نيويورك تايمز: نتنياهو يسحق حرية الصحافة
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
قامت منظمة «فريدم هاوس» الأمريكية، الداعية للديمقراطية في تقريرها السنوي الذي صدر هذا الربيع، بتخفيض مرتبة إسرائيل على مقياس حرية الصحافة من «حرة» إلى «حرة جزئيًا».
بالنسبة لمتابعي وسائل الإعلام الإسرائيلية على مدار العام والنصف الأخير، لا يمثل ذلك مفاجأة. ركزت المنظمة بشكل رئيسي على «التوسع دون كبح» للمحتوى مدفوع الأجر في افتتاحيات الصحف، كذلك على التأثير القوي لصحيفة «يسرائيل هيوم» (إسرائيل اليوم)، وهي يومية مجانية مملوكة لقطب قطاع الكازينو الأمريكي «شيلدون أديلسون»، والتي يُعتقد أنها تروج لوجهات نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
يعد تحيز «يسرائيل هيوم» موثقًا بشكل جيد، فقد كشف تقرير استقصائي أُذيع عام 2013م على التلفزيون الإسرائيلي عن مسودات عدة مقالات لصحفيي الجريدة، والتي تعرضت للتعديل بشكل منهجي من قبل رئيس التحرير لحذف الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء. بالتأكيد لا يعد الأمر جديدًا أن يكون لصحيفة أجندة سياسية، لكن يسرائيل هيوم ليست محافظة أو يمينية بالمعنى الواسع، بل تركز الصحيفة على أي ما كان في مصلحة رئيس الوزراء. قال «نفتالي بينيت»، وهو وزيرٌ إسرائيلي منتمٍ إلى أقصى اليمين، إن «يسرائيل هيوم هي برافدا – أي ناطقة بلسان رجل واحد».
غاب بطرق عدة عن تقرير فريدم هاوس التحولات المقلقة بحق، فمحاولات نتنياهو للسيطرة على صفحات وأثير البلاد تتجاوز يسرائيل هيوم كثيرًا. طوال الأشهر الـ 18 الأخيرة، وعلاوة على واجباته كرئيس للوزراء، عمل نتنياهو كوزيرٍ للاتصالات (ووزيرٍ للخارجية، وزيرٍ للاقتصاد، ووزيرٍ للتعاون الإقليمي). وضمن هذا الدور بالحكومة الإسرائيلية، استغل هو ومساعدوه سلطاته بوقاحة لطلب تغطيةٍ ملائمة من المنصات التي وصفها في السابق بشكل روتيني بأنها «متحيزة بصورة راديكالية».
يمكن أن تُرى الجهود الهادفة لخنق حرية الصحافة كجزء من هجوم أوسع من قبل نتنياهو ووزرائه على المؤسسات الديمقراطية الإسرائيلية، بما في ذلك المحكمة العليا والمنظمات غير الحكومية، فمعارضة الموقف الرسمي للحكومة تتعرض للتشكيك باستمرار. ووسط هذا المناخ، أصبحت وسائل الإعلام ساحة معركة شخصية لنتنياهو. قال «ناحوم برنياع»، وهو كاتب عمود إسرائيلي بارز، العام الماضي إن «هوس» نتنياهو بوسائل الإعلام أظهر أن «الخوف وجنون الشك يسيطران عليه».
في اليوم الأول بعد فوزه بفترته الرابعة في منصبه، اتخذ نتنياهو ما يبدو كخطوة صغيرة لكنها غير معتادة؛ فصل المدير العام لوزارة الاتصالات وعيّن مكانه رجلًا يشتهر بعمله في السابق مديرًا لمكتب نتنياهو. واستبق نتنياهو أي اعتراضات قد تثيرها هذه الخطوة، حيث طالب بالفعل جميع أعضاء ائتلافه بتوقيع «بند اتصالات»، يضمن دعمهم التلقائي لأي قرار مستقبلي لوزير الاتصالات – بتعبير آخر، لنتنياهو.
منذ تعيين مديرها العام الجديد، أصدرت الوزارة سلسلةً من القرارات التي كانت تصب بشكل كبير في مصلحة «بيزك»، أكبر مجموعة اتصالات في إسرائيل. تدير بيزك أيضًا موقع «والا نيوز»، أحد أكثر مواقع الأخبار شعبية في البلاد، ويملك «شاؤول إلوفيتش»، المقرب من نتنياهو، حصة مسيطرة من الموقع.
لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت حتى أصبحت تغطية الموقع لحكومة نتنياهو إيجابية تمامًا. وفق تقرير صدر مؤخرًا للصحيفة الليبرالية «هآرتس»، أصدر المدير التنفيذي لوالا تعليمات بنشر مقالات مادحة لزوجة نتنياهو، سارة، و«تحولها الأنيق»، وتخفيف حدة عناوين مقالات الرأي المنتقدة لرئيس الوزراء، وعدم نشر الإحصاءات غير الجيدة، مثل تقرير الفقر الأخير، في الصفحة الرئيسية.
«ماذا يمكن للإدارة أن تفعل؟»، حسبما قال لي صحفي بوالا آسفًا، «نحن مهددون من قبل السياسي الأقوى نفوذًا وواحدة من أقوى الشركات التجارية في البلاد».
لكن موقع والا ليس وحيدًا في ذلك، فقد بدأ مناخ من التهديد في الترسخ بالعديد من صالات التحرير بالبلاد، إن لم يكن معظمها. أخبرني مصدر بصحيفة يسرائيل هيوم، رفض كشف هويته خوفًا من فقدان وظيفته، إن رئيس الوزراء «يقيد الجميع، وليس نحن فقط. وبالنسبة للمنصات الإعلامية الأخرى، قد لا تُدرك ماهية مصالحها لكن جميعها في وضع مشابه».
وضع نتنياهو أشخاصًا مقربين في مواقع السلطة بالصحافة المذاعة حيثما استطاع، وألقى بظلال الشك على المستقبل المالي للمنصات الأخرى. تواجه القنوات الإخبارية الإسرائيلية الرئيسية الثلاث – القناة الثانية، القناة العاشرة، وهيئة الإذاعة الإسرائيلية – الآن خطر التقسيم أو الإغلاق أو إعادة الهيكلة، على التوالي. تقول الحكومة إن الهدف الرسمي لتلك الخطوات هو فتح قطاع الاتصالات للمزيد من المنافسة، لكن يبدو أن هناك معايير مزدوجة، ففي قضايا أخرى، مثل الغاز الطبيعي، كان نتنياهو مشمئزًا من اتخاذ موقفٍ ضد الاحتكارات. حسبما أخبرتني إيلانا ديان، الصحفية الاستقصائية البارزة بالقناة الثانية: «أحيانًا ما تكون المنافسة ملجأ المعادين للديمقراطية».
بينما يميل الصحفيون إلى الأسف بشأن هذه التطورات الأخيرة، يرى العديد من الإسرائيليين معركة نتنياهو للسيطرة على وسائل الإعلام كخطوة تصحيحية طال انتظارها بعد أعوام من التحيزات الليبرالية أو اليسارية. «قد يكون مناصرو نتنياهو متعبون منه، لكنهم يحتقرون النخب اليسارية القديمة أكثر من سأمهم منه»، حسبما أخبرني عميت سيجال، المراسل السياسي بالقناة الثانية. استغرق بناء هذه الخصومة عقدين، ففي عام 1999م، متحدثًا بشأن وسائل الإعلام وردة فعلها بالنسبة لاحتمالات فوزه بانتخابات عامة أخرى، صاغ نتنياهو الشعار الشهير «إنهم خائفون».
«في مرحلة ما، أدرك نتنياهو أن معركته مع الإعلام تجعله أكثر شعبية وسط مؤيديه الأساسيين»، حسبما أضافت دايان، «وعبر تلبية رغبات هذه القاعدة، تمثلت النتيجة في نجاحه الهائل».
إن كانت جهود نتنياهو للسيطرة على وسائل الإعلام بالفعل هادفة إلى تصحيح تحيزٍ ليبرالي، فإن أفعاله أثبتت كونها محددة إلى أبعد حد. فتدخلاته، هو والمقربون منه، المتكررة في المحتوى التحريري لم تدعم اليمين الأيديولوجي ولم تتح مساحة تعبير لقطاعات المجتمع المحافظة المُهمَشة. بالنسبة لنتنياهو، المخاطر هنا شخصية. «في كل مرة تشهد تعيين بيبي لشخص ما في مجال الإعلام، يكون ذلك إما لمساعدة سارة أو للمساعدة في تعزيز تقدم شئونه الخاصة»، حسبما أخبرني سيجال، مستخدمًا لقب رئيس الوزراء.
رغم تبني الصحيفة اليومية الأكثر قراءة على نطاق واسع، «يديعوت أحرونوت»، ومالكها طوال أعوامٍ موقفًا معارضًا لنتنياهو تمامًا، لم تستهو مزاعم تحيزها لليسار السامعين هذه الأيام، حيث يحصل معظم الإسرائيليين على الأخبار من يسرائيل هيوم ووالا، وتعاني القلعة الليبرالية الوحيدة المتبقية – هآرتس – لتبقى على الساحة. ومع ذلك، يستمر نتنياهو في تقديم نفسه كضحية للصحافة الحاقدة.
ما يثلج الصدر وسط كل هذا أن المنصات الإخبارية تقاوم لتحافظ على استقلاليتها. تستمر البرامج التلفزيونية الاستقصائية مثل «عوفدا» (حقيقة)، و«همقور» (المصدر) في الخوض بالفساد الحكومي وفي البث بأوقات الذروة. «رغم الهجوم على الصحافة، يظل الإعلام الإسرائيلي انتقاديًا وشرسًا للغاية ومتمتعًا بقدرٍ كبير من التحدي. الأمر أشبه بغريزة أساسية تُشكل جزءًا من حمضنا النووي»، حسبما أخبرتني دايانا، التي تقدم برنامج «عوفدا».
في وقت سابق من هذا العام، كتب المراسل الدبلوماسي لموقع والا، أمير تيبو، مقالًا ينتقد استجابة نتنياهو للموجة الأخيرة من العنف الفلسطيني تحت عنوان «التشجيع يحل محل وعود نتنياهو بالهدوء». وبعد فترة وجيزة من نشر المقال، أُبلغ تيبو بأن مكتب رئيس الوزراء كان يضغط على المحررين لإزالته من الموقع؛ ما دفع تيبو إلى الحديث على موقع «تويتر» عما يقوم به رئيس الوزراء من «محاولات لإسكات الانتقادات»، ويبدو أنه نتيجة لذلك لم يُحذف مقاله من الموقع، لكن تغير شيء واحد؛ أزيلت كلمة «نتنياهو» من عنوان المقال.