نوانكو كانو: قلب من ذهب
تقترب الساعة من الواحدة ظهرًا هنا في مدينة أويري بنيجيريا. التف العشرات حول جهاز تلفزيون صغير وضع بالنادي المحلي للمدينة لمشاهدة مباراة قبل النهائي لأولمبياد 1996، ستقابل نيجيريا اليوم الفريق البرازيلي. من بين هؤلاء العشرات الذين يحدوهم الأمل لتحقيق المفاجأة، هناك رجل يملك ما هو أكبر من الأمل. يملك وعدًا قد قطعه صغيره على نفسه قبل الذهاب لتلك الرحلة المستحيلة. لقد أخبره نوانكو أنه سيعود بالميدالية الذهبية، ولطالما أوفى نوانكو بوعوده التي تتعلق بكرة القدم.صدق نوانكو بوعده وأحرز هدفًا خياليًا حقق به الانتصار قبل نهاية المباراة بدقيقة واحدة ثم عاد لمدينة أويري بميدالية ذهبية أولمبية لم تشهدها نيجيريا من قبل. إذا كان العالم تفاجأ بموهبة نوانكو كانو، فمدينة أويري كانت تعلم بتلك الموهبة قبل ذلك التاريخ بسنوات.
مهارة من قلب شوارع نيجيريا
قبل ذلك اليوم بعشرين عامًا ولد نوانكو كانو. تستطيع أن تميزه بسهولة من بين أقرانه. رغم تشابه الأطفال في تلك البلد الأفريقي إلا أنك لن تحتاج سوى أن تمر بعينيك سريعًا حتى تتوقف عنده تلقائيًا. نحيل للغاية، طويل بشكل ملحوظ، ومهارته لا يمكن أن يتجاهلها أحد.تحت شمس أفريقيا المتوهجة وفوق أرضية صلبة جافة تتميز بها الطرق العامة للمدينة اكتسب كانو مهارة التحكم في الكرة متجنبًا السقوط كي لا يصاب بالجروح.فقط وجبة خفيفة هي كل ما يحتاجها خلال اليوم بأكمله والذي يلعب خلاله كرة القدم دون توقف.كانت النتيجة المنطقية هي رحيله لأوروبا فالتقطه عين أوروبا الخبيرة على مستوى اللاعبين الشباب، نادي اياكس أمستردام الهولندي بالطبع. ثم عرفه العالم كله بعد فوزه بذهبية أتالانتا 96 ليصبح هدفًا لأندية جنة كرة القدم حينئذ، إيطاليا. وهنا تحديدًا انقلبت القصة رأسًا على عقب.
لن تلعب كرة القدم مرة ثانية يا كانو
صيف 1996 غرفة مكتب ماسيمو موراتي رئيس نادي انتر ميلان، ميلانو، إيطاليا.تبدو الوجوه متجهمة اليوم على غير عادتها. فمنذ اليوم الأول له في إيطاليا وهو محاط بوجوه مبتسمة ومرحبة فماذا تغير اليوم؟ الاتفاق بين ناديه الجديد إنتر ميلان واياكس أمستردام قد تم بالفعل. ترى ماذا حدث؟ هل طلب اياكس المزيد من الأموال من أجل أن يتمم انتقاله؟ لا، هذا لا يحدث في أوروبا، ربما يحدث ذلك في نيجيريا لكن في أوروبا هم يتعاملون بشكل احترافي. ترى ماذا حدث؟ أخيرًا يتحدث السيد ماسيمو بعد دقائق من الصمت:
تحدث الطبيب فولبي عن مشكلة في البطين الأيسر لقلب كانو. مشكلة خطيرة بما يكفي لإنهاء حياة كانو خاصةً وأن الجهد الرياضي من شأنه أن يجعل الوضع أصعب. تحدث كثيرًا الطبيب عن الإجراءات التي سيتم اتخاذها لإنقاذ كانو وكيف ستتم الأمور في القادم من الأيام ثم أنهى حديثه منتظرًا من كانو الإجابة.إلا أن كانو لم يجب الطبيب بأي شيء. الحقيقة أن كانو لم يستمع لشيء منذ أن أخبره السيد ماسيمو أنه ربما لن يتمكن من لعب كرة القدم مرة ثانية. وبصوت يخالطه الدموع أجاب كانو على الجميع بجملة واحدة:
أصبح كانو حديث الصحف والبرامج الرياضية، اللاعب الذي توج منذ أشهر قليلة بذهبية أتالانتا ربما لن يلعب كرة القدم مرة أخرى. عبر طبيب فريق إنتر ميلان عن دهشته حول عدم اكتشاف الأمر من قبل، فالحالة كانت واضحة للغاية ويمكن اكتشافها عن طريق رسم قلب بسيط، هذا الرجل مريض منذ سنوات. هدد ماسيمو موراتي بأنه سيتخذ كامل الإجراءات القانونية ضد نادي أياكس.تحدث الجميع إلا كانو، كانت الصدمة أكبر من التعبير عنها بكلمات. إلا أن ما جعل كانو في وضع أفضل هو إيمان نادي انتر ميلان به. خضع كانو لعملية جراحية في القلب في نوفمبر/تشرين الثاني 1996 ولم يعد إلى ناديه مرة أخرى إلا بحلول إبريل/نيسان عام 1997.لعب كانو خلال هذا الموسم 11 مباراة فقط، ثم لم يلعب سوى مباراة وحيدة خلال النصف الأول للموسم التالي رفقة نادي إنتر ميلان. شعر كانو أنه أصبح عبئًا على ذلك الفريق الذي أنقذ حياته. ثم حدث ما أحيا مسيرة كانو، لقد آمن به أحدهم مرة ثانية. إنه رجل المرحلة في إنجلترا، السيد أرسين فينجر. لعب كانو رفقة أرسنال أفضل مواسمه على الإطلاق. أحاطه الجميع بالحب والإيمان الذي يحتاجه. الإيمان كان دومًا مفتاح كانو في مسيرته. آمن كانو أن القصة لم تنتهِ وآمن الجميع به أيضًا. انتقل كانو بعد ستة مواسم رفقة أرسنال لنادي ويست بروميتش ومن بعده نادي بورتسموث. استمرت مسيرة كانو لما يقرب السبعة عشر عامًا بعد عملية القلب التي أجراها حتى أعلن اعتزاله كرة القدم عام 2012. لكنها كانت مسيرة تحمل الكثير من الصعاب التي لم يعرف عنها أحد. صعاب لا تتوافق مع ابتسامته الدائمة.
تصريح «تيري هنري» عن النجم النيجيري كانو
عندما رجع كانو لمنزله فوق كرسي متحرك
قبل بدء موسم 2006 كان كانو قد أنهى تعاقده مع نادي ويست بروميتش دون الالتحاق بنادٍ آخر، بينما كان المدرب المخضرم هاري ريدناب مدرب نادي بورتسموث يبحث عن مهاجم. فكر ريدناب في التعاقد مع كانو وهو الأمر الذي لم يلق قبول مساعده توني أدامز. ولذا قرر ريدناب أن يدفع بكانو في بعض المباريات التجريبية قبل إتمام التعاقد معه.استطاع كانو أن يحرز هدفين خلال تلك المباراة التجريبية ثم هدفين خلال مباراته الأولى الرسمية وكرر تسجيله لهدفين خلال المباراة التالية. كانت تلك المباراة أمام ميدلسبره وبعد عودة الفريق إلى مطار ساوثهامبتون وبينما ينتظر الفريق استلام الحقائب،دخل كانو في نوبة تشنجات ولم يستطع الحركة وأصبح الوضع خطيرًا مما اضطر الجميع أن يضعوه فوق كرسي متحرك.هكذا كانت حياة كانو بعيدًا عن الأضواء، حياة مليئة بالمعاناة بسبب قلب عليل ولكنه قلب من ذهب. من خلال تجربته الشخصية آمن كانو أن الإيمان هو أول طرق العلاج. لقد آمن به الجميع وقرر هو الآخر بدوره أن يرد الدين.
قلب من ذهب
صيف عام 2018-جامعة لاجوس، لاجوس، نيجيريا.السعادة تغمر المكان، إنه يوم لا مكان للحزن فيه. إنه اليوم الذي سيشهد تخرج دفعة جديدة من طلاب جامعة اجوس. يتواجد بين الحضور نوانكو كانو أيقونة نيجيريا في كرة القدم. يلتف الجميع حوله لكنه لا يحيد نظره عن تلك الفتاة الجميلة التي ترتدي زي التخرج. إنها ليست ابنته ولكنه يعتبرها أكثر من ابنته. إنها الصغيرة إينيتون. يتذكر اليوم الأول الذي رآها فيه. كان ذلك عام 2000 في بهو أحد الفنادق التي استقبلت بعثة المنتخب النيجيري للاستعداد لبطولة أمم أفريقيا للمنتخبات. كانت بصحبة والدتها والتي كانت تنتحب وتترجاه أن ينقذ طفلتها من الموت. لقد سمعت الأم عن مؤسسة كانو الخيرية للأطفال المصابين بأمراض القلب. لم تحتمل الفتاة المشهد وسقطت فاقدة الوعي. اضطر كانو لأن يأخذها على وجه السرعة للمستشفى.أقسم كانو أن إينيتون ستكون من أوائل الحالات التي ستتبناها مؤسسته الخيرية. وجهها الشاحب وجثتها الملقاة على سرير المستشفى أخبرته بكل شيء. إذا لم يتدخل أحد لإنقاذ تلك الفتاة الصغيرة فإنها حتمًا ستموت. بالفعل كانت إينيتون من ضمن الحالات الأولى التي قامت مؤسسة كانو بالعمليات الجراحية القلبية اللازمة لهم. واليوم يرى كانو قلبًا جديدًا عاد للحياة مثل قلبه. تلك أصبحت رسالته قبل وبعد كرة القدم.استطاعت مؤسسة كانو مساعدة 542 طفلاً من مختلف الأعمار في إجراء جراحات القلب المفتوح في العديد من المستشفيات في جميع أنحاء العالم. ما مر به كانو قد أكسبه قلبًا من ذهب. هذا الرجل كان على حافة الموت وأعطاه الله فرصة ثانية. يعرف كانو جيدًا قيمة النجاة من الموت. إنه يعرف قيمة الألم الذي اختبره وهو بالغ ولا يتخيل أن يحتمله الأطفال.