علامة نايكي: كيف تحتل منزلًا وتدمره أيضًا؟
حاول أن تتذكر معي، متى آخر مرة رأيت فيها العلامة التجارية الخاصة بشركة نايكي؟ لا يبدو سؤالًا صعبًا، لأنه من المؤكد أنك شاهدتها اليوم. قبل أن تتهمني بالتحذلق، دعني أفسر لك الأمر. أنا لا أعرف أين تقيم ولا مستواك الاجتماعي ولا اهتماماتك الرياضية، لكن ما أعرفه جيدًا أن علامة نايكي التجارية في كل مكان.
دعنا لا ننسى في البداية أن نايكي هي علامة تجارية خاصة بالملابس والأحذية الرياضية، لذا فعندما نجد علامة نايكي قد طبعت ولو بشكل غير شرعي على قطع الملابس المنزلية النسائية التي تباع في ميدان الجيزة، فالأمر أكبر من مجرد شركة ناجحة أو علامة تجارية منتشرة.
بدأت شركة نايكي نشاطها في عام 1964 تحت اسم «بلو ريبورن سبورتس» عن طريق توزيع أحذية رياضية يابانية الصنع في الولايات المتحدة، ثم قررت الشركة تصميم وتصنيع الأحذية الخاصة، ثم تطور الأمر لغزو العالم أجمع.
تعدت نايكي فكرة كونها علامة تجارية خاصة بالمنتجات الرياضية لتصبح شكلًا ثقافيًّا متكاملًا وهو الأمر الذي لم يكن على سبيل المصادفة أبدًا.
اقرأ أيضًا: شعارات أشهر 6 شركات رياضية: تعرف إلى قصصها
نايكي: فقط افعلها
طبقًا لكتاب ثقافة نايكي للكاتب «روبرت جولدمان» فإن نايكي هي الشركة الوحيدة التي لم تقتصر على بيع منتجات جيدة، بل إنها باعت أيضًا أسلوب حياة. قامت نايكي بتقديم نفسها للعالم بشكل أيقوني يمتلك فلسفة وشخصية.
كان أعظم إنجاز إعلاني لشركة نايكي هو قدرتها على ربط هالة الفلسفة باسمها من خلال الشعار المعروف: «فقط افعلها» «Just do it». تتفنن نايكي في كيفية توصيل إعلاناتها بهوية فلسفية بحتة. كل شيء مرتبط بالإعلان عن منتجات نايكي يخدم الفكرة نفسها. شكل الصورة، النغمة المصاحبة وكذلك الشخص الذي تتولى رعايته وتستخدمه في الإعلان عن منتجاتها.
على سبيل المثال عندما قررت نايكي اقتحام رياضة أخرى مثل سباق السيارات، قررت رعاية السائق سكوت برويت. لكن لماذا سكوت تحديدًا؛ لأن سكوت تعرض لحادث تحطم أليم عام 1990 أصيب جراءه بكسور في الظهر والركبتين والكاحلين، إلا أنه استطاع التعافي بعد عشرة أشهر فقط وفاز بسباق عالمي أقيم في فلوريدا. هذا تحديدًا ما تبحث عنه نايكي، إطار فلسفي لتقديم منتجاتها. فقط افعلها مثلما فعلها سكوت.
تلك المفاهيم المتعلقة بالإنجاز مثل المثابرة واستمرارية المجهود وخلافه ليست بجديدة على أحد، لكن ما أفاد نايكي هنا أن لا شيء يمس قلب الناس فيما يتعلق بقيمة الإنجاز الفردي أو الجماعي أكثر من الرياضة.
تستطيع الرياضة أن تحتوي تلك المفاهيم كافة؛ لأنها مجال معد خصيصًا للمنافسة المتكافئة لذا فالأمر يعود لك فقط لكي تحقق هذا الإنجاز. لكن إذا كانت تلك المفاهيم منتشرة للغاية كما يبدو، فلماذا تبقى نايكى أفضل من منافسيها؟ تكمن الإجابة في كيفية تقديم ذلك وليس مجرد تقديمه.
تبدو الصورة وردية تمامًا، لكن تلك ليست نهاية القصة على الإطلاق، فالقادم ربما يغير من وجهة نظرك تجاه تلك العلامة التجارية إلى الأبد. دعنا نبدأ بالجزء الخاص بالإعلان أولًا.
مفاهيم أخرى لا يمكن تجاوزها
قدمت نايكي نفسها للجميع كما أوضحنا كعلامة تجارية تحمل ثقافة وفلسفة ومبادئ هامة تتعلق بالرياضة، لكن كل هذا كان في حاجة إلى الاختبار.
خلال عام 1984 كان أداء نايكى الاقتصادي متراجعًا بشكل كبير، حيث تراجعت أرباح الشركة بنسبة 65%، وفي نهاية العام قامت بتسريح 400 موظف دفعة واحدة. لكن ما فعلته نايكي كشركة صغيرة تعاني من صعوبات اقتصادية كان بمثابة المقامرة الأهم في تاريخها.
وقعت نايكى عقدًا مع لاعب السلة العبقري مايكل جوردن بقيمة 2.5 مليون دولار على مدى خمس سنوات، وصممت خطًّا جديدًا من الأحذية يسمى «AIR JORDAN». وعندما توافرت تلك الأحذية في المتاجر في أبريل من عام 1985، لم تتمكن نايكي من مواكبة الطلب.
باع خط «AIR JORDAN» أكثر من 100 مليون دولار في عامه الأول. استمر جوردن في التحليق عاليًا مصطحبًا معه نايكي دون شك. لكن هنا برز لنا مفهوم جديد في الرياضة أو في الإعلان الرياضي بشكل أدق وهو مفهوم «البطل الذي لا يقهر».
هذا المفهوم وإن يبدو معتادًا الآن لكنه حمل شيئًا من الخطورة فيما يتعلق بقيم الرياضة المتعلقة بالتعاون والتكامل. تعترف الرياضة باستثنائية المواهب، لكنها تبتعد عن المفهوم الذي قدمته نايكي، والذي يعرف أيضًا باسم «عبادة البطل».
لم يتوقف الأمر هنا على الإطلاق. بل تطورت نايكي بعد ذلك إعلانيًّا بالمزيد من الإعلانات التي تتحدث عن الفقر والتمييز العرقي. حيث ظهر عدد من الإعلانات حول الأطفال الفقراء أو السود الذين يكافحون من أجل لعب الرياضة.
يبدو هذا مفهومًا مثاليًّا هو الآخر، ولكنه كان في حاجة للاختبار والاختبار كان واقعيًّا تلك المرة.
فقراء نايكي الحقيقيون
جعلت اتفاقيات التجارة الحرة العالمية من السهل على العلامات التجارية صنع منتجاتها في الأماكن التي يكون فيها العمل أرخص، ثم نقلها عبر العالم.
لهذا يتم تصنيع منتجات نايكي في بعض الدول الفقيرة. لكن هناك العديد من الأسباب التي تجعل صناعة الملابس والأحذية مثل نايكي تميل إلى أن تكون مشوبة بالسخرة. إحداها أن الأشخاص في البلدان الغنية والمتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا أصبحوا مدمنين على الملابس الرخيصة، ولهذا فإن ما يحدث هو محاولة لتقليل الأجور في المقابل.
في عام 1991 نشر ناشط العمل الأمريكي «جيفري بالينجر» تقريرًا عن ممارسات مصنع نايكي في إندونيسيا، وكشف عن فضيحة: أجور أقل من الحد الأدنى، وعمالة الأطفال وظروف مروعة تشبه ورشة عمل حيث يعمل الموظفون ساعات طويلة مقابل نقود منخفضة في الظروف الخطرة على الصحة.
كما تطرق طالب الكلية الأمريكية «جيم كيدي» إلى ممارسات نايكي اللاإنسانية في التسعينيات في فيلمه «Behind the Swoosh»، حيث كشف كيف أجبر العمال الذين كانوا يتلقون 1.25 دولار أمريكي في اليوم على العيش في الأحياء الفقيرة بالقرب من المجاري المفتوحة والمراحيض المشتركة ومياه الاستحمام مع عائلات متعددة.
وفي عام 1996، نشرت مجلة Life تقريرًا عن عمالة الأطفال تضمن صورة صادمة لولد باكستاني يبلغ من العمر 12 عامًا يخيط كرة قدم نايكي.
هل هذا شيء من الماضي؟ لا، حيث يشير تقرير جديد صادر عن منظمة «KnowTheChain» غير الربحية إلى أن ما يتم فعلًا في تلك الدول أشبه بالسخرة. يحاول الفقراء في البلدان النامية إيجاد عمل في مصانع الملابس والأحذية ويجدون أنفسهم مستغلين.
قامت شركة «KnowTheChain» بتطوير نظام لتحديد كيفية عمل شركات الملابس والأحذية العالمية الكبيرة وإحداها شركة نايكي، تحديدًا فيما يتعلق بمعاملة العمال. كانت النتيجة مخيبة للآمال فمن أصل مائة نقطة مفترضة، حققت نايكي متوسط 37 نقطة فقط.
بعبارة أخرى فإن شركة مثل نايكي لا تولي اهتمامًا كبيرًا بما يكفي لمعاملة العمال في مصانعها وهم بعض الأطفال أحيانًا والنساء والسود، وجميعهم فقراء تمامًا مثلما يظهرون في إعلانات نايكي، لكن الفارق أن هؤلاء حقيقيون.
جامعة نايكي
هل سمعت يومًا عن جامعة نايكي؟ بدأ كل شيء منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، عندما أصبح سكان ولاية «أوريغون» الأمريكية أول من تخلى عن نظام جامعاتهم العامة من خلال التصويت على تخفيض ضرائب العقارات، والتي نتج عنها أن جامعات الولاية أصبحت تدبر أمور التمويل بنفسها.
على مدى عقدين من الزمن كان «فيل نايت» مؤسس شركة نايكي هو أكثر الجهات المانحة سخاءً للجامعة. لكن ما حدث في المقابل أن فيل نايت أصبح المتحكم الأول في الجامعة.
تم تحويل جامعة أوريغون التي كانت ذات يوم كلية تهتم بالفنون وتعرف على أنها نموذج الليبرالية إلى كلية لكرة القدم الأمريكية مع برنامج كرة سلة تنافسي بشكل متزايد. كان التغيير سريعًا ومثيرًا للغاية، ومن الواضح أنه مرتبط بسخاء نايت، لدرجة أن منافسي جامعة أوريغون رياضيًّا أعطوها لقب جامعة نايكي.
في مايو/آيار عام 2014، أخبرت طالبة جديدة في جامعة أوريغون الشرطة المحلية أنها تعرضت للاغتصاب الجماعي من قبل ثلاثة من لاعبي كرة السلة في الجامعة.
أثبتت التحقيقات أن أحد اللاعبين قد تم معاقبته من مدرسته السابقة لأمور تتعلق بالتحرش. حسنًا لماذا قبلت به جامعة أوريغون؟ السبب أنه لاعب سلة جيد، وهكذا أصبحت أولويات تلك الجامعة، وهو ما يوضحه جوشوا هانت في كتابه جامعة نايكي.
هكذا الأمر إذًا، يتعلق دومًا بالمكسب والخسارة والبيع والربح، حتى إن كان مغلفًا دعائيًا بالفلسفة والرمزية. لذلك قبل أن تفعلها تأكد أنك تفعلها بطريقتك لا بطريقة نايكي.