غرام السلطة لا ينتهي: عمر البشير مرشحًا لانتخابات 2020
مساء يوم الخميس الماضي التاسع من أغسطس/ آب، حسمت مسألة من المسائل التي شغلت الرأي العام السوداني خلال العامين الماضيين وهي مسألة التجديد للرئيس البشير في دورة جديدة بعد هذه الدورة أم لا، خصوصًا مع تعالي الأصوات الرافضة لإعادة ترشيح البشير من قبل قيادات بارزة وتاريخية في حزبه، وتحصن الرئيس البشير بالصمت، ربما إدراكًا لوجود عقبة دستورية تمنعه من الترشح من جديد ولأن الوقت كان لا يزال مبكرًا على نقاش هذه القضية.
خلال هذين العامين تعرض الاقتصاد السوداني لنكسات مستمرة وتبخرت مدخرات المواطنين المالية وانهارت قيمة العملة السودانية لمستويات قياسية، ومع هذا الوضع الاقتصادي المزري والمميت تحركت الحكومة وقامت بخطوات إنقاذية تضمنت القيام بحملة كبيرة على رجال أعمال ونافذين مقربين سابقًا من الحزب الحاكم ممن أطلق عليهم «القطط السمان» تحت شعار مكافحة الفساد وسط همس من المراقبين أن هذه الحملة تستهدف المعارضين لترشيح البشير لولاية جديدة، لكن لم يكن أحد يستطيع نفي أو إثبات هذه المسألة خصوصًا وأن رجال الأعمال الذين تم القبض عليهم لم يكن لهم كبير دور في الحياة السياسية السودانية باستثناء أحدهم الذي كان عضوًا في البرلمان السوداني وأُسقطت حصانته.
اقرأ أيضًا: حرب القطط السمان: هل ينجح السودان في القضاء على الفساد؟
لكن وسط هذا الضيق والألم الذي تعاني منه البلاد واصطفاف المواطنين أمام المخابز ومحطات الوقود وتوقف الصرافات الآلية في عموم العاصمة كانت تتم فعاليات من بعض الشخصيات «المتملقة» والأحزاب الحليفة للحزب الحاكم تطالب بتعديل الدستور من أجل بقاء البشير لدورة جديدة، وكان المواطنون يستقبلون هذه الفعاليات برفض شعبي كبير، والجميع كان يأمل أن الرئيس لن يترشح من جديد للرئاسة لأنه سبق أن أعطى وعدًا للشعب بذلك، بل وقام بخطوات تشمل تعيين نائب رئيس عسكري لأول مرة منذ سنوات، وقتها قيل إنه هو الأيدي الآمنة التي سوف يسلمها الرئيس السلطة وقت أن يتقاعد.
وقت ذلك قيل إنها رغبة إقليمية ودولية بإيجاد مخرج ما للبشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بعد أن توقف عن الشغب وانضم نظامه إلى ركب الدول المعتدلة وانخرط عسكريًا في حرب اليمن مع المملكة العربية السعودية والإمارات.
كان هناك أمل كبير في تحسن أوضاع البلاد ووعود بتدفقات مالية واستثمارات، وخطوة من أوباما رئيس الولايات المتحدة السابق بتعليق العقوبات الاقتصادية على البلاد لمدة ستة أشهر ثم تقييم الوضع للنظر في إلغاء العقوبات الاقتصادية الأمريكية تمامًا بعد ذلك. الجميع كان يقول فلنصبر لبضع سنوات فخارطة طريق خروج البشير وضعت، وهذا المسار أفضل من الدخول في دوامة عنف أهلي يمكن أن يحصل لو تم تغيير النظام بأي مسار غير المسار الدستوري.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي الرغبات الشعبية الرئيس البشير عازم على الترشح من جديد وهذه رغبة شخصية منه، وإن تدثرت برداء المطلب الجماهيري. الحزب الحاكم حسم قراره في اجتماع مجلس الشورى القومي باعتماد ترشيح البشير لدورة جديدة وأعقب هذا الاجتماع خطاب انفعالي للرئيس تضمن وعودًا بتحسين الحالة الاقتصادية للمواطنين ومحاربة الفساد.
اقرأ أيضًا:لأجل دورة رئاسية جديدة: البشير يحارب دولته العميقة
المواطنون تعاملوا مع خطاب الرئيس بلا مبالة كون أن كثيرين منهم لم يعودوا يصدقونه، والمعارضة التي أرادت الاستفادة من اللحظة أيضًا لم يستجب لها أحد كون أن الشعب أصبح مقتنعًا أن المعارضة السودانية بشقيها المدني والعسكري هي شريك أصيل في «ضياع» البلاد مع الحزب الحاكم كونها تصعد ثم تذهب لتتوافق مع الحزب الحاكم وتنال الوزارات وأعلى المناصب البرلمانية وهو ما استغله الحزب الحاكم جيدًا بإظهار مدى فساد ونفاق المعارضة.
باختصار تسود الشارع السوداني موجة إحباط كبير لكن من غير المعلوم هل يتحول هذا الإحباط إلى تحرك جماهيري في الشارع أو اصطفاف خلف أحد منافسي البشير في الانتخابات القادمة كمرشح منافس.
طوال 29 عامًا قضاها الرئيس البشير في السلطة اندلعت الأزمات والحروب في البلاد وحاول العالم وضع حلول لها بما فيها فصل جنوب السودان عن البلاد في دولة جديدة وإعطاء الأقاليم المهمشة وضعًا استثنائيًا لكن الأزمات لم تنقطع والحلول التي وضعها المجتمع الدولي أثبتت فشلها، بل إن المجتمع الدولي بات في أمس الحاجة للبشير في إصلاح أخطائه في جنوب السودان ولمحاربة الهجرة غير الشرعية والإرهاب في الجنوب الليبي.
الرئيس البشير قدم وعدًا للمواطنين في صحيفة الراية القطرية أنه لن يترشح في 2015 ثم قدم وعدًا آخر أنه لن يترشح في 2020 في لقاء مع بي بي سي وصحيفة الأهرام المصرية، لكنه رغم كل هذه الوعود مرشح المؤتمر الوطني للانتخابات المقبلة، إنه أمر لا يمكن وصفه بحب السلطة بل هو غرام كامل بها، الرئيس البشير مغرم بالسلطة للحد أنه سوف يترشح كل مرة إلى الأبد وبهذا يؤكد أنه وبعيدًا عن الأيديولوجية حاكم عربي كلاسيكي تحكمه محددات العقل العربي السياسي الذي تحدث عنها مفكر المغرب العظيم محمد عابد الجابري العقيدة والغنيمة والقبيلة.