عمر عبد الرحمن: إرهابي دموي أم عالم جليل؟
ما بين أنياب المرض والتعذيب قضى «عمر عبد الرحمن» ربع قرن من عمره في سجون الولايات المتحدة الأمريكية، ووفقا لتصريحات أدلى بها نجله «خالد» فإن المخابرات الأمريكية كانت قد توصلت مع أسرته وطالبتهم بالتواصل مع السفارة الأمريكية بالقاهرة لتقديم طلب بشأن إعادته لمصر نظرا لسوء حالته الصحية، ويتم عقوبته في السجون المصرية، ولكنه القدر شاء أن يلقى ربه قبل أن يودع السجون المصرية، فتوفي عبد الرحمن يوم 18 فبراير 2017، فمن هو «عمر عبد الرحمن»؟ وما هي الجماعة الإسلامية وأي وضع عليه الآن؟
من هو عمر عبد الرحمن ؟
ولد «عمر عبد الرحمن» بالعام 1938م بمحافظة الدقهلية، وشاء القدر أن يفقد بصره منذ طفولته، انتقل من الدقهلية إلى دمياط مع أسرته ليتلقى مراحله التعليمية الأولى، ثم التحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها وعين معيدا بالجامعة.
بدء نشاطه السياسي بجماعة الإخوان المسلمين التي التحق بها منذ أن كان في الجامعة بالمنصورة، وبدأ من خلال خطبه في المساجد معارضة نظام الرئيس المصري عبد الناصر، الأمر الذي ترتب عليه اعتقاله وظل في السجن حتى العام 1963، ثم أفرج عنه وفصل من جامعة الأزهر.
بوفاة عبد الناصر اعتقل مرة أخرى في العام 1970، ومع قدوم السادات وإخراجه الإسلاميين من السجن أفرج عنه في العام 1971، انتقل بعد ذلك للتدريس في الخارج إلى العام 1978، وبعد اغتيال السادات اعتقل عمر عبد الرحمن ووجهت له تهم تحريض الناس للقيام بأعمال عنف ضد رجال الشرطة، وقيادة تنظيم الجهاد، إلا أنه بُرّئ من القضيتين، دون اعتماده على محامٍ ومن ثم شهرت مرافعته «كلمة حق»، بعد ذلك سافر إلى الولايات المتحدة الامريكية، واستقر به الحال في الولايات المتحدة الأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي، وهناك اتهم بالتحريض على مركز التجارة العالمي بالعام 1993، فحكم عليه بالسجن مدى الحياة في سجن انفرادي.
واقع الأمر أن محاكمته في الولايات المتحدة ضمت اتهامات عدة أبرزها التآمر على إسقاط نظام الحكم في أمريكا، وكذلك التآمر على أسقاط نظام الحكم في مصر، والتحريض على تفجيرات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويشير البعض إلى أن للنظام المصري عهد «مبارك» دورا بارزا في عملية إيقافه واعتقاله بالولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن بصورة عامة أثرت –وستظل تؤثر- أفكار عمر عبد الرحمن في محاربة الحكام والأنظمة الكافرة -من وجهة نظره- في العديد من رواد الحركة الجهادية، خاصة في مصر، وبصفة أكثر خصوصية في الجماعة الإسلامية التي وصف البعض “عمر عبد الرحمن” بكونه الزعيم الفعلي لها أو على أقل تقدير الأب الروحي لها.
لمحات من تاريخ الجماعة الإسلامية
انطلقت الجماعة بداية السبعينيات من القرن الماضي تحت اسم «الجماعة الدينية» من جامعة أسيوط بقيادة شملت العديد من الأسماء البارزة في التاريخ الإسلامي المصري المعاصر كـ «أبو العلا ماضي، كرم زهدي، عبد المنعم أبو الفتوح، أسامة حافظ» و«صلاح هاشم» الذي تشير غالبية المعلومات إلى كونه المؤسس الفعلي للجماعة.
في العام 1978 عرضت جماعة الإخوان المسلمين على كل الجماعات الإسلامية في مصر الانضمام لها فانقسمت الجماعة إلى فريقين، أحدهما انضم للجماعة -الإخوان المسلمين- وعلى رأسه «أبو الفتوح، ماضي، وحلمي الجزار وإبراهيم الزعفراني»، وفريق آخر رفض ذلك واستمر قائما على الجماعة الإسلامية مثل «صلاح هاشم، ناجح إبراهيم، كرم زهدي».
بعد ذلك بعامين، وتحديدا في العام 1980 تلاقت أفكار «محمد عبد السلام فرج» -صاحب الفريضة الغائبة- مع أفكار أعضاء الجماعة الإسلامية، حيث تعرف «فرج» على «كرم زهدي» الذي كان أحد قيادات الجماعة آنذاك في الصعيد عن طريق صديق مشترك يدعى «شعبان عبد العاطي»، ومن بعده تعرف على «نبيل المغربي، طارق الزمر» من قيادات الجماعة بالقاهرة، وأقنعهم بفكرته لإقامة الدولة الإسلامية والحكم بما أنزل الله، فكون آنذاك «مجلس الشورى» من أعضاء الجماعة بالصعيد، وحدث اندماج بينه وبين مجموعات «محمد عبد السلام فرج».
ومن هنا جاء الترتيب لإقامة الدولة الإسلامية وأولى خطواتها اغتيال السادات وإعلان الانقلاب والسيطرة على الحكم في مصر، ولكن لم يحالفهم الحظ فلم ينجحوا إلا في اغتيال السادات، الأمر الذي ترتب عليه اعتقال أبرز قيادات الجماعة آنذاك، ويشار هنا إلى أنه حدث خلاف بين الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في حدود العام 1983 ترتب عليه القرار بعمل كل طرف بمعزل عن الآخر.
وبعيدا عن عملية اغتيال السادات فإن هناك العديد من أعمال العنف والصدام بين الجماعة الإسلامية وقوات الأمن المصري والنظام القائم آنذاك، آخرها ما عرف باسم «مذبحة الاقصر» في العام 1997 وتحديدا يوم 17 نوفمبر، والتي ترتب عليها تصفية 58 سائحا بالدير البحري بالأقصر، والتي أقيل على أثرها وزير الداخلية المصري آنذاك «حسن الألفي» ليتولى بدلا منه «حبيب العادلي».
في العام ذاته أعلن قيادات الجماعة من السجن «مبادرة وقت العنف» -ورحب عمر عبد الرحمن بذلك وفقا للبعض- والتي أخرجوا على أثرها سلسلة من الكتابات في المراجعات تحت عنوان «سلسلة تصحيح المفاهيم»، والتي شملت أربعة كتب رئيسية، أولها بعنوان «مبادرة إنهاء العنف رؤية ونظرة واقعية»، وقد قام بإعداده كل من (أسامة إبراهيم حافظ، عاصم عبد الماجد محمد)، ثانيها بعنوان «حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين»، وقد قام على إعداده (ناجح إبراهيم عبد الله، علي محمد علي الشريف)، ثالثها «النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين»، وقد قام بإعداده (علي محمد علي الشريف، أسامة إبراهيم حافظ)، رابعها «تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء» وقد قام بإعداده كل من (حمدي عبد الرحمن عبد العظيم، ناجح إبراهيم عبد الله، علي محمد علي الشريف).
الجماعة الإسلامية من العنف للسياسة
منذ العام 2011 وقبل الانتخابات البرلمانية بستة أيام فقط أعلن إنشاء حزب «البناء والتنمية» الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر، وقد تمكن الحزب من الحصول على قرابة 4 ملايين صوت مكنته من الحصول على 17 مقعدا في البرلمان المصري عام 2012.
وحتى لا يكون الأمر مجرد سير في ركب التيار الإسلامي الذي سيطر على الساحة السياسية في مصر آنذاك ظهرت مواقف الحزب المؤيدة للتيار المدني والعلماني وللأقباط لتدلل على أن الحزب بدأ ممارسة سياسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فتنازل عن المقعدين المخصصين له في الجمعية التأسيسية للتيار المدني، كما تنازل عن ثماني مقاعد من أصل اثني عشر مقعدا كانت مخصصة له في مجلس الشورى لصالح التيار المدني والأقباط.
من ناحية أخرى ومحاولة لطمأنة الأقباط أخرج الحزب مبادرة تحت عنوان «وطن واحد وعيش مشترك»، كما شارك الحزب بصورة واضحة في تنظيم مسيرات عهد الرئيس المعزول «محمد مرسي» طالبوا فيها بالعدالة الانتقالية وتشغيل الشباب والمصالحة الوطنية، كما أظهروا في أكثر من موضع اعتراضات على نظام «مرسي» وطالبوا بتغيير الحكومة، كما جاء في تصريحات للقيادي الراحل «عصام دربالة» والتي تفيد برؤيتهم بأن حكومة «هشام قنديل» غير صالحة، كما انتقدوا في أكثر من موضع أخونة الدولة وطالبوا بإشراك رموز مدنية في الحكومة على رأسها «محمد البرادعي» و «عمرو موسى».
مواقف كتلك ربما تحد من فرص الحزب من كسب أتباع التيار الإسلامي لصالحه، لكنه لم يتجاهل ذلك، ففي عهد النظام الحالي تأتي مواقف الحزب التي تحولت من تأييد في البداية، ثم أخذ بالتراجع نحو المعارضة بصورة واضحة للرئيس السيسي، خاصة فيما يتعلق بملف المصالحة، كما جاء في تصريح لـ «طارق الزمر» رئيس الحزب الذي قال فيه نصا: «الدعوة للمصالحة من قبل النظام المصري الحالي وأبواقه ليست بريئة، بما في ذلك ما تم النص عليه في خارطة طريقه، فهذا النظام جاء للحكم وفق أجندة فاسدة ومخطط تخريبي وعمليات خداع كبرى لكل الأطراف الداخلية والخارجية ».
ختاما بقي لنا أمران، الأول متعلق بمستقبل الجماعة الإسلامية، والتي يمكن القول إنه من خلال مواقف الحزب فإن «الجماعة الإسلامية» تسعى بصورة واضحة لكسب كل الأطراف على الساحة المصرية وتنتهج نفس نهج جماعة الإخوان المسلمين في بدايتها كمحاولة للتقرب من الجميع على خطى متساوية، وهذا ربما ينم عن ارتداءالجماعة الإسلامية ثوبا جديدا، ربما يكون مناسبا لها الفترات القادمة وداعما لها كحركة إسلامية «سياسية» فاعلة.
والثاني الإجابة على سؤال: «عبد الرحمن» إرهابي أم داعية؟ واقع الأمر أن هناك شعرة بين التصنيفين، وكعادتها تلك الأسئلة المرتبطة بدراسة شخصيات ذات صلة بالحركات الإسلامية تحمل إجابات متعددة مقترنة بالأهواء والميول، وفيما يتعلق بـ «عبد الرحمن» فإن البعض يرى فيه الداعية الوسطي المعتدل، والبعض يصنفه كإرهابي بتورطه في فتاوى كتلك التي ارتبطت بقتل السادات أو قتل فرج فودة والأقباط وغيرها من الفتاوى، وإن كنا نميل للتصنيف الثاني.
- محمد مختار قنديل، أحمد عبدربه، الفكر الإسلامي الجهادي المعاصر، القاهرة، دار المرايا للإنتاج الثقافي، ط1، 2016، ص 432.
- المرجع السابق ص 448.
- وفاة الشيخ عمر عبد الرحمن في سجن أميركي، الجزيرة نت