سنة مبهرة فلكيًّا: نظرة شاملة على أحداث 2020 الفلكية
لا شك أن 2019 بالنسبة لمحبي السماء ليلًا وهواة تأمل أجرامها كانت سنة متواضعة فلكيًّا لعدة أسباب، الأول هو أنها كانت تالية لسنة عظيمة بكل المعايير، شهدت مجموعة ممتعة من الزخات الشهابية وخسوفًا بديعًا بينما كان كوكب المريخ في أقرب نقطة له من الأرض منذ 18 سنة، أما 2020 فتعدنا بتحسُّن واضح كما يبدو.
ظواهر الشمس والقمر
دعنا نبدأ بالأحداث المتعلقة برفيقي الأرض اللامعين، الشمس والقمر، يشهد العام 2020 أربعة أحداث قمرية تُرى ثلاثة منها في الوطن العربي، لكن المشكلة هي أنها جميعًا خسوفات من النوع «شبه الظل»، ويعني ذلك أن القمر لن يدخل في ظل الأرض ولكنه فقط سيدخل في «شبه الظل» المحيط به، ولفهم ما يعنيه مفهوم شبه الظل تخيَّل أنك تقف بالضبط تحت عمود الإنارة في إحدى الليالي الشتوية، انظر للأسفل، فسوف تلاحظ أن هناك ظلين لك، ظل داكن تمامًا يقع أسفلك بالضبط، وآخر فاتح قليلًا يقع على جانبيه، وهذا هو بالضبط ما يحدث بالنسبة للأرض (أنت) والشمس (المصباح الضخم أعلى عمود النور).
في أثناء خسوف شبه الظل تضعف إضاءة القمر قليلًا بشكل يصعب ملاحظته لكنه ممكن، في كل الأحوال لو أردت مراقبة تلك الظاهرة فعليك الخروج في المواعيد التالية:
10 فبراير، يصل الخسوف للذروة في تمام الساعة 21:10 مساءً بتوقيت مصر، ويرى في كل الوطن العربي.
5 يونيو، يصل الخسوف لذروته في تمام الساعة 21:25 مساءً بتوقيت مصر، ويرى في كل الوطن العربي.
5 يوليو، يصل الخسوف لذروته في تمام الساعة 06:30 صباحًا، ويمكن أن تلاحظه فجرًا قبيل شروق الشمس، ويرى في دول الوطن العربي بداية من مصر إلى المغرب.
أما الحدث الأكثر روعة في العام 2020، بالنسبة للوطن العربي، فلا بد أنه سيكون الكسوف الحلقي الذي ستشهده المنطقة في 20 يونيو، وسيتمكن المواطنون في الخليج العربي كاملًا من رصده، بجانب مصر وليبيا والسودان من الجهة الأخرى للبحر الأحمر، يُرى الكسوف الحلقي كاملًا في كل من اليمن وعمان وأقصى جنوبي السعودية، وفي الدول الأخرى يُرى جزئيًّا بشكل متدرج بحسب المسافة بعدًا عن خط الكسوف الحلقي الكامل.
لآن دعنا نتعلَّم قليلًا عن طبيعة الكسوف الحلقي، حيث نعرف أن القمر، وأي جسم آخر في الكون، لا يدور في دائرة تامة حول الأرض، بل يشبه مداره الشكل البيضاوي، يقترب منها في بعض الأحيان (الحضيض)، ويبتعد عنها في بعض الأحيان (الأوج)، وحينما يحدث الكسوف في حالة الأوج فإن مساحة القمر في السماء تكون أصغر قليلًا من الشمس، فتُبقي حواف الشمس الخارجية ظاهرة أثناء الكسوف لنرى مشهدًا بديعًا، ولو حدث الكسوف في حالة وجود القمر في الحضيض أو حوله، فإنه يكون كُليًّا.
يبدأ الكسوف في تمام الساعة 06:23 صباحًا بتوقيت مصر، ويصل ذروته في الساعة 07:19 صباحًا، ويغطي – بالنسبة لمصر – 33% فقط من قرص الشمس، لاحظ أن ظاهرة الكسوف تتطلب أدوات خاصة ولا يمكن فقط أن تتصدر لمشاهدتها بعينيك أو حتى النظارات الشنسية أو «أفلام» الأشعة السينية، خذ حذرك لأن ذلك قد يكون ضارًّا جدًّا.
ثلاث زخات ممتعة
الآن دعنا ننتقل إلى الأحداث الليلة، وتعد 2020 هي سنة شبه مثالية لثلاث زخات شهابية بديعة، الأولى هي الرباعيات Quadrantids في يناير، إنها واحدة من أهم الزخات كل عام، تبدأ من 23 ديسمبر حتى 12 يناير، وتصل للأوج في 3 يناير، والأوج هو أفضل ليلة لرصد أية زخة شهابية.
يمكن خلال تلك الزخة رصد أكثر من 120 شهابًا في الساعة الواحدة في منطقة نائية، لكن على الرغم من روعة ولمعان الزخة وعدد الشهب الكبير، فإنها تظهر متأخرة في الوطن العربي، ولا نتمكن من رصد عدد ضخم من الشهب خلالها، قد يكون ذلك بسبب أن مدى أوج الزخة قصير نسبيًّا قد يصل إلى عدة ساعات قبل فجر الرابع من يناير. في كل الأحوال فإن الزخة ستحدث في سماء غير مقمرة، ما يعني أنك ستتمكن من رصد الكثير من الشهب خاصة لو كنت في قرية أو منطقة صحراوية، لكن تدفَّأ جيدًا فالبرد قارص.
أما الزخة الثانية فهي البرشاويات Presides في أغسطس: تبدأ من 17 يوليو حتى 24 أغسطس، وتصل للأوج في 13 أغسطس، منبع الزخة هو كوكبة برشاوس، ورغم أن عدد الشهب في الساعة هو حوالي 80 – 100 إلا أنها الزخة الأشهر، حيث تتميز بالطقس المصاحب لها، إنه الصيف وإجازاته، مما يتيح لنا سهولة الرصد والسهر في طقس معتدل.
البرشاويات هي الأفضل على الإطلاق في سماء الوطن العربي، وتظهر هذا العام إلى جوار قمر مضيء بمساحة 25% تقريبًا ما يعني أننا سنتمكن من رصد الكثير من الشهب، وسوف نجهز في «السماء الليلة» رحلة خاصة بهذا الحدث ستتمكن خلالها من رصد مئات الشهب إلى جوار عدة ملامح أخرى هامة: القمر في التلسكوب، وحزام المجرة، وتتعلم عن أكثر الكوكبات النجمية لمعانًا.
أما التوأميات Geminids فتتبدأ من 4 حتى 17 ديسمبر، وتصل للأوج في 13، واحدة من أروع الزخات السنوية، لا يعيق رصدها إلا برودة الطقس في وقت متأخر من الليل، لكن يمكنك دائمًا في منطقة نائية أن تعد 100 شهاب في الساعة الواحدة، في العام 2020 ستكون الزخة مثالية لسكان الوطن العربي، فموعد الأوج قريب من الليل ولا يوجد قمر.
لفهم الفكرة الخاصة بالشهب فإن الأمر بسيط، تخيَّل أنك تقود سيارتك الآن، ثم يحدث أن تدخل في سحابة خفيفة من الدخان سببتها شجرة مشتعلة بجانب الطريق. هذا هو ما يحدث بالضبط في السماء، فبينما تدور الأرض حول الشمس مرة كل 365 يومًا، تدخل في بقايا صخرية تركها مذنب أو كويكب أثناء مروره من تلك المنطقة، حينما يحدث ذلك تحترق تلك البقايا الصخرية أثناء دخولها للغلاف الجوي للأرض بسرعات كبيرة تصل إلى 75 كيلومترًا في الثانية الواحدة، هذه هي الشهب التي نراها في السماء.
القمر العملاق حقًّا
القمر العملاق SuperMoon هو ظاهرة ممتعة، تحدث حينما يقترن طور البدر مع وجود القمر في نقطة الحضيض (أقرب نقطه له من الأرض)، عندها يكون القمر أكبر بنسبة 14% وألمع بنسبة 30% مما نسميه بالقمر الصغير Micromoon، وهو القمر في طور الأوج حينما يكون بدرًا.
لا تخلط بين القمر العملاق وظاهرة وهم القمر Moon Illusion، وهي خداع بصري يبدو فيه القمر أكبر بالقرب من الأفق منه حين يرتفع في السماء، لا نعرف سببًا محددًا لتلك الظاهرة، لكن لو رفعت إصبعك إلى القمر في أي مكان بالسماء فسوف يغطيه، يعني ذلك أنها مشكلة ذات علاقة بعقولنا، ربما لأن وجود القمر بين الملامح الأرضية (المنازل أو التضاريس الأرضية) يُظهره كبيرًا.
في العام 2020 لنا موعد مع أربعة أقمار عملاقة، وتأتي في الليالي التالية: 9 فبراير، 9 مارس، 8 أبريل، 9 مايو، لكن في كل الأحوال فإنها جميعًا لا تحدث تمامًا في لحظة الحضيض، أفضلها هو قمر مارس العملاق حيث يكون بين الحضيض والبدر نصف يوم، أما البقية فتكون أصغر منه في الحجم.
أما لو أردت أن ترصد أصغر أقمار هذا العام فيمكن أن تتأمل بدر 31 أكتوبر، حيث يحدث بعد يوم واحد فقط من لحظة تواجد القمر في نقطة الأوج، عندها يبتعد عن الأرض مسافة 406393 كيلومترًا.
بين النجوم والكواكب
نجمان رائعان، يقفان في طريق القمر كل عام، ليسلماه رسائل من الأحبة، ويطلعاه على أسرار الكون، هكذا تصوَّر القدماء العلاقة بين القمر ونجمي الدبران Aldebaran من كوكبة الثور، والمليك أو قلب الأسد Regulus من كوكبة الأسد، هناك الكثير من النجوم التي تعترض طريق القمر، لكن هذين هما الأقرب لخط سيره.
سيكون عام 2020 سيئًا بعض الشيء بالنسبة للقاء كل من الدبران وقلب الأسد مع القمر، حيث تكون المسافة بين القمر والنجم دائمًا أكبر من 3 درجات قوسية، ما يعني أن القمر سيكون بعيدًا عن الدبران مسافة 3 أصابع (مد يديك أمامك وارفع 3 أصابع متجاورة)، يقيس الفلكيون المسافات بين الأجرام في سماء الليل بالدرجات القوسية وليس بالسنتيمترات أو الأمتار، فسماء الليل بالنسبة لراصد على الأرض هي كرة كبيرة نقع نحن في مركزها ونقيسها كأننا مركز منقلة هندسية ضخمة.
أما بالنسبة للكواكب فإن الأمر سيكون أكثر إمتاعًا، الزهرة على سبيل المثال سيكون في أقرب مسافة له من القمر ليلة 12 ديسمبر، على مسافة درجة واحدة فقط بعد الغروب، ما يعني مشهدًا بديعًا يمكن التجهيز لتصويره، أما غير ذلك فإن الزهرة لا يقترب من القمر أكثر من 4 درجات قوسية، لكن – في كل الأحوال – فإن النصف الأول من 2020 هو فترة ازدهار الزهرة، يمكن أن تراه كل يوم لامعًا كمصباح منير أعلى الأفق الغربي.
أما بالنسبة لرفيقي الدرب (المشتري وزحل) فإن عام 2020 هو بداية لعدة سنوات مثالية للرصد حيث يقتربان من بعضهما شيئًا فشيئًا، وسيقفان على أقرب مسافة من بعضهما البعض بين نوفمبر 2020 ويناير 2021، سيكون المشهد بديعًا، ننتظره بشغف شديد، خاصة حينما يرافقهما القمر يوم 19 نوفمبر.
بالنسبة للمشتري، فإن 2020 هو عام مثالي للاقترانات مع القمر، كل شهر تقريبًا سيقف القمر إلى جوار المشتري على مسافة قريبة جدًّا، أبرز اللقاءات الخاصة بهما ستكون في 23 يناير و19 فبراير فجرًا، وغير ذلك من الأيام فإن المسافة نادرًا ما تتخطى حاجز الدرجتين. أما زحل فيكون أقل حظًّا من المشتري حيث تكون اقتراناته الشهرية مع القمر على مسافة بعيدة بعض الشيء، درجتان أو أكثر، لكن أفضل اقتراناته تكون في فبراير، تحديدًا يوم 20، قبيل الشروق بدقائق.
أما بالنسبة للمريخ، فإن أوضاعه تتحسن ببطء شديد في 2020، يمكن لك في يناير وفبراير أن تراه قريبًا جدًّا من منافسه «قلب العقرب» Antares، إنه ألمع نجوم كوكبة العقرب، وسمِّي كذلك بسبب لمعانه باللون الأحمر فكأنه ينافس لمعان المريخ، والممثل لإله الحرب آريس Anti-ares في الأسطورة القديمة. قلب العقرب هو عملاق أحمر فائق يعيش آخر أيامه، يمكن لنا وضع أكثر من نصف مليون كرة صغيرة بحجم الشمس داخله.
أوضاع المريخ بالنسبة للقمر مميزة كثيرًا في 2020، يمكن أن تراه قريبًا جدًّا من القمر في ليالي 18 فبراير و18 مارس و6 سبتمبر و3 أكتوبر، كلها مشاهد يمكن أن ترى فجرًا إلى شروق الشمس.
لعطارد فإن أفضل فرصة لرصده في عام 2020 ستكون في شهري فبراير ومارس، مارس تحديدًا سيكون فرصة ممتعة جدًّا لرصد واحدة من أهم الأحداث الفلكية هذا العام، حيث يمكن لك كل ليلة أن تراقب الرقصة الكوكبية البديعة في الأفق الشرقي كل ليلة حول الفجر، يظهر كل من المشتري وزحل والمريخ وعطارد معًا على خط واحد، وبحلول منتصف الشهر يقترب القمر منها واحدًا واحدًا، في مشهد لا يمكن تفويته.
رقصة الكواكب في مارس
كما تعوَّدنا، تابعنا على صفحتنا (السماء الليلة) لتتابع سماء الليل بصورة يومية أكثر تفصيلًا، كذلك فإن الفرصة متاحة كل شهر لتأمل تقريرنا الذي يشرح أهم الأحداث السماوية مع إضافات ممتعة للرصد الفلكي واستخدام التلسكوبات، كذلك يمكن أن تستخدم الأجندة الممتعة خاصتنا لمعرفة أهم الأحداث الفلكية، وللتعلم عن حركة الأجرام السماوية، الكواكب والنجوم والشمس والقمر، وعن علم الفلك بشكل عام، بصورة مبسطة وشيقة، يمكن أن تقتني «كتاب السما» خاصتنا.
حسنًا، كانت تلك هي أهم وأجمل الأحداث الفلكية المتوقعة في 2020، يمكن لك رؤيتها جميعًا بالعين المجردة، بالتأكيد نتمنى أن تحدث أي من المفاجآت غي المتوقعة، كأن ينفجر أحد النجوم مثلًا، أو أن ترتفع عداد الشهب في زخّة ما لأرقام خرافية، في النهاية فإن السماء ليلًا فرصة بديعة لبعض الهدوء في هذا العالم المزدحم.