أوسامو تيزوكا: والت ديزني اليابان
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ربما يكون الجمال المركب لـ«الإنيمي» و«المانغا» هو أعظم وأكثر الصادرات الثقافية اليابانية تأثيرًا، لكنه لم يكن ليوجد لولا رجل واحد، رجلٌ يخيم على الثقافة الشعبية اليابانية ويُعرف في جميع أنحاء اليابان بأنه فنانها المعاصر الأكثر أسطورية. هذا الرجل هو «أوسامو تيزوكا»، والذي يلقب عادةً بـ«إله المانغا»، و«الأب الروحي للأنمي»، و«والت ديزني اليابان».
بعد طول انتظار، وصلت السيرة الذاتية لـ«تيزوكا» إلى الولايات المتحدة، بعد 14 عامًا من ظهورها في اليابان لأول مرة. نُشرت قصة «أوسامو تيزوكا»، والتي ترجمها مؤخرًا «فريدرك سكود»، لأول مرة متسلسلة في اليابان بين عامي 1989 و1992، وهي عبارة عن مجلد ضخم مكون من 900 صفحة يستكشف حياة تيزوكا والمجتمع الياباني ما بعد الحرب، والطريقة التي غير بها تيزوكا الثقافة اليابانية إلى الأبد.
بالطبع اقتناء قصة تيزوكا أمر ﻻ بدّ منه بالنسبة لمعجبيه المتشددين، ولكن قراءتها أيضا أمر ضروري لكل من يحب أو يرغب في فهم تاريخ المانغا والإنيمي، فضلا عن أولئك المفتونين بيابان ما بعد الحرب وتحولها إلى مجتمع صناعي كبير وحديث.
الكثير من أفضل أعمال تيزوكا غير معروفٍ على نطاقٍ واسع
كان «تيزوكا» فنانًا عبقريًا أنتج في حياته أكثر من 700 قصة «مانغا» – تضمن 150,000 صفحة من الفن المرسوم باليد – وأكثر من 60 أنمي، ما جعله أحد أكثر صانعي المانغا اليابانيين إنتاجًا في التاريخ.
يتجاوز تأثير المشوار المهني لتيزوكا على الثقافة اليابانية فنه الفعلي بكثير، رغم أن فنه شديد التأثير. لكن على نفس القدر من الأهمية يأتي دوره في إنشاء الصناعة العريقة التي تدور حول أخذ القصص المصورة (كومكس) اليابانية، أو المانغا، وتطويرها إلى مسلسلات رسوم متحركة تليفزيونية يابانية، أو أنمي، وتصديرها حول العالم.
بدأ تيزوكا عمله في أواخر الستينيات بالمانجا الأيقونية «أسترو بوي»، والتي تم تحويلها إلى أنمي حقق نجاحًا واسعًا. تلك العملية من التحويل الأمين للأصل، بجانب تكنيكات التحريك (أنيميشن) العديدة التي استحدثها تيزوكا في اليابان لتسريع عملية التحويل، والتي بدأت تقليدًا صناعيًا يستمر إلى الوقت الحالي؛ لقد شكلت صناعة المانغا/الأنمي، بنمطها الفني وهويتها اليابانية المميزة، الثقافة اليابانية بعمق.
في الولايات المتحدة، يعرف تيزوكا بشكل رئيسي بمانغا وأنمي «أسترو بوي»، ومانغا «بوذا»، وأنمي «كيمبا الأسد الأبيض»، والذي نُشر في البداية على هيئة مانغا إمبراطور الغابة. لكن رغم عدم كونه معروفًا على نطاقٍ واسع، كان تأثير تيزوكا في الولايات المتحدة ملموسًا، حيث يبرز هذا في الأعمال التي تأثرت بأسلوبه الفني وقصصه. أعجب «ستانلي كوبريك» بتيزوكا وطلب منه أن يكون المصمم الفني لفيلم «2001: A Space Odyssey» (لكن تيزوكا اضطر إلى رفض العرض لأنه كان لديه الكثير من العمل للقيام به في اليابان).
وبعد خمسة أعوامٍ فقط من وفاة تيزوكا بالسرطان عام 1989 في الستين من عمره،يبدو أن «ديزني» قد سطت بشكلٍ فاضح على أحد أكثر الأعمال المحبوبة لتيزوكا، «كيمبا الأسد الأبيض»، حيث اقتبست أحداثًا رئيسية كاملة وعدة إشارات فنية واضحة من الأنمي لفيلمها الذي حقق نجاحًا هائلًا: «الأسد الملك».
مشهد السحابة الشهير من مانغا إمبراطور الغابة (1954-1950) لتيزوكا والتي تم تحريكها لاحقًا لتصبح كيمبا الأسد الأبيض، والتي قد تكون بدورها قد ألهمت مشهدًا مماثلًا بفيلم الأسد الملك لديزني.
يظهر المشهد الافتتاحي لـ«كيمبا الأسد الأبيض» العديد من سمات أسلوب تحريك تيزوكا المميزة.
بينما كان تأثير تيزوكا على مشهد الرسوم المتحركة الأمريكية غير مباشر في أغلبه، إلا أن محبيه يقومون بأفضل ما يستطيعون لتعويض ذلك. في عصر الإنترنت، قام محبي المانغا بالتمويل الجماعي لإصداراتٍ جديدة للعديد من أعمال تيزوكا، والتي تظل تحتفظ، حتى بعد كل تلك العقود، بخصائص انفعالية غريزية وفريدة:
كيف وصلت سيرة «تيزوكا» إلى الولايات المتحدة
بدأ نشر النسخة اليابانية منقصة «أوسامو تيزوكا» في أجزاءٍ متسلسلة عام 1989، بعد مدةٍ قصيرة من موت تيزوكا، حيث بدأت كمانغا حقيقية – قصص مصورة يابانية تعليمية متسلسلة – وصدرت في مجلة أسبوعية يابانية بدايةً من عام 1989. نُشرت النسخة النهائية لأول مرة على هيئة كتابٍ كامل عام 1992، وهو العام الذي انتهى فيه التسلسل.
ربما يكون الافتقاد إلى مصادر سهلة لنشر المانغا بالخارج هو سبب استغراق الأمر 14 عامًا ليصل إلى الولايات المتحدة. بالطبع، هناك أيضًا سببٌ آخر: إنها هائلة الحجم – حيث تضم في مجملها 928 صفحة، وهي إضافة مميزة لرف كتب.
يُقرأ الكتاب كما تقرأ جميع المانغا التقليدية، من اليمين إلى اليسار ومن الخلف إلى الأمام بدلًا من أن يكون من اليسار إلى اليمين ومن الأمام إلى الخلف. إنها قصةٌ مصورة يابانية، لكنها ليست عملًا من الخيال؛ وإنما قصة حقيقية منمقة تذهب إلى تفاصيل مذهلة عن حياة تيزوكا، وبشكل لا يقل أهمية سياق التوترات السياسية اليابانية والتحولات الثقافية التي بدأ فيها عمله.
العمل بالكامل هو من كتابة ورسم المانغاكا (فنان المانغا) «توشيو بان»، والذي عمل كمساعدٍ لتيزوكا طوال فترةٍ امتدت إلى 15 عامًا. كزميلٍ وصديقٍ قديم لتيزوكا، تحمل بان، بينما كان يعمل على المانجا، مسؤوليةً لم تقتصر فقط على سرد قصة حياة مديره السابق بأمانة، بل والتقاط جوهر أسلوبه شديد التفرد في الرسم أيضًا.
لتحقيق هدف الدقة التاريخية، بحث «بان» بعنايةٍ شديدة في السياقات التاريخية والبصرية لمانغا تيزوكا، عادةً باستخدام حوارات مع الأشخاص المقربين من تيزوكا واستقاء رسوماتٍ من المانغا من صورٍ حقيقية. كما ضمّن أيضًا اقتباساتٍ وصورًا من مانغا تيزوكا في رسوماته، حيث تمتلئ جميعها تقريبًا بالتفاصيل البصرية والواقعية:
لتحقيق هدف الظهور بأسلوب تيزوكا، استخدم «بان» إحدى شخصيات تيزوكا، رجلٌ عجوز لطيف له شاربٌ فظ على نحوٍ خادع، يسمى «شونساكو بان»، أو «موستاشيو». ويقوم موستاشيو بدور الراوي خلال رحلة القارئ عبر حياة تيزوكا الغنية.
كثيرًا ما يمزج الكتاب بسلاسة بين أعمال تيزوكا ورسومات بان، مشيرًا إلى التحولات بخطٍ صغيرٍ فقط. في بعض الأحيان يستخدم بان موستاشيو للتعليق على تطور أسلوب تيزوكا، راسمًا موستاشيو معلقًا على نسخةٍ معادٍ طبعها من أعمال تيزاكو، في إحدى اللحظات الكثيرة حيث يبدو أن ماضي ومستقبل فن المانجا يتقاربان في محادثةٍ حرفية.
كان «سكود»، مترجم النسخة الإنجليزية الجديدة، زميلًا قديمًا لتيزوكا، حيث بدأ ترجمة أعماله في أواخر السبعينيات، بعد أن صنع تيزوكا لنفسه اسمًا بالخارج. في مقدمة الكتاب، يلفت سكود النظر إلى اندهاشه، بينما كان يترجم المانغا، باكتشاف أنه قد تم رسمه بالفعل في مرحلة ما – وأنه قد أصبح شخصية ثانوية في حياةٍ واسعة وضخمة.
الدرس التاريخي في سيرة «تيزوكا»
تقومقصة «أوسامو تيزوكا» بثلاث وظائف. إنها حكاية ممتعة عن متبصرٍ دؤوب في عمله، وسيرة حياة أحد أشهر فناني اليابان، وتاريخٌ متعمق ليابان القرن العشرين، منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية وانتهاءً بالعصر الحديث. ليس من المفاجئ أن محبي المانغا في الولايات المتحدة كانوا ينتظرون نشر النسخة الإنجليزية من ذلك المجلد بشيءٍ أشبه بالتبجيل المقدس.
بدءًا بطفولة تيزوكا وافتتانه بعروض تاكارازوكا النسائية بالكامل، تتبع السيرة حياة تيزوكا على أقرب نحوٍ ممكن، حيث تؤرخ الوقت الذي قضاه في أكاديميةٍ عسكريةٍ صارمة عندما كانت اليابان على شفا الحرب، غزواته الأولى في مجال الرسم، اكتشافه للقصص المصورة الأمريكية، تجاربه في مدرسة الطب، وشغفه الذي استمر طوال حياته بفنه.
خلال كل ذلك، يتردد صدى السياق السياسي العالمي والسياسي الأوسع – مسرح الحرب الدولي، الطفرة الصناعية ما بعد الحرب، وصعود اليابان كدولةٍ حديثة – في خلفية التركيز المفصل على حياة تيزوكا المهنية.
تنجح القصة المصورة في تطويق كل ما هو صغير على نحوٍ لا يمكن تصديقه وضخم على نحو لا يمكن تصديقه في وقتٍ واحد، أحيانًا داخل نفس الإطار – على سبيل المثال، تسلسلات مثل التي توضح حب تيزوكا لجمع الحشرات على خلفية الإمبريالية اليابانية وخط سير الحرب عبر مسرح المحيط الهادي. عادةً ما يقدم بان مشاهد الحرب الدرامية تلك في إطاراتٍ متفاوتة الحجم حادة الأطراف مليئة بالظلمة.
يتحمل «بان» عناءً شديدًا لتوضيح المؤثرات التي ميزت مسار تيزوكا خلال الطريق، سواء كانت يابانية أو متعددة الثقافة. تنقل ترجمة «سكود» ورسوم بان بسهولة السعادة التي يشعر بها تيزوكا من تفاعلاته مع الثقافة الغربية – على سبيل المثال، اهتمامه الدائم بالملحنين العالميين الكلاسيكيين أو حبه للسينما العالمية، كما نرى في هذا التصوير لمشاهدة تيزوكا لفيلم «كارول ريد» الشهير «الرجل الثالث».
تمثل لحظات من ذلك النوع تباينًا واضحًا مع المَشاهِد التي تصور تجربة تيزوكا مع فظاعة الحرب. تشغل خلفية الحرب حوالي ربع الكتاب بالكامل – بسبب تأثيرها على تيزوكا كشخص وعلى المجتمع الياباني ككل. عادةً، يدع بان فن السيرة الذاتية لتيزوكا يتحدث عن نفسه، خاصةً في تسلسلٍ مروعٍ يضم رسوماتٍ معادٍ طبعها بواسطة بيبر فورترس، مانجا تيزوكا عن قصف أوساكا بالقنابل الحارقة عام 1945.
من المدهش، إذن، الغياب التام لأي ذكر لقصف «هيروشيما» و«ناجازاكي» – هناك خطٌ زمني يذكره، لكنه لا يظهر في قصة حياة تيزوكا. إنه صمتٌ مطبق ينتهي بدون تعليق في 15 أغسطس 1945، وهو يوم استسلام اليابان للولايات المتحدة. بحلول الوقت الذي أُعلن فيه انتصار الحلفاء وبدأ المجتمع الياباني تجميع شتاته، تبدو القصة مفعمة بالنشاط، كنوعٍ من السعي المحموم للإشارة إلى حياةٍ وحيويةٍ جديدتين.
في تلك اللحظة، نحصل على ما قد يكون أكثر صور المانغا تعلقًا بالذاكرة: كاريكاتيرات تشبه الزومبي لمواطنين يابانيين يتضورون جوعًا، يسقطون ميتين في الحقول نتيجة سوء التغذية. تظهر الجثث في هيئةٍ «جروستيكية» مروعة مبالغٌ بها لا تحمل أي تشابه مع واقعية الأجزاء السابقة المخصصة لتأريخ الحرب. يبدو الأمر كما لو كان هلع الحرب قد ترك اليابان، أو اليابان كما تراها أعين تيزوكا، لفترةٍ وجيزة بدون مساحة نفسية متبقية للواقعية البصرية.
أعمال «تيزوكا» تركز على التطور بدلًا من الإلهام
بعد الحرب، يهيمن فن القصص المصورة المبالغ بها على السردية لفترةٍ وجيزة ويبدأ في تغيير وإعادة إحياء تيزوكا، تمامًا كما يساعد في تغيير وإعادة إحياء اليابان من حوله. تشرح لنا السيرة باستمرار وتذكرنا بحالة صناعة المانجا في اليابان قبل وأثناء وبعد الحرب.
عقب استسلام اليابان، ارتفعت شعبية المانغا مع بحث الجمهور لخصائصها الهروبية؛ كان ذلك بينما كان تيزوكا، باحثًا عن طريقه في عالم النشر، يبدأ معالجة موضوعات أكثر جدية في عمله الفني.
رحلته من تلك النقطة آسرة ومزدحمة ومكثفة، مليئة بالتفاصيل عن متع وإحباطات صناعة نشر ما بعد الحرب – و، لاحقًا، صناعة التحريك. هناك إحجام مستمر يحيط بأخلاقيات عمل تيزوكا القاسية، والتي بدا قلقًا منها ومستسلمًا لها في ذات الوقت. عند نقطةٍ معينة، يصوّر تيزوكا مستخدمًا قنفذ بحر كباعث طاقة للاستمرار في العمل، رغم بقاءه ساعاتٍ طويلة دون نوم.
يتساءل المرء عما إذا كان ذلك الكدح الشديد كان محاولةً للتكيف مع التغيرات الاجتماعية الهائلة التي تحدث حوله، خلال وما بين الحروب المختلفة – الحرب العالمية الثانية، الحرب الكورية، الحرب العربية الإسرائيلية – والتي أرسلت جميعها موجاتٍ من الصدمة عبر المجتمع الياباني. قد يكون أيضًا وسيلةً لتجنب كرهه، المتكرر عبر السيرة، للاتجاهات والموضات المختلفة في عالم نشر المانغا.
على نفس المنوال، يبدو أسلوب «بان» أحيانًا صارمًا، كما لو كان، تكريمًا لتيزوكا، يدفع نفسه بشكلٍ محموم لتدوين كل لحظة من حياة الفنان العظيم كـ«مانغاكا» ورائد للتحريك. سوف ينبهر طلاب الفنون وأي شخص مهتم بإنتاج المانغا والإنمي بلا شك برسومات تلك الصناعات – تساعد التفاصيل الدقيقة مثل شرح «بان» لما هو «بنك الرسم» وتوصيفاتٍ عديدة للاختصارات التي استخدمها المحركون لتقليل الوقت الذي يحتاجونه لإنجاز عملهم حتى القارئ عديم الخبرة عبر الأجزاء الأكثر كثافة المثقلة بالإنتاج.
لكن القارئ الذي يبحث عن لمحاتٍ عن مصادر أفكار تيزوكا، شرارة عبقريته المبدعة، ربما يكون عليه القيام بالقليل من العمل الإضافي. أحيانًا، يبدو تقديم أفكار تيزوكا العديدة مباشرًا على نحوٍ خادع، حيث يمنح الكثير من التركيز لدفعات إنتاجيته مقارنةً بالأصول الإبداعية لعمله.
ربما كمحركٍ زميل، ركز «بان» على ما كان يعرفه – أخلاقيات عمل تيزوكا، عملياته، تصريحاته المتعلقة بعمله، وتاريخه – بدلًا مما لم يكن يعرفه: مصدر أفكاره والطرق التي كان يصيغ بها تيزوكا حبكاته ويخترع ويبني شخصياته وبشكلٍ عام يفكر في القصص التي قضى وقتًا كبيرًا من حياته في صنعها.
رغم ذلك، في الاجتياح الملحمي لسيرة «أوسامو تيزوكا»، هناك الكثير مما يمتع العين ويأسر (ويعلّم) العقل، من التفاصيل البصرية المتغيرة الغزيرة لليابان على مدار تاريخ الأعوام الخمسين التي يغطيها الكتاب إلى الطريقة التي التي يبرز بها تيزوكا نفسه كشخصيةٍ على الصفحة، بين متحمسٍ ونافد الصبر، مليئًا بالطاقة حتى صفحات حياته الأخيرة تقريبًا.