والد نيمار وابن بونوتشي: كيف تؤثر الأسرة في مسيرة اللاعب؟
هناك عدد غير قليل من الأسباب قد تدفع اللاعب للتخلف عن إحدى المباريات؛ أولها طبعًا هو الإصابة، وربما أيضًا الإيقاف، أو الاستبعاد لوجهة نظر فنية. لكن هل فكرت مثلًا أن يغيب لاعب بسبب عيد ميلاد أخته؟
أعرف أن الأمر يبدو شديد الغرابة. ربما يصعب تصديق أن هناك ناديًا ومدربًا يمكن أن يتخليا عن خدمات لاعب فقط ليختار هدية عيد الميلاد الأنسب لشقيقته، ويشاركها الغناء والتقاط الصور والتهام قطع الحلوى، بينما يخوض رفاقه مباراة حاسمة خلال الموسم. لكن دعني أخبرك أن هذا بالفعل ما تتداوله الصحافة بشأن الغياب المتكرر لـ «نيمار» عن المشاركة في المباريات التي تصادف الحادي عشر من مارس/آذار، حيث يوم ميلاد «رافاييلا بيكران» شقيقة النجم البرازيلي.
لا يتوقف الأمر على ميلاد رافاييلا بالطبع، إذ لدى والد نيمار نصيب أكبر من تلك القصص الغريبة، لهذا قد يكون نيمار هو النموذج الأشهر حول تأثير الأسرة في مسيرة اللاعب، لكن الأكيد أنه ليس النموذج الأوحد، فهناك عشرات القصص الأخرى التي تكشف لنا كيف يمكن أن يلعب الأب، الزوجة، وحتى الأبناء دورًا محوريًّا في حياة لاعب كرة القدم.
لنهرب من هذا الجحيم: كوادرادو ولوكاكو وآخرون
حين ترزق أي أسرة بطفل فإنها تشرع في تعليمه بعض الأسماء والأفعال. فيتعلم الصغير أولًا كلمة أم، وأب، ثم يعرف كيف يأكل، كيف يلعب، وكيف يتكلم. لكن الأمر بالنسبة للطفل «خوان كوادرادو» كان مختلفًا بعض الشيء.
ولِد خوان في مدينة نيكوكلي بكولومبيا، وهي مدينة لها تاريخ طويل مع تجارة المخدرات، والاشتباك المسلح بين العصابات المحلية. فكان من أول الأمور التي علمها له أبواه الاختباء في حجرته بمجرد سماع صوت طلقات الرصاص. ظل خوان يكرر ما تعلمه حتى خرج ذات مرة من مخبئه ليجد أمه «مارسيلا» تقف وحيدة بدون أبيه الذي أصيب مصادفة بإحدى الطلقات وأردته قتيلًا.
عاش خوان يتيمًا وفقيرًا منذ كان في الرابعة، وهذا ما اضطر الأم للعمل خمسة أيام أسبوعيًّا في الحقول الزراعية حتى توفر له قوت يومه، وقد أدرك كوادرادو مبكرًا حجم هذه التضحية، وظل يحلم باليوم الذي يعوضها فيه عن كل هذا الشقاء.
لم يحب الصغير المدرسة، لكنه وَلِعَ بكرة القدم. كان يلعب في المنزل وفي الشارع وفي الفناء. تنبهت مارسيلا لموهبته فأرسلته للمشاركة بأكاديميات الأندية، وآمنت أنه يمكن أن يصنع مستقبلًا في هذا المجال.لم يمر وقت طويل، وكان خوان يلعب لصالح نادي ميدلين. وهناك سرق أنظار كشافي المواهب واستقبل عروضًا أوروبية قبل أن يتم عامه الـ 21، وحينها فكر أن الوقت حان لتتوقف أمه عن العمل نهائيًّا وترحل معه من جحيم نيكوكلي.
هذه الظروف القاسية عرفها أيضًا المهاجم البلجيكي «روميلو لوكاكو»، فقد عاش رفقة أسرته في فقر مدقع. يكفي أن تعرف أن روميلو نشأ في منزل لا تتوفر فيه الكهرباء أغلب الوقت، وكانت أمه تستدين الخبز من الجيران أحيانًا، حتى أنه رآها تخلط اللبن بالماء ليكفي الأسرة على مائدة العشاء.
وهنا وجد لوكاكو أن عليه مسئولية شخصية في تخليص أسرته من هذا البؤس، فقرر أن يبذل قصارى جهده في الشيء الذي يجيده على ملاعب مدرسته، لينجح في لفت أنظار أحد مدربي فرق الشباب بنادي ليرس الذي انتقل منه نحو أندرلخت.
وفي أحد الأيام، أجرى ابن الثانية عشرة اتصالًا بجده في الكونغو ليطمئن على صحته،ليفاجئه الجد بسؤال:«هل يمكنك أن ترعى أمك من بعدي؟!» شعر روميلو أولًا بالاضطراب، لكنه استجمع قواه ورد: «بالطبع! أعدك بذلك». لم تمضِ أربع سنوات على هذه المحادثة، وكان لوكاكو يسجل أولى مشاركاته مع فريق أندرلخت الأول ثم يطير منه نحو إنجلترا.
هذه البيئة التي نشأت فيها أسر الكولومبي والبلجيكي كانت دافعًا رئيسيًّا لهما، ولولاها لما أظهر الثنائي كل تلك الرغبة في النجاح لأجل الهروب من هذا الواقع الذي يفتك بأحب الناس إليهما. تصوَّر أن خوان يحرص حتى الآن على حضور والدته المباريات، ربما يريد لها أن تشعر بحصاد كفاحها، ويسجل الأهداف فيرفع ذراعيه للسماء ليحيي ذكرى والده.
لنخطط للمستقبل سويًا: نيمار ورابيو وإيكاردي
في الآونة الأخيرة اتجه كثير من اللاعبين لتوكيل أفراد من داخل الأسرة لتمثيلهم أمام الأندية وخلال سوق الانتقالات، وقد جاء ذلك بدلًا من التعاقد مع الوكلاء المحترفين أصحاب الخبرة الكبيرة في إدارة الانتقالات. أشهر هؤلاء والد نيمار بالطبع.
ظهر اسم السيد «دا سيلفا» للمرة الأولى عندما رغبت ثلاثة أندية هي: ريال مدريد، برشلونة، وتشيلسي في الحصول على خدمات نيمار من نادي سانتوس البرازيلي، ليلعب آنذاك الوالد دورًا في حسم الصفقة لصالح النادي الكتالوني نظير عمولة بلغت 40 مليون يورو، ثم حصل على ما يقارب 50 مليونًا أخرى بعدما أقنع نيمار بتجديد تعاقده عام 2016، وكان سيحصل على مبلغ آخر في حال بقائه إلى جانب «بيكيه»، حتى أن الإعلامي «ستان كوليمور» غرَّد ساخرًا بأن والد نيمار قد جنى مالًا من إدارة البلوجرانا خلال السنوات الفائتة يفوق ما جناه «ليونيل ميسي» شخصيًّا.
والد نيمار يقوم بالترتيب لكل خطوات ابنه، ويتحدث باسمه أمام إدارات الأندية والرعاة، ليوفر عليه عناء المفاوضات والاجتماعات والأمور القانونية، والهدف هو مراكمة المزيد من الملايين في رصيده ورصيد نيمار.
والحق أن دا سيلفا ناجح جدًّا في إدارة مسيرة ابنه من الناحية التسويقية، إذ يمتلك نيمار اليوم عقود رعاية ضخمة مع شركات نايكي، جيليت، وباناسونيك، ويحصل على راتب يتجاوز الـ 30 مليون يورو سنويًّا خاليًا من الضرائب، بالإضافة لامتيازات تفوق أي لاعب آخر في فرنسا.
الحال يختلف بعض الشيء مع زميله «أدريان رابيو»، فالأخير لا يمتلك نجومية البرازيلي، ولا تلهث خلفه شركات الإعلان، لكنهما يشتركان في أمر واحد، وهو توكيل أحد أفراد الأسرة. هذه المرة وكَّل أدريان والدته السيدة «فيرونيك رابيو» لتولي أموره القانونية والمالية. وقد رافقت فيرونيك مسيرة رابيو خطوة بخطوة منذ كان ناشئًا في صفوف نادي كريتاي، وحرصت على حصوله على أفضل الفرص المتاحة حتى ولو عن طريق الصدام!
وفي عام 2015 برز اسمها بقوة بعدما قدمت لإدارة باريس سان جيرمان طلبًا برحيل ابنها عن النادي بسبب عدم حصوله على مشاركات مستمرة. نال رابيو بالفعل عدة فرص ولفت الانتباه، لكن مشاركاته تضاءلت تحت قيادة المدرب الحالي «توماس توخيل»، لتعود مرة أخرى فيرونيك وتخطف الأضواء عندما أعلنت العام الماضي أن أدريان لن يجدد تعاقده مع بطل فرنسا، لتفتح بذلك الطريق أمام الأندية التي ترغب في التعاقد معه، وفي مقدمتهم برشلونة وتوتنهام.
أما في إيطاليا، فيبدو في الأفق بوادر أزمة بين إدارة إنترميلان وبين قائد الفريق «ماورو إيكاردي»، والسبب هو التصريحات القوية التي أطلقتها زوجته ووكيلته «واندا نارا» الشهر الماضي قائلة بأن ماورو لن يجدد تعاقده مع النيراتزوري بنفس المقابل المادي، كما أكدت اهتمام ناديين في إسبانيا بالتعاقد مع زوجها في أقرب وقت. وقد علَّق المهاجم الأرجنتيني قائلًا إن واندا تعبر عن مصالحه، وهو يقدر عملها ويتمسك بوجودها على طاولة التفاوض مهما كانت العواقب.
واندا لم تكن وكيلة ماورو قبل زواجهما، فقد كان الأرجنتيني مرتبطًا بعقد مع الوكيل «أبيان مورينو» الذي أنجز انتقاله لقلعة الإنتر. أبيان علَّق في ديسمبر الماضي على تعامل واندا مع إدارة النادي محذرًا إيكاردي من رغبتها في حصوله على أعلي راتب دون النظر لأي عوامل أخرى، وهو ما قد يلحق الضرر بمسيرته.
هذه أمثلة لثلاثة لاعبين اختاروا وكلاءهم من داخل الأسرة، حيث لا يوجد أسرار وشروط جزائية ومقاضاة، بل يوجد مصلحة مشتركة ودعم غير محدود ورغبة في تحقيق اللاعب أكبر استفادة ممكنة. وهنا تؤثر الأسرة سلبًا وإيجابًا بشكل مباشر في مسيرة اللاعب، فقرار واحد أو تصريح واحد من الوكيل يكفي بأن يغير كل شيء.
لا أريد أن ألعب: بونوتشي وفالكاو ومايكل أوين
فور انتهاء يورو 2016 خرجت أنباء عن رغبة بعض الأندية في التعاقد مع المدافع «ليوناردو بونوتشي» الذي قدم أداءً رائعًا خلال البطولة الأوروبية.
سبق أن نال ليوناردو إشادة بالغة من بعض المدربين، أتى في مقدمتهم «بيب جوارديولا» و «دييجو سيميوني»، بالإضافة لمدربه «أنطونيو كونتي» الذي كان يستعد آنذاك لبدء حقبته مع نادي تشيلسي، بدا فعليًّا أن العروض ستتوالى على إدارة اليوفي للتخلي عن خدماته. لكن بونوتشي لم يكن يفكر وقتها في الرحيل نحو مانشستر سيتي وأتليتكو مدريد، أو البقاء حتى بقميص البيانكونيري، كان ما يشغله هو أمر واحد فقط: اعتزال كرة القدم نهائيًّا!
توارى ليوناردو عن الأنظار، ثم خرجت أنباء تفيد أن أبنه الأصغر «ماثيو» يعاني من أحد الأمراض الخطيرة. مرت أسابيع أخرى، وانتشرت أخبار تقول إنه سيخضع لعملية صعبة وعاجلة بعد إصابته بورم في الرأس. وهذا ما دفع جمهور يوفنتوس لرفع شعارات التضامن مع ماثيو خلال الأسابيع الأولى من عمر موسم 2016 / 2017.
تمت العملية، ونجا ماثيو. وعاد بونوتشي من جديد للملعب بعد أن كان على شفا إنهاء مسيرته تمامًا، لكنه قرر عدم الخروج من إيطاليا ورفض عروض الدوريات الأخرى، أراد للأسرة أن تستقر في تلك المرحلة حتى يستكمل ابنه العلاج في وطنه مع الأهل والأصدقاء.
في الواقع لا يحتاج اللاعبون المرور بتجربة بونوتشي العاصفة للشعور بالحنين للوطن، فهناك أكثر من تجربة فشلت بسبب عدم تأقلم اللاعبين وأسرهم مع أجواء بلد جديد، أحد أبرز الأمثلة على تلك الحالة هو المهاجم الكولومبي «راداميل فالكاو» الذي تألق بشدة مع بورتو وأتليتكو مدريد وموناكو لتشتعل المنافسة بين الأندية للحصول عليه.
فاز مانشستر يونايتد بالصراع، وعلقت عليه جماهير الشياطين الحمر آمالًا كبيرة، لكنه ظهر أقل كثيرًا من كل التوقعات، لماذا لم يؤدِ فالكاو بالشكل المطلوب؟ ألم يتألق راداميل في دول مختلفة كالبرتغال وإسبانيا وفرنسا؟
ترى المحررة بشبكة BBC «إمي لورنس» أن المشكلة تكمن في عدم تأقلم فالكاو وأسرته مع أجواء إنجلترا، كان الكولومبي يشعر بالوحدة والانعزال، وكان الطعام واللغة والإقامة في بلد ذي ثقافة مختلفة هو العائق أمام زوجته الأرجنتينية من الاندماج في مانشستر. والمتأمل في مسيرة فالكاو، سيكتشف أن المشترك في نجاحاته المتعددة أنها جاءت في بلدان لاتينية أو أخرى تطل على البحر المتوسط، وهذا غير متوفر بالطبع في إنجلترا.
مثال آخر على تلك الحالة هو «مايكل أوين»، المهاجم الإنجليزي الفائز بالكرة الذهبية عام 2001، وانتقل من ليفربول ليلعب لصالح ريال مدريد صيف 2004، لكنه رحل بشكل مفاجئ في نهاية موسمه الأول بالليجا، وعاد صوب إنجلترا.
وعندما سُئِل عن الأمر قال أوين إنه وجد صعوبة كبيرة في التكيُّف مع نمط الحياة في العاصمة الإسبانية، وقد عانت أسرته كثيرًا من الوحدة والغربة؛ لأنهم لا يجيدون اللغة الإسبانية، ولم يعتادوا على البقاء لساعات طويلة دون الخروج والتنزه ولقاء الأصدقاء، حتى أنه كان يشعر بالذنب أحيانًا عندما يخرج للعب الجولف مع رفاقه من لاعبي الملكي ويترك أسرته لأنه كان يثق أنهم لن يجدوا أي شيء يفعلونه، لهذا قرر أن الخيار الأفضل هو العودة لإنجلترا حتى ولو كان ذلك لصالح نيوكاسل الذي لا يمتلك نفس طموحات الميرنجي.