين هوكينج، عالم الفيزياء النظرية بجامعة كمبردج، متابعيه على صفحته بشبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إلى دعم مبادرة للتمويل الجماعي؛ لإقامة الدورة الثانية من المدرسة الفلسطينية هذا العام.
لطالما أعلن العالم البريطاني المشهور، والذي يشغل أيضًا منصبًا باللجنة الاستشارية الدولية بالمدرسة، تأييده منذ فترة طويلة لفلسطين وباحثيها الشباب وجامعة بيرزيت. فقد حاضر فيها عام 2006، بوجود مئات من أعضاء هيئة التدريس والضيوف، وآلاف من الطلاب، وانضم لقائمة الأكاديميين المقاطعين لإسرائيل.
علماء حول العالم يجتمعون من أجل فلسطين
طلاب الدفعة الأولى من المدرسة
تمتاز فلسطين بأعلى نسبة للطلاب المسجلين بالجامعات في جميع الدول العربية بين عمر 18 و24 سنة، وهو يزيد بنحو 10% عن المتوسط. بجانب أن نصف هؤلاء الطلاب من الإناث، وهي من أعلى النسب في العالم.
تواجه فلسطين عددًا من التحديات التي تعوق تطورها في مجال العلوم، لاسيما الفيزياء؛ بسبب الاحتلال. لكن فلسطين، التي تولي التعليم اهتمامًا خاصًا، تشهد نموًا متزايدًا في قطاع العلوم، بتوقيعها اتفاقيات مع عدد من الجهات البحثية والأكاديمية، على النطاق المحلي والعالمي.
ولهذا تأسست منظمة «علماء من أجل فلسطين» عام 2016، وتضم مجموعة من العلماء الدوليين يسعون إلى تعزيز العلم في فلسطين، والتي وقعت اتفاقية تعاون مع «CERN»، المختبر الأوروبي الرائد عالميًا في فيزياء الجسيمات؛ لعقد المدرسة الفلسطينية الأولى في الفيزياء المتقدمة «PAPS» بالتعاون مع جامعة بيرزيت، خلال 26 و28 من يوليو/ تموز 2016، بتمويل مشترك من مختبر سيرن و«مؤسسة تبادل المعرفة»، وأقيمت فاعلياتها في الجامعة العربية الأمريكية في جنين بالضفة الغربية.
حضر المدرسة 30 طالبًا بمرحلة الماجستير من جامعات فلسطينية؛ لتلقي محاضرات، وممارسة أنشطة حول مختلف المواضيع المعاصرة في الفيزياء، ألقاها علماء وخبراء بارزون عالميًا من جامعات، مثل كينجز كوليدج، وسينسيناتي، وأمستردام، وساوثامبتون، وكمبردج، وتتشارك جميعها الجهود للتغلب على القيود التي يفرضها الاحتلال، بالأخص تلك الموجهة ضد العلماء، وتطورهم، وإجهاض فرص تعاونهم وتفاعلهم مع العالم.
وناقشت أحدث التطورات والأبحاث والفرص في الفيزياء المعاصرة، وتعرضت لعدد من الموضوعات في ورش عمل لحل المشكلات، وتطبيق للدروس العلمية، بجانب عدد من الفرص، التي عادة لا تتوافر في المناهج الجامعية الاعتيادية لهؤلاء الطلاب.
نجاح وقبول محلي وعالمي
لاقت المدرسة زخمًا إعلاميًا عالميًا من مختلف وسائل الإعلام المحلية والعالمية وداخل المجتمع العلمي وخارجه.
«حققت المدرسة نجاحًا كبيرًا»، هكذا قال ديفيد مارش بجامعة كمبردج، وأحد المنظمين الدوليين للمدرسة، وأضاف: «كنا، منظمين ومحاضرين، سعداء للغاية بنتائج المدرسة، وحفل الاستقبال لزملائنا العلماء العالميين؛ الأمر الذي كان إيجابيًا للغاية». وأشار مارش إلى أن هذا «كان تشجيعًا كبيرًا لنا جميعًا لمواصلة عملنا في دعم تطوير العلوم في فلسطين».
وهو ما رآه الطلاب المشاركون أيضًا، فقالت وعد عوض، طالبة ماجستير الفيزياء في جامعة بيرزيت «إن حضور المدرسة الفلسطينية الأولى في الفيزياء المتقدمة تجربة رائعة». وأفادت: «نشعر بأننا محظوظون لحصولنا على فرصة كي نحسن من معرفتنا الفيزيائية.. ونقابل علماء من جميع أنحاء العالم.. بجانب إمكانية أن نتدرب في مختبر SESAME أو سيرن».
الاحتلال يمنع طلاب وعلماء من حضور المدرسة
واجه بعض الطلاب قيودًا منعتهم من الحضور، رغم قبولهم بالمدرسة، فمنعت قوات الاحتلال طالبًا وعالمين من إلقاء محاضراتهما، والسفر من الجامعة الإسلامية في غزة إلى جنين، بجانب طلب عدم الكشف عن هوياتهم، ما وصفته منظمة «علماء من أجل فلسطين» بالانتهاك الصريح لحقوق الإنسان.
إلا أن المنظمة أكدت موقفها بضمان المساواة في حقوق الإنسان، على الرغم من القيود، والمصاعب التي سببها الاحتلال، وذلك في بيانها الذي أصدرته في نهاية شهر يوليو/ تموز عام 2016.
فذكرت في بيانها أنه وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، وتنص المادة 26 على أنه «يجب أن يكون التعليم العالي متاحًا على قدم المساواة للجميع على أساس الكفاءة»، وأفادت أنها تشعر «بالأسف الشديد لما نراه من انتهاك للحق في التعليم مرة أخرى من قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين».
وأشارت: «للتغلب على القيود المفروضة على السفر، بث (علماء من أجل فلسطين) برنامج المدرسة للجامعة الإسلامية في غزة».
أعربت المنظمة كذلك عن أسفها لما تقترفه قوات الاحتلال من تخريب لجامعة بيرزيت، واقتحامها مرة أخرى، فنحو 25% من الطلاب، وأعضاء بارزين في اللجنة المنظمة كانوا من الجامعة. وأضافت: «نشعر بحزن عميق لما نراه من عرقلة الاحتلال المستمرة للمعلمين والطلاب في سعيهم للحصول على المعرفة».
كاميرا: «فلسطين ليست إلا هدفًا، والجمعية الفيزيائية تضلل متابعيها»
إلا أن الأمر أثار حفيظة المجتمع الإسرائيلي فكتبت منظمة «CAMERA»، المعنية بتعزيز التغطية الإعلامية الدقيقة والمتوازنة والكاملة عن إسرائيل والشرق الأوسط، قائلة: «إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحدث سياساتها تنوعًا ونطاقًا كبيرًا لاستفادة جميع سكانها من التعليم العالي، بما في ذلك الأقلية العربية في المنطقة». وذكرت أن مقال «الجمعية الفيزيائية الأمريكية»، إحدى أبرز المنظمات العلمية العالمية، يضلل أعضاءها بشأن إسرائيل.
وأشارت إلى أنه في ظل غياب الوصول لاتفاق حول المفاوضات الجارية مع إسرائيل، وفقا لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و 338 لعام 1995، فيما يخص الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية المؤقتة والمعاهدات ذات الصلة، فإن «فلسطين» مجرد «هدف» فقط.
وأضافت أن المصدر الذي استقت منه الجمعية معلوماتها يعود لمجموعة «غير موثوق بها»، تدعى «علماء من أجل فلسطين»، التي تبدو كما لو أنها ظهرت فجأة إلى حيز الوجود، على حد قول المنظمة.
وأضافت: «يوحي المقال خطأ بأن قطاع غزة محتل من قبل إسرائيل، هذا غير صحيح بكل ما تعنيه كلمة «محتل»؛ فقد انسحبت إسرائيل من جانبها، وبشكل كامل من قطاع غزة في عام 2005».
ودعت المنظمة إلى ضرورة إبلاغ أعضاء الجمعية الأمريكية بأن «إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة على النمط الغربي في الشرق الأوسط، وذات مجتمع منفتح ومتقدم تكنولوجيًا، ويتمتع أفراده المسيحيون والمسلمون واليهود بحقوق متساوية. والمرأة في إسرائيل مساواة بالرجل، وتتمتع الدولة باستقلال القضاء، ووسائل الإعلام الحرة، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكن للأمريكيين العيش فيها بحرية مثل وطنهم؛ لأنها تسعى بشكل فعال لمنع التحامل الديني والعرقي، مما يجب أن يكون مثالًا لكثير من البلدان في الشرق الأوسط، التي تعاني من اضطرابات داخل مجتمعاتها».
«علماء من أجل فلسطين» تنجح في جمع تمويل الدفعة الثانية من المدرسة
تعتزم مجموعة «علماء من أجل فلسطين» تنظيم المدرسة مرة ثانية، على أمل جعلها حدثًا سنويًا، ومن المقرر انعقادها في جامعة القدس بصيف 2017، بحضور نحو 50 طالب ماجستير من مختلف الجامعات الفلسطينية.
ومع أن تنظيم مثل هذه الفاعليات يتطلب تمويلًا، لا توفره إلا عدد قليل من الجامعات والمؤسسات، خاصة في ظل نقص الدعم المقدم للبحوث، وإغلاق عدد من المختبرات، إلا أن حملة التمويل التي أطلقتها المؤسسة لاقت ناجحًا بارزًا؛ فاستطاعت جمع أكثر من 170% من التمويل الأساسي.
كذلك وقع مختبر سيرن اتفاقية، من شأنها أن تسمح بانضمام باحثين فلسطينيين لـ«مشروع أطلس – ATLAS Experiment» – وهو مكشاف للجسيمات الأولية وجزء من تجربة مصادم الهادرونات الكبير LHC الحدود بين فرنسا وسويسرا، مما يفتح المجال لمزيد من الباحثين والعلماء، وتوطيد العلاقات البحثية في المنطقة، ومزيد من التعاون في المستقبل، وهو ما تأمله المدرسة.