واغادوغو :ما هو حكم استهداف السياح؟
«أقدمت زمرة من فرسان المرابطين على الانغماس في فندق (splendid) في قلب العاصمة البوركينية، والذي يرتاده موظفو أمم الكفر العالمي ، تذكيرا لعُبّاد الصليب بجرائمهم في حق أهلنا في إفريقيا الوسطى ومالي وسائر بلدان المسلمين، وثأئرا لنبينا صلى الله عليه وسلم».
مقتطفات بيان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب بعنوان «من فرسان الجهاد إلى عُبّاد الصليب» الذي تبنى فيه الهجوم على فندق splendid بأوغادغو، تحمل في طياتها عدة رسائل توضح الدوافع السياسية والعقائدية وراء الهجوم.
كانت الآونة الأخيرة قد شهدت توسعا شاملا في خريطة العمليات الجهادية والانتحارية، مستهدفة المنتجعات السياحية والسياح، تزامنا مع توسع وتمدد الحركة الجهادية العالمية والتي حملت في طياتها كثيرا من مشاعر الكراهية للفئات غير الإسلامية، ومن ثم عملت على التنظير لاستهداف «الكفار» ووضع أسس فكرية وفقهية تجيز قتل الأجانب المشركين.
ومن هنا تثور عدة أسئلة حول لماذا يستهدف الإرهاب الوجهات السياحية والسائحين الأجانب؟ وما هو حكم استهداف السياح الذي يعتمد عليه الجهاديون؟
استهداف السياح من القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية
العمليات الجهادية والانتحارية التي استهدفت السياحة في عواصم الدول الإسلامية مرت بمرحلتين تأثرتا بعدد من العوامل التي أدت إلى تغيير الأدوات التي اتبعتها الجماعات الجهادية المسلحة في تنفيذ عملياتها، ويمكن رصد المرحلتين وفقا لأسبابهما كالآتي:
المرحلة الأولى: هي مرحلة الاحتطاب وتمتد من تسعينات القرن الماضي وحتى عام 2011، فقد شهدت هذه الفترة عددا لا حصر له من استهداف السياح والمناطق الأثرية والسياحية من قبل تنظيمات السلفية الجهادية، ومنها على سبيل المثال «الجماعة الإسلامية» في مصر، وتنظيم القاعدة الذي انتشر في عواصم دولية كثيرة إسلامية وغير إسلامية، واتُهم التنظيمان في تنفيذ عدد كبير من العمليات التفجيرية والانتحارية في مصر وعدد من عواصم العالم. وكان الهدف من هذه العمليات في التسعينات هو إبراز وتصدير الصراع الدائر بين تنظيمات السلفية الجهادية المسلحة والحكومات الكافرة «وفقا لما يراه الجهادّيون».
تسارعت وتيرة تلك الهجمات في أعقاب أحداث سبتمبر 2001 وغزو العراق 2003 وتنامي تنظيم القاعدة وإقامة عدد من الأجنحة الموالية له في عدد كبير من الدول الإسلامية، حيث اعتبر الحرب الأمريكية على العراق حربا على الإسلام؛ مما أعطى الفرصة للتنظيمات المسلحة في استقطاب الكثيرين ممن تضرروا من السياسات المحلية من انتشار البطالة والفقر وانخفاض مستوى المعيشة، في الوقت الذي نمى فيه قطاع السياحة في كثير من الدول الإسلامية التي أقرت قوانين وسياسات انفتاحية تجيز الخمر وملاهي الرقص، مما اعتبره المجاهدون فسقا وخروجا عن الشريعة الإسلامية.
من الأدوات التي استخدمها المجاهدون في هذه المرحلة عمليات الخطف واحتجاز الرهائن واستهداف المناطق الأثرية وهدم بعض منها، ويرى تقرير لـ «نيويورك تايمز» أن القاعدة جمعت ما بين 125 و 165 مليون دولار من عمليات الاختطاف منذ عام 2008، من ضمنهم 66 مليون دولار تم دفعهم في سنة 2013.
المرحلة الثانية : تبدأ المرحلة الثانية من عام 2011 حتى الوقت الراهن: فلقد مثلت ثورات الربيع العربي المتغير الأساسي في نشاط الحركات الإسلامية المسلحة، حيث حصلت على مساحة من حرية العمل العلني وقدرة تسليحية وتجيشية عالية، وقدرة على استخدام القوة السيبرانية في تجنيد جنود لها وتخطيط العمليات الإرهابية التي تقوم بها، وهو الأمر الذي سمح بتنامي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق في ظل تراجع تنظيم القاعدة في الثلاث السنوات الأولى من ثورات الربيع العربي. كذلك مثّل تراجع تيارات الإسلام السياسي المعتدلة والتي وصلت للحكم في مصر وتونس عاملا مؤثرا في تزايد العمليات الإرهابية والتي استهدفت قوات الشرطة والجيش وعناصر المعارضة السياسية.
ولكن هناك ثمة عوامل أدت إلى تحول في إستراتيجية الجهاديين إلى استهداف السياح والمناطق السياحية حيث التدخل الروسي العسكري في سوريا وتكثيف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أدى إلى خسارة التنظيم أكثر من 40% من الأراضي التي سيطر عليها، بالإضافة إلى أن سياسات تجفيف منابع التمويل قد أثرت على قدرته التنظيمية والتسليحية، ناهيك عن فقدان التنظيم الكثير من التعاطف الشعبي الدولي بعد استهدافه للمدنيين وقيامه بسلوكيات ذبح وحرق واختطاف النساء واغتصابهن في المناطق التي سيطر عليها.
كل هذه العوامل دفعت بالتنظيم إلى إيجاد بديل لتحسين صورته واستعراض قوته في حملة دعائية كبرى دون أن يفقد شعبيته، وهو عن طريق استهداف السياح الأجانب، وهو ما ظهر في تبني التنظيم هجوم باردو وسوسة في تونس في عام 2015، حيث أكد البيان الذي نشرته مؤسسة أجناد الخلافة بإفريقية تحت عنوان غزوة القنطاوي أنه «لا عهد بيننا وبين النصارى ولا أمان بيننا وبينهم وأنتم تشركون بالله ولإخواننا في الشام واليمن والعراق تقصفون»، وهو ما أكده البغدادي في خطابه في نهاية 2015 بضرورة استهداف اليهود في كل مكان وهو ما أكده البيان الذي تبنت فيه ولاية سيناء هجومها على أتوبيس الهرم أنه تنفيذ لأوامر البغدادي.
في الوقت نفسه ومع نهاية 2015 عاد تنظيم القاعدة مرة أخرى إلى الساحة الجهادية وأصبح ينافس تنظيم الدولة الإسلامية في آسيا وأفريقيا، ولكن تظل سياسة القاعدة في استهداف العدو البعيد «الأجانب» في جميع الأرجاء، وهو ما أقره بيان التنظيم الذي تبنى فيه الهجوم على فندق splendid في عاصمة بوركينا فاسو واغادوغو، مؤكدا أن الهجوم استهدف الفندق الذي يرتاده موظفو «أمم الكفر العالمي» أي موظفو الأمم المتحدة، معتبرين ذلك تذكيرا للعدو بأفعاله وجرائمه في إفريقيا الوسطى ومالي وسرقته لثروات تلك الشعوب والعبث بأمنهم، وهو ما يماثل الهجوم الذي شهدته العاصمة الأندونيسية جاكرتا قبل هجوم أوغادوغو بأيام مستهدفا أيضا مكاتب يرتادها موظفي الأمم المتحدة ولكن هذه المرة تبنى داعش الهجوم.
وبالرغم من الاختلافات الفكرية والتنظيمية للقاعدة وتنظيم دولة الإسلام، إلا أن التنظيمان يتقاربان فكريا من حيث جواز استهداف السياح وفقا لعدد من الأدلة الفقهية.
ما هي الأسانيد الفقهية التي تجيز استهداف السياح
يمكن تلخيص الدوافع السياسية والاجتماعية التي تفسر تزايد العمليات الإرهابية ضد السياح في كونها وسيلة دعائية للتنظيمات المسلحة، وآلية للحشد واستقطاب فئات الشباب التي تعاني من استبداد الأنظمة السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
كما تعتبر وسيلة ضغط ذات بعدين بتأثيراتها الداخلية والخارجية المتبادلة فهي من ناحية تعمل على تدهور الأوضاع الاقتصادية للبلاد الفقيرة التي تمثل فيه عائدات السياحة جزءًا كبيرا من الناتج القومي، وإحراج النظام السياسي وإظهار عجزه في حماية المدنيين بالداخل، وكذلك إرسال رسائل إلى الخارج مفادها أنهم مستهدفون ويمكن الوصول إليهم في أي مكان وهو ما يمثل فقدان تلك الأنظمة لتأييد الرأي العام.
ولكن بالإضافة إلى هذه الأسباب السياسية هناك مجموعة من القيم العقائدية التي تدخل قتل السياح واستهداف المناطق السياحية ضمن باب الجهاد يمكن عرضها من خلال قراءة سريعة في مقالة بعنوان «القول الصريح في حكم استهداف السياح» للشيخ أبي عمر الفاروق والتي قامت بنشرها مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي كالآتي:
أولا: لا يعترف الجهاديون والسلفيون إلا بسياحة الجهاد حيث يعتمد الجهاديون على الحديث النبوي الذي ينص على «أن لكل أمة سياحة، وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله». وبالتالي فإن السياحة بأي هدف آخر فهي غير شرعية.
ثانيا: يعتبر الجهاديون السياح الأجانب كفارا، فيقسم الجهاديون الكفار إلى فئتين أهل عهد وأهل حرب، وأهل العهد إما أن يكون عقد جزية أو أمان أو عقد هدنة، وطالما أن السياح لا يملكون عقدا من هذه العقود الثلاثة فهم إذا أهل حرب، وبالتالي فدماؤهم وأموالهم مباحة. وبالتالي يرفض الجهاديون التأشيرة باعتبارها عقد أمان منح للأجانب، لأن الذي أعطاهم هذا العقد كافر أيضا (النظام السياسي)، كما أن تلك الأنظمة تمنحهم تلك التأشيرات لممارسة الرذيلة وتقيم لهم الفنادق وملاهي الرقص.
ثالثا: يعتمد المقال على بعض النصوص القرآنية التي تدعو إلى جهاد وقتال الكفار ومنها «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم…»، والآية الأخرى «وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة». ولكن يجد المشرعون لهذا استثناءً في عدم قتل أحد قال كلمة التوحيد، وذلك بتفسير للحديث النبوي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله».
رابعا: عقيدة التترس عند الجهاديين والتي تجوِّز لهم قتل الأطفال والنساء والمسلمين إذا ما تواجدوا في أماكن سياحية مستهدفة، مستدلين على ذلك بموقف الرسول (ص) حينما نصب المنجنيق على أهل الطائف وهو لا يفرق بين الرجال المقاتلين والنساء والأطفال، ويراه الظواهري وعدد من المنظرين الجهاديين أمرا جائزا لحاجات الجهاد أو ضرورته.
خامسا: يرفض الجهاديون المعارضين لهم بكون السياح مدنيين فيقولون بأن مصطلح مدني ليس مصطلحا شرعيا، بالإضافة إلى أن القوات الأجنبية التي تقاتل في بلاد الإسلام لا تفرق بين المدنيين من النساء والأطفال ولكنها تعمل على هدم المنازل والقرى بشكل كامل.
يبدو في نهاية المطاف أن التيارات الجهادية المسلحة المتصاعدة ترى العديد من المبررات الفقهية والسياسية التي تجيز لها قتل السياح الأجانب، لتحقيق عدد من المكاسب الدعائية لها، على حساب مكاسب الأنظمة والأوطان، وبالتالي فإن عودة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب باستهدافه للسياح في بوركينا فاسو، وما سبقها من تغيير في إستراتجية داعش في استهداف السياحة في اندونيسيا ومصر ومن قبلهما تونس ينبأ بأن الأيام القادمة ستشهد مزيدا الهجمات ضد سياح الدول التي تشارك في الحرب على الإرهاب وخاصة الوفود السياحية لروسيا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل.