حملات الأوسكار: الجانب المظلم للجائزة الأشهر على الإطلاق
جائزة الأوسكار هي الجائزة السينمائية الأكثر جاذبية على مستوى العالم، للمشاهدين والصناع على السواء. يتبارى الكثيرون من أجل هذه اللحظة التي يأتي اسمهم فيها ﻻحقًا على الجملة الشهيرة «والأوسكار تذهب إلى..»، ومن أجل تلك اللحظة وحدها يبذلون الغالي والرخيص، ليس من مواردهم فقط، ولكن من كيانهم كله.
ﻻ يخفى على الكثيرين أن جائزة الأوسكار تمنح بتصويت أعضاء أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، والذين يبلغ عددهم 7 آلاف عضو. ليس هناك لجنة تحكيم متخصصة، هناك فقط 7 آلاف شخص ينتمون إلى صناعة السينما على مستوى العالم، وأصواتهم وحدها هي من تحدد إلى من تذهب الجائزة.
ولكن هل تتكفل الموهبة وحدها بإقناع أعضاء الأكاديمية بالتصويت؟
للأسف لا. فالمعادلة لا تخلو من نشاط جانبي تقوم به الأستوديوهات بشكل ممنهج كل عام قبيل موسم الجوائز فيما يعرف بحملات الأوسكار. في هذا التقرير نتعرف أكثر على طبيعة هذه الحملات ومدى تأثيرها على الجائزة السينمائية الأبرز في العالم.
ما هي حملات الأوسكار؟
تسعى كبرى الشركات والأستوديوهات بهوليوود إلى الفوز بجائزة الأوسكار، ومن أجل ذلك تشن مجموعة من الحملات مع اقتراب الموسم من كل عام. وتتضمن هذه الحملات مختلف الممارسات من الإعلانات والدعاية الإعلامية سواء على شاشة العرض التلفزيونية والفضائية، أو الملصقات الإلكترونية، أو أغلفة وصفحات أشهر الصحف والمجلات الفنية، أو حتى على اللافتات الإعلانية بشوارع لوس أنجلوس ونيويورك.
تتضمن الحملات أيضًا نشاطات جماعات الضغط والتأثير أو ما يطلق عليه «اللوبي»، والعروض الخاصة التي تعقبها مناقشات مع نجوم وصناع الفيلم، بل وأحيانًا تعتمد على إثارة بعض الحقائق التاريخية الخاصة بالمسابقة كحقيقة ندرة ترشح المخرجات النساء إلى الجائزة.
تعمد هذه الحملات إلى خلق سردية خاصة بالفيلم الذي تقوم بالترويج له، وذلك لجذب المزيد من أنظار أعضاء الأكاديمية إلى خصوصية ما قد يحملها هذا الفيلم. فعلى سبيل المثال، قام صناع فيلم «La La Land» في العديد من الحوارات الصحفية والتلفزيونية بالتركيز على قصة صعودهم في هوليوود، وكيف أن هذا الصعود جاء بقدر كبير من المعاناة، وبمقابل الكثير من التضحيات، وهي السردية التي يعتمد عليها الفيلم نفسه.
اقرأ أيضا: ما يجب أن تعرفه عن دعوة «محمد دياب» لعضوية الأوسكار
في المقابل قامت الحملة الدعائية للفيلم المنافس «Lion»، والذي يقوم الخط الرئيسي به على قصة أحد المهاجرين، بالاعتماد على أزمة المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية التصريحات الطائشة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك لخلق سردية حقوقية مسيسة بشكل واضح.
ولكن هل حقًا تؤتي هذه الحملات ثمارها؟
سكوت فاينبرج، الخبير بمجلة The Hollywood Reporter، وأحد أعضاء الأكاديمية وبالتالي أحد المصوتين على الجائزة،قال في حديث لشبكة abc، إن «إحدى أهم الحقائق التي يجهلها الجمهور عن أعضاء الأكاديمية، أنهم أناس عاديون لهم وظائف تستهلك حيزًا كبيرًا من وقتهم، وبالتالي لا تتاح لهم الفرصة لمشاهدة كل الأفلام المرشحة، ولهذا فإن البعض يقوم بالتصويت على أفلام لم يشاهدها، وهنا تأتي أهمية الحملات الدعائية».
ما هو حجم الإنفاق على حملات الأوسكار؟
وفقا لبحث أجرته مجلة فرايتي الأمريكية، فإن تكلفة الحملة الواحدة تتراوح ما بين 3 و10 ملايين دوﻻر، وهو رقم ضخم بالتأكيد إذ إن بعض ميزانيات الأفلام متناهية الصغر قد يبلغ مليون دوﻻر واحد كما في حالة فيلم Searching من إنتاج شركة Bazelevs Company عام 2018، وهو ما يعني أن الأستوديوهات قد تنفق ميزانية 10 أفلام كاملة على حملة دعائية للفوز بجائزة أوسكار أو أكثر لأحد أفلامها.
قد تصل تكلفة الدعايا إلى 25 ألف دوﻻر للإعلان الخارجي (Outdoor)، و70 ألف دوﻻر للإعلان بحجم صفحة كاملة في مجلة فرايتي. يأتي بعد ذلك السفر والجولات الدعائية في لوس أنجلوس ونيويورك وغيرها من المدن العالمية، والتي تعتبر ثاني أكبر مصارف الحملات الدعائية للأستوديوهات في موسم الجوائز بعد الإعلانات التلفزيونية.
هل هناك مبرر منطقي لإنفاق كل هذه الأموال؟
وفقا لإيرا كالب، أستاذ التسويق بجامعة جنوب كاليفورنيا (U.S.C)، فإن الفيلم المرشح للأوسكار تزيد إيراداته في شباك التذاكر بمقدار 12.7 مليون دوﻻر على الأقل. بالطبع هذا رقم تقديري قابل للزيادة والنقصان، لكن الأكيد أن إيرادات الأستوديوهات تزيد بنسبة أكبر من ذلك بشكل مباشر وغير مباشر، فكيف هذا؟
غني عن البيان أن الأفلام المرشحة لجائزة الأوسكار تحظى باهتمام مضاعف من قبل الجمهور، وبناء عليه فإن الفيلم الذي يحمل ملصقه الدعائي شارة الأوسكار ستزيد إيراداته بشكل كبير، ليس فقط من خلال شباك التذاكر، ولكن أيضًا بزيادة مبيعات النسخ المنزلية والإلكترونية ما بعد العرض السينمائي. ففي مصر قد يتاح لعشاق السينما تحميل النسخ المقرصنة من الأفلام إذ لا توجد هنا أي مسئولية جنائية مترتبة على هذا الانتهاك، لكن في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا فالأمر مختلف، فعليك أن تقتني نسختك الخاصة من الفيلم بشكل شرعي، وإذا كنت بصدد شراء نسخة بلوراي من أحد الأفلام، ستجد هناك على أحد الرفوف وبشكل بارز مجموعة الأفلام التي يحمل ملصقها شارة حامل السيف الشهير بالأوسكار.
وبالعودة إلى اقتباس سكورسيزي الذي صدرنا به المقال، فإن الفوز بالأوسكار يكفل للأستوديوهات فرصة أكبر في الترويج لأعمالهم المستقبلية، فما كانت الأستوديوهات لتتعاقد مع سكورسيزي – وهو من هو- على أكثر من فيلم دفعة واحدة إﻻ لإدراكها لحجم وتأثير فوزه بهذه الجائزة على توجهات المشاهدين مستقبلًا.
ما هو موقف الأكاديمية من هذه الممارسات؟
في يونيو 2016، أصدرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، المانحة لجائزة الأوسكار،مجموعة من اللوائح الجديدة والخاصة بالحملات الدعائية، أهمها تلك الخاصة بمنع الشركات والأستوديوهات من التواصل المباشر مع المصوتين بعد الإعلان عن الترشيحات النهائية، وذلك لضمان النزاهة وإتاحة فرصة أكبر للأفلام المستقلة متواضعة الميزانية.
حاولت الأكاديمية أيضًا وضع قيود على حجم الإنفاق على مثل تلك الحملات، لكن يبدو أنه من الصعب إلزام الأستوديوهات بهذا المبدأ بشكل قانوني في دولة يقوم نظامها القانوني على الحرية الفردية، لذلك يبقى الأمر رهينًا بتوجهات الشركات والأستوديوهات الكبرى، كما أن هذه اللوائح لا تخلو من الثغرات التي يمكن النفاذ منها.
فعلى سبيل المثال، تمنع تلك اللوائح التواصل المباشر مع الأستوديوهات الكبرى وبين المصوتين من أعضاء الأكاديمية، غير أن الأستوديوهات تسعى إلى توجيه حملاتها إلى الجمهور بشكل عام، وإن صادف أن تقاطع المصوتون مع هؤلاء الجماهير فلا جرم في ذلك.
تضمنت الحملة الدعائية للنجم ليوناردو دي كابريو الذي فاز بالجائزة قبل 3 أعوام، لقاءه مع بابا الفاتيكان. بالطبع هذا الحدث لم يكن موجهًا للمصوتين، ولكنه بالتأكيد سيترك أثره عليهم، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى ظهور دي كابريو في المنتدى الاقتصادي العالمي إبان موسم الجوائز.
المناقشات المباشرة مع المصوتين لها أهميتها أيضًا، وهي ما يطلق عليها «Face Time» أي مقابلة النجوم وجهًا لوجه، فأغلب أعضاء الأكاديمية شأنهم شأن الجماهير، يتوقون إلى لقاء نجوم الأوسكار، والحديث معهم وجهًا لوجه، وربما التقاط بعض صور السيلفي.
تسعى الأستوديوهات إلى تنظيم الحفلات والعروض الخاصة بكثافة لتوفير مثل هذه المقابلات، والفرصة لمناقشة نجوم وصناع الأفلام المرشحة، مثل حفل الغداء السنوي لمرشحي الأوسكار، أو حتى إرسال نجوم أفلامهم إلى المهرجانات المحلية الصغرى مثل مهرجان Santa Barbara السنوي، والتي يتسنى لهم من خلالها مقابلة المصوتين.
أما أبرز استراتيجيات الحملات الدعائية المألوفة لدى الجماهير، هي لقاءات البرامج التلفزيونية والتوك شو، والتي يتم ترتيبها بكثافة فائقة في أوقات متفرقة من اليوم، برامج صباحية ومسائية متأخرة، في برامج مثل SNL، وJimmy Kimmel Live، وThe Ellen DeGeneres Show، وغيرها من البرامج ذائعة الصيت، وواسعة الانتشار.
هل تكفي الموهبة وحدها للفوز بالأوسكار؟
في حديثه لشبكة abc، يقول سكوت فاينبرج، إن «الأمر لا يتوقف على الأداء الجيد وحده، ولا على الحملة الدعائية وحدها، وإنما هو مزيج من الاثنين. فإن قدم ممثل أداء مبهرًا في فيلم ما، لا يكفيه ذلك دون حملة دعائية تلفت الانتباه إلى الفيلم».
بالرغم من وجاهة طرح فاينبرج، فإن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ ﻻ تخلو تلك الحملات من الممارسات غير الأخلاقية وذلك فيما يعرف بـ«حملات التهامس»، والتي تعتمد على إثارة الشائعات بين أعضاء الأكاديمية بشأن مرشح ما للتأثير على فرصه في الفوز بالجائزة.
أشهر الأمثلة على ذلك الحملة على الممثل كيسي أفليك قبل عامين والتي تمحورت حول اتهامات مسبقة له بالتحرش الجنسي، وهي الحملة التي شنتها بعض الأستوديوهات ووكلاء الممثلين المنافسين له. غير أن أفليك تجاوز حملة الهمس ووصل إلى الجائزة.
وفقًا لمجلة فرايتي،تنفق الأستوديوهات عشرات الآلاف من الدوﻻرات على الاستشاريين والخبراء الكبار مثل Cynthia Swartz، وKaren Fried، وLisa Taback، لإطلاق حملات التهامس، كما أن هذه الأرقام تتضاعف بوصول الأفلام إلى القائمة القصيرة للترشيحات، ثم إلى الترشيحات النهائية، وبالطبع مع الفوز بأي من التماثيل الذهبية الشهيرة. كما أن هؤلاء المستشارين يزودون الأستوديوهات بكافة البيانات التفصيلية بشأن توجهات المصوتين وآرائهم تجاه المرشحين.
عندما يتعلق الأمر بالرجل حامل السيف، فأي شيء يمكن أن يؤثر على المصوتين، وبالتالي على من تؤول له الجائزة بنهاية الحفل الصاخب في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة من شهر فبراير. أستوديوهات هوليوود الكبرى تدرك ذلك جيدًا، وتلعب عليه، وتعرف أيضًا أن الموهبة وحدها لا تكفي للفوز بالأوسكار.