نورا حسين: كارثة زواج الأطفال تجتاح السودان وجنوبه
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
في مايو/آيار الماضي، قضت محكمة سودانية بإعدام نورا حسين وهي سيدة تبلغ من العمر 19 عامًا، لقتل زوجها الذي اغتصبها مرارًا. إن محاكمة «نورا حسين»، التي تم تزويجها قسرًا في سن الـ16، قد تسببت في غضب عالمي ولفتت الانتباه إلى الملايين من الفتيات في شتى أنحاء العالم اللاتي يتم تزويجهن رغم إرادتهن.
وانطلقت حملة رفيعة المستوى لإلغاء حكم الإعدام الصادر بحق نورا حسين، من قبل مشاهير أمثال عارضة الأزياء العالمية «ناعومي كامبل»، والممثلة البريطانية «إيما واتسون»، ورئيسة الوزراء الأسترالية السابقة «جوليا جيلارد»، جميعهن قدمن الدعم لنورا حسين.
يُعد قرار المحكمة السودانية بتطبيق عقوبة الإعدام في تلك القضية «صادمًا». على الرغم من ذلك فإن تزويج الأطفال قسرًا يضع حياة الملايين من الفتيات المراهقات في خطر بشتى أنحاء العالم. حيث يُقدر بأن كل فتاة من أصل 5 فتيات يتم تزويجها قبل سن الـ 18، بما في ذلك فتيات يعشن ببعض المناطق داخل الولايات المتحدة.
ولا يقتصر الضرر الواقع على هؤلاء الفتيات على عزلهن عن عائلاتهن وشبكات الدعم فحسب، بل يواجهن خطرًا أكبر بالتعرض للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز» وتعرضهن لمضاعفات خطيرة أثناء الولادة. كما يكنّ أكثر عرضة للعنف المنزلي ويتم إخراجهن من المدرسة. وكثيرًا ما يتزوجن من رجال أكبر سنًا، ومع عدم توافر فرص اقتصادية كبيرة، يعشن على الأرجح في فقر.
الزواج القسري للأطفال في جنوب السودان
تتفاقم معدلات الزواج القسري للأطفال بسبب النزاع والأزمة الحالية في جنوب السودان، الدولة التي انفصلت عن السودان في عام 2011، بعد عقود من الحرب المدمرة. وقد استمر النزاع دون هوادة منذ ذلك الحين تقريبًا، مما أدى لتشريد الملايين من الأشخاص ونقص الغذاء على نطاق واسع.
الحد الأدنى للسن القانونية للزواج في جنوب السودان هو 18 عامًا، بحسب ما نص عليه الدستور الانتقالي وقانون الطفل لعام 2008. وهو حد أدنى أعلى بكثير مما عليه الأمر في دولة السودان المجاورة، والتي يسمح للفتاة بالزواج بإذن أحد الوالدين في سن الـ 10 فقط.
وعلى الرغم من القوانين المطبقة في جنوب السودان، تُقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بأن نسبة 52% من الفتيات يتم تزويجهن هناك قبل عيد ميلادهن الـ 18، وهو أعلى خامس معدل لزواج الأطفال في العالم (تبلغ النسبة في السودان 34%).
تحمل المراهقات في كثير من الأحيان بعد الزواج المبكر. في 185 حالة ولادة لكل ألف سيدة تتراوح أعمارهن ما بين 15-19 عامًا، وتمتلك جنوب السودان واحدًا من أعلى معدلات حمل المراهقات على مستوى العالم. كما يوجد بالسودان أحد أسوأ معدلات الوفيات في العالم، حيث يموت 789 طفلاً من أصل 100 ألف، ما يجعل للزواج المبكر عواقب وخيمة على الفتيات المراهقات.
الأسباب التي تؤدي للزواج المبكر والقسري
في إطار دراسة مشتركة أجريت بين مؤسسة «بلان إنترناشيونال» المعنية بحقوق الأطفال ومبادرة «موناش جي بي إس»، أجرينا بحثًا مع الفتيات المراهقات في جنوب السودان ومخيمات اللاجئين في شمال أوغندا. ووجدنا أن هناك الكثير من الأسباب المتداخلة وراء الزواج القسري للأطفال في جنوب السودان.
إن أزمة الغذاء الحالية والانكماش الاقتصادي، يجعلان من الزواج المبكر والزواج القسري آلية لجمع الأموال والتغلب على الحياة. وقد علق أحد المشاركين في البحث لدينا، وهو عضو بالمجتمع المدني في العاصمة «جوبا»، قائلاً:
وفي مدينة «نمولي» الواقعة على الحدود، لفت مشارك آخر إلى أنه «نظرًا للصراع، فإن غالبية الآباء يجبرون بناتهم على الزواج حتى يستطيعوا الحصول على الأموال للبقاء على قيد الحياة في هذا الوضع الحالي».
لقد وجدنا خلال البحث أيضًا أن الانفصال الأسري قد أسهم في زيادة خطر الزواج المبكر والقسري. بمعنى أن العديد من الفتيات المراهقات قد انفصلن عن عائلاتهن نتيجة للصراع الدائر بجنوب السودان ويقمن مع عائلات أخرى، فيكنّ أكثر عرضة للزواج المبكر.
يكون ذلك الزواج مدفوعًا في المقام الأول من قبل الأقارب الذكور مثل الأعمام وأبناء العم. لقد وجدنا أيضًا أنه مع زواج الفتيات، تقريبًا لا يعُدن للمدارس على الإطلاق. فخلال إحدى المقابلات مع مراهقة قالت لنا:
لكن لا يمكن تفسير زواج الأطفال القسري ببساطة على أنه ترتيب تقوم به الأسر لتأمين الموارد بغية البقاء على قيد الحياة. فانتشار ذلك الزواج ينتج عن تفاعل العوامل، بما في ذلك عدم المساواة المتأصلة بين الجنسين، والمعايير الضارة بين الجنسين، واستمرار الصراع والعنف الطائفي، والقيود المجتمعية التي تعاني منها المراهقات. فجميع تلك العوامل تتآمر على تعريض هؤلاء الفتيات للخطر.
وفي بعض الحالات، سعت الفتيات لتخفيف خطر الزواج القسري عن طريق المشاركة في أنشطة كسب الرزق على نطاق صغير، مثل جمع الحطب، أو بيع السلع في السوق، أو إظهار قيمتهن لأسرتهن ومجتمعهن من خلال الأداء التعليمي والعمل المنزلي.
الجهود المبذولة
يتطلب وضع حد للزواج القسري للأطفال في جنوب السودان وبلدان أخرى معالجة جميع العوامل الدافعة لهذه الممارسة، مثل الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، ومحدودية الوصول إلى الموارد، وسبل العيش المستدامة، والتعليم، وانعدام الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية.
وفي الوقت نفسه، يجب على الجهات الفاعلة في المجال الإنساني العمل مع المجتمع للتصدي لقلة الوعي بحقوق الفتيات، والأُطر القانونية الموجودة لدعمها. سيكون الانتظار حتى تتم محاكمة فتاة أخرى بتهمة القتل متأخرًا للغاية.