ألف ليلة وليلة: شهريار وشهرزاد في ذاكرة الدراما المصرية
بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد، أن كتاباً ضخماً يحوي حوالي 568 حكاية، قد جمعها المهتمون بالفن والرواية، في مجلدات ضخمة كانت لها غاية، أن تحافظ على هذا التراث الإنساني للنهاية، كانت الحكايات تشكل عقداً طويلاً، حكاية كبيرة تضم حكايات أصغر وأكثر تفصيلاً، تنتج ما اصطلحنا على تسميته «ألف ليلة وليلة»، تحكيها شهرزاد للملك شهريار حتى تنقذ عنقها الجميل من أن يطير كما سبقنها فتيات كثيرات في تاريخ دموي طويل، تلك الحكايات هي أشهر ما قدمت الحضارات القديمة في فن الحكايات الشعبية، وما زالت إلى اليوم تقدم في هيئة أعمال فنية.
ما ألف ليلة وليلة؟
ألف ليلة وليلة حكايات شعبية جمعت على مدار قرون طويلة من قبل مترجمين ومنقحين وباحثين في آسيا وإفريقيا، جمعوا القصص والحكايات التي تناثرت في الحضارات العربية القديمة كحضارة بلاد فارس والرافدين والحضارة البابلية والمصرية القديمة. تدور معظم الحكايات في الكوفة والعراق وإيران والموصل ودمشق والقاهرة في أزمان قديمة، ترتبط في الغالب بزمن الخلافة الإسلامية ويتردد فيها بكثرة اسم الخليفة هارون الرشيد.
وكأي تراث شعبي يخص الحضارات القديمة، أصبحت حكايات ألف ليلة وليلة معينًا لا ينضب للأعمال الفنية العربية، واستلهمها العالم الغربي أيضاً في خلق أفلام المغامرات ذات الطابع الشرقي، بل إن الموسيقى المميزة التي لابد أنها تتردد في رأسك الآن ملازمة للحديث عن ألف ليلة وليلة هي مقطوعة شهرزاد للموسيقار الروسي ريمسكي كورساكوف والتي استلهمها من حكايات ألف ليلة وليلة، واشتهرت مغامرات ألف ليلة وليلة خاصة قصص السندباد، وعلاء الدين، حتى أننا في انتظار صدور فيلم النسخة الحية من قصة علاء الدين والمصباح السحري من بطولة الممثل المصري الأمريكي مينا مسعود، والنجم ويل سميث.
العالم العربي أيضاً استخدم منجم حكايات ألف ليلة وليلة في صناعة العديد من المسلسلات الخيالية، كالمسلسل السوري الذي أخرجه شوقي الماجري عام 2004 بعنوان «شهرزاد الحكاية الأخيرة»، والمسلسل المغربي الذي أخرجه أنور معتصم عام 2014 بعنوان «ألف ليلة وليلة»، أما فيما تبقى من مساحة هذا التقرير فسوف نتتبع مسيرة حكايات ألف ليلة وليلة في ذاكرة الدراما المصرية بشيء من التفصيل.
ألف ليلة وليلة المصرية
عندما نتحدث عن ألف ليلة وليلة في التراث الفني المصري، لا بد أن تستدعي تلقائياً صوت زوزو نبيل المنبعث من الراديو وهي تقول برزانة تمزج بين الرهبة والترقب والذكاء: «بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد». فقد كان المسلسل الإذاعي ألف ليلة وليلة الذي انطلق في الخمسينيات واستمر طوال 800 حلقة، هو البداية لاستخدام حكايات ألف ليلة وهذا التراث الشعبي الضخم فنياً. كان المسلسل الإذاعي من بطولة زوزو نبيل وعبدالرحيم الزرقاني، وكتبه طاهر أبو فاشا، وقد حقق المسلسل نجاحاً أسطورياً يشابه أسطورية الحكايات التي يقدمها، فظل يعرض لمدة 26 عاماً.
ثم في عام 1984 كان أول ظهور لشهرزاد وشهريار على شاشة التلفزيون من بطولة نجلاء فتحي وحسين فهمي، وكان المسلسل من تأليف أحمد بهجت وإخراج عبدالعزيز السكري، وشارك في بطولته شكوكو، وزوزو حمدي الحكيم، وتوفيق الدقن، وقد كان المسلسل يصاحبه صوت سميرة سعيد في التتر وهي تغني «إحكي يا شهرزاد»، وكان مسلسل «ألف ليلة وليلة» هو الظهور الأول والأخير لنجلاء فتحي في الدراما التلفزيونية.
بعد أن حقق المسلسل نجاحاً على مستوى الموضوع، وتقبل الجمهور الحكايات المرئية لألف ليلة وليلة، قام المخرج فهمي عبدالحميد في العام التالي مباشرة في رمضان 1985 بتقديم الحكايات مع طاهر أبو فاشا وبصوت زوزو نبيل وعبدالرحيم الزرقاني في بدايات كل حلقة مع صور متحركة لشهرزاد وشهريار، ثم حلقات حية من بطولة شريهان ومحمود الجندي. المختلف هنا أن فهمي عبدالحميد استخدم حكاية واحدة طويلة من حكايات ألف ليلة وليلة هي حكاية عروس البحور وليس حكايات متفرقة في كل حلقة.
بعدها توالت المسلسلات التي تناولت حكايات ألف ليلة وليلة، والتي كانت أيضاً من تأليف طاهر أبو فاشا وإخراج فهمي عبدالحميد، فقدما عام 1988 الحكايات من بطولة رغدة ومدحت صالح تحت عنوان «ألف ليلة وليلة: بدر باسم وجوهرة بنت السمندل»، وتبعاها عام 1989 بمسلسل آخر من بطولة ليلى علوي وصلاح رشوان بعنوان «ألف ليلة وليلة: الأشكيف وست الملاح»، في المسلسلين أيضاً كان الإطار حكاية واحدة طويلة مليئة بالتفاصيل.
استمر تقديم حكايات ألف ليلة وليلة على التلفزيون في مسلسلات عديدة، فبدأ تقديمها في بداية التسعينيات مع إيمان الطوخي ويوسف شعبان بعنوان «ست الحسن»، ثم مع محمد رياض وبوسي، ثم يحيى الفخراني مع دلال عبدالعزيز عام 1995 في حكايات «علي بابا والأربعين حرامي»، ثم نجم التسعينيات أحمد عبدالعزيز مع دلال عبدالعزيز في «حكايات فضل الله ووردانة» عام 1996، ثم توقفت حكايات ألف ليلة وليلة، من ناحية لأن الدراما التلفزيونية أصبحت نشطة جداً وأصبح رمضان موسمًا ماراثونيًا مشتعلًا، ومن ناحية أخرى لأن حكايات ألف ليلة وليلة في التسعينيات لم تحقق النجاح والاكتساح المطلوب، بدليل أن الغالبية لا تتذكر معظم هذه المسلسلات.
ألف ليلة وليلة العصرية
ألف ليلة وليلة حكايات مليئة بالخيال والحكايات الخرافية والأماكن والشخوص والوحوش والكائنات الغريبة، حكايات متخمة بالتفاصيل الغرائبية على مستوى الحدث وعلى مستوى الأبطال أيضاً، ولذلك فإن هذا الزمن الذي نعيشه الآن والذي يتيح للخيال أن يتحول لحقيقة مرئية على الشاشة عن طريق الجرافيك والخدع البصرية التي أصبح من السهل صناعتها، هو العصر الذي من المفترض أن يكون ذهبياً لحكايات ألف ليلة وليلة.
في عام 2015 كان هناك محاولة جيدة لصناعة مسلسل متقن متطور مأخوذ عن حكايات ألف ليلة وليلة، من بطولة شريف منير ونيكول سابا ومجموعة من النجوم منهم آسر ياسين وأمير كرارة، المسلسل كان من تأليف محمد ناير ومن إخراج عزيز عبدالرؤوف، ورغم أن المسلسل كان مبهراً في أزيائه وإكسسواراته وديكوراته، وكان جيداً من ناحية الخدع والجرافيكس، واستلهم قصصًا متضمنة في حكايات ألف ليلة وليلة فعلاً، فإنه لم يحظ بالنجاح المطلوب، خاصة أنه كان يعرض حصرياً على شاشة شبكة MBC فقط، ولذلك لم ينتشر بين كل المشاهدين.
ما نراه الآن على الشاشة من الدراما الرمضانية – خاصة هذا العام – يستلزم خطوة جريئة لاستعادة الانتعاشة والرواج للموسم الأهم في العام، وحكايات ألف ليلة وليلة مادة خصبة جداً لصناعة دراما مغامرات شيقة سوف تفيد في إنعاش السوق الذي قارب على الاحتضار، ولكن لا يلتفت لها أحد دون أي سبب منطقي.