الصفقة النووية: معركة أوباما في الكونجرس
(شكرا دكتور ظريف)
في بداية العام لم يمتلك الكونجرس طريقة واضحة لمراجعة الإتفاق النووي الإيراني وفي الأصل لا تحتاج هذه الصفقة إلي موافقة الكونجرس الأمريكي وهذا ما أثار حالة من الغضب بين النواب من الحزبين وفي شهر أبريل من العام الحالي مرر الحزبين معا بأغلبية ساحقة تشريعا يعطي الكونجرس حق الرقابة و الموافقة علي الإتفاق النووي وتعليق عملية رفع العقوبات عن طهران حتي ينتهي الكونجرس من مراجعة الإتفاق والمواقفة عليه أو رفضه.
صحيح أن الصفقة قد أنجزت و الإتفاق قد تم بين الدول الست وإيران ولكن الكونجرس الأمريكي بغرفتيه يمتلك حق مراجعة الإتفاق ورفضه أو قبوله وفق تشريع (عملية المراقبة) وستسمر مناقشات هذا الإتفاق ل 60 يوما تخصص للمناقشة والإستماع للوفد المفاوض ثم 20 يوما لعملية التصويت ، وخلال هذه الفترة لن تقوم الولايات المتحدة بالبدء في عملية رفع العقوبات عن طهران إلا بعد موافقة الكونجرس ، لذا في المجمل سوف يتأخر مصير الإتفاق النووي الي ما يزيد عن80 يوم.
ما هي توزيعة القوي بين الحزبين داخل الكونجرس؟
يسيطر الحزب الجمهوري علي الأغلبية في مجلس النواب و مجلس الشيوخ حيث يسيطر النواب الجمهوريين علي 247 مقعدا من أصل 435 في مجلس النواب (56%) ويسيطرون علي 54 مقعدا من أصل 100 في مجلس الشيوخ(54%).
وقد شهد الإتفاق النووي إعتراضات واسعا قبيل توقيعه وخروجه الي العلن من الحزب الجمهوري -المعروف بعدائه المبدئي لِإيران وعلاقته القوية بإسرائيل- وبعد خروجه شهد تشككا كبيرا في كون هذا الإتفاق يتماشي مع احتياجات الأمن القومي الأمريكي.
ما هي الخطوات التي سيسير فيها الإتفاق النووي داخل أروقة الكونجرس؟
أولا: عندما يتلقي الكونجرس مسودة الإتفاق سوف يكون لديه 60 يوما لإجراء النقاش حوله وعقد جلسات إستماع وحوار.
ثانيا: اذا قرر الكونجرس رفض المشروع (بما يعني رفضا من كلا الغرفتين النواب و الشيوخ) سوف يكون لدي الرئيس 12 يوما للتقدم بفيتو علي الرفض.
ثالثا: بعد فيتو الرئيس سوف يكون لدي الكونغرس 10 أيام للتصويت علي تخطي هذا الفيتو وهذا التصويت يتطلب أغلبية الثلثين في كلا الغرفيتن النواب و الشيوخ.
رابعا: إذا صوتت الغرفتين بالرفض عندها لن يتمكن الرئيس الأمريكي من رفع العقوبات عن طهران.
هل يمكن للكونجرس إلغاء الإتفاقية؟
نظريا نعم، فعندما تصل مسودة الإتفاق رسميا الي الكونجرس ليناقشها وبعد مرور 60 يوما يمكن للكونجرس رفض الإتفاق بأغلبية بسيطة 50%+1 وهذا ما يتوفر لدي الحزب الجمهوري المعارض بشدة لهذا الإتفاق.
ولكن كما رأينا فقد تعهد الرئيس الأمريكي بأن يمارس حق الفيتو ضد أي محاولة من الكونجرس لوقف الإتفاق. وفي هذه الحالة لا يتبقي أمام الحزب الجمهوري إلا محاولة الوصول الي رفض الإتفاق بالأغلبية المطلقة (أغلبية الثلثين) في مجلسي النواب و الشيوخ وهذا ما سيكون شديد الصعوبة وسيحتاج الي إستمالة الكثير من النواب الديمقراطيين.أكدت هيلاري كلينتون المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي دعمها للإتفاق النووي الإيراني ويعتقد أنها ستلعب دورا قويا في حشد التأييد للداخل الكونجرس.
كانت معاهدة فرساي المرة الأولي التي يرفض فيها الكونجرس عملية للسلام بأغلبية الثلثين ولم توقع أمريكا علي معاهدة فرساي ولم تنضم إلي عصبة الأمم رغم أن الرئيس ويدرو ويلسون كان من أبرز الداعمين للمعاهدة حول العالم لكن ذلك لم يتكرر كثيرا في تاريخ الكونجرس.
هل يمكن أن يحصل الحزب الجمهوري علي أغلبية الثلثين؟
بإفتراض أن كل الجمهوريين في مجلس النواب و الشيوخ قد صوتوا لتخطي فيتو الرئيس فأنهم سيحتاجون 13 صوتا من مجلس الشيوخ و44 صوتا من مجلس النواب لكي يتمكنوا من الحصول علي أغلبية الثلثين.
والديمقراطيين في واقع الأمر ليسوا كلهم في حالة إصطفاف خلف الرئيس باراك أوباما فبعضهم يحمل مخاوف وتشككات حول الإتفاق النووي وهؤلاء سيكونون في موقف سئ بين رغبتهم في دعم الإنجاز الخارجي الأبرز لإدارة الرئيس باراك أوباما وبين رغبتهم في الحفاظ علي علاقة طيبة مع النواب الموالين لإسرائيل وغيرها من جماعات الضغط الموالية لإسرائيل وأشهرها (أيباك) والتي من المتوقع أن تمارس ضغطا هائلا ضد توقيع الصفقة.
“نحن نعتقد أن البديل لهذه الصفقة السيئة هو صفقة أفضل”، “يجب أن يرفض الكونجرس هذه الصفقة ويحث الإدارة علي أن تعمل مع حلفائنا للحفاظ علي الضغط الإقتصادي حتي نحصل علي صفقة تقطع كل السبل علي إيران في سعيها لإمتلاك سلاح نووي”. هكذا صرحت أيباك، طبقا لما نشرته تايمز أوف إسرائيل.
ماذا في حالة الرفض النهائي للإتفاق النووي من الكونجرس؟
سوف تتداعي عمليا منظومة العقوبات علي طهران و التي تشارك فيها دول مثل الإتحاد الأروروبي و التي تعتبر الإتفاق بمثابة نصر ديبلوماسي وهذه الإنفراجة ولو الصغيرة في منظومة العقوبات علي طهران سوف تكون بداية النهاية لها سواء وافق الكونجرس الأمريكي أم لا.
فبعد موافقة الدول العظمي الأخري سوف تقف الولايات المتحدة وحدها والعالم من حولها غير مستعد للمضي قدما في عملية فرض العقوبات علي طهران حتي خضوعها كما قال جون كيري.
ما أبرز مخاوف الجمهوريين من الإتفاق النووي؟
يعد الحزب الجمهوري بتكوينه الفكري ومصادر دعمه وتمويله من أبرز حلفاء إسرائيل في أروقة السياسة الأمريكية كما يعرف عنه العداء المبدئي لإيران وروسيا و الصين.
“إنطباعي المبدئي بأن هذه الصفقة أسوأ ما حلمت به علي الإطلاق وسوف تكون كابوسا للمنطقة ولأمننا القومي وللعالم كله”، هكذا صرح السيناتور ليندزي جراهام, والذي أعلن مؤخرا عزمه الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري.“خلال هذه المفاوضات أعربت عن قلقنا الشديد من إنتهاك خطوط الحمراء مرة تلو الأخري أضف إلي هذا تحول هدف المفاوضات من تفكيك البرنامج النووي الإيراني إلي إدارة عملية نموه“، يقول السيناتور بوب كروكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، ويضيف “أريد أن أقرأ هذه الصفقة بالتفصيل لكنني أنطلق من موفق متشكك للغاية في أن هذه الصفقة تحقق بالفعل الهدف في منع إيران من إمتلاك سلاح نووي”، “في خلال الأيام القادمة سوف يقرر الكونجرس إذا ما كانت هذه الصفقة تستحق تفكيك نظام العقوبات علي طهران والذي أخذ أكثر من 10 سنوات ليتم إنشاؤوه”
يحمل الحزب الجمهوري مخاوف وشكوكا من الصفقة مع إيران وهذه المخاوف لا تخص الأمن الأمريكي وحده ولكن أمن حلفائها العرب وإسرائيل.
أولا: شكوك حول عملية الرقابة والشفافية وإذا ما كانت شروطها كافية لضمان إبقاء إيران بعيدة عن إمتلاك سلاح نووي.
ثانيا: أن هذا الإتفاق يدير الإمكانيات النووية الإيرانية ويمنع زيادتها ولكنه لا يفككها تماما ما يعني ان إيران وفي غضون 15 عاما سوف تتمكن من إمتلاك سلاح نووي.
ثالثا: مخاوف حول أمن إسرائيل والحلفاء الخليجيين وربما السعي العربي المحتمل إلي حيازة سلاح نووي للمحافظة علي توازن للردع وهذا له نتائج كارثية في منطقة تعاني عدم الإستقرار وفوضي التنظيمات الإرهابية.
رابعا: أن هذه الصفقة لا تتضمن توضيحا بخصوص دور إيران العدائي في المنطقة ودعمها للإرهاب بينما سوف تسمح لإيران بالحصول علي بلايين الدولارات وزيادة النمو الإقتصادي والعسكري ما يعني زيادة دورها العدائي في المنطقة.
ومن المؤكد فسوف تلعب جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل دورا كبيرا في حشد الدعم لإلغاء الإتفاقية النووية. يقول بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل “إنها خطأ تاريخي” عن الصفقة النووية.
أما حول الرفض الإسرائيلي للصفقة مع إيران فيدور حول أمرين:
الأول: أنه ما تزال هناك فرصة وإمكانية في حصول إيران علي سلاح نووي بعد 10-15 عاما من الآن.
الثاني: أن عملية رفع العقبات تعني تدفق الملايين من الدولارات علي نظام الملالي وتعني نموا واسعا كما أنه وبعد 5 سنين من الآن سوف يتم رفح حظر الأسلحة هذا كله يصب في إتجاه زيادة الدعم الإيراني لحزب الله و حماس.
ما البديل لهذه الصفقة من وجهة نظر الجمهوريين؟
يقول السيناتور ليندسي جراهام في حوار مع الCNN، “البديل المفضل لهذه الصفقة ألا تمنح آية الله ملايين الدولارات بسبب رفع العقوبات إلا إذا وافق علي وقف أنشطته المثيرة للقلاقل في الشرق الأوسط، عدم رفع حظر الأسلحة المفروض من قبل الأمم المتحدة ما يعني أنه بعد 5 سنوات يستطيع شراء المزيد من الأسلحة لإثارة الإضطرابات في الشرق الأوسط. بديلي المفضل سيكون تفكيك البرنامج النووي الإيراني كما أردنا جميعا بدلا من الحفاظ علي منشآته الصناعية ما يمنح الإيرانيين فرصة لإمتلاك السلاح النووي. بديلي المفضل سيكون عدم تشجيع العرب علي إمتلاك سلاح نووي لأنهم يعرفون أن الإيرانيين سيفعلون”
ما سر إصرار أوباما علي هذه الصفقة؟
يعد باراك أوباما بصفته الشخصية أحد أبرز الفائزين من هذه الصفقة هو وإدارته فهذا الإنجاز الذي غير الخطوط الإستراتيجية التي ورثها عن سلفه جورج بوش في نقل إيران عمليا من محور الشر عن طريق عملية ديبلوماسية ناجحة هذا الإنجاز الذي يمكن مقارنته بإستراتيجية سلفه بوش.
وإذا تمت الموفقه علي الصفقة فسوف تكون تلك الصفقة الإنجاز الأبرز لإدارة باراك أوباما في السياسة الخارجية وهو إنجاز يتوج به نهاية مسيرته في البيت الأبيض ويزيل به الشكوك حول جدارته بالفوز بجائزة نوبل للسلام.