صداقة مع ماكرون وضغط في واشنطن: ألفة الترّاس وطموح رئاسة تونس
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
أثار اسم ألفة التراس في السنوات الأخيرة جدلًا سياسيًّا في تونس إثر دخولها السريع إلى عالم السياسة بالبلاد في ظرف زمنٍ قصير، ثم بروز اسمها مرشحةً للبرلمان عام 2019 إلى جانب علاقاتها بالنخبة الفرنسية نظرًا لعلاقة زوجها غيوم رامبورغ بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على ألفة الترّاس وتحركاتها في الولايات المتحدة وأفريقيا بمساعدة من شركة «أمريكا تو أفريكا (America to Africa Consulting)»، للترويج لصورتها في أمريكا وفي الاتحاد الأفريقي، وفي مؤسسات دولية وأفريقية مالية واقتصادية.
ألفة التراس.. الدخول السريع إلى عالم السياسة
تترأَّس ألفة التراس مؤسسة «رامبورغ تونس»، مؤسسة مجتمع مدني تأسست عام 2011 ونشطت في دولٍ أخرى مثل لبنان، والأردن، والمغرب، وحتى في قطاع غزة المحاصر، وبالطبع في تونس.
المؤسسة على اسم زوجها غيوم رامبورغ، رجل الأعمال الفرنسي، وموظف كبير سابق في وزارة المالية الفرنسية، وتتحدث عنه بعض وسائل الإعلام الفرنسية على أنه من داعمي حملة إيمانويل ماكرون للرئاسة.
ولدت ألفة ونشأت في مدينة بنزرت بتونس، وبعد أن درست الثانوية فيها تخرجت في المدرسة العليا للتجارة بدرجة بكالوريوس في المالية عام 1997، لتلتحق بجامعة السوربون في باريس، وتحصل على شهادة في القانون العام.
وحتى عام 2003 عملت التراس في القطاع المصرفي في لندن، والتقت هناك رامبورغ الذي تزوجها في 2002. عاشت ألفة بين لندن، وباريس، وتونس، وفي أبريل (نيسان) 2018 أسَّست ألفة التراس جمعية «عيش تونسي». نظَّمت الجمعية حملات دعائية لتعزيز «مفهوم المواطنة»، وبثَّت باستخدام شاشات عملاقة في الشوارع مباريات المنتخب التونسي أثناء مشاركته بكأس العالم 2018 في روسيا. وأكَّدت ألفة أن الجمعية مجتمعية غير قابلة للتطور إلى عمل سياسي مُباشر.
ولكن سرعان ما انخرطت الجمعية في النشاط السياسي الذي حذرت بنفسها منه سابقًا. صاغت الجمعية «وثيقة التوانسة» ونشرتها في 10 أبريل 2019، وهي وثيقة من 12 بندًا، وتقول الجمعية: إن 400 ألف تونسي وقعوا عليها، تتضمن الوثيقة 12 إجراء مستعجلًا، وتنص على محاربة الفساد وطرد الموظفين الفاسدين، ولكن الوثيقة واجهت انتقادات من أنها ستكون الأرضية لجمع توقيعات هدفها دعم التراس في الانتخابات المقبلة.
جاءت الانتخابات البرلمانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وطرحت الجمعية 33 قائمةً لمرشحيها تغطي كامل تونس، ولكن لم تفز إلا ألفة عن دائرتها الانتخابية في بنزرت.
وراجت أنباء على وسائل الإعلام المحلية التونسية عن عزم ألفة الترشح لرئاسيات 2019، وعلى الرغم من نفيها تلك الأنباء، فإنها لم تُخفِ طموحها في الوصول إلى الرئاسة بتصريحها بأن من حقها الترشح للانتخابات الرئاسية، مشيرة إلى أنها يمكن أن تفكر في ذلك إذا رأت أنّ في ترشحها مصلحة لتونس.
زواج ألفة من رجل أعمال فرنسي مقرَّب من ماكرون يلقي بظلاله عليها بشكلٍ مستمر، ولكنها تنفي دومًا أن تكون لعلاقات زوجها تأثير في توجهها السياسي، وتؤكِّد أنها ليست «وكيلًا» لماكرون في تونس، ولا «تكرارًا» للاستعمار الفرنسي.
62 ألف دولار لحملة ترويجية في الولايات المتحدة وأفريقيا
سعت ألفة إلى بناء علاقات في الولايات المتحدة، وفي أفريقيا، مع سياسيين وشخصيات من عالم الأعمال والإعلام، فاستأجرت شركة «أمريكا تو أفريكا (America to Africa Consulting)» لتنفذ حملةً ترويجية لها.
مديرة ومؤسسة الشركة هي جنين سكوت، الرئيس السابق لغرفة التجارة الأمريكية – الأنجولية. وعملت عدة سنوات في مجموعة بنك التنمية الأفريقي، أكبر مؤسسة مالية في القارة الأفريقية، وشغلت منصبًا سياسيًّا في إدارة كلينتون مستشارة ومديرة تنفيذية بديلة للولايات المتحدة في مجلس إدارة بنك التنمية الأفريقي. وسكوت مختصة بالعلاقات الأمريكية الأفريقية، بخاصة التجارية منها.
بدأ التعاقد في 7 مايو (أيار) 2019 حتى 31 من أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وهدفه: تنفيذ حملة علاقات عامة وترويج لألفة التي كانت على أبواب انتخابات برلمانية في تونس.
تُظهر وثائق الشركة بوزارة العدل الأمريكية تنظيمها رحلةً لألفة لزيارة الولايات المتحدة، وتورد جدول أعمال الرحلة الذي يحوي أسماء شخصيات ستجتمع بها التراس، ولم نستطع التوثُّق بالكامل مما إذا انعقدت هذه الاجتماعات بالفعل، ولكن بلا شك قدَّمت الشركة خدمات أوفت بالاتفاق؛ إذ دفعت ألفة للشركة 62 ألفًا و885 دولارًا أمريكيًّا بين مايو ونوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
على جدول الاجتماعات نجد مايكل وودز الرئيس التنفيذي السابق لشركة روتشيلد في الولايات المتحدة، المملوكة لعائلة روتشيلد. يحوي الجدول أيضًا اجتماعًا مع بيتر تيشانسكي، رئيس شركة «مجلس الأعمال للتفاهم الدولي»، ذي العلاقات الواسعة بوزارة الخارجية الأمريكية.
كما نظمت الشركة غداءً للترَّاس في واشنطن مع مجموعة من الشخصيات، أبرزهم خاليدو جاديو، قانوني عملَ مع عدة بنوك تنموية في أفريقيا، ورشيدة بترسون التي شغلت منصب مسؤول مكتب شرق أفريقيا في إدارة التجارة الدولية، الوكالة التابعة لوزارة التجارة الأمريكية ومعنية بتعزيز الصادرات الأمريكية غير الزراعية. ولربما الرابط هنا أن رشيدة شغلت منصب كبيرة المسؤولين التجاريين بالإنابة في بنك التنمية الأفريقي بتونس.
مع مسؤولين سابقين ومستشارين سياسيين
واجتماعٌ آخر مهم مع كريستوف لارسون، يعمل لدى شركة استشارات سياسية وله علاقات سياسية بأفريقيا؛ إذ عمل مستشارًا لجودلاك جوناثان، رئيس النيجر السابق، ولرئيس وزراء ألبانيا الحالي، إيدي راما.
ثم يأتي اسم ستانلي شتراوغتر، الذي كان رئيسًا لمجلس الأعمال الأفريقي والكاريبي في مدينة فيلادلفيا الأمريكية، ورئيس مجلس إدارة مركز اليونسكو للتعليم العالمي، وقنصل فخري لدولة غينيا، ومن هنا يتمتع بعلاقات واسعة في أفريقيا.
ولربما من أهم الشخصيات جيري سوركين، وهو رجل أعمال أمريكي منحه السفير التونسي في أمريكا لقب «قنصل شرفي» لتمثيل تونس في مدينة فيلادلفيا، تكريمًا على جهوده في تحسين العلاقات الأمريكية التونسية.
لسوركين تاريخ طويل من العمل السياسي والدبلوماسي– غير الرسمي– بين تونس ودول عربية أخرى، وله نشاط في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأخيرًا اجتماع مع جون ساندويغ الذي كان يعمل مديرًا بالنيابة للهجرة الأمريكية وإنفاذ القوانين، ويشغل حاليًا منصب المستشار العام لوزارة الأمن الداخلي.
مع باحثين ومراكز بحثية أمريكية
نسَّقت الشركة لألفة تواصلًا مع مراكز بحثية أمريكية أو مع باحثين معنيين بالشأن الأفريقي.
ومنهم ميشال جافين، باحث أول بالدراسات الأفريقية في «مجلس العلاقات الخارجية»، المركز البحثي الأمريكي الشهير، وقد عملت ميشال سابقًا سفيرة أمريكا لبوتسوانا، وقبلها مساعدةً لأوباما ومديرة لقطاع أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض. وشغلت أيضًا منصب كبيرة موظفين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ.
لدينا أيضًا جوشوا ميسريفي، كبير محللي السياسات لأفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة هيريتج البحثية، عمل لسنوات بالمجال الإنساني والعسكري في دول عدَّة بأفريقيا، وقدَّم شهادتين لمجلس الشيوخ في جلسات استماع، وأربع شهادات لمجلس النواب، وله كتابات في وسائل إعلام أمريكية مختلفة.
ألفة التراس تبحث عن مقعد بين زعماء أفريقيا
لم تقتصر خدمات الشركة على الترويج لألفة في الولايات المتحدة وفقط، بل عادت للهدف الأول: أفريقيا.
فعملت الشركة على ترتيب مشاركة ألفة في قمة رؤساء الاتحاد الأفريقي في يوليو (تموز) 2019 بالنيجر، وهي أهم قمة دبلوماسية بالقارة الأفريقية. ووضعت قائمةً لألفة للاجتماع مع رؤساء دول أفريقية: إثيوبيا، ورواندا، ونامبيا، وبوتسوانا، ودول أخرى جرى اختيارها بناءً على «الأداء القوي في الحكم والاقتصاد».
وتطول القائمة لتضمَّ مؤسسات أفريقية سياسية واقتصادية كبرى، مثل بنك التنمية الأفريقي، والاتحاد الأفريقي، و«المركز الأفريقي للتحول الاقتصادي» و«لجنة تقدم في أفريقيا».
ومن الأسماء المقترحة للتواصل معها مؤسسة مو إبراهيم، المملوكة لرجل الأعمال السوداني البريطاني محمد إبراهيم. وبعثت الشركة بممثل للدنمارك ينوب عن ألفة في مؤتمر دولي عن الديمقراطية، وأخيرًا، نسَّقت لنشر مقال ترويجي عنها في موقع «إندبندنت أونلاين» من جنوب أفريقيا، تتحدث فيه عن آمالها السياسية وعن حلمها لأفريقيا: أن تكون موحَّدة.
انتهت علاقة الشركة بالتراس في 31 أكتوبر 2019، بعد خدمات دامت خمسة أشهر. ولم تُشارك ألفة في الانتخابات الرئاسية التي حصلت في العام نفسه، ولكن ربما تؤتي جهود الشركة ثمارها في السنوات المقبلة بعد حملتها للتعريف بألفة في دوائر الحكم والاقتصاد الأفريقية والأمريكية، وعلى الأقل خرجت ألفة من هذه الفترة فائزةً بمقعد بمجلس النواب التونسي، تمثل فيه حركتها «عيش تونسي».
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.