ليس خائنًا: لماذا سافر «أحمد بغدودة» إلى فرنسا؟
حسنًا، لا جديد يذكر والقديم ما زال يُعاد في مسلسل هروب الأبطال المصريين في الألعاب الفردية، في محاولة للبحث عن تمثيل دول أخرى؛ توفر بيئة أكثر عونًا على حصد الإنجازات إلى جانب التقدير المادي والمعنوي الذي يفتقده الرياضي في «أم الدنيا».
هذه المرة كانت من خلال اللاعب الشاب «أحمد بغدودة»، الذي بحسب رواية الاتحاد المصري للمصارعة؛ هرب إلى فرنسا من تونس، بعدما حصل على جواز سفره بحجة شراء بعض المتعلقات وتغيير عملة، مستفيدًا من «تأشيرة الشنجن».
رواية لم تحظَ بقبول لدى والد «بغدودة»، الذي خرج عن صمته في عدد من المقابلات التلفزيونية، ورفض فيها وصف ابنه بـ «الهارب»، مشيرًا إلى أنه لا يعلم شيئًا عن سفره، ولم يتواصل معه حتى الآن.
وشرح الوالد «فؤاد بغدودة»، الذي يعمل سائق توكتوك، أن ابنه عانى من الإهمال الكبير طوال السنوات الماضية، إلى جانب الضغوط المادية والمعنوية من قبل الاتحاد والمدربين، حتى إنه لم يتقاضَ سوى 1200 جنيه، من أصل القيمة الإجمالية لمكافآته التي بلغت 16 ألف جنيه بسبب اقتطاع الضرائب.
الأمر الذي يدعو بطبيعة الحال إلى تنحية نغمة «الخيانة» و«الهروب» جانبًا، وطرح السؤال المنطقي الذي لم يجب عليه أي مسئول في تلك القصة حتى الآن، ألا وهو: لماذا سافر «بغدودة» إلى فرنسا؟
ليست «حالة فردية»
قبل الخوض في الإجابة عن التساؤل الماضي دعنا نقطع الشك باليقين في أن حالة «أحمد بغدودة» لم ولن تكون مجرد «حالة فردية» كما يريد أن يصورها مسئولو الرياضة دائمًا، إذ إنه اللاعب رقم 4 الذي يقرر ذلك خلال 6 سنوات فقط.
في عام 2017، تفاجأ المصريون بحصول المصارع طارق عبد السلام على ذهبية بطولة أوروبا، وذلك بعد تمثيله لمنتخب بلغاريا في ذلك الوقت، ليتبين لاحقًا أن اللاعب قرر السفر من مصر، بعد تجاهل الاتحاد لإصابته، ورفضهم دفع تكاليف العلاج.
ووافق «عبد السلام»، الذي اضطر وقتها لبيع الشاورما في بلغاريا من أجل توفير نفقاته، على الحصول على الجنسية مقابل علاجه وتمثيل البلد الأوروبي، ليتمكن بعد شهور قليلة من حصد الميدالية تحت وزن 75 كيلوجرامًا.
بعدها بعام واحد فقط أعلن المصارع محمود فوزي السبيعي اعتزاله اللعب داخل مصر، وسفره إلى أمريكا لتمثيلها في الدورة الأولمبية القادمة، وذلك بعد ما اتهم الاتحاد بحرمانه من المشاركة في بطولة البحر المتوسط بسبب ما وصفه بـ «المحسوبية».
وتحول «السبيعي» لاحقًا لاحتراف الفنون القتالية، والتي علق عليها في مقابلة بودكاست قائلًا: «أنا لو كنت كملت مصارعة مكنتش هلاقي أكل، ولكن أنا لو بطلت فنون قتالية بكرة، فأنا مأمن حياتي للأبد».
وفي عام 2021 أعلن المصارع أحمد حسن، بطل أفريقيا للشباب، سفره إلى أمريكا أيضًا قبل عامين، أي في عام 2019، واعتزاله المصارعة نهائيًا بسبب ما وصفه بالإهمال المادي، والتقدير المعنوي، إلى جانب الروتين الذي كان يلاحقه عند السفر إلى البطولات المختلفة.
وأوضح «حسن» في الفيديو الذي نشره عبر فيسبوك وقتها أنه كان يتقاضى راتبًا شهريًا قدره 2000 جنيه، قبل أن ينخفض إلى 750 جنيهًا فقط، مشيرًا إلى أن المبلغ لم يكن يساعده على الاستعداد للبطولات، والاهتمام بالتدريبات، والتغذية، بل الاضطرار أحيانًا للسفر على نفقته الخاصة.
اسألوا كرم جابر
لو سُئل أي مصارع مصري عن سبب حبه لتلك اللعبة؟ أو عمن يكون مثله الأعلى بها؟ فإن الإجابة عادة ما تكون قاطعة باسم «كرم جابر»، الذي يُعد أحد أنجح الرياضيين المصريين عبر التاريخ، بعد حصد الميدالية الذهبية في أولمبياد أثينا 2004، قبل الظفر بالفضية في لندن 2012.
تلك الإنجازات لم تجعل «جابر» يسلم من الضغوطات التي يعاني منها «بغدودة» حاليًا، وعلى مدار سنوات طويلة منذ أولمبياد أثينا وحتى الآن، وهو الأمر الذي منع البطل الأولمبي من المشاركة في أولمبياد بكين 2008، ثم ريو دي جانيرو 2016، ومؤخرًا طوكيو 2020، واعتزال اللعبة إكلينكيًا والاتجاه إلى الفن.
وشهدت علاقة جابر بالاتحاد معارك عديدة، من بينها عام 2011، وقبل انطلاق دورة لندن التي حقق فيها جابر الفضية، حين أعلن البطل الأولمبي أنه كان يتقاضى 25 جنيهًا يوميًا فقط متساويًا مع اللاعبين الناشئين، في الوقت الذي استغاث فيه أخوه لضرورة توفير معسكر لـ «جابر»، قبل 80 يومًا على البطولة.
وفي عام 2014، عاد «جابر» ليتهم اتحاد اللعبة بالتقصير، مشيرًا إلى استغلاله عند عودته من لندن من أجل التقاط الصور التذكارية معه، ومساندته للمسئولين في انتخابات الاتحاد؛ حيث تفرغوا بعدها للحروب الشخصية كما وصف دون أي دعم للاعبين أو إعدادهم للبطولات المقبلة، استعدادًا بطبيعة الحال لدورة ريو دي جانيرو في تلك الفترة.
ماذا عن «أبطال طوكيو»؟
وبالعودة إلى الأبطال الحاليين، وتحديدًا ممن شاركوا في أولمبياد طوكيو، سنجد أن حلقات المسلسل لم تختلف كثيرًا، فالأمر اقتصر أيضًا على حد الصورة التذكارية والمتاجرة إعلاميًا، رغم تحقيق المصارع محمد إبراهيم «كيشو»، البرونزية الوحيدة للعبة في الدورة.
وبعيدًا عن شكاوى الإهمال المعتادة فإن البطل الأولمبي اتهم الاتحاد في فبراير/ شباط الماضي، بعدم إرسال الورق المطلوب الخاص باللاعب من أجل منحة الأنوكا، وهي منحة مالية مقدمة من رابطة اللجان الأولمبية الوطنية الأفريقية، قبل أن تتدخل وزارة الشباب والرياضة وتحل المشكلة في وقت لاحق.
أما قصة الانتخابات فكانت حاضرة أيضًا، ولكن مع المصارع محمد متولي، صاحب المركز الخامس في أولمبياد طوكيو، الذي خاض منافساتها مصابًا بقطع في الرباط الصليبي، أجرى على إثرها عمليتين في أغسطس عام 2021.
وأشار اللاعب الذي يحمل الجنسية الأمريكية، في أكتوبر من نفس العام، إلى عدم تلقيه أي دعم مالي في مرحلة التأهيل التي تلي إجراء العمليتين تكفل بهما اتحاد اللعبة، معللًا ذلك بانشغال المسئولين بخوض الانتخابات؛ الأمر الذي اضطره إلى الدفع من ماله الخاص.
إهمال لا ينتهي
ولا يتوقف الإهمال في اتحاد المصارعة عند حد دعم اللاعبين، سواء ماديًا أو معنويًا، بل تجاوز ذلك وصولًا للإهمال الإداري، والذي بدوره ظهر جليًا في معسكرات المنتخبات الوطنية في إيطاليا (منتخب الناشئين) وبولندا (منتخب الكبار) يوليو/ تموز الماضي.
تفاجأ أعضاء البعثتين بعدم تسديد مستحقات المشاركة لمنظمي البطولات، مما اضطرهم إلى طرد اللاعبين خارج غرف الإقامة وعدم السماح لهم بالوزن، إلى جانب سحب جوازات السفر الخاصة بهم، لضمان حقوقهم، بتحويل الأموال من قِبل الاتحاد المصري.
كما أرسل منظمو بطولة العالم للناشئين في إيطاليا، بيانًا للاتحاد الدولي وقتها، طالبوا فيه بتوقيع عقوبات على الاتحاد المصري، بسبب عدم تسجيل أسماء 4 لاعبين بشكل صحيح، الأمر الذي هدد مشاركتهم في البطولة من الأساس، قبل أن تُحل المشكلة لاحقًا بتدخل من وزارة الشباب والرياضة.
ختامًا، فإن المشهد داخل أروقة الاتحاد المصري للمصارعة والألعاب الفردية عمومًا، أكثر تعقيدًا مما هو متداول؛ وهو الأمر الذي يدعونا جميعًا للتفكير مليًا قبل الحكم على «بغدودة» وغيره بـ «خيانة الوطن».