دليلك لاستكشاف سماء ليل الوطن العربي – يناير/كانون الثاني 2018

سنة جديدة تبدأ باردة مع سماء شتوية ممتعة وعدة أحداث فلكية هامة، فبجانب نجوم الشتاء الألمع، يخرج لنا يناير بعدة ظواهر فلكية هامة، بين خسوف قمري وكسوف شمسي وقمر عملاق وآخر أزرق مع مجموعة كبيرة من الاقترانات الهامة، لكن أجمل ما في 2018 ككل سيكون حتمًا رقصات الكواكب الممتعة طوال السنة، زحل وعطارد، المشترى والمريخ، بينما نتراقص نحن البشر بين أزرار كيم جونج وترامب، رائع!

أهم الأحداث

2 يناير

أول وآخر قمر عملاق حقيقي في 2018، حيث يصل القمر للحضيض في الساعة 23:54 مساء واحد يناير ويصبح بدرًا في 04:24 التالية؛ ما يعني أنها أقرب مسافة بين الحضيض والبدر، يظهر القمر أكثر لمعانًا بـ 30% وأكبر حجمًا بـ 14%

3 يناير

تحديدًا في الثامنة صباحًا، بتوقيت مصر، تبلغ الأرض أقرب نقطة لها من الشمس في مدارها الإهليلجي حولها، حيث تقف على مسافة .98329 وحدة فلكية فقط. لاحظ أن أقرب نقطة للأرض من الشمس تكون في شتاء نصف الكرة الشمالي، ما يعني أنه لا علاقة بين اقتراب الأرض من الشمس والمناخ.

5 يناير

القمر يلتصق بـ قلب الأسد على مسافة أقل من درجة واحدة في واحد من أجمل اقترانات الشهر، قلب الأسد أو المليك Regulus هو ألمع نجوم كوكبة الأسد Leo وغالبًا ما يحتجب خلف القمر بسبب أنه يقف في مساره الشهري.

11 يناير

فجرًا، واحد من أجمل وأروع مشاهد يناير، حيث يقف القمر على مسافة أربع درجات فقط إلى جوار الثنائي المدهش الظاهر خلال كل يناير، المشتري والمريخ، وبالأسفل يقف قلب العقرب Antares قبل شروق الشمس بقليل، يمكن لك تتبع المشهد بداية من 4 صباحًا.

13 يناير

من جديد يخرج لنا قلب العقرب من خلف الشمس، ليظهر فجرًا، في 13 يناير يقترن أحد أواخر الأهلة الهجرية مع النجم الأحمر اللامع، وقلب العقرب هو عملاق أحمر عظيم، يمكن أن تصطف بداخله خمسة شموس كتلك التي نراها كل يوم، نتوقع أن ينفجر في أية لحظة خلال مليون سنة من الآن.

15 يناير

اقتران مميز جدًا لكن يعتبر تحديًا صعبًا، حيث يقف كل من القمر الأخير للشهر الهجري، وكوكبي عطارد وزحل الذي بدأ في الظهور باستحياء، معًا على مقربة من الأفق فقط قبل شروق شمس الخامس عشر من يناير بدقائق معدودة، مشهد بديع خاصة أن تلك هي أقرب مسافة يقع عليها كل من زحل وعطارد من بعضهما البعض، الأمر يستحق أن تحاول اقتناصه ويفضل بنظارة معظمة.

26 يناير

يقف القمر بجوار الثنائي الشهير (الدبران Aldebaran) و(الثريا Pleiades) ليصنعا معًا مثلثًا سماويًا مدهشًا مهما تكرر، الثريا هي تجمع نجمي مفتوح يقع على حوالي 420 سنة ضوئية منّا، ويحتوي على حوالي 3000 نجم ساخن طفل.

27 يناير

إن واحد من أهم مشاهد 2018 هو اقتران كل من الدبران والقمر على مسافات قريبة، أحدها في 27 يناير حيث يقف القمر فقط على مسافة حوالي نصف الدرقة من العملاق الأحمر الرائع، الدبران، يبلغ الدبران من الحجم بحيث لو كان بحجم كرة قدم لكانت الشمس بحجم «بلية أو أقل قليلًا»

31 يناير

يشرق القمر بين تجمع القفير من كوكبة السرطان Beehives ونجم قلب الأسد Regulus، تجمع قفير النحل أو M44 هو واحد من ألمع وأهم التجمعات المفتوحة بعد الثريا والقلائص من كوكبة الثور، يبتعد عنا 600 سنة ضوئية ويرى بسهولة في نظارة معظمة، ويشبه فعلاً قفير/خلايا النحل.

يسمى هذا القمر بالقمر الأزرق، بالطبع هو ليس قمرًا أزرق اللون، لكنه تعريف فلكي للقمر البدر الثاني حينما يحل البدر مرتين في نفس الشهر، بذلك يكون يناير 2018 هو شهر القمر العملاق الأكبر، والقمر الأزرق كذلك، بينما يمر فبراير كاملًا دون أية أقمار بطور البدر. يشهد اليوم خسوفًا كليًا لكنه يُرى جزئيًا في الوطن العربي، بصورة أكبر كلما اتجهنا شرقًا ناحية الخليج العربي، وفي مصر لن نرى إلا دخول القمر في شبه الظل Penumbra لمدة نصف ساعة مع شروق القمر.

ألمع نجوم الشهر

علامات رصدية

في سماء يناير لا زال بإمكانك الاستفادة من الأشكال الخريفية السماوية الهامة، وهن أقصد المربع الخريفي متمثلًا في كوكبة الفرس الأعظم Pegasus، لكن السيطرة الكاملة تكون غالبًا لكوكبة الجبار Orion والتي – من خلالها – يمكن لك أن تتبع عددًا ضخمًا من الكوكبات. في الحقيقة لا حاجة لنا هذا الشهر في الخوض بالخرائط الأساسية، فقط تحدثنا عنها في شهور سابقة، وجمعناها معًا في تقريرين هامين يعدان دليلاً أساسيًا لكل مبتدئ ومحترف، إنهما «منارات السماء» و«الصورة الكاملة»، ويمكن خلالهما عمل مسح شامل لسماء الليل.

لكن دعنا هذه المرة نتحول للتركيز فقط على كوكبة الجبّار، تحديدًا نجمين أساسيين بها، الأول هو رجل Rigel، والذي يقف بالأسفل عند إحدى قدمي الجبار، لهذا السبب استلهم هذا الاسم الخاص به، بالعربية «رجل الجوزاء اليسرى»، ويخلط البعض بين كوكبة التوأم فيدعوها الجوزاء، والجبار أو الصياد والتي تحمل الاسم العربي القديم «الجوزاء».

يقف رجل الجبار على مسافة تقترب من 900 سنة ضوئية منّا، بدرجة حرارة سطح تبلغ 10000 درجة، تخيل ذلك. ماذا يمكن أن نتصور إذن حينما نعرف أن درجة حرارة مركزه تتخطى 100 مليون مئوية؟ ما يعني أنه نجم ممتلئ بالطاقة، ويعني ذلك أيضًا أنه سيتطور لينفجر لا ليترك سديمًا كوكبيًا.

لذلك، في الحقيقة، يجب أن نكون شاكرين أنه يقع على تلك المسافة، فرجل يمكن له أن ينفجر في أي وقت خلال السنوات المئة ألف القادمة، فهو عملاق أزرق فائق White Supergiant، وهي مجموعة من النجوم قصيرة العمر، بل فقط عدة مئات من الملايين من السنوات، وذلك لأنها تحرق وقودها من الهيدروجين بسرعة هائلة وتتجاوز مرحلة العملاق الأحمر الفائق لتنفجر سريعًا عن المعتاد.

أما عن ابط الجوزاء Betelgeuse فهو أول ما يلفت انتباهك بلونه الأحمر اللامع. وهو عملاق فائق أحمر Red supergiant قارب عمره على الانتهاء، يتوقع العلماء أنه أحد أهم المرشحين للانفجار خلال المائة سنة القادمة، ويعتقد أنه سوف ينفجر ليضيء السماء بما مقداره قمر في التربيع الأول مثلًا.

في نهاية عمره، ينضب وقود النجم، أي نجم، من الهيدروجين، فيتضخم حجمه وتقل حرارة سطحه، لذلك يتحول لونه للأحمر، وإذا كان النجم من الضخامة بما يكفي، نتحدث عن أكبر من ثماني كتل شمسية، ابط الجوزاء مثلاً يساوي 15 كتلة شمسية، فسوف ينفجر متسببًا في مستعر أعظم، وهي الحالة في رفيقينا هنا، ابط الجوزاء ورجل.

ابط الجوزاء هو نجم متغير؛ أي أنه يتضخم وينكمش في الحجم، لكن ذلك يحدث ببطء شديد، مرة كل حوالي 6 سنوات. أما عن نجوم حزام الجبار فهي النطاق Alnitak، ثم النظام Alnilam، ثم المنطقة Mintaka، وهي بالعربية والإنجليزية نفس النطق، والنجوم الثلاثة من فئة العمالقة الزرقاء، وتبتعد عنا على مسافات 800، 1300، 900 سنة ضوئية حسب نفس ترتيبها بالأعلى.

علامات تلسكوبية

يقف تجمع القفير على حدود قدرتنا على الرصد بالعين المجردة، فمع قدر 3.7 يمكن فقط أن نراه بنظارة معظمة، أما بالنسبة للعين فيمكن فقط في ليلة حالكة أن تراه في قلب كوكبة السرطان مثل غيمة خافتة لا تعرف إن كانت نجمًا أم لا، أما مع تلسكوب صغير أو متوسط فأنت على موعد مع مشهد سماوي بديع، التجمع له رقم في الأطلس العام الجديد NGC 2632، ورقم آخر في أطلس مسيية M 44، وهو بلا شك واحد من أعظم التجمعات وأشهرها بالنسبة لهواة الفلك، بعد الثريا Pleiades والقلائص Hyades من كوكبة الثور Taurus.

يحتوي التجمع على قرابة 1000 نجم، بمتوسط 500-600 كتلة شمسية في المجموع، ومعظمها (68% منها) من الفئة الحمراء البرتقالية (الفئة M من النجوم تتميز بدرجة حرارة سطح منخفضة تتراوح بين 3400 إلى 3700 درجة مئوية، وتمتد كتلها من نصف إلى أكبر قليلًا من ثلاثة أرباع كتلة شمسية للنجم الواحد، وبالطبع تلمع أقل، ولها نصف قطر أقل من الشمس.

البقية من النجوم (30%) الخاصة بالتجمع تتراوح درجات حرارتها من 3700 درجة حتى 7500 درجة مئوية، ويتبقى عدد قليل جدًا منها (2% فقط) ضمن حيز الـ 10000 درجة، وهي نجوم عملاقة تمتد حدود كتلها إلى مرتين أو أكثر قليلاً مقارنة بالشمس، وقد تصل ضيائيتها إلى 25 ألف مرة مقارنة بشمسنا الدافئة.

بجانب تجمع القفير الممتع يمكن لك كذلك عبر نظارة معظمة وتلسكوب صغير متابعة مجموعة أخرى من الروائع التي أرفقتها لك في الجدول التالي، ربما هنا سوف تحتاج لأطلس مبسط، أرشح لك Sky Atlas 2000، أو Deep Sky Hunter لمستوى متقدم، يمكن الحصول على نسخ منهما عبر بحث قصير عبر الويب، تلك المجموعة مع تلسكوب صغير وكوبين من الشاي الساخن أو ربما بعض القرفة بالجنزبيل تنبئ بليلة رصد ممتعة.

حكايات النجوم

الباكيات الممطرات The Rainy Ones، أو القلائص Hyades هن نصف بنات أطلس وأثيرا، النصف الآخر هن الأخوات السبع، وبذلك نحصل على 14 حورية، اختصصن بعدة مهام سماوية أهمها رعاية ديونيسوس الوليد الذي أخرجه ملك الآلهة جوبيتر من لحمه، وأعطاهن إياه لتربيته، كان لهن أخ يدعى «هاياس» وكان صيّادًا ماهرًا، لكنه قُتل، وتسبب ذلك في حزن شديد، فقرر جوبيتر جزاء لخدمته في تربية ديونيسوس أن يرفعهن إلى السماء، هناك في كوكبة الثور بين الدبران والقلائص، لكن حزنهن على أخيهن لم ينتهِ فاستمررن في البكاء، وتقول الأسطورة إنهن سبب أمطار مايو ونوفمبر.