نوبل في الاقتصاد تلقي الضوء على قضايا الفقر المجتمعي
أعلنت الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم في بيان لها، فوز البريطاني أنغوس دايتون (70 عاما)، بجائزة نوبل للاقتصاد للعام الحالي، وذلك لتحليله الاقتصادي المتعلق بالاستهلاك والفقر والرفاهية.
وتعد نظرية دايتون «ضرورة فهم خيارات المستهلك الفردية من أجل تشكيل سياسات اقتصادية، تهدف إلى الحد من الفقر وزيادة الرفاهية» تحولا كبيرا في مجالات الاقتصاد الجزئي والكلي والتنمية الاقتصادية.
من هو دايتون؟
أنغوس دايتون، ولد في مدينة ادينبورغ باستكلندا في 19 أكتوبر عام 1945م، ودرس بجامعة كمبريدج وتخرج منها، وقدم أطروحة الدكتوراة في نفس الجامعة عام 1975م، وتحمل أطروحته اسم «نماذج طلبات المستهلك وتطبيقها في بريطانيا».
كان دايتون أستاذ الاقتصاد في جامعة «بريستول» قبل أن ينتقل في 1983 إلى جامعة «برينستون»، حيث اقترح تعيينه من قبل «جون لويس»، العميد السابق لـ WWS. وهو حاليا أستاذ كرسي «دوايت أيزنهاور» للشؤون الدولية وأستاذ الشؤون الدولية والاقتصاد في كلية وودرو ويلسون وقسم الاقتصاد في جامعة برينستون.
ودايتون أيضا زميل جمعية الاقتصاد القياسي، وزميل المقابلة من الأكاديمية البريطانية، وزميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم. وهو حاصل على درجة فخرية من جامعة روما، وجامعة سانت أندروز.
وفي عام 2007م، انتخب رئيسا للرابطة الاقتصادية الأمريكية. وفاز عام 2011م بجائزة مؤسسة «آفاق المعرفة» وهي جائزة الاقتصاد لمساهمته الأساسية في وضع نظرية الاستهلاك والادخار، وقياس الرفاهية الاقتصادية.
وقد وضع دايتون أيضا منهجية معيارية لقياس الفقر، بالإضافة إلى تحليل سلوك المنزلية على مستوى الاقتصاد الجزئي، وتشمل مجالات بحوث ديتون قياس الفقر العالمي واقتصاديات الصحة والتنمية الاقتصادية.
وأخيرا يمنح نوبل لهذا العام في الاقتصاد لمؤلفاته في «الاقتصاد وسلوك المستهلك»، و«فهم الاستهلاك»، و«تحليل المسوح الأسرية»، «الهروب الكبير: الصحة والثروة»، و«أصول عدم المساواة».
قضايا الفقر على طاولة نوبل في الاقتصاد!
الفقر من أخطر القضايا وأكثرها تعقيدا وقياسا وقراءة، فهو ينطق عن مفارقة واقعية تجمع ما بين السبب والنتيجة، فالعديد من الثورات الاجتماعية والسياسية الكبرى في التاريخ الإنساني كان الفقر أحد أسبابها الرئيسية.
وتحضرنا هنا مقولة أرسطو «الفقر هو مولد الثورات والجريمة»، كما أن التراث التاريخي حافل بالأطروحات والتصورات حول هذه الظاهرة وما تخلفه من تبعات، حيث نجد المقولة الشهيرة لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه): «لو كان الفقر رجلا لقتلته» وفي هذا الإطار سوف أتناول ماهية النظرة الدولية لقضايا الفقر، والسعي الدائم نحو وضع مفهوم دقيق له باعتباره أحد مهددات فرص التنمية والنمو.
كما يقترح المجلس الأوروبي أحد التعريفات التي ترى أن الفقر يخص «الأشخاص الذين تكون مصادرهم المادية، الثقافية أو الاجتماعية ضيقة إلى حد الإقصاء من أنماط الحياة المقبولة في الدولة الواحدة التي يعيشون فيها».حاول «البنك الدولي» وضع تعريف شامل لظاهرة الفقر مفاده أن «الفقر هو عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة»
إلا أن هذا التعريف يعتمد بدرجة كبيرة على مفهوم الحد الأدنى ومفهوم مستوى المعيشة، كما يعتمد بدرجة كبيرة على المجتمع الذي تتم فيه حالة التوصيف؛ فالفقر الذي يؤدي إلى الموت، يختلف بطبيعة الحال عن الفقر الذي يشير ويعبر فقط عن تباين في توزيع الدخل أكثر مما يشير عن الحرمان المطلق، وهنا تتضح نسبية هذا المفهوم وشدة تشابكه.
كما أن لجنة الأمم المتحدة ترى أن الفقر «هو حالة بشرية تتسم بحرمان مستدام أو مزمن مما يلزم من موارد واختيارات وقدرات وأمن وقوة من أجل التمتع بمستوى معيشي كافٍ وحقوق سياسية واجتماعية».
يعد تعريف لجنة الأمم المتحدة هو التعريف الأشمل للفقر حيث أنه يركز على مفهوم «الحرمان النسبي» لفئة معينة من فئات المجتمع، فالفقير إلى الشيء لا يكون فقيرا إليه إلا إذا كان في حاجة إليه، وهنا تظهر أهمية البعد المادي في تحقيق الحاجات من مأكل وملبس ومسكن إلخ.
ونجد أن أطروحات المجتمع الدولي تميل إلى الاختزال نسبيا، لأن تعريفها لا يمكن أن يفهم إلا بإبراز مكونين أساسيين، وهذان المكونان هما مستوى المعيشة، والحق في الحصول على حد أدنى من الموارد.
ومستوى المعيشة يمكن التعبير عنه بالاستهلاك لسلع محددة، مثل الغذاء والملابس أو السكن، التي تمثل الحاجات الأساسية للإنسان التي تسمح بتصنيف أي فرد لا يحققها ضمن دائرة الفقر. أما الحق في الحصول على الحد الأدنى من الموارد، فهو لا يركز على الاستهلاك بقدر تركيزه على الدخل، أي الحق في الحصول على هذه الحاجات أو القدرة على الحصول عليها .
الإسهامات الدولية لوضع مؤشر لقياس الفقر
(1) خط الفقر:
هو الحد من الدخل الذي يكفي لبقاء الإنسان على قيد الحياة الكريمة، وبالتالي فهو يعد عتبة الدخل التي تقسم المجتمع إلى فقراء وغير فقراء.
وبالتالي يكون الذين دخلهم تحت مستوى خط الفقر مصنفين على أنهم فقراء، والأفراد الذين يكون دخلهم أعلى من مستوى خط الفقر يصنفون على أنهم غير فقراء. ويعد الذين يقع دخلهم على خط الفقر أيضا فقراء.
تعددت خطوط الفقر التي تستخدم في عملية قياس وتحديد الفقر، وذلك حسب مفاهيم الفقر وتعاريفه المختلفة، فهناك خط الفقر المطلق والذي يستند في تقديره إلى الاحتياجات الأساسية اللازمة للأسرة.
وخط الفقر النسبي والذي يتم تقديره على أساس موقع الفرد أو الأسرة بالنسبة للمجتمع الذي يعيشون فيه، وكذلك هناك خط الفقر المدقع أو الشديد والذي يتم تقديره على أساس تكلفة الحاجات الضرورية لضمان البقاء على قيد الحياة.
مثال: ففي الأراضي الفلسطينية، حدد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خطي فقر في عام 1998م، الأول هو ما أطلق عليه خط الفقر العادي، والبالغ 1460 شيكل، والثاني هو ما أطلق عليه خط الفقر المدقع أو الشديد والبالغ 1195 شيكل.
عملية تقدير خط الفقر بناءً على الحاجة اليومية لجسم الإنسان من الطاقة، أو السعرات الحرارية والتي تمكنه من ممارسة حياته الطبيعية، وأداء واجباته اليومية، ومن ثم يتم تحويل هذه الطاقة إلى عدد من سلات الطعام تشمل الوجبات اليومية الرئيسية.
مع الأخذ بعين الاعتبار تقلبات الأسعار، والأنماط الاستهلاكية المختلفة من بلد لآخر، ومن فئة اجتماعية لأخرى ضمن البلد الواحد وقد تضاف حاجات أخرى، مثل الحاجة إلى السكن، والملبس، وأجور النقل، وبالتالي فان القيمة النقدية لكل هذه الحاجات تعتبر الخط الذي يقسم المجتمع إلى فقراء وغير فقراء.
من خلال خط الفقر يمكن معرفة عدد الأفراد أو الأسر الذين هم تحت خط الفقر، وكذلك يمكن أيضا من خلال هذا الخط تقييم سياسات مكافحة الفقر إلا أنه يبقى عاجزا عن معرفة عمق وشدة الفقر، وكذلك معرفة الفجوة بين دخل الفقراء وخط الفقر، لذلك تم استخدام مقياس شدة الفقر، ومقياس فجوة الفقر للتغلب على هذه الثغرات ويبقى خط الفقر في حالة تغير مستمرة تبعا للزمان والمكان والأسعار وضروريات الحياة.
بعض الانتقادات التي توجه لخط الفقر، وهي كونه يعتبر ظاهرة الفقر ظاهرة مجردة يمكن قياسها والتعبير عنها بشكل واضح من خلال خط الفقر فقط، مع أن الواقع يشير إلى غير ذلك حيث يرتبط الفقر بجوانب كثيرة يصعب قياسها بمقياس واحد.
ويخفي خط الفقر الفروق في دخل الأسر مهما كانت صغيرة أو كبيرة، فقد يقترب دخل أسرتين من خط الفقر وتكونان فقيرتين فعلا، ولكن كون إحداهما تقع تحت مستوى خط الفقر والأخرى فوقه تصنفان على أنهما أسرة فقيرة وأخرى غير فقيرة. وهناك مسألة اختلاف كمية الإنفاق على السلع غير الغذائية وصعوبة تحديد اعتبارات تفضيل الإنفاق على هذه السلع من شخص لآخر، وأيضا اختيار الأسرة أم الفرد كوحدة قياس لتحديد خط الفقر.
(2) مؤشر عدد الرؤوس وفجوة الفقر وشدة الفقر:
لجوانب القصور التي تعتري خط الفقر، فقد تم تطوير مؤشرات جديدة أخرى تستعمل في عملية قياس الفقر وتسد الثغرات في خط الفقر، وأول هذه المؤشرات هو مؤشر عدد الرؤوس Head Count Index والذي يبين نسبة الفقراء من المجموع الكلي للسكان، فهو يمتاز بالبساطة والسهولة وكثرة الاستخدام، ويستفاد منه في تقييم سياسات تقليل الفقر، ولكنه يؤخذ عليه قصوره عن معرفة عمق وشدة الفقر.
وللتغلب على هذه المشكلة فقد تم تطوير مؤشر آخر وهو مؤشر فجوة الفقر Poverty Gap والذي يمكن من خلاله معرفة مدى انخفاض دخل الفقراء عن مستوى خط الفقر، ومن خلاله يمكن معرفة الدخل اللازم لرفع دخل الفقراء إلى مستوى خط الفقر، ويؤخذ عليه عدم قدرته على معرفة مدى التفاوت في دخل الفقراء أنفسهم.
وقد تم تطوير مؤشر آخر لحل هذه الإشكالية وهو مؤشر شدة الفقر Poverty Severity حيث أنه كلما ارتفعت قيمة هذا المؤشر دل ذلك على فقر أكبر، وتزايد التفاوت في توزيع الدخل بين الفقراء.
وقد استخدمت هذه المؤشرات لقياس الفقر في الأراضي الفلسطينية عام 1998 م و قد بلغ مؤشر فجوة الفقر 5.5 % (الجهاز المركزي الفلسطيني).
(3) مؤشر التنمية البشرية:
الموارد البشرية هي مجموعات الأفراد المشاركة في رسم أهداف وسياسات وانجاز الأعمال التي تقوم بها المنظمات حيث تقسم هذه الموارد إلى أربعة مجموعات هي: (الموارد الاحترافية – الموارد القيادية- الموارد الإشرافية- باقي الموارد المشاركة).
من وجهة نظر المجتمع، فان الموارد البشرية هي القوى العاملة لبلد ما، والتي تتشكل من مجموع السكان في سن العمل سواء كانوا يعملون أو يبحثون عن العمل.
يعرف برنامج الأمم المتحدة التنمية البشرية المستدامة على أنها عملية توسيع لخيارات الأفراد، ومن حيث المبدأ، هذه الخيارات يمكن أن تكون مطلقة ويمكن أن تتغير بمرور الوقت، ولكن الخيارات الأساسية الثلاثة، على جميع مستويات التنمية البشرية، هي أن يعيش الأفراد حياة مديدة وصحية، وأن يكتسبوا معرفة وأن يحصلوا على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائقة.
ولكن التنمية البشرية لا تنتهي عند ذلك فالخيارات الإضافية تتراوح من الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى التمتع بفرص الإبداع والإنتاج والتمتع بالاحترام الذاتي الشخصي وبحقوق الإنسان المكفولة، وبالتالي فهدف التنمية يرتكز على تكوين بيئة ملائمة لحياة مديدة وصحية وقائمة على الإبداع.
إدارة الموارد البشرية:
لقد اختلفت وجهات النظر في إعطاء مفهوم معين لإدارة الموارد البشرية لكن يمكن التميز بين وجهتي نظر مختلفتين وهما التقليدية و الحديثة، حيث يرى أصحاب النظرة التقليدية أن إدارة الموارد البشرية ما هي إلا نشاط روتيني يشتمل على نواحي تنفيذية مثال ذلك حفظ ملفات وسجلات العاملين ومتابعة النواحي المتعلقة بهم كضبط حضورهم وانصرافهم و أجازاتهم.
في حين يرى أصحاب النظرة الحديثة أن إدارة الموارد البشرية تعتبر إحدى الوظائف الأساسية في المنظمة ولها نفس أهمية كل من وظيفة الإنتاج، وظيفة التسويق ووظيفة التمويل وذلك لأهمية العنصر البشري وتأثيره على الكفاءة الإنتاجية للمنظمة.
قياس التنمية البشرية:
قامت الأمم المتحدة بتحديد مجموعة من المؤشرات، تجاوز عددها 180 مؤشرا في مختلف تقارير التنمية البشرية، وهي موزعة على النحو الآتي:
1- مؤشر الفقر البشري في البلدان النامية ويضم أحد عشر مؤشرا.
2- التقدم المحرز فيما يتعلق بالبقاء على قيد الحياة ويضم خمسة مؤشرات.
3- الملامح الأساسية للصحة ويضم عشرة مؤشرات.
4- اختلافات التوازن في التعليم ويضم عشرة مؤشرات.
5- الأداء الاقتصادي ويضم ستة مؤشرات.
6- تدفقات المعونة من البلدان الأعضاء في لجنة المساعدة الإنمائية ويضم ثمانية مؤشرات.
7- الاتجاهات الديموغرافية ويضم سبعة مؤشرات.
8- استخدام الطاقة ويضم أربعة مؤشرات.
9- إدارة البيئة ويضم ثمانية مؤشرات.
10- الأمن الغذائي والتغذية ويضم سبعة مؤشرات.
11- الجريمة ويضم خمسة مؤشرات.
12- الفجوات بين الجنسين في مختلف مجالات التنمية ويضم ثلاثين مؤشرا.
هذه المجموعة المتكاملة من المؤشرات توسع من إمكانية التحديد الدقيق والشامل لمستوى التنمية البشرية في بلد معين والتطور المحقق وكذلك الآفاق المستقبلية لتحسين التنمية البشرية المستدامة، ويعطي صورة واضحة حول مستوى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق الفردية والحريات العامة، كما أن غياب بعض المؤشرات في بلد معين تبين مدى الإخفاق والسلبية التي تحد من دلالة مؤشر التنمية البشرية الكلي.
وكانت النتائج في إطار هذه المجموعة من المؤشرات أن الدول العربية ذات الثقل السكاني تقع في مرتبة متأخرة من حيث التنمية البشرية بين دول العالم حيث جاءت في المرتبة 177، إضافة إلى انهيار الطبقة الوسطى من الجمهور العربي وهي التي شكلت شريحة أساسية في المجتمعات العربية فيما قبل الثمانينات، مما أدى إلى تراكم الفقراء في أحزمة البؤس المحيطة بالمدن العربية التي باتت تشكل أكثر من 56% من العرب، مؤدياً ذلك لتفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء منذ الثمانينات بسبب تراجع الدولة عن القطاع العام والانخراط في سياسات الخصخصة وحرية السوق.
نجح دايتون في تطوير نظرية الاستهلاك في مجابهة الفقر وصولاُ إلى تطويره لمؤشر التنمية البشرية بإضفاء صفة الاستهلاك وأنماطه عليه .
ووفقاً لإسهامات دايتون فإن العالم بأسره لن يواجه الندرة في الموارد فحسب ولكنه بصدد أزمة كبيرة في أنماط الاستهلاك وهو ما أطلق عليه عدم القدرة على الحصول على مقومات الحياة الأساسية.
وكانت إسهاماته ذات طابع اجتماعي فقد تناول اقتصاديات الرعاية الصحية والتعليم وهو ما يجعل من تجربته خطوة كبيرة نحو قضايا العشوائيات في العالم ومصير الخدمات بها.