احتلال…
سكانشارعناجميعهميعرفونهباسم«رفيقالسوري»… أو «الشيخ»رفيق… فهذاالكهلجهورالصوتهوخطيبالزاويةالوحيدةالتيتجثمفوقهاأقدمبناياتالشارع.لاأحديعرفلقبأسرتهالحقيقي، لكن لقب«السوري»قدتواتَرتلهقصةألفناها؛لكثرةترددها… إذيرجعهذااللقبلكونهمنطليعةالضباطالذينصاحبواالمندوبالساميالمصري،المشيرعامر؛ طيلةفترةولايتهفيسورياإبانماسميبـ«الوحدة»… فقدقضى«الشيخ»رفيقسنوات«الوحدة»بأكملهافي«الإقليمالشمالي»، دونأيإجازةيزورفيهامصر،كباقيأقرانه؛ وقدأرجعبعضالخبثاءذلكلاستمرائهالعربدةبغيرحسيب!
إذ أشيععنبعضالضباطاعتيادهمالتحرُّشببناتالأسر،واصطيادبعضهنبوسائلابتزازخسيسة… بلإنالأمرتجاوزذلكإلىحدالتورُّطفيالاختطافالمصحوببالإكراهعلىممارسةالفاحشة،أوالاغتصاب.
وتهامسالبعضبأن أكثرهؤلاءالضباطاحترفواالقوادةلصالحقادتهم،لقاءنيلالرضاودوامتفيُّؤِنعيمجنة«الإقليمالشمالي»!
وعندمادقالانقلابالعسكريالسوري آخرمسمارفينعش«الوحدة»، ليعود العسكرالمصريون إلى القاهرةمُنكسيالرؤوسبملابسهمالداخلية؛عادالطاقمالوطني، الذيقضىالشهورساهرًالرعاية«الوحدة»، بقيادةمشيره؛ ليتبوأأرفعالمناصِبوأخطرها… فكاننصيب«الشيخ»رفيقمنالتكريممُتناسبًامعإنجازاتهفيسوريا، وألحقبالمخابراتالعامةفيذروةتألقهاوسيطرتها؛لتستمرإنجازاته فيإبهارقادته،وتدفعهملتكليفهبمهاموطنيةخطيرة؛ كانتنتيجتهاازديادتغلغُلالنفوذالصهيونيبمصر،والذيبلغذروتهبقضية الجاسوسالشهير«لوتز»؛ تمهيدًالكارثةعام1967م…
وحينطُرِدَ«الشيخ»منالخدمةفيماسمي،آنذاك؛بـ«التطهير».نُسِبتإليهتهمٌمشينةٌتراوحتبينالتورُّطفيتعذيبمعتقلينسياسيينحتىالموت،وتصويرأفلامجنسيةلبعضالفناناتوالمشاهير؛لاستخدامها في ابتزازهمتحقيقًا لبعض الأهداف… التي لمتُبيَّن!
لمتَحُلصحيفتهالتاريخيةالشاذة،أوتسريحهمنالخدمةبهذاالشكلالمخزي؛لميحولادونتمتع«الشيخ»رفيقبامتيازاتلاتُعَدُّولاتُحصى… لعلأكثرهاهُزالًامعاشهالاستثنائيالضخم،باعتبارهمنقدامىالمحاربين؛ناهيكعنجوازسفرهالدبلوماسي،والذي ما يزاليباهيبه!
وفىالفترةمابيننهايةالسبعينياتومنتصفالثمانينيات؛اعتادسكانالشارععلىاختفاء«الشيخ»لفتراتٍمتقطعةقدتبلغالعام،فيبعضالأحيان؛ إذ كانيُستدعىلمشاركةبعضأجهزةالاستخباراتالأجنبيةبخبراتهفيمكافحة ما سمي حينها بـ«الإسلامالسياسي»… وسواء كانتهذهالمشاركةبترشيحوإيعازالسلطاتالمصرية،أوبعلمهافحسب؛فلاأحديعلمعلىوجهالدقة.
وحيناستقرالمقامبعدهابـ«الشيخ»فيمصرلبضعسنوات؛آثرالانسحابمنالحياةالعامة،اللهم إلاقلةمنالمجاملات الاجتماعيةالتياضطرإليهااضطرارًا… فكانيصطحبزوجته،التيتصغُرهبعشرينعامًاكاملة؛لحضورعُرسٍلميستطعالاعتذارعنه،أولتشييعمفارقٍبغيراستئذان؛ ليعود بعدها إلى عُزلَتِهِثانية.
ومعالعدوانالعراقيعلىالكويت،الذيأشعلحربالخليجالثانية؛فوجئنابهيعلوالمنبرخطيبًاللجمعة… يدعولمساندةصدامحسينفيعدوانه؛بدعوىأنهذهبلتحريرالكويتمنالطغيانالأميريلآلالصباح!
لميُلقِأيّنالكلماتهبالًا،وهرعالمصلونللانصراففورانقضاءالصلاة،وهميحوقلونفيعجب!حتىإذاماانقضىالأسبوع؛عُدنافألفيناهمايزالرابضًاعلىالمنبر،ليُشنِّفآذانناباجتهاداتهالمستنيرة،ويُصلِحفسادقلوبنابرؤاهالإيمانيةالعميقة،ويوقِظعقولنابحججهالقويةالداحضة.ولميمضكثيروقتحتىكناقداعتدناخطبه، أو منولوجاتهإنشئتالدقة؛ التي صارت بمثابةتمثيليةكوميديةسوداء،نتخذهامادةللتندُّرطيلةأسبوعكامل؛حتىتحينإطلالتهالتالية،والتي يُتحفناخلالهابمايَعِنُّلهمنالترَّهاتالغريبة،التيلاتشِفإلاعنإطباقجهله،وانحرافمزاجهوشذوذنفسه.
وتكفلتالطبيعةالمصريةالصميمة،سرعةالنسيانأوالتناسي؛ بالدمج الكامل لـ«الشيخ»رفيقفيمجتمعشارعناالمحدود،بعدماالتفحولهبعضأربابالمعاشاتالفارغين،الذينارتأوافيهقائدًاومُرشدًا ودليلًا؛ فرفعوهلمصافالأولياء،وخلعواعليهلقب «الشيخ»،ولميعودواينادونه أو يُشيرون إليهإلابقولهم:«مولانا»؛ إذتَحَلَّقواحولهكالموالي، وعلاكعبهبينهم،بجهلهم؛حتىأصمَّآذانهموأعمىعيونهمعمَّنسواه… فأمسوابينيديهكالنطيحةوالموقوذةوالمتردية.
ولازلتأذكرإحدىخطبه،المستنيرة؛ التيأشاعتبلبلةشديدةبيننا،وكانتبمناسبةذكرىالإسراءوالمعراج؛إذخرجعلينايومهابـ«اجتهادٍ»مفادهأنالمولىسبحانهحينأسرىبنبيِّهليلاًمنالمسجدالحرامإلىالمسجدالأقصى،أولىالقبلتين؛ لميكنالأخيرموجودًابالفعل،بلوزادطينهبلَّةقسمهعلىذلكبأغلظالأيمان؛مؤكدًاأنالمسجدلميُبنإلافيعهدعبدالملكبنمروانوابنه،أماقبلها… فلا،وألفلا!!وعبثًاحاولبعضالمثقفينوالعقلاءإقناعه،بعدماانقضتالصلاةعلىأسوأمايكون؛أنتسميتهمسجدًالاتشترطبنيانهالحجريالذيأقامهالأمويون،لأنالمسجدهوكلمكانيُسجَدُفيهلله؛مدللينبحديثالمعصوم،صلىاللهعليهوسلم؛«جُعلتليالأرضمسجدًاوتربتهاطهورًا،فأيمارجلمنأمتيأدركتهالصلاة؛فليصلِّ»،ومستشهدينبالتاريخالمتواترمؤكدًااتخاذهذهالبقعةالمقدسةمسجدًالأجيالمتتاليةمنالأنبياء؛بدءًابأبيهمإبراهيم،وانتهاءًبخاتمهمالمصطفى،عليهمالسلام؛لكنهيهات،فقدأبىالحجرالأصمإلااتهامهمبالجهلوالحماقة.
وظلتالأمورتجريعلىنفسالوتيرة… فضيلتهيفسُقفيعقولالمضطرين،والقلةيحاورونهويناقشونه؛فيزدادغضبهوعناده،ويروحيؤلبأتباعهالمساكين،لمهاجمةالجامدينأعداءالحرية… المهرطقينالجهلةالذينلايسلمونبريادتهوموسوعيته،وعبقريةاجتهاداته.
وجاوزالسيلالزبىذاتجمعة؛حينماحاولبعضالمصلينإنزالهمنعلىالمنبربالقوة،بعدماخطبمُهاجمًاالإمامالحسينبمناسبةذكرىعاشوراء؛ناعتًاإياهبالخارجيِّ،وواصفًاخروجهعلىيزيدبأنهانقلابٌعلىالشرعية،وإشاعةللفتن،وتحريضٌعلىقلبنظامالحكمبالقوة(!!). بلتربَّصبهالبعضخارجالمسجد،بعدماقررأنالإمامالحسينقدلاقىالجزاءالأوفىالذييستحقهالعصاة،وأنجدهالنبيلوكانحيًّالماأقرَّهعلىتلكالفعال!!
ولميكن«الشيخ»ليستطيعالعودة إلى منزلهيومئذإلافيحراسةمشددة من الشرطة؛ صحبته حتى العقارالذييقطنه، ومكثت ساهرة على أمنه!الأمرالذيحدامايربوعلىالمائةمنالمصلينلتقديمشكوىجماعيةبحقهلوزارةالأوقاف؛مُتضمنةبعضًامنآرائهمشفوعةبطلبلإحلالهبآخرمنأهلالعلم.
وفىالجمعةالتاليةللحادث؛سادتَوَقُّعلغالبيةالمصلينبأنيعزف«الشيخ»عنالخطابةويزهدفيها،بعد مالاقاه… إذلميكنمنأملٍفيسرعةاستجابةالأوقافنظرًالضيقالوقت،فضلًاعنالروتينالعقيم.
ولماكان«الشيخ»بطبعهلايُصليفيالمسجدإلالمامًا؛إذلميكنيواظِبسوىعلىجمعتهالأثيرة… تنفسكثيرونالصعداء، إذ خمَّنواأنهملنيروهثانية،ناهيكعن التأذي بحماقاته.
لكنماأنانتهىالأذانالأولحتىكان«الشيخ»يَلِجُالمسجدفيخيلاء،تعلووجههابتسامةاستهزاءصفيق؛محاطًابحوارييهالمغفلين،يحرسهمالشرطة.
ووسطهمهماتالاستهجان،التيقطعهاالأذانالثاني؛اعتلىالمنبربتؤدةبينمااتخذحرسهالشرطيمنأولىدرجاتالمنبرمجلسًا،فيمشهدٍمُنفِّرٍيتنافىمعروحالموقفوقدسيةالمكان.
«هليتوهمبعضالرعاعوالأوباشبأنفسهمقدرةعلىمنعيمنالخطابةفيمسجدي؟! هيهاتهيهاتياحثالةالبشر…فسأقولماأريدتحتسمعوبصرالجميع،وعلىالمتضرِّرمغادرةالمسجد؛أماأنافباقٍلأمنحعلميللجميع،ولأكشفمؤامراتالمغرضينالظلاميَّة». بهذهالعباراتالسافلةالمستفِزةبدأخطبته؛كأنهيدفعبالموقفللاشتعال.ولولابعضالعقلاء لما أمكنتداركالأمرإلىأجلٍ؛احترامًاللمسجدورغبةًفيانتهاءالشعيرةبغيراحتكاكقديكونغيرمأمونالعواقب… خاصة،والرجليتترسبحرسه!
«سأتحدثاليومعنآدابالجماع».أخذالعقلاءيتلفتونيمنةويسرةفيقلق،علىإثرهذاالتصريح المفاجئ؛خشيةأنيصُبذلكالأحمقوقودًاعلىالنارالتيتعتمِلُتحتالرماد،ويفاجئالجمعبإحدىترهاتهالتيقدتخرجالموقفعننطاقالسيطرة.ووضعالجميعأيديهمعلىقلوبهم،خوفالفتنة؛وهميُنصتونلخطبتهفيترقبحذر،وقلوبهموجلة.
لكنالخطبةمضتبغيرمنغصاتأوآراءمثيرة،بلأزعُمأنهاكانتالخطبةالوحيدةالتيلاقتشيئًامناستحسانجمهورالمصلينمنالجنسين… بللقدظلمضمونهامحورًالنقاشاتعديدة،ومطولة!!
«…بلإنربكسبحانهيقول: «وقدموالأنفسكم»… يعنيأنتمهِّدللقاء،ولاتُلقيبنفسكعليهاكالبهيمة، وليكنبينكمارسول؛كماأمرسيدكالنبي… فلابُدأنتُهيئهاوتتهيأأنتالآخر. ويجبأنتتعلممراعاةمشاعرهاواحتياجاتهاوتفضيلاتها… ولامانعمنأنتسألهامُباشرةياأخي؛إنكنتعديمالإحساس! ولايكونذلكطبعًابشكلٍصريح،لئلاتسببلهاحرجًا؛فأناأعرفأنالبعضسيستغلكلاميليُحولغرفةنومهإلىسوقٍللبذاءة! ليكنالسؤالبالإشارةأوالتلميحمثلًا… المهمأنتتعرفإلىرغباتها؛ماذاوكيفوأينومتى… وأوجِّهكلاميللإخوةالأنطاع؛الذينيوقظونزوجاتهمفيمنتصفالليلليُشبعوارغباتهم!وتطيعهزوجتهالمكدودة؛فتصحوعلىمضضٍلئلاتُغضِبه،لكنهابمرورالوقتتكرهالمعاشرةالزوجية؛التيتحولتبالنسبةلهاإلىأداةتعذيب…ثمنسمعمنيشكومننفورامرأته،وتهرُّبهامناللقاء؛وهونتيجةمنطقيةللأنانيةوالعذابالذيتذيقهاإياه»…
وبداأننجمفضيلتهآخذفيالالتماع؛لتناولهقضيةبهذهالأهمية،واندماجهكليًّافيمعالجتهابشكلمبسط،وبكلموضوعية…
وإذابصراخٍنسائيمجروح،يتعالىمنمؤخرةالمسجد؛ليُقاطعهفيحدة،فيبهتالرجلويمتقعوجهه؛كمنرأىشيطانًا؛ «…أخبِرهُمإنكنتتُراعيحقوقيأملا…أيهاالمنافقالكذاب… طلقني اﻵن… الآن وهنا»!
لميحتمل«الشيخ»أنتأتيالطعنةمنالداخل… منبيتهحيثيُفترَضتمامسيطرته،وأنتكونالفضيحةعلىرؤوسالأشهاد؛الذينسمرتهمالمفاجأة… فخرَّميتًالفورهوسطأعينالمصلينالمشدوهة،التيلمتستوعب أبدًا ماحدث… وعلاصوتضحكاتالزوجة الهيستيرية،مجلجلًابينجنباتالمسجد؛كموسيقىتصويريةغيرمُعبِّرةٍعلىالإطلاق.