عاصفة الحزم: قرار استراتيجي في اللحظة الفارقة
أخطأت الاستراتيجيات والتقديرات العربية والأمريكية طوال الأشهر الماضية إذ اعتبرت أن إجهاض ثورات الربيع العربي يمثل أولوية عظمى يجب تقديمها على كل ماسواها، هذه الاستراتيجية دفعت الدول العربية وعلى رأسها السعودية إلى التخلي عن حركات الإسلام السياسي المقاومة في البلدان الواقعة تحت تسلط الحكم الإيراني المباشر مثل سوريا والعراق، هذه الجماعات والحركات الوسطية كانت تقوم بدور هام في موازنة المعادلة بين السنة والشيعة في تلك البلدان بل وكانت تمثل جبهة ممانعة متقدمة تمنع التمدد الشيعي وتقاوم عملية الابتلاع التي أرادها الإيرانيون للدول المستهدفة مثل سوريا والعراق واليمن.
ومثّل تخلي السعودية والدول العربية عن دعم هذه الحركات فرصة سانحة أمام الإيرانيين للتدخل بقوة، وحسم الأمور لصالحها ولصالح مشروعها التوسعي فتدخلت في العراق بشكل مباشر بعدما توافقت المصالح الأمريكية مع التوجهات الإيرانية على ضرب الثورة السنية في العراق والتي مثلت داعش قاعدة انطلاق يلتقي عليها الإيرانيون والأمريكيون.
وكذا دعمت الأسد في سوريا بشكل كامل وأطالت أمد الصراع هناك بشكل كبير وعوقت مسار الثورة السورية ودعمت الحوثيين لتطويق السعودية خصمها الدائم من الجنوب بعدما شعرت أنها أحكمت القبضة علي الشمال.
مخاطر سيطرة الحوثيون على اليمن
سيطرة الحوثيين علي اليمن يجعل تحول الصراع السياسي إلي صراع طائفي وتمدده إقليميا مسألة وقت بعدما تبلور الصراع في العراق الي صراع طائفي في مواجهة مباشرة بين السنه والشيعة وفي سوريا كذلك وهناك احتمالية دخول لبنان في أتون هذا الصراع المدمر ومما يدعم هذه الاحتمالية أن دول المشرق العربي من أكثر مناطق العالم جاهزية للصراع الطائفي نظرا لتنوعها المذهبي والعرقي والديني، إضافة إلي الإرهاب الدموي للنظام الطائفي في سوريا والعراق ضد المسلمين السنة والدعم الروسي اللا محدود للرغبة الإيرانية الجامحة في التمدد الشيعي علي حساب الدول ذات الأغلبية السنية ، وهو ما يدفعنا إلى القول بأن بقاء الحوثي وتمدده في اليمن سينتقل بالأزمة اليمنية لتصبح صراعا مفتوحا عابرا للحدود في أكبر تحد لاستقرار المنطقة منذ زمن بعيد.
فالسعودية ودول الخليج وتركيا ومصر والسودان تقع في مرمي التهديد المباشر حال سقوط اليمن في أيدي الحوثي وحال سقوط العراق ودمشق ولبنان تحت السيطرة الإيرانية ، فالسعودية ودول الخليج ستصبح كجزيرة وسط بحر من الشيعه بما يمثله ذلك من الأطماع الإيرانية في تصدير الثورة وتبوء دور إقليمي طالما سعت للحصول عليه وبما في ذلك من تهديد للمشروع السني في المنطقة وتهديد للأمن القومي السعودي بشكل خاص وأمن الخليج بشكل عام .
أما تركيا سيصبح جنوبها شيعيا بامتياز حال استمرار الأسد ووقوع العراق في براثن إيران بما يهدد موازين القوي في المنطقة التي تميل بشكل كبير للصالح التركي بعد القفزات الاقتصادية الهائله التي تحققها والأدوار السياسية التي تلعبها، ومصر والسودان تقع في مرمي التهديد المباشر حال سيطرة الحوثي علي اليمن وحال تمكنه من مضيق باب المندب بما يمثله ذلك من إشكاليات وتهديدات لقناه السويس وبما يمثله تمدد إيران في دول المشرق العربي من تغيير لموازين القوي في المنطقة لصالح دولة توسعية لها أطماع في نشر مذهبها خاصة في مصر.
فالصراع في المنطقة اليوم لن يكون صراعا طائفيا فقط وإنما سيكون صراعا على روح الشرق الأوسط الجديد ، وهو الذي سيحدد أوزان القوى الإقليمية ويرسم خريطته السياسية المستقبلية.
عاصفة الحزم
وجاءت عاصفة الحزم والتي قادتها السعودية بمعاونة عشر دول لتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح في هذا التوقيت القاتل ويمكن رصد العديد من الفوائد الاستراتيجية لهذه الضربة ومنها إعادة توازن الأمور في المنطقة بعد ما كادت تميل بشكل كبير لصالح إيران ومشروعها التوسعي.
مثلت الضربة رسالة قوية لإيران ليست في اليمن فقط وإنما في سوريا والعراق وأن المملكة العربية ودول الخليج باتت تستشعر المخاطر الاستراتيجية علي أمنها القومي من جراء مشروعات إيران التوسعية
بإمكان الدول العربية بهذه الضربة أن يعيدوا إكتشاف أنفسهم وقدرتهم علي إمكانية إقامة تحالفات عسكرية واقتصادية في المستقبل القريب وفق مصالحهم وليس وفق مصالح ورغبات الأخر وأن تشكل المنطقة وإعادة رسم خرائط القوة بها يجب أن يكون وفق المصالح العربية الإسلامية.
وعلى الرغم من أهمية الضربة الجوية في هذا التوقيت الحرج إلا أنها لا يمكن أن تكون كافية في مواجهة جماعة الحوثي مع الدعم الإيراني لها وإنما يجب أن تكون الضربات جزء من استراتيجية شاملة تعيد الأمور إلى نصابها في اليمن ، وتتحول عاصفة الحزم إلى نقطة إنطلاق لإعادة تقييم الأمور بكليتها في المنطقة بحيث تحسم الدول الاقليمية الفاعلة استراتيجياتها وأولوياتها تجاه التمدد الشيعي في البلدان الإسلامية وأن ردع إيران ووقف طموحاتها يمثل أولوية علي ما عداها من التخوفات الثانوية المتعلقة بصعود تيارات الإسلام السياسي بشكل عام والتيارات الجهادية المتشددة بشكل خاص التي ربما تكون أهم أسباب نشأتها هو عدم حسم الحكومات العربية لخياراتها الاستراتيجية في التعامل مع المواقف والقضايا المفصلية الكبري ووأد خيارات الشعوب وطموحاتها إذ يجب أن تعمل هذه الحكومات علي التكامل مع حركات الاسلام السياسي الوسطي المعتدل وليس الاصطدام معه.
وعلي الرغم من ذلك فالطريق الي الأمال ليس مفروشا بالورود وإنما مصطدما بطموحات إيران التي استطاعت طوال فترة غياب الرؤية العربية الموحدة أن تحقق نجاحات واختراقات في جسد البلدان الاسلامية السنية والتي من الممكن أن تستغلها اليوم في إشعال حروب غير مرغوب فيها علي خلفية طائفية ، إذ تمثل هذه النوعية من الحروب مخاطر هائلة علي القضايا الكلية للأمة ويتحول الصراع من صراع عربي اسرائيلي إلي صراع إسلامي إسلامي وهو ما خططت له إسرائيل وأمريكا خلال العقود الفائته.