ليس محمد بن سلمان: ابن زايد الرجل الأقوى في الخليج
عام 1991، بعد أشهر من غزو العراق للكويت توجه الأمير الشاب ذو الـ29 عامًا، قائد القوات الجوية الإماراتية الضعيفة، إلى واشنطن، يطلب شراء عدد ضخم من الأسلحة ذات الوزن الاستراتيجي الخطير في ذلك الوقت، لحماية بلاده الغنية بموارد الطاقة.
كان الكونجرس قلقًا من أن ذلك من شأنه أن يسبب الاضطراب في منطقة الخليج، لكن البنتاجون كان يبحث عن حلفاء موثوقين في منطقة الخليج، وكان الأمير الشاب بالنسبة لهم في ذلك الوقت هو الرجل الطموح، خريج مدرسة الطيران البريطانية، الذي تمكّن من إقناع والده – مؤسس دولة الإمارات- بتحويل أربعة مليارات دولار لوزراة الخزانة الأمريكية، مساهمةً في تكاليف حرب الخليج الثانية.
واليوم يناهز الأمير محمد بن زايد عمر الـ59. مياهٌ كثيرة جرت في نهر الخليج، وتبدلت أحوالٌ أكثر، حتى صار يُنظر لدولة الإمارات (التي يحكمها بشكل فعلي محمد بن زايد) على أنها مصدر تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط، وتغيرت المعادلة أكثر في عهد ترامب، حتى صارت إدارة الأخير مضطرة لإعادة النظر في علاقاتها وقراراتها بما يتوافق مع الرؤية الإماراتية، يبدو ذلك جليًا في الأزمة القطرية واليمنية والليبية، وحتى في بعض شؤون الداخل الأمريكي.
هذا ما يناقشه الصحفي الأمريكي ديفيد كيركباتريك، مدير مكتب نيويورك تايمز في القاهرة (2011 – 2015)، في تقريرٍ نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أول أمس الأحد، الثاني من يونيو/ حزيران.
اقرأ أيضًا: الحرب الصامته: أبوظبي ودبي وقصة البحث عن توازن
ألد أعداء الأمير
في ظل رئاسة ترامب للولايات المتحدة الأمريكية ذاع صيت ابن زايد، وتعاظم نفوذه، حتى تقاطع مع السيادة الأمريكية. قبيل الانتخابات الأمريكية مد محمد بن زايد جذور التواصل مع الدائرة المقربة من المرشح الرئاسي آنذاك دوناد ترامب، وفي أثناء الفترة الانتقالية عقد بعض اللقاءات السريه مع صهره، جاريد كوشنر. العلاقات التي عُرفت فيما بعد في سياق التدخل الخارجي في الانتخابات الأمريكية.
خمسة على الأقل من بين المقربين من ابن زايد متورطون في التحقيقات التي تجريها الولايات المتحدة حول الانتخابات الرئاسية، حتى محمد بن زايد الزائر الدائم لواشنطن يتحاشى منذ سنتين السفر إليها، خوفًا من أن تلاحقه أي مساءلات!
وفقًا لتقرير مستشار خاص، قدم أحد إخوة الأمير الأصغر سنًا جيرسون (مؤسس شركة فالكون، وصديق جاريد كوشنر) لرجل أعمال روسي، يشكل حلقة وصل بين الرئيس فلاديمير بوتين وملوك الخليج. تباحث رجل الأعمال الروسي كيريل دميترييف مع جيرسون حول «خطة المصالحة» للولايات المتحدة وروسيا، وقبل فترة وجيزة من الترسيم، أعطى جيرسون ملخصًا للخطة من صفحتين إلى كوشنر.في الشهر التالي، في يناير/كانون الثاني، دعا الأمير محمد دمريتييف إلى منتجع إماراتي في سيشل للقاء شخص آخر اعتقدوا أنه يمثل فريق ترامب، وهو إيرك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر الذي جنّد مرتزقة للإمارات العربية المتحدة.
على الرغم من ضآلة المساحة الجغرافية للإمارات، تستحوذ أبوظبي وحدها على 6% من احتياطي النفظ العالمي، مما يجعلها مطمعًا لأقوى جيرانها؛ إيران. سنة 1971، لما حصلت الإمارات على استقلالها من الحماية البريطانية، بسط شاه إيران يده على ثلاثة جزر إماراتية في الخليج العربي.
الإخوان المسلمون، الجماعة التي تأسست في مصر قبل 90 عامًا، وأصبحت تشكل طيفًا واسعًا من الشارع العربي، يراها الأمير محمد بن زايد خطرًا حقيقيًا وبديلًا جاهزًا لخلافة أي نظام عربي حال سقوطه، ولذلك فهو كما يعرف الجميع، وقف ضد ثورات الربيع العربي كافة. قال محمد بن زايد لدبلوماسيين أمريكيين سنة 2007 حول هذا الأمر، إنه مسلم، يؤدي الشعائر، وإنه ذات يوم كان من الإخوان المسلمين، لأن المستشار الثقافي لأبيه الشيخ زايد، الدكتور عز الدين إبراهيم، كان يلقنه مناهج الإخوان المسلمين، لكنه ومع ذلك كان قلقًا من السياسات الإسلامية، التي تجعل 80% من جيشه على استعداد للتحرك مع رجلٍ يدعي التدين في مكه.
لهذا السبب لطالما جادل محمد بن زايد عن عدم جهوزية الشرق الأوسط للديمقراطية، وتُنسب إليه هذه المقولة: «الشرق الأوسط ليس كاليفورنيا»، ومن خلال علاقاته التي بناها مع شبكات مقربة مع الرئيس ترامب في وقت مبكر من رئاسته، استطاع ابن زايد أن يصرف الغضب الأمريكي إلى أعدائه، إيران والإخوان المسلمين، وأن يقضي على التجارب الديمقراطية في الوطن العربي بهذه الحجة، وبمعاونة أمريكية!
كل رجال الأمير
شخصيات سياسية عربية (من اليمين): «محمد بن سلمان» ولي العهد السعودي، الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، و«محمد بن زايد» ولي عهد إمارة أبو ظبي
قبل عشر سنوات، لم تكن رياح الأمير محمد مواتية تمامًا، الربيع العربي يعصف بالحكومات المستقرة، بينما تحل محلها كوادر جماعة الإخوان المسلمين، والرئيس الأمريكي باراك أوباما يجري مباحثات سرية مع إيران. كان الأمر بالنسبة لابن زايد أشبه بالخيانة، التي شعر بالخذلان حيالها، لكنه ومع ذلك لم يكتفِ بالجلوس على مقاعد المشاهدين، فدعم انقلابًا عسكريًا في مصر سنة 2013، وأوفد قوات عسكرية إلى الصومال، لتحارب القرصنة في البداية، ثم لتحارب المتشددين فيما بعد.
وفي اليمن أسس موانئ تجارية على خليج عدن، ثم أخيرًا في ليبيا اصطدمت إرادته بالإرادة الأمريكية والدولية بفرض حظر تسليح على المتصارعين في ليبيا، وقامت الإمارات بتسليح قوات حفتر. وهنا يشير ديفيد كيركباتريك إلى مفارقةٍ مفادها أن الإمارات لم تعد تلتزم بالخطوط الحمراء المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية أو المجتمع الدولي كما كانت تفعل قبل الآن، وباتت تفرض إرادتها رغم أنف الجميع.
اقرأ أيضًا: القاهرة الباحثة عن موضع قدم بين الرياض وأبو ظبي
حتى المملكة العربية السعودية، الجار والمنافس الإقليمي في منطقة الخليج، باتت سياساتها محكومة بالتوجهات الإماراتية مذ انتقلت ولاية العهد عام 2014 إلى يد الأمير محمد بن سلمان. تدخلت الإمارات في الشأن الداخلي السعودي ورجحت كفةً على أخرى، وسخرت لتلك المهمة جماعات ضغط تابعة لها، وروجت للأمر في أمريكا، وها هو اليوم صار أمرًا واقعًا، ونفذت مشيئة الأمير محمد بن زايد، وكأنه بات بالفعل الرجل الأقوى في المنطقة، وصاحب الكلمة الأولى فيها.
كيف تسير الأمور؟
رغم الخلافات الحادة بينهما، ظل الأمير محمد ودودًا مع الرئيس أوباما، لذا حين طلب الأمير لقاءً أخيرًا كأصدقاء، دعاه أوباما إلى مأدبة غداء في البيت الأبيض في ديسمبر/ كانون الأول 2016. كانت المفاجأة أن الأمير محمد تراجع من دون تفسير، وتوجه بدلًا من ذلك إلى نيويورك ليقابل لأول مرة جاريد كوشنر ومستشارين آخرين للرئيس المنتخب دونالد ترامب. لترتيب المقابلات، لجأ الأمير إلى ريتشارد جيرسون، وهو مؤسس شركة فالكون إيدج كابيتال، كان يعمل مع الأمير لسنوات، كما كان صديقًا لكوشنر. كتب جيرسون إلى الأمير بعد الانتخابات في رسالة خاصة، وهي واحدة من عدة رسائل عرضتها صحيفة التايمز على طرف آخر أثبت صحتها: «سأكون متواجدًا دائمًا كرسول موثوق لعائلتك، في أي وقت ترغب فيه بتمرير شيء ما»، كما وقّع في رسالة أخرى بـ«الجندي المخلص». كان مفترضًا أن تكون الرحلة سرية، لكن وكالات الاستخبارات اكتشفت وصول الأمير، ودُهش مستشارو الرئيس، لكن الأمير كان يعمل بالفعل على عكس سياسات الإدارة، محادثًا مستشاري ترامب حول مخاطر إيران ومحادثات السلام الفلسطينية، هذا وفقًا لشخصين اطّلعا على اللقاءات. كتب جيرسون للأمير بعد اللقاءات: «لقد تأثروا بك بشدة، وتأكدوا أنك صديقهم المخلص وأقرب حلفائهم».لا يزال المحققون يبحثون في اتصالات الحملة لمتخصص إسرائيلي في التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، والذي عمل مع الأمير محمد ورجل أعمال لبناني أمريكي كان يقوم بدور السفير. يحقق مدعون آخرون فيما إذا كان يجب على راعي جمهوري كبير آخر عملت شركته الأمنية لصالح الأمير، أن يسجل وكيله قانونيًا أم لا، لكن وفقًا لشخصين مطلعين على الموقف، استُجوب مكتب المستشار الخاص رشيد المالك وهو مستثمر عقاري إماراتي يقيم في لوس أنجلوس، ومقرب من الأمير محمد وشقيقه رئيس المخابرات الإماراتية، كما أنه مقرب من صديق ترامب توم باراك، ويتساءل المحققون عما إذا كان المالك جزءًا من هدف تأثير غير قانوني أم لا.يتناول تحقيق آخر مدفوع من واشين، احتمالية أن تستخدم الإمارات العربية المتحدة تقنيات التجسس الإلكتروني من عملاء أمريكيين سابقين، للتجسس على المواطنين الأمريكيين، وهكذا بعدما كانت الإمارات العربية المتحدة بالكاد تعرض خدماتها على الإدارة الأمريكية بغية تطوير قدراتها الاستخباراتية، باتت قدراتها غير محدودة، وغير مأمونة حتى من قِبل الأمريكيين أنفسهم!يعرض التقرير، الذي نشرته نيويورك تايمز قبل يومين، مراحل تطور الأمير محمد بن زايد، وكيف أنه وصل إلى درجة لم يسبقه إليها أمير خليجي من قبل، حتى أن ديفيد كيركباتريك، الصحفي مُعد التقرير،يقول نقلًا عن رو خانا النائب الديمقراطي عن كاليفورنيا: «دولة الإمارات العربية المتحدة هي وصمة عار على الضمير العالمي، لأنها تنتهك كل قواعد العالم المتحضر».