باكستان أمام السعودية وإيران: فن الرقص على الحبال
الاتفاق النووي الإيراني… الحرب في اليمن… نفوذ طهران في العراق… هذه هي القضايا التي دارت حولها، على الأرجح، المحادثات بين السعودية وإيران، لكن نتائج الحوار بين الطرفين لن تنتهي عند حدود هذه الدول.
إلى الشرق من موقع الخصمين اللدودين، تقف باكستان تراقب بهدوء ما سيسفر عنه التقارب بين الرياض وطهران، والذي لم يكن مفاجئًا قط بعد تغير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بوصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.
تاريخ العلاقات
يُقارِن موقع «South Asian Voices»، في تحليل له، بين سياسة باكستان وجارتها الهند تجاه خفض التوتر بين المملكة وطهران، فيقول إن باكستان تنظر إلى المملكة وإيران بأنهما جزء من مكون أكبر وهو الأمة الإسلامية، لذا فمن المتوقع ألّا تحوِّل إسلام آباد وجهتها من أولوياتها السياسية إلى الاقتصاد الجغرافي.
وينص الدستور الباكستاني على الحفاظ وتقوية العلاقات الأخوية بين بلدان العالم الإسلامي، لكن هل الأمر بالفعل بكل هذه البساطة؟
خلال فترة الحرب الباردة، تحالفت باكستان مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي، وهو ما كان له تأثير على علاقتها بالرياض وطهران، على الجانب الآخر، تقاربت جارتها الهند مع شعوب المنطقة عبر وجودها بين أعضاء حركة عدم الانحياز، ومنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية.
وبتكوين منظمة التعاون الإسلامي، ونجاح إسلام آباد فيما بعد في طرح قضية إقليم كشمير المتنازع عليه، خفتت الآمال في تقدم العلاقات بين نيودلهي من ناحية، والرياض وطهران من ناحية أخرى، بعد ما أعلنت الأخيرتان عام 1971، دعم باكستان في نزاعها مع الجارة الهندية.
لكن الوضع حاليًا ليس كما كان عليه قبل خمسة عقود، فعلى سبيل المثال، لم تتمكن إسلام آباد من حشد المنظمة عندما أعلنت الهند عام 2019 إلغاء الحكم الذاتي لمنطقة جامو وكشمير.
باكستان والسعودية
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، وبينما كان العالم مُنشغِلًا بقضية مقتل الصحفي السعودي «جمال خاشقجي»، لم يلتفت رئيس الوزراء الباكستاني «عمران خان» إلى مُقاطعي مؤتمر مستقبل الاستثمار «دافوس الصحراء» الذي استضافته المملكة، ليصر على المشاركة ويعلن، في حديث لصحيفة الإندبندنت البريطانية:
سياسة الصراحة التي اتسم بها حديث «خان» في دعم الرياض وقتها، لم تتفق مع النهج الذي اختارته «إسلام آباد» تجاه قضايا أخرى ومن بينها دور السعودية في حرب اليمن، الذي دعّمته ضمنيًا إلى حد ما، لكنها رفضت دعوات الانضمام إليها، لتعود من جديد، بعد ذلك بـ3 سنوات، وترسل مجموعة من قواتها في مهام تدريبية لجيش المملكة.
تردّد باكستان في خوض هذا الصراع كان بسبب معارضة الجماعات الشيعية على أراضيها للشراكة بين البلدين ضد مصالح إيران، في الوقت الذي لم يغب عن بال باكستان قضية حدودها غير الآمنة مع الأخيرة، والتي تمتد بطول 800 كم بينهما، وهو ما يُصعِّب مسألة الانحياز لأي طرف منهما في المستقبل.
ورغم حاجتها للموازنة في العلاقات بين طهران والرياض، لا يمكن لباكستان الاستغناء عن الاستثمارات والقروض السعودية، إذ أدركت تمامًا التكلفة الاقتصادية التي ستتحملها إذا ما تدهورت علاقتها مع المملكة.
في العام الماضي (2020)، انتقد وزير الخارجية الباكستاني «شاه محمود قريشي» منظمة التعاون الإسلامي، التي تقودها الرياض، بسبب عدم مساندة إسلام آباد في قضية كشمير، ليأتي رد فعل السعودية سريعًا، فألغت عرضها بقرض لباكستان تتجاوز قيمته 3 مليارات دولار أمريكي، كما رفضت تجديد ائتمان نفطي بقيمة 3,2 مليار دولار، علاوة على مطالبة باكستان بسداد بعض القروض المدينة بها إليها، ما أجبر الأخيرة إلى طلب قرض عاجل من الصين، وفقًا لموقع The diplomat.
سعت إسلام آباد إلى إنهاء الأزمة من خلال الزيارة التي أجراها قائد الجيش الباكستاني إلى العاصمة السعودية، في أغسطس 2020، وحل الخلاف حلًا نهائيًا بزيارة أخرى قام بها رئيس الحكومة الباكستانية، في مايو الماضي (2021)، حين اجتمع بولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان.
وفي يونيو 2021، وافقت الرياض على استئناف المساعدات النفطية لإسلام آباد بقيمة مليار ونصف المليار دولار أمريكي، وهو ما رآه البعض، بحسب Financial Times، محاولة من المملكة للاستمرار في مواجهة نفوذ طهران في المنطقة، لكن ليس، على ما يبدو، المواجهة المعتادة.
خلال الآونة الأخيرة التي أبدى فيها الخصمان استعدادهما للتقارب، شرعت إسلام آباد في تحسين علاقتها مع طهران، من خلال تنفيذ مشروعات إنشاء الأسواق على الحدود بين البلدين، رغم استمرار تعليق مشروعات رئيسية أخرى مثل خط النفط المشترك.
«روبن ميلز»، أحد مسئولي شركة قمر للطاقة، أشار إلى التوقيت الذي اتخذت فيه الرياض القرار بالتزامن مع استعداد طهران لزيادة صادراتها من النفط إذا ما خففت واشنطن العقوبات المفروضة عليها، وهو ما قد يهدد المكانة التي تحتلها المملكة كأكبر مُصدِّر للنفط لباكستان.
أمرٌ آخر يدفع إسلام آباد للتقارب مع الرياض، وهو ما تحمله فترة ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والذي سيُحدِث تغييرات كبيرة ليس بالنسبة لكابول فحسب، بل للمنطقة كلها.
على مدار السنوات، تمكنت طهران من تعزيز علاقاتها مع حركة طالبان التي مالت إلى تنويع مصادر دعمها في المنطقة، وهو الأمر الذي ينبئ بزيادة نفوذ إيران في أفغانستان بعد انتهاء وجود واشنطن على أراضيها، لتلتقي الرياض وإسلام آباد من جديد لمواجهة مصدر القلق هذا.
باكستان وإيران
في عام 1947، باتت إيران أول دولة في العالم تعترف باستقلال باكستان عن الهند، لكن العلاقات بين البلدين بقيت دائمًا مُتقلِّبة، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنشاط الحركات المسلحة.
وبعد الإطاحة بنظام شاه إيران، وبدء عهد الثورة الإسلامية، تعاونت الدولتان، في ثمانينيات القرن الماضي، لدعم الحركات الجهادية في أفغانستان، وحين اندلعت الحرب الأفغانية-السوفيتية، ساندت إسلام آباد مقاتلي «البشتون» و«الهازارة»، فيما وجّهت طهران دعمها للمسلحين المنتمين لقومية «الطاجيك» الشيعية، وإن توحدت أهداف هذه الجماعات، آنذاك، في الانتصار على الروس.
وبعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، اختارت إسلام آباد، على عكس طهران، دعم حركة طالبان التي سيطرت على الحكم في التسعينيات.
عدة حوادث تالية أدت إلى تدهور العلاقات بين طهران وإسلام آباد، أبرزها هجوم طالبان عام 1998 على القنصلية الإيرانية في أفغانستان، ما أسفر عن مقتل 8 دبلوماسيين وصحفي، وكاد الأمر يتحول إلى حرب بين إسلام آباد وكابول، قبل أن تتغير المواقف بشأن طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وعلى صعيد آخر، فقبل 3 سنوات، أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العالم إلى المربع صفر، وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات على طهران، إلا أن التبادل التجاري بين الأخيرة وإسلام آباد لم ينقطع، وإن بقي محدودًا بالنسبة لنشاطها الاقتصادي مع الرياض.
فبحسب إحصائيات البنك الدولي لعام 2019، احتلت منتجات الوقود المركز الأول في قائمة الواردات الإيرانية إلى باكستان، بقيمة تتخطى 370 مليون دولار أمريكي، مقابل ما يقرب مليار ونصف مليار دولار أمريكي قيمة الوقود القادم من المملكة في العام ذاته.
ووفقًا لتحليل E-international Relations، العام الماضي (2020)، فإن إسلام آباد كانت ثامن أكبر شريك تجاري لطهران، لكن جهود هذه العلاقات دائمًا ما خضعت للتحولات الإقليمية.