علامة زرقاء مدفوعة: هل تصبح منصات التواصل للأثرياء فقط؟
كانت تلك إحدى الإجابات على سؤال متكرر عن السبب وراء تحقيق شركات منصات التواصل لأرباح ضخمة رغم أن استخدامها بشكل مجاني، على موقع «كورا» الشهير، والمتخصصة في طرح الأسئلة والإجابات من قبل المستخدمين.
تلك الإجابة لخّصت بشكل مباشر، فلسفة شركات التقنية الكبرى على مدار السنوات الماضية؛ التي جعلت ثلث مواطني العالم، وأكثر من ثلثي مستخدمي الإنترنت يوجدون على المنصات الاجتماعية بشكل يومي.
فلسفة تبدو أنها لن تستمر طويلًا على المدى البعيد؛ إذا بدأت تلك الشركات في تغيير «قواعد السير»، بشكل يحتم على المستخدمين الدفع مقابل الحصول على مميزات مثيرة؛ ليبقى السؤال: هل تصبح منصات التواصل للأثرياء فقط؟
علامة زرقاء مدفوعة
بداية الجدل حول القصة بدأ، حينما أعلن المالك الجديد لمنصة «تويتر»، الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، عن تطوير خدمة «تويتر بلو»، التي تسمح للمستخدم بالحصول على علامة التوثيق الزرقاء إلى جانب بعض المميزات الأخرى مقابل دفع 8 دولارات شهريًا.
وتتضمن تلك المميزات أيضًا، السماح للمستخدم بالتعديل في التغريدات، وعدد حروف يصل إلى 4 آلاف حرف في التغريدة الواحدة بدلًا من 280 فقط، إلى جانب تحميل مقاطع فيديو تصل مدتها إلى حوالي 60 دقيقة ويصل حجمها إلى 2 جيجابايت.
وباتت تلك الفلسفة أكثر جدلًا، حين سارت شركة «ميتا» على خطى نظيرتها «تويتر»، وأعلنت هي الأخرى عن خدمة «ميتا فيريفايد»، التي تتيح أيضًا الحصول على علامة التوثيق الزرقاء، مقابل 11.99 دولار شهريًا على الموقع الإلكتروني، أو 14.99 دولار شهريًا عبر أنظمة التشغيل «iOS».
كما تتضمن مميزات الخدمة أيضًا، حماية أصحاب الحسابات من عمليات انتحال الهوية، كما توفر خدمة دعم العملاء عبر منصات تواصل الشركة «فيسبوك / إنستجرام»؛ مما يؤدي إلى زيادة الأمان والموثوقية على تلك المنصات.
ولا تعد فكرة الخدمات المدفوعة من قبل منصات التواصل، وليدة اللحظة، إذا أطلق تطبيق «سناب شات» في نهاية العام الماضي، 2022، خدمة «سناب شات بلس»، مقابل 3.99 دولار شهريًا، وذلك من أجل الحصول على علامة التوثيق أيضًا إلى جانب مميزات تتمحور حول مدة مقاطع الفيديو، وألوان الصور، وعرض الرموز التعبيرية وغيرها.
لماذا نحن هنا؟
على مدار العامين الماضيين، شهدت شركات التقنية الكبرى، تباطؤًا في النمو بل وصلت في بعض الحالات إلى التراجع مقارنة بنفس الفترات خلال الأعوام السابقة، وهذا ما يفسر اللجوء إلى نموذج عمل الاشتراكات المدفوعة، رغم اعتمادها كليًا قبل ذلك على الإعلانات فقط.
ذلك التراجع ظهر جليًا في حالة «تويتر»، التي تراجعت أرباحها السنوية في 2022 بأكثر من 40%، في رحلة عدم تحقيق الأرباح الممتدة منذ عام 2019 وحتى الآن.
واختلف الوضع في حالة «ميتا» قليلًا، إذا استطاعت الشركة تحقيق أرباح طفيفة خلال العام الماضي، 2022، في الوقت الذي حقّق فيه الربع الثالث من 2022، تراجعًا في الأرباح الفصلية بأكثر من 50%، في سابقة تاريخية لشركة «مارك زوكربيرج».
على جانب آخر، شنّت شركة «أبل» حربًا في نهاية عام 2020، ضد استخدام منصات التواصل لبيانات مستخدميها بغرض الإعلانات، وتحديدًا عندما أعلنت عن تحديث «iOS 14» الجديد.
وبدءًا من هذا التحديث، أعطت الشركة الحق لمستخدمي هواتفها الحق في الموافقة على تتبع التطبيقات لهم لأغراض الإعلانات من عدمها، كإحدى وسائل حماية خصوصيتهم؛ الأمر الذي أثّر بالطبع على الأرباح الإعلانية لمنصات التواصل.
ثورة الأثرياء
ولا تجد الخدمات المدفوعة قبولًا لدى عدد كبير من المشاهير الموجودين على منصات التواصل، بخاصة «تويتر بلو» باعتبارها النظام الذي أُعلن عن تفاصيل بشكل كامل ومتاح في جميع دول العالم في الوقت الحالي.
وقد يبدو الأمر مجرد مزحة، عندما نتحدث عن تعثر أسماء مثل: ليبرون جميس، الأعلى أجرًا في كرة السلة الأمريكية، أو الممثل الكندي ويليام شاتنر، في دفع 8 دولارات شهريًا مقابل الخدمة؛ إلا أن هذا بالفعل ما أعلنه هؤلاء بشأن امتناعهم عن الدفع مقابل الخدمة الجديدة.
البعض الآخر رفض الدفع مقابل الخدمة، ولكن بسبب مشاكل انتحال الشخصية، إذا تسمح «تويتر بلو»، للجمهور العام بتوثيق حساباتهم المنتحلة لشخصية شهيرة، دون التحقق من هويتها، مما يؤثر بالطبع على وصول عدد من الشخصيات إلى جمهورهم بشكل صحيح.
ومن بين هؤلاء، كانت الناشطة الأمريكية «مونيكا لوينسكي»، التي نشرت عبر حسابها على تويتر، لقطات مصورة، لعشرات الحسابات التي تنتحل صفتها على تويتر، وكانت المفاجأة أن من بينها حسابات موثقة بالعلامة الزرقاء المدفوعة.
ولم تقتصر تلك الثورة على الأفراد فقط، إذا أعلنت أيضًا عدد من المؤسسات الإعلامية والحكومية رفضها الدفع مقابل نفس الخدمة، واستعدادهم التخلي عن العلامة الزرقاء.
وبحسب تقرير لموقع «أكسيوس« الأمريكي، فإن البيت الأبيض لن يدفع إلى شركة «تويتر» مقابل الحصول على العلامة الزرقاء، وذلك وفقًا لرسالة بريدية من مدير الإستراتيجية الرقمية «روب فلاهيرتي»، أرسلها للموظفين في وقت سابق.
ووصل الصراع بين المؤسسات و«تويتر» إلى ذروته مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، التي جُردت مؤخرًا من علامتها الزرقاء عبر المنصة، بعد رفضها دفع ما يقرب من ألف دولار شهريًا مقابل التوثيق، إلى جانب 50 دولارًا على كل حساب آخر يتبع المؤسسة.
وكان متحدث باسم الصحيفة قد قال لمجلة «فوربس»، في وقت سابق:
أنت لست مُنتِجًا
كان هذا هو القانون الذي يدير العلاقة بين المستخدمين والمنصات خلال سنوات الاعتماد على نموذج الربح من الإعلانات، وهو الأمر الذي تغيّر في الوقت الحالي.
حسنًا، نعلم أنك تتساءل ما علاقة تلك الفقرة، بالسؤال الأهم: هل تصبح منصات التواصل للأثرياء فقط؟
إن العلاقة وطيدة للغاية، لأنك لم تعد مُنتِجًا لتلك الشركات، بل أصبحت عميلًا مُستهدَفًا يدفع مقابل ما يقدمونه من خدمة. تلك العلاقة هي التي ستُحدِّد بشكل أكبر، إجابة السؤال الذي يدور ببالك وبال العالم حاليًا، وهي ما قالته «أنجانا سوسارلا»، أستاذة أنظمة المعلومات بجامعة ميشيغان الأمريكية، في مقالها البحثي حول مستقبل منصات التواصل في ذلك أنظمة الاشتراك المدفوعة.
وترى الأستاذة الهندية، إن نجاح النموذج الجديد لتلك الشركات سيتوقف بشكل قاطع على عدد المستخدمين الذين يقررون الاستثمار فيه، والدفع شهريًا مقابل الحصول على المميزات الحصرية المطروحة. وأوضحت أيضًا أن استثمار المستخدمين في مميزات تتعلق بالأمان والخصوصية –كما هو مُعلن من قبل المنصات- يجد عوائق عادةً؛ لأن هؤلاء المستخدمين ليسوا على إطلاع كامل بما تنفقه الشركات على أمانهم حقًا، وهو الأمر الذي يثير شك كثيرين قبل قرار الدفع.
لا شك أن نجاح التجربة وتحويل المنصات للشكل المدفوع كليًا لن يتبيّن في القريب العاجل؛ إلا أن الحقيقة الواضحة حاليًا، هي أن رغبة المُستخدِم، والمُستخدِم وحده، هي منْ ستُقرِّر مستقبل تلك الشركات؛ والتي طالما اعتمدت على بياناته في تحقيق أرباح طائلة طيلة الأعوام الماضية.