محمد رمضان يثير الجدل من جديد. هذه المرة بفيديو مصور نشره أمس على حسابه الرسمي على موقع يوتيوب، وهو عبارة عن إعادة تدوير لأغنيته في إعلان شركة اتصالات. الانطباع المبدئي الذي يمكنك أن تلمسه من هذا الفيديو أن محمد رمضان يعاني خللًا نفسيًّا ما، ويحتاج إلى تدخل فوري من متخصصي علم النفس، فلا يعقل أن تصدر مثل هذه السلوكيات من شخص متزن نفسيًّا، فالأمر تجاوز محاولات إثارة الجدل من أجل المزيد من الدعاية والانتشار إلى درجة من درجات جنون العظمة.

محمد رمضان هو بحق ظاهرة على أكثر من مستوى، فهو يمتلك قدرًا كبيرًا من الموهبة، لكنه يختار أن يقدم أعمالًا تجارية منخفضة القيمة الفنية، يعرف الطريق إلى الجمهور، وكيف يجذبه إليه، تبدو عليه أمارات الذكاء الشديد، لكنه في الوقت نفسه يسلك سلوكًا طفوليًّا وغير مسئول. هناك مجموعة من الأساطير ساهمت في خلق ظاهرة محمد رمضان وتطورها بالشكل الذي نراه في الفيديو أعلاه. في هذا التقرير نناقش ثلاثًا من هذه الأساطير.


أسطورة رقم واحد

هكذا يرى رمضان نفسه، وﻻ ينفك يكررها على حساباته المختلفة بالسوشيال ميديا أنه هو الأول، رقم واحد، «نمبر وان».

بدأت رحلة البطولة الفردية عند محمد رمضان مع فيلم «عبده موتة» عام 2012، والذي حقق نجاحًا تجاريًّا ﻻفتًا، وتبعه فيلم «قلب الأسد» الذي واصل فيه هذا النجاح، ومع ازدهار سوق الدراما التلفزيونية على حساب السينما بدأ أول بطولة له في التلفزيون من خلال مسلسل «ابن حلال» الذي أحدث صدى كبيرًا في موسم رمضان 2014.

عاد رمضان إلى السينما بفليمي «واحد صعيدي» في نفس العام، ثم فيلم «شد أجزاء» في عام 2015، اللذين رأى فيهما البعض تراجعًا في جماهيرية محمد رمضان على الرغم من استقرار معدل الأرباح (أرباح «شد أجزاء» تكاد تطابق أرباح «عبده موتة»)، ثم يعود مرة أخرى إلى التلفزيون عام 2016 بالعمل الذي سيمثل الذروة في رحلته، والذي قد يمثل الذروة بالنسبة للدراما التلفزيونية المصرية بأكملها في سنوات انتعاشها السبع من بعد الثورة وحتى اليوم؛ مسلسل «الأسطورة»، والذي بدأت معه أسطورة «رقم واحد». فهل هو حقًّا رقم واحد؟

اقرأ أيضًا: الأسطورة: المسلسل الذي هزم كرة القدم في معبدها

فكرة تداول الأرقام والبيانات الخاصة بإيرادات الأفلام ومشاهدات المسلسلات، وأجور النجوم، هي فكرة حديثة العهد في مصر، فمثل هذه الأرقام والبيانات لم تكن متاحة للجمهور من قبل، وحتى الآن وفي ظل عالم تسيطر عليه محركات البحث، ﻻ يمكننا الوصول إلى معلومة موثقة عن أجر عادل إمام في فيلم «سلام يا صاحبي» مثلًا.

أما الآن فقد أصبحت مثل تلك البيانات والأرقام متاحة بغرض الدعاية والتسويق للأفلام وأبطالها، ومن ثم فإن المقارنة على أساس الأرقام ﻻ يمكن المجادلة معها، وهو ما يعتمد عليه محمد رمضان في خلق أسطورته.

بعد مسلسل الأسطورة مر رمضان بعدد من الإخفاقات في أفلام مثل «جواب اعتقال»، و«آخر ديك في مصر»، و«الكنز» والتي لم تقترب إيراداتها في عام 2017 -أي بعد قرارات التعويم- من إيرادات أفلامه الأولى في 2012، و2013. وبالرغم من هذا التراجع الواضح فإنه عاد في موسم رمضان 2018 بعمل تلفزيوني جديد هو «نسر الصعيد».

تقول الأسطورة إن محمد رمضان هو رقم واحد، وتقول أسطورة أخرى -يروج لها منافسوه- إنه لم يعد رقم واحد، وإن أسهمه لدى الجمهور في هبوط مستمر. أما الحقائق فتقول إن مسلسل «نسر الصعيد» هو الأكثر مشاهدة على موقع يوتيوب بفارق بسيط عن أقرب منافسيه «كلبش 2». وتقول الحقائق إن مسلسل نسر الصعيد هو الأكثر بحثًا على مواقع يوتيوب وجوجل، ليس في مصر فقط، ولكن في كل الدول العربية. التفوق الرقمي يؤدي إلى المزيد من الثقة، والمزيد من الثقة قد يؤدي إلى جنون العظمة.


أسطورة الذوق العام

في هذا المقطع من لقاء تلفزيوني أجراه الممثل الكبير نور الشريف، يتحدث فيه عن معادلة النجاح التجاري في مقابل النجاح الفني، ويقول عن عادل إمام:

«عادل بيقدم اللي مضمون نجاحه، وبعدين يجي عاوز يعمل حاجة ليها قيمة، فيعمل اللعب مع الكبار».

محمد رمضان أشبه بعادل إمام منه بأحمد زكي. فهو نجم شباك بلا شك، يعرف جمهوره جيدًا، ويعرف كيف يجذبه إليه. ومثل عادل إمام، يمتلك رمضان موهبة كبيرة، لكنه يختار أن يقدم «المضمون» على حد تعبير نور الشريف.

تقول الأسطورة إن محمد رمضان وما يقدمه هو انعكاس للذوق العام في مصر. وتقول أسطورة أخرى إن محمد رمضان هو من أفسد الذوق العام في مصر.

في الحقيقة الأمر أعقد من هذا الطرح السطحي المباشر، ولفهمه ﻻ بد لنا أن نسأل أولًا: من هو الجمهور الذي نعبر عنه بذلك المصطلح الفضفاض «الذوق العام»؟

الجمهور هو كيان ضخم يقدر كميًّا بالملايين، ففي مصر وحدها التي يتجاوز عدد سكانها 100 مليون مواطن، كيف يمكن أن يضطلع مصطلح بسيط مثل «الذوق العام» بالتعبير عن توجه هذا العدد الضخم من المشاهدين؟ ولنضرب مثالًا مخلًّا بعض الشيء؛ متوسط عدد المشاهدات للحلقة الواحدة من مسلسل «نسر الصعيد» على موقع يوتيوب قد يصل على أقصى تقدير إلى 9 ملايين مشاهدة، ولنفترض افتراضًا مخلًّا أيضًا أن جميع هؤلاء المشاهدين من المصريين، فما هي نسبة الملايين التسعة من بين 100 مليون؟

سيقول قائل إن هناك أيضًا مشاهدي التلفزيون. هذا صحيح، ولكن كم سيكون عدد مشاهدي التلفزيون؟ ضعفي هذا الرقم مثلًا، لتكون المحصلة النهائية 27 مليونًا؟ أي ما يقل عن الثلث بقليل، هل يكون الثلث معبرًا عن التوجه العام لهذا الكيان الضخم؟

اقرأ أيضًا: المسلسلات الأكثر مشاهدة في الربع الأول من رمضان

في الحقيقة لعبة الأرقام في الحالين خادعة. فمع افتراض صحة هذه الأرقام فإنها بالفعل لن تكون معبرة عن التوجه العام لجمهور السينما والتلفزيون في مصر، ولكنها في الوقت نفسه كافية لاستمرار محمد رمضان في سوق الترفيه، بل إننا لن نكون مبالغين إن قلنا إنها ستكون كافية لتصدره هذا السوق -ولو بفارق ضئيل عن أقرب منافسيه- لأنه من الصعب أن يجتمع هذا العدد الكبير على شخص واحد أو منتج فني معين.

الخلاصة أن هناك شريحة من الجمهور تميل إلى هذا المنتج الذي يقدمه رمضان، قد ﻻ تكون شريحة معبرة عن التوجه العام، لكن هذا ﻻ ينفي وجودها. نعم، هذه «الساحة» ليست ملكًا لرمضان، وﻻ هو «شاكمها»، ولكنه يستحوذ على القدر الأكبر منها مقارنة بزملائه كل على حدة. رمضان ﻻ يشبه جمهوره، ولكنه يعرف كيف يصل إليه، وكيف يتواصل معه، أو بالأحرى يعرف كيف يحدثه بلغته. جمهور رمضان هو مجرد جزء من الجمهور بمعناه الأعم والأشمل، وهو مكون واحد من مكونات التوجه العام، أو الذوق العام.

يقول رمضان: «أنا جمهوري واقف في ضهري»، وهي حقيقة ﻻ جدال فيها. جمهور رمضان جمهور وفي، ﻻ يزال يمده بالمشاهدات وتذاكر السينما، وﻻ يزال يدفعه إلى الصدارة، وهو الجمهور الذي يستمد منه رمضان هذه الثقة المدمرة، الثقة التي تزيد من اعتداده بنفسه، وشعوره المرضي بالعظمة.


أسطورة الوسط الفني

https://www.youtube.com/watch?v=d-Xibeg4v9U

العلاقة بين محمد رمضان والوسط الفني بدأت بداية شديدة التوتر، من خلال عدد من المواقف التي سبق أن قصها رمضان في مقابلاته التلفزيونية، وأشهرها قصته مع الفنان علي الحجار في مسرحية «يمامة بيضا». قد يرى البعض في هذه المواقف مبررًا لسلوك محمد رمضان تجاه الوسط الفني، غير أن الأمر ينطوي على أسطورة أخرى.

في كل مرة يقدم فيها محمد رمضان على فعل من أفعاله الطفولية -يثير الجلبة ويصنع التريند- يتطوع أحد النجوم من الوسط الفني للرد عليه، والذود عن حصن الفن المصري الوسطي الجميل. تبدو ظاهرة فريدة من نوعها أن يتكتل الوسطي الفني بأكمله ضد فنان واحد، ويتبادل الطرفان الاتهامات والإهانات المبطنة. وهو التكتل الذي يخاطبه محمد رمضان بقوله «لو كنتوا لمّة وﻻ بيهمنا»، أو نفس المعنى بكلمات أخرى في إعلان اتصالات؛ «نقوم بأي حد فيكو وقلبنا جايبنا».

تقول الأسطورة إن الوسط الفني هو ممثل منظومة القيم والأخلاق والمبادئ في مواجهة «العاق» محمد رمضان الخارج على هذه المنظومة. وهو ما نجده دائمًا في خطاب ممثلي الوسط الفني في ردهم على رمضان، فيقول الشاعر أمير طعيمة مثلًا: «نصيحة من شخص هتقرا ما كتبه وهيبقي عدوك وده شيء لا يعنيني: من تواضع لله رفعه».

https://www.facebook.com/teima1/posts/10156474182693270

يحرص الوسط الفني على التنصل من محمد رمضان، ومما يقدمه بالتبعية، ولكنه ﻻ يتورع عن تقديم نفس المنتج إذا ما سنحت له الفرصة، فإذا ما ظهر رمضان في دور بلطجي اعتبر تهديدًا لمنظومة القيم بالمجتمع، لكن إذا ما قام بهذا الدور أحمد السقا في «إبراهيم الأبيض»، أو أمير كرارة في عدد من الأعمال التلفزيونية فليس هناك أية خطورة على المجتمع وأخلاقه.

المثير في الأمر أن الوسط الفني الذي ينكر باستمرار تأثير محمد رمضان ومحدودية موهبته مقارنة بأبناء الوسط الأبرار من النجوم، هو نفسه الذي يتهمه بإفساد الذوق العام، كما أن عددًا غير قليل من أبنائه الأبرار يشاركون رمضان في أعماله أملًا في أن يصيبهم قبس من شهرته، فيمكننا أن نرى محمد رمضان يشارك في بطولة فيلم «الكنز» مع هند صبري، ومحمد سعد، وروبي، ومن إخراج شريف عرفة، كما يشارك في بطولة فيلم «سري للغاية» مع النجم أحمد السقا.

هذه العلاقة الملتبسة والمتوترة بين رمضان وتكتل الوسط الفني هي أحد المسببات المباشرة في مغالاة رمضان في رد فعله، وهي التي تقوده إلى هذه الأفعال غير المحسوبة التي تمنحه شعورًا بالإثارة والانتصار. دائرة مفرغة، وهذا الفيديو ليس إﻻ إحدى حلقاتها.