نوح فيلدمان: الإسلام السياسي.. تحذير عالمي
“الإسلام المعولم: البحث عن أمة جديدة Globalized Islam: The Search for a New Ummah” أوليفييه روا
“الحلف غير المقدس: الإسلام الأصولي واليسار الأمريكي Unholy Alliance: Radical Islam and the American Left.” ديفيد هورويتز
“الحرب من أجل العقول المسلمة: الإسلام والغرب The War for Muslim Minds: Islam and the West.” جيلز كيبل
“في قلب الارهاب: الإسلام، الجهاديون وحرب أمريكا على الارهاب At the Heart of Terror: Islam, Jihadists, and America’s War on Terrorism.” مونتي بالمر وبرينسس بالمر
“انجراف باكستان إلى التطرف: الله، الجيش وحرب أمريكا على الارهاب / Pakistan’s Drift Into Extremism: Allah, the Army, and America’s War on Terror.” حسن عباس
***
عولمة الإسلام ليست شيئًا جديدًا. فقد واجه النبي محمد نفسه اليهود والنصارى في محيط الجزيرة العربية ونشر الإسلام بالغزوات والأسلمة على حدٍ سواء، وكانت هناك اتصالات مثمرة مع الموروثات الحضارية للفرس والرومان واليونان.
ومع ذلك، ومنذ الحادي عشر من سبتمبر، تتسارع وتيرة الاحتدام بين الإسلام السياسي وغيره مِن الأفكار والقوى، الغربية غالبًا، تسارعًا محفوفًا بالمخاطر. تحاول الكُتب المذكورة أعلاه أن تشرح المشهد السياسي المحتدم من الصراعات والتفاعلات العالمية. في الغالب، تكشف هذه الكتب عن اهتمامات خفية قوية – تصل لحد الذعر – عن العواقب غير المقصودة لصدام الحضارات والتي تدور في محيط من العنف. تضع هذه الكتب يدنا على الداء، إلا أن القليل منها يقدم الدواء.في كتاب “فشل الإسلام السياسيّ The Failure of Political Islam“، الصادر في الفترة ما قبل 11 سبتمبر، يجادل أوليفييه روا، وهو طالب فرنسي يدرس الإسلام المعاصر (إضاءات: يعتبر أوليفييه روا واحدا من أبرز الأكاديميين المهتمين بالإسلام المعاصر لا باحث شاب كما توحي كلمة طالب التي استعملها فيلدمان)، أن الثوارات الطوباوية الإسلامية في البلاد الإسلامية قد فشلت خلال ثمانيات وتسعينات القرن المُنصرم. الآن، في كتابه “الإسلام المعولم: البحث عن أمة جديدة Globalized Islam: The Search for a New Ummah“، يذهب روا إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يطرح أن الأحداث الجلل التي تحدث للعالم الإسلامي الآن لا تقع في المنطقة المتعارف عليها على إنها إسلامية بل في أوربا. في مستهل عمله، يشير روا إلى الإرهابيين العالميين اليوم، والذين، كما يقول روا، أغلبيتهم عاشوا ودرسوا في أوربا (أحيانا الولايات المتحدة)، تبنوا تلك الأفكار الإسلامية المتطرفة هناك، وليس في الدول الإسلامية التي ولدوا فيها.في الواقع، يرد روا آثار الارهاب الإسلامي المعاصر نفسه إلى الارهاب الأوربي متمثلا في عصابة “بادر ما ينهوف Baader-Meinhof gang” (المترجم: حركة يسارية ألمانية مسلحة نشطت في ألمانيا في فترة ما بعد الحرب وشاركت فيما بعد مع آخرين في تأسيس الجيش الأحمر) وغيرها من الحركات اليسارية الأخرى التي ظهرت في ستينات وسبعينات القرن المنصرم. فالبنسبة لروا، ميلاد الارهاب الإسلامي العالمي لم يكن بسبب احتكاك الإسلام مع الغرب، بل بسبب أيضًا تطلع المسلمين المغتربين الذين يعيشون في أوربا إلى خلق هوية إسلامية عابرة للحدود، وقد صيغَّ هذا السعي في شكل الثورة. لقد كان روا محقًا عندما ركز على الطرق التي اجتازت بها تقنيات الارهاب، على تعدد أيديولوجايته، أي حدود محلية لتُطَعِّم تلك التقنيات نفسها بهوية إسلامية كانت دومًا غريبة عليها. (يُشير روا، على سبيل المثال، إلى أن التفجيرات الانتحارية لم تكن معروفة لدى المسلمين، بل لدى نمور التاميل في سيريلانكا، وقد استعارتها القاعدة لاحقًا، بشكلها المدمِر، بعد أن تبناها الفلسطينيون الأصوليون كجزء من الانتفاضة). من الصحيح أيضًا أن العديد من الأصوليين الذين نفذوا هجمات إرهابية في أوربا أو في الولايات المتحدة اعتنقوا توجهاتهم الأصولية تلك في أوربا. يلاحظ روا أيضًا، أن هذا لا ينطبق على الخمسة عشر سعودي الذين دبروا، عدا الطياريين، هجمات الحادي عشر من سبتمبر.تركيز روا على الروافد الأوربية وربطها بالارهاب الإسلامي المستوحى من التطرف الماركسي يحجب حجم مساهمة الإنترنت والقنوات الفضائية في نشر الأفكار الغربية في العالم الإسلامي. قد يكون هناك تراجع في العنف الطوباوي في معظم البلدان الإسلامية (إلا أن السعودية تعتبر استثناءا ملحوظا، كما أن التمرد في العراق له حصته من الجهاديين)؛ لكن الأفكار المستوحاه من حرية التعبير مرورًا بالرسائل النصية وصولًا إلى العلمات التجارية الإستهلاكية تؤثر على حيوات عدد ضخم من غير الغربيين، الذين لا يزالوا منسجمين تمامًا مع هويتهم الوطنية والدينية. ومن المؤكد أن دعائم “إسلام عالمي” ستكون حيث يعيش معظم المسلمين، وحيث تتطور الأيديولوجيات الإسلاموية الراديكالية والمعتدلة، حتى لو تم تبنيها مِن قبل المهاجرين في الخارج.
***
قد لا يركز طرح روا على الولايات المتحدة في بعض الأحيان، إلا أن جيلز كيبل يضع رد فعل الولايات المتحدة على أحداث 11 سبتمبر في مقدمة ووسط كتابه “الحرب من أجل العقول المسلمة: الإسلام والغرب The War for Muslim Minds: Islam and the West“، مركزية طرح كيبل يمكن تلخيصها ببساطة في الآتي: الولايات المتحدة تخسر الحرب، وبشكل سيئ. وبدلًا من الدفع للوصول لحل بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، عَلِقت الولايات المتحدة مع تنظيم القاعدة بغزوها العراق. لقد فشلت الولايات المتحدة في إدراك أن الحرب ستسبب المزيد من الغضب في العالم الإسلامي، وقد أقنعت الحرب المسلمين بأن الولايات المتحدة هي عدوهم أكثر من أي وقت مضى. يرى كيبل الآن، أنَّ أوربا هي من سترث تلك الزوبعة في شكل أعمال ارهابية راديكالية متزايدة مثل تفجيرات مدريد.
كثيرًا ما أوردكيبل وروا نفس النقاط في نفس الوقت – بسبب جنسياتهم الفرنسية وميلهم لنشر كتبهم في نفس الوقت – إلا أنهما يقدمان طرحين مختلفين كليًا. كيبل، بشكل ما، يخاطب جمهور أمريكي، ليبين له أخطائه منتهجًا تقييم نقدي من الخارج. يخصص كيبل أحد فصوله لتحليل المحافظين الجدد، وفصل آخر بنفس الطول عن ما يعتبره “مصيبة بناء دولة في العراق”.يقدم كيبل شروحا أفضل عندما يلعب في ملعبه، على سبيل المثال، عندما يحلل التقدم المتنامي الذي يحققه القادة المسلمون الأوربيون مثل المثير للجدل طارق رمضان، الذي يدافع عن الحريات الدينية في الوقت الذي يطالب فيه بتقدير خاص لمجتمعهم الديني كجماعة متميزة داخل أوروبا. بالكاد يحاول كيبل أن يخفي خيبة أمله إزاء هذه الإستراتيجية المزدوجة، وإزاء استعداد الحكومة الفرنسية التماهي مع هذا من خلال اعتراف شبه رسمي بكهنوتية المتحدثيين باسم المسلمين في فرنسا.سيرى معظم الأمريكيين بشكل جلي أن الأمور تتدهور أكثر فأكثر بمنع المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس في فرنسا، إلى جانب محاولة السيطرة على المسلمين عبر منظمات إسلامية معترف بها رسميًا. لقد استوعبت تركيبتنا الدستورية، التي انطوت على حرية ممارسة الشعائر إلى جانب الفصل الحاد بين الدين والدولة، التنوع الديني بشكل أفضل مما كنَّا نحلم به. قد تكون سياسات الولايات المتحدة الخارجية مُنفرة للمسلمين حول العام، لكن هناك جيل جديد من المسلمين الأمريكيين في الداخل أثبت قدرته على نقد السياسة الأمريكية مع الحفاظ على ولائه لقيم الديمقراطية التي تجمعهم بغيرهم من المواطنين الأمريكين من خلفيات مختلفة.
***
سيكون من الجيد لو أظهر الراديكاليون من اليسار واليمين الأمريكي القدرة على تطبيق نفس المعايير ضد السياسات الأمريكية الخاطئة دون التشكيك في نزاهة الآخرين؛ إلا أن هذا المطلب قد يكون عسير على الأيديولوجيين الذين يعيشون في الماضي. أحد أولئك الذين يعيشون في صراعات الماضي التقليدية بين اليمين واليسار هو ديفيد هورويتز (شأنه شأن العديد من المتصارعين، انتمى هورويتز لكلا الجانبين). في كتابه “الحلف غير المقدس: الإسلام الأصولي واليسار الأمريكي Unholy Alliance: Radical Islam and the American Left“، تحول هورويتز من اليسارية ليصبح محافظا يشوه سمعة حلفائه القدامى مشبهًا علاقة أسامة بن لادن باليسار بالزنا السياسي بسبب عداء كلاهما للولايات المتحدة. يكتب هورويتز : “أن من يصفون أنفسهم بالتقدميين شكلوا تحالفات لا يمكن تفسيرها مع الفاشيين العرب والمتعصبين الإسلاميين في حربهم ضد أمريكا والغرب“.
كاد كتاب هورويتز ليكون حفلة مضجرة من تجميع الاقتبسات والقاء التهم بالتبيعية لولا حقيقة، وقد لاحظها روا، أن المتطرفين الإسلامين استسقوا من بئر الماركسية القديم المعادي للولايات المتحدة. هناك فعلا سمات مشتركة بين المتطرفيين الإسلامين من حيث المباحث والأفكار النابعة من الجذور، خاصة فيما يتعلق بإدانة الإمبريالية الأمريكية. المثير في هذا الطرح ليس أنه يوضح طبيعة التحالف بين اليسار والارهاب الإسلامي قديمًا (والذي عاود الظهور حديثًا)، بل أنه يوضح كيف تفقد الأفكار جذورها ومصدرها عندما تسافر عبر الزمن. لن يظن نُقّاد الإمبراطورية الأمريكية اليوم حول العالم أنهم ماركسيين أكثر مما ظن مناهضو الحرب عام 1960 أنهم منتمون للحركات المناهضة للإمبريالية الأمريكية التي ظهرت خلال عامي 1900 أو 1790.
***
هناك أطروحات أخرى أكثر عقلانية وإنتاجية لفهم التطرف الإسلامي تأتي إلينا من اثنين من الأمريكيين مِن مَن لديهم خبرة واسعة في شئون الشرق الأوسط. فلدى مونتي بالمر وبرينسيس بالمر، أكاديمي ومستشارة البنك الدولي (على التوالي)، معرفة واسعة بالحركات الجهادية اللبنانية والفلسطينية. في كتابهم “في قلب الارهاب: الإسلام، الجهاديون وحرب أمريكا على الارهاب At the Heart of Terror: Islam, Jihadists, and America’s War on Terrorism“، يقوم الاثنان بتحليل استراتيجيات الجهاديين بشكل دقيق يخلو من مسحات الإثارة التي تلازم هذا الموضوع عند الكتابة عنه. على سبيل المثال، يوفر الكتاب فصلًا كاملًا عن جهود مكافحة الإرهاب الإسرائيلية موضحًا مميزاتها المتمثلة في (إفشال العديد من التفجيرات الإنتحارية)، وعيوبها المتمثلة في (أن عدد الفلسطينيين المستعدين للقيام بعمليات انتحارية لا يتراجع) (إضاءات: نرى من الضروري ألا تمر أعين القارئ على كلمات كتلك دون تسجيل أننا نرفضها من منطلق إنساني وديني وقومي).
يطرح المؤلفان أسئلة حرجة بشكل متزايد حول سياسات الولايات المتحدة: هل سنقبل؛ هل نستطيع أن نقبل “حكم الأحزاب الإسلامية التي تضع تأسيس دولة إسلامية نصب أعينها؟” في لبنان، على سبيل المثال، أسسحزب الله حزبا سياسيا دون التزحزح عن موقفه العدائي تجاه إسرائيل – في فلسطين، أيضًا، اتبعت حماس مسارًا مماثلًا. يصف آل بالمر تلك الجماعات بأنها “راديكالية معتدلة radical-moderates”. وعلى عكس الديمقراطيون الشيعة في العراق المستعدين للوصول للحكم، أو حزب العدالة والتنمية الإسلامي الديمقراطي في تركيا، عملَ حزب الله باستراتيجية العنف والمشاركة السياسية بشكل متزامن وجنبًا إلى جنب.يدعونا آل بالمر للتواصل مع حزب الله – ليس لأنهم يثقون بهم، بل لأن: “محاولات دحر حزب الله ستؤدي لتفاقم الإرهاب وستجد الولايات المتحدة نفسها في حرب مع الإسلام” في الواقع قد يكون التفاوض ممكنًا مع الراديكاليين المعتدلين بشرط التخلي عن الضلوع في أي ممارسات ارهابية قائمة. ومن شأن هذه الآلية أن تساعدنا على التفرقة بين الديمقراطيين الإسلاميين الحقيقين الذين يرفضون العنف كآلية للتغيير السياسي، وغيرهم أمثال مقتدى الصدر الذي بالكاد يكون له مشاركات سياسية. ولكن، وكما يلاحظ آل بالمر، فإن دعم المسلمين للجهاد ضد الأعداء يُنظر إليه على أنه اضطهاد للمسلمين في كل مكان، حتى بين المعتدلين الوسطيين.
***
لمزيد من الدقة؛ هناك كتاب حسن عباس عن أكبر سوق مصدر للارهاب: “انجراف باكستان إلى التطرف: الله، الجيش وحرب أمريكا على الارهاب Pakistan’s Drift Into Extremism: Allah, the Army, and America’s War on Terror“، خدم عباس في الشرطة الباكستانية في مقاطعة شمالية غربية يشوبها التوتر، كما كُلف بمهام في حكومة بينظير بوتو وبرويز مشرف. لذلك، كان عباس مطلعًا من الداخل على التسلل التدريجي للإسلاموية في الحكومة على مدى عقود.
ومع ذلك، فإن أكثر ما يميز هذا الكتاب هو أنه يعطينا نظرة على وجهة نظر الجيش البكستاني فيما يتعلق بسياسة وتاريخ البلاد من داخل الجيش نفسه. يتم تقديم شخصية جديدة من الجيش لنا في كل مرة، ونتعرف على آراء طبقة الضباط. لكل ضابط من المذكورين سمعته: هذا رجل سكير، هذا رجل شريف، هذا الجندي شجاع لكنه ضعيف أمام النساء. بشكل متزايد، بعد وفاة الجنرال الحاكم ضياء الحق في حادث تحطم طائرة عام 1988، كان لكبار الضباط الآخذين في الصعود سمعة بأنهم نشطاء أو متعاطفين مع الإسلاميين. هذه السمعة تكون مهمة للغاية عند طرح أسئلة عن ما إذا كان هناك ترويج لانقلاب. بالنسبة لعباس، فإن الجيش البكستاني هو السياسة البكستانية نفسها.الصورة التي تتصدر تفاصيل السياسة العسكرية الباكستانية هي لجيش محترف تقليدي، مُدرب مِن قبل البريطانيين يتحول إلى مؤسسة أكثر تعقيدا وانغماسا في السياسة، وفي المقابل، يقع تحت تأثير الحركات السياسية الإسلاموية. يعد هذا أيضًا مثالًا على العولمة – لأن هذا النوع يظهر عندما يكون عصر الإمبراطورية قد انقضى وأصبح في خبر كان.المصدر | نشر في 6 فبراير 2005