ليس زيدان: واسطة «بنزيما» للبقاء 11 عامًا في ريال مدريد
جرت العادة في معظم النقاشات الكروية الساخنة، أن يلجأ المشجعون إلى كافة الخدع للتقليل من لاعبي الخصم، لأن الاعتراف بالحق ليس فضيلة في كرة القدم.
على الجانب الآخر يحتفظ مشجعو الخصم في حقهم بالمبالغة في مدح لاعبيهم. لكن في حالتنا هذه، ولأول مرة، تجد مشجعي الفريق يبخسون حق لاعبهم، في حين يتبارى الآخرون لإنصافه.
صاحب هذه الحالة الفريدة هو مهاجم ريال مدريد، «كريم بنزيما». والذي يتساءل البعض دائمًا عن الطريقة التي تمكن بها «كريم» من الصمود لـ 11 عامًا كاملة -قابلة للزيادة- داخل جدران الميرينجي، حتى يتدخل أحدهم مازحًا، ليجيب: «لديه واسطة بالطبع».
ليس زيدان
قد لا يتوافق التفكير بمثل هذه الطريقة مع حديثنا عن أعلى مستوى في كرة القدم، أو كرة القدم بشكل عام، لأن الواسطة قد تضمن لك الفرصة وليس الاستمرارية. لكن بما أنك محتار وتبحث عن إجابة، فسنسلم معًا بهذه الفرضية، وسنبدأ البحث عن واسطة كريم بنزيما.
سيذهب التخمين الأول إلى المدرب زين الدين زيدان، حيث يحمل زيزو ولاعبه الجنسية الفرنسية من أصل عربي، لكن بحساب بسيط سنجد أن زيدان لم يدرب بنزيما سوى ثلث المدة، وأن لاعب ليون السابق، قد حجز مكانه مع بيليجريني ومورينيو وبينيتز وأنشيلوتي ولوبوتيجي، لذلك فإن واسطة بنزيما أكبر من أن تكون مدربًا.
لنعد إلى صيف عام 2009، حيث كان بنزيما يختار بين مزاملة كريستيانو رونالدو في مدريد، أو تعويضه في مانشستر يونايتد، إلى أن تدخل رئيس النادي «فلورنتينو بيريز» بنفسه لحسم المفاوضات. طار «بيريز» إلى منطقة «بورن» بمدينة ليون، لزيارة كريم في منزله، وتحدث معه قليلاً بالفرنسية، حتى تمكن من إقناعه.
قد تظن أنه أمر عادي، لكن «بيريز» الذي قاد موجة الجلاكتيكوس الأولى بالتعاقد مع فيجو وزيدان وبيكهام ورونالدو ومايكل أوين، ثم الثانية بالتعاقد مع كريستيانو وكاكا وتشافي ألونسو، لم يذهب لإقناع أي منهم في منزله، سوى بنزيما.
مشاهد تؤكد الواسطة
لكن ذلك وحده لن يكفي لإقناع أحد، وقد تكون مشغوليات «بيريز» أعاقته عن الذهاب لمنازل هؤلاء جميعًا بالصدفة، لذا سنحاول البحث في مسيرة «بنزيما» عما يدعم هذه الفرضية. لكن قبل المضي، علينا أن نذكر أنفسنا أولاً بطبيعة النادي الملكي في إسبانيا.
حيث يعتبر ريال مدريد واحدًا من أكبر العلامات التجارية في الرياضة حول العالم، وعليه يحرص النادي على رسم هالة ضخمة حوله، متعلقةً بثقافته ونوعية تعاقداته، شيء يكسبهم رونقًا مختلفًا. حتى كانت تعاقدات النادي في وقت من الأوقات، تهدف لتعزيز تلك الصورة، كما حدث مع حقبة الجلاكتيكوس الأولى على سبيل المثال.
وبالتبعية تنعكس تلك الهالة على سلوك اللاعبين، لأن صورتهم من صورة النادي. لكن «بنزيما» تحديدًا يمثل حالة نادرة في ذلك السياق، لأنه استطاع أن ينجو أكثر من مرة رغم أفعاله الطائشة، أو في رواية أخرى، تغاضى «فلورنتينو بيريز» عن المبادئ الملكية من أجل عيون «كريم».
المرة الأولى كانت حادثة ممارسة الجنس مع الفتاة الفرنسية من أصل جزائري «زاهية»، قبل بلوغها السن القانوني، وقد حدثت الواقعة قبل كأس العالم 2010 بأسابيع قليلة، وظهرت للسطح بعدها بسنوات، وتورط فيها «فرانك ريبيري» أيضًا.
ثم الحادثة الثانية التي ترتب عليها استبعاد «بنزيما» من المنتخب الفرنسي حتى الآن، عندما توسط بين زميله «ماثيو فالبوينا» ومبتزين ادعوا امتلاك شريط جنسي لـ«فالبوينا» وزوجته، وتحول «كريم» من وسيط إلى متهم، يبحث عن براءته في المحاكم.
هذه الوقائع أو بالأحرى الفضائح، لم يتحرك فيها «بيريز» سوى بدعم لاعبه دعمًا غير مشروط، وصل إلى وصف «بنزيما» بأنه مزيج بين الظاهرة رونالدو وزيدان، ثم إفساح الطريق له منفردًا بإبعاد أكبر منافسيه، هيجواين وموراتا. وفي المقابل، اعتبر «كريم» واسطته فردًا من العائلة وليس مجرد رئيس.
مشكلة حسابية
ما سبق يشير إلى علاقة وثيقة بين «بيريز» و«بنزيما»، لكن إذا توقفنا للحظة وتذكرنا أننا نتحدث عن نادٍ كان وما يزال معروفًا باسم مقبرة النجوم، وجماهيره هاجمت معظم أساطير فريقها تقريبًا في لحظات الخسارة، فإن كلمة الواسطة لن تكون دقيقة لوصف حالة المهاجم الفرنسي.
الذي استفاد من ثقة رئيسه ليكتسب الهدوء اللازم ليلعب الكرة بالشكل الذي يفضل، والذي كان ملائمًا بشدة مع متطلبات التطور التكتيكي الحاصل. حيث تطورت الفرق في تنظيم الدفاع، وأسلوب الضغط، وبات المدربون يلجؤون رغمًا عنهم للمهاجم، كي يلعب دوره كلاعب إضافي عند التحضير. حيث يتحرك بعيدًا عن مناطق الخطورة، ويهبط إلى الوسط، أو الأطراف، لعمل الزيادة العددية هنا وهناك، والتي ستمكن فريقه من التحضير ونقل الهجمة بنجاح.
لكن ذلك كان يصطدم دائمًا برقم قميصه، فلم يعتد أحد أن يلعب الرقم 9 دور «السنيد» أو الشريك المثالي، بل اعتادوا رؤيته يلعب دور البطولة ويتصدر المشهد. ومع كل كرة سهلة كان يضيعها «بنزيما» برعونة، كان يذهب مجهوده سدى، وتظهر كل الدواعي التكتيكية على أنها فلسفة ثقيلة الظل، لا يمكن أن ينظر إليها المشجع الغاضب بشيء من العقلانية.
حتى وإن خرج «أنشيلوتي» المدرب الذي جلب العاشرة بنفسه ليقول نصًا: «مجهود بنزيما لعب دورًا كبيرًا في نجاح رونالدو»، وسيبدو ذلك مجرد مجاملة للاعبه. على الرغم من اجتماع عدد كبير من المدربين واللاعبين على نفس الرأي، لكن يظل بين اللاعب وجماهير الملكي حاجزًا غير مبرر.
لعل المشكلة كانت بسيطة لكن بنزيما لم ينتبه لها، لأنه على حد قوله، يلعب من أجل هؤلاء الذين يقدرون ما يفعل.
كل ما كان عليه فعله هو استبدال القميص رقم 9 بالرقم 13 أو 25 على سبيل المثال، ويتجنب تسميته بالمهاجم الوهمي، ويكتفي بصانع ألعاب مع مرتبة الشرف، حينها كانت ستتقبل الجماهير إحرازه لـ 246 هدفًا وصناعة 135، في 510 مباراة (حتى 15 يوليو 2020)، دون الحديث عن الواسطة.