نوبل في الرياضيات: بين جائزة لا تُمنح وجوائز بديلة
كثيرًا ما نصادف موادًا بعنوان «لماذا لا تُمنح نوبل في الرياضيّات»، حيث يتفنّن كُتّابها بوضع سيناريوهات وحبكات درامية لتفسير عدم وجود هذه الجائزة، وسأجيب في الأسطر القادمة عن هذا السؤال بطريقة مختلفة قليلًا.
مقدّمة خاطئة
هناك افتراض بأنّ كلّ فرع من فروع العلوم يجب أن يٌخصص له جائزة من جوائز نوبل، وهو افتراض غير سليم، لأن جائزة نوبل لا تمنح لكلّ فروع العلم، كما أنها تُـمنح لفروع لا تُـصنّف ضمن العلوم (الأدب والسلام).
وعلى الرغم من أنّ ألفريِد نوبل لم يوصِ بجائزةٍ للاقتصاد، إلا أنّ البنك المركزي السويدي أسّس هذه الجائزة وألحقها بجوائز نوبل الخمسة الأخرى (الفيزياء، والكيمياء، والطبّ، والسلام، والأدب).
وبالرغم من عدم تخصيص جائزة خاصة في الرياضيات، إلا أنّ علماء الرياضيات قد نالوها في عدّة مناسبات خاصّة في فرع الاقتصاد، مثل العالم الأمريكي الشهير جون ناش الذي نال الجائزة عن أعماله في نظرية الألعاب عام 1994، وعرفه العالَم عن كثب من خلال فيلم A Beautiful Mind، والعالم البريطاني كلايف جرينجر الذي نال نوبل في الاقتصاد عام 2003 عن أعماله السلاسل الزمنية غير الخطية، وكان قد سبقهما في عام 1950 الفيلسوف والرياضي الإنكليزي برتراند راسل الذي نال الجائزة في فرع الأدب.
وعلى جانب آخر، فقد تأسست جائزة رايت لايفليهود (التي يُشار إليها باسم نوبل البديلة) عام 1980 لتكريم ودعم «من يقدّمون أجوبة عملية ونموذجية لأكثر التحديات التي تواجهنا اليوم». وتُمنح عادةً هذه الجائزة للناشطين في مجال حقوق الإنسان والبيئة… إلخ، وكان من بين الحاصلين عليها مؤسسة الدفاع المدني السورية، المعروفة باسم منظمة الخوذ البيضاء السورية عام 2016.
ميدالية فيلدز وجائزة آبيل
رغم أنّي لستُ على وفاق مع القول بأنّ جائزة فيلدز في الرياضيات تعادل نوبل، فإنّ هذا هو الوصف الشائع لها، وهي المعروفة رسميًا باسم «الميدالية الدولية للاكتشافات فائقة التميز في الرياضيات» تُمنح الجائزة إلى اثنين أو ثلاثة أو أربعة من علماء الرياضيات الذين لا يتعدّى عمر الواحد منهم الأربعين عامًا، وذلك خلال كلّ مؤتمر دولي للاتحاد الدولي للرياضيات، وهو حدث ينعقد كل أربعة أعوام. وقد سُميت الجائزة بهذا الاسم تقديرًا لعالم الرياضيات الكندي «جون فيلدز»، وتعتبر أرفع وسام علمي في مجال الرياضيات.
والسبب أني لا أوافق على مساواة ميدالية فيلدز بجائزة نوبل، أنّ فيلدز تُعطى كلّ أربع سنوات بينما نوبل في كل سنة، مما يجعل أهمية فيلدز أكثر بأربع مرات من أهمية نوبل.
أيضًا تُوصف جائزة آبيل بأنها جائزة نوبل في الرياضيات، وهي جائزة دولية تمنحها سنويًّا الجمعية الرياضياتية النرويجية لواحد أو اثنين من علماء الرياضيات، وقد سُميت بهذا الاسم تيمنًا باسم العالم النرويجي «نيلز آبيل»، وتعدّ هذه الجائزة أكبر الجوائز في مجال الرياضيات، ووصلت قيمتها إلى مليون دولار. وقد مُنحت للمرة الأولى في عام 2001 من قبل حكومة النرويج بإشراف وإدارة الجمعية الرياضياتية النرويجية، وكان السبب الرئيسي لإنشائها هو «منح علماء الرياضيات ما يعادل جائزة نوبل».
الشائعات حول نوبل في الرياضيّات
يروّج البعض لفرضيات تشبه ما نشاهده في الأفلام الهندية، مثل أنّ زوجة نوبل قد خانته مع صديقه عالم الرياضيات مما تسبّب في كرهه للرياضيات وامتناعه عن تخصيص جائزة للرياضيات، لكن هذا الادعاء لا يستند لأي دليل كما أنّ نوبل لم يكن متزوّجًا، بينما يطرح آخرون فرضية مشابهة لكن بدرجة درامية أقلّ، وهي أنّ ألفريد نوبل لم يكن يحب الرياضيات فحسب، وهذا أيضًا ادّعاء سخيف ليس لأنه لا يستند إلى دليل فحسب، بل لأنّ العمل الذي كان يعمله نوبل وعائلته لم يكن ليزدهر ولم يكن ليجمع ثروته الطائلة لو أنه رمى الرياضيات خلف ظهره، فهو بالدرجة الأولى رجل علم إضافةً إلى أنه رجل أعمال.
ورغم أنّي أميل إلى أنه ليس بالضرورة وجود سبب محدّد جعل من نوبل يحجم عن تخصيص جائزة للرياضيات، إلا أنه في حال كان هناك سبب فأرجِّح الفرضية التي تقول إنّ نوبل لم يكن يريد منافسة الملك أوسكار الثاني ملك السويد الذي كان يمنح جائزةً سنوية للمبدعين في الرياضيات.
مسائل الألفية في الرياضيّات
هي سبع مسائل اختارها معهد كلاي للرياضيات في عام 2000، وهي مسائل مستعصية على الحل، وقد رصد المعهد جائزة مقدارها مليون دولار لمن يحلّ أيّ مسألة منها، وهذه المسائل هي: مسألة كثير حدود، وفرضية ريمان، ونظرية يانغ-ميلز، ومعادلات نافييه-ستوكس، وحدسية هودج، وحدسية بريتش-دايلر، وحدسية بوانكاريه، وهذه الأخيرة كان العالم غيرغوري بيرلمان قد حلها في عام 2003.
وهناك الكثير من مسائل الرياضيات غير المحلولة دون قائمة معهد كلاي، مثل مسألة هيلبرت السادسة عشرة، ومسألة النهاية السعيدة، ومسألة البائع المتجول، وحدسية التوأمين الأولية، ومسألة العدد المثالي الفردي.
أخيرًا فإنّ الرياضياتيين، وعلى العكس ممّا يُعتَقَد، فهم لا يشعرون بالاستياء لأنّ نوبل لم يخصّص في وصيّته جائزةً للرياضيات، بل يشعرون بالتميّز، من مبدأ أنّ نوبل هو الخاسر وليس الرياضيات بعدم اكتسابه شرف منح جائزة كهذه لعمود العلوم وأساسها النظري، زِد على ذلك الجوائز العديدة التي خُصِّصت للرياضيات كبدائل لنوبل.