نور العزة أنور: امرأة تشق طريقها نحو قمة السياسة الماليزية
«وراء كل نجاح معاناة» قد تصدق هذه المقولة على «نور العزة أنور»، والتي تلقبها الصحافة الماليزية بـ«أميرة الإصلاح» برغم عدم انتسابها إلى العائلات الملكية، إلا أنها نجحت في التربع على عرش المشهد السياسي وأصبحت في فترة وجيزة نسبيًا أحد أبرز الوجوه على الساحة الماليزية، إذ أن معاناة والدها المعارض الكبير «أنور إبراهيم» أقحمتها في عالم السياسة وهي في عمر الزهور.
وراء كل امرأة عظيمة واقع مرير
بدأت نور العزة مسيرتها السياسية عندما اقتحمت السياسة حياتها الشخصية لما تم إلقاء القبض على أبيها عام 1998 وهي في سن الثامنة عشر، ليلقى في غياهب السجون ويتم رميه بأبشع التهم الجنائية قبل السياسية، بعدما كان الرجل الثاني في النظام، اختلف الرجل مع رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، إذ اتهم بالعمالة والتآمر وحتى الاغتصاب والشذوذ، ليتم تدمير مستقبله السياسي وتحطيم طموحاته بعد أن كان الماليزيون لا يشكّون في أنه سيصبح خليفة رئيس الوزراء حينها؛ فقد كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للمالية ومدعومًا من الإسلاميين.
حاولت زوجته «عزيزة وان إسماعيل»، الطبيبة والأم لستة أبناء، الاستعانة بواشنطن والتقت بالعديد من المسؤولين الأمريكان، الذين صدرت منهم انتقادات كثيرة لغياب العدالة في قضية أنور إبراهيم، إلا أن الموقف الأمريكي تغير بعد لقاء وزيري خارجية البلدين في 2001.
جاءت تلك القضية لتحول اهتمامات الفتاة تمامًا، فبدأت مع والدتها معركة نضالية ضد النظام، نجحت فيها والدتها عام 1999 في تأسيس حزب «العدالة الشعبية» وجمع فرقاء المعارضة في «التحالف الشعبي» الذي أقض مضاجع حزب «الأمنو» الحاكم وكاد أن يفقده السلطة في الانتخابات البرلمانية.
في عام 2003 تزوجت من زميلها راجا أحمد شهريار في حفل زفاف مهيب حضره عدد من الشخصيات المهمة على رأسهم سلطان تيرينجانو «السلطان ميزان زين العابدين»، وفي 2004 وبعد ست سنوات قضاها أنور خلف القضبان أطلق سراحه ليحتفل بحصول ابنته على بكالوريوس الهندسة الكهربائية والإلكترونيات من جامعة تيناجا الوطنية بعد يومين من إطلاق سراحه، لكنه أرسل ابنته نور إلى الولايات المتحدة لتدرس العلوم السياسية، لتتخلى عن العمل في المجال الذي حصلت على شهادته توًا، ولم تعد إلى ماليزيا إلا في عام 2007 بعدما حصلت على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جونز هوبكينز الأمريكية متخصصةً في دراسات جنوب شرق آسيا.
الصعود السياسي لنور العزة: إسلام بنكهة غربية
وبعد عام واحد من عودتها، استطاعت الفوز بمقعد في البرلمان عن دائرة وادي الساحل بالعاصمة كوالالامبور، حيث استطاعت -بأغلبية ضئيلة- هزيمة منافستها الرئيسية، مرشحة الحزب الحاكم، شهرزاد عبدالجليل، وزيرة المرأة والأسرة، وصاحبة الشعبية الكبيرة، والتي احتفظت بهذا المقعد على مدار ثلاث دورات متتالية، وكان ذلك بداية الصعود السياسي لنور.
وفي عام 2010 وهي في عمر الثلاثين، تولت منصب نائب رئيس حزب العدالة الشعبي، لتصبح رئيسة الحزب الفعلية بسبب تقدم والديها في السن إذ شارفت والدتها على الستين وجاوزها والدها بثلاث سنوات وقتذاك، وأصبحت نور إحدى أبرز الشخصيات التي يحتمل توليها منصب رئيس الوزراء في المستقبل.
ولا يستبعد أن تتنازل عزيزة وان، لابنتها في أي وقت بسبب سنها المتقدم كما يقول المراقبون، ومع ذلك تؤكد نور في لقاءاتها الصحفية أنها لم تحصل على منصبها الحالي، كنائبة لرئيس الحزب ومسئولة شئون الانتخابات، إلا بعد منافسة حقيقية في انتخابات داخلية نزيهة جرت داخل الحزب وليس بسبب كونها ابنة أنور إبراهيم أوعزيزة وان إسماعيل .
وفي انتخابات عام 2013 استعد حزب الأمنو الحاكم لها جيدًا، ورشح وزير الأراضي الاتحادية الحالي نونغ تشيك زين العابدين، في الدائرة نفسها التي انتزعتها نور العزة من الوزيرة شهرزاد، إلا أنها نجحت في الفوز بالكاد بأغلبية 51% على خصمها الكبير .
أعطت انتخابات 2013 دفعة قوية للمعارضة، حيث أصرت نور العزة بعدها على أن المعارضة حصلت على 52% من الأصوات لكن توزيع الحكومة للدوائر أفقدهم حقهم في الحصول على الأغلبية. وتتهم الحكومة بتزوير انتخابات 2018 مبكرًا، عن طريق إعادة ترسيم حدود الدوائر الانتخابية، ولا تتورع عن تكرار مطالباتها للغرب بالتدخل لفرض الديمقراطية في ماليزيا، وتقول «إذا كانت أوروبا والولايات المتحدة يهتمون بالدفاع عن بعض القيم عليهم أن يتدخلوا في أسرع وقت».
وفي فبراير 2015 عاد أنور إبراهيم إلى السجن مرة أخرى وحكم عليه بخمس سنوات جديدة بنفس التهم السابقة؛ ما دفع ابنته لتقف في البرلمان وتقول إن «من يعملون في القضاء باعوا أنفسهم للشيطان»؛ مما اعتبر ازدراءً للسلطة القضائية فاعتقلت بهذه التهمة في مارس 2015، إلا أن الشرطة أفرجت عنها بعد يوم واحد بعد الضجة التي أثارتها عملية اعتقالها.
وفي وقت سابق هذا العام سافرت نور العزة إلى جنيف حيث مقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتقت المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، الأمير رعد بن زيد بن حسين بن علي، وأثارت قضية الحريات في ماليزيا وطالبت بتدخل دولي لتعزيز الديمقراطية وعرضت قضية والدها المعتقل.
وعلى الرغم من مشاركة نور في أنشطة الدعوة الإسلامية، وعضويتها في حركة الماليزي للشباب الإسلامي التي كان والدها يرأسها في السابق، إلا أنها لا ترى تناقضًا بين ذلك وبين تبنيها لعدد من المفاهيم الغربية خاصة فيما يتعلق بالحريات، فهي من أبرز الناشطات في مجال حقوق الإنسان وقيم المساواة، وتولي اهتمامًا خاصًا بسجناء الرأي حتى كأن حسابها على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، مرصدًا حقوقيًا، كما تشارك في عدد من المنظمات النسائية والحقوقية، كما أنها تدير أكاديمية «الإنسانية» وهو مركز تدريب للنشطاء السياسيين.
و أطلقت مؤخرًا حملة لجمع توقيعات المواطنين لإطلاق سراح أبيها، و أعلنت في أكتوبر الماضي أنه سيتم تقديم هذه العريضة إلى جلالة الملك عبد الحليم مظفر شاه، حيث ينص البند الأول من المادة 42 من الدستور على حق الملك الماليزي في إصدار العفو عن المتهمين.
محبة بعد عداوة: أميرة الإصلاح تواصل طريقها نحو قمة الهرم
العام الماضي، أثارت صحيفة وول ستريت جورنال قضية اختلاس أموال من صندوق بيرهاد للتنمية، الذي خصص لتمويل المشاريع الكبرى لتنمية ماليزيا، ووجهت الاتهامات إلى رئيس الوزراء الحالي نجيب عبدالرزاق بالتحصل على مئات الملايين من الدولارات بشكل غير قانوني، ولكن القضاء برأه رسميًا وأكدت لجنة التحقيق أن الأموال التي حصل عليها نجيب هي هدية من العائلة السعودية وأن نجيب غير مسئول عن هذا.
ورغم ذلك ثارت احتجاجات تطالب باستقالته شاركت فيها أحزاب المعارضة، وشارك فيها مهاتير محمد نفسه، ونزل المواطنون إلى الساحات وارتدوا القمصان الصفراء التي أصبحت علامة احتجاجية ضد رئيس الوزراء.
وجاءت الأزمة الأخيرة التي تعرض لها رئيس الوزراء، لتمد ابنة أنور إبراهيم بدعم قوي من آخر شخص كانت تتوقع منه دعمها، إذ أن مهاتير محمد نفسه انشق عن حزب الأمنو وأسس حزبًا جديدًا في أغسطس 2016 اسمه حزب «أبناء الأرض» الماليزي المتحد، والتقى بأنور إبراهيم لينهي 18 عامًا من الشقاق، بل ويوجه محاميه بالدفاع عنه لتبدأ خطوات من أعضاء حزبه في طريق تكوين تحالف بينهما في خطوة تصب في الأساس في صالح جيل الشباب؛ مخريز مهاتير محمد، رئيس الوزراء السابق لولاية قدح ونائب رئيس الحزب الجديد، ونور العزة.
و صرحت نور العزة بأنه على الرغم من الخلافات السابقة بين المعارضة وبين الدكتور مهاتير إلا أنهم كانوا يقدرون مبادراته ودوره في نهضة البلاد، وبرغم رفضهم لاستبداده بالسلطة إلا أنهم لم يعادوه على المستوى الشخصي أبدًا.
بل وقفت في البرلمان خلال مناقشة الموازنة المقترحة لعام 2017 لتدافع عن رؤية مهاتير محمد [ الشهيرة بـ«واواسان 2020»، وأعلنت رفضها لمساعي رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق لاستبدالها ببرنامج التحول الوطني «TN 50» مؤكدة أنه لا يمكن استبدال رؤية مهاتير محمد بأي رؤية أخرى أيًا كانت.