سأشتري بندقية «AR-15» عما قريب، فرغبتكم في عزل رئيسي بهذه الصورة، ستقودنا إلى حرب أهلية جديدة.
روب دراكر، حكم كرة قاعدة أمريكي.

الأرض مشتعلة في الولايات المتحدة، والأمور خرجت عن السيطرة، بصورة لم تحدث منذ زمن طويل. اعتلت السيناريوهات المخيفة المشهد، لا سيما بعد إعلان الرئيس ترامب عن نيته استدعاء الجيش لوقف أعمال العنف، في لحظة خرج فيها أمام الجماهير ممسكاً بالإنجيل وفي خلفية الصورة كنيسة كبيرة، في رمزية لا تخفى على المتابع للشأن الأمريكي. هل كان كل ذلك وليد تلك اللحظة وحسب؟ أم أن نيراناً مشتعلة تحت الأرض كانت بانتظار ما يؤججها؟

كورونا.. فرصة مناسبة!

في السابع والعشرين من مارس/آذار ألقت المباحث الفيدرالية القبض على أحد أعضاء مجموعات «النازيين الجدد» في مقاطعة بيلتون بولاية ميسوري، داخل سيارة بجوار أحد مشافي المقاطعة، وذلك قبيل تركه السيارة المفخخة التي يستقلها بجوار المشفى لتنفجر وتدمر المبنى على بكرة أبيه.. لماذا هذا المشفى تحديداً، لأنه أحد مشافي العزل الممتلئة بمصابي كورونا.

ثلاثة أيام فقط كانت وقتاً كافياً لتعلن المباحث الفيدرالية مجدداً القبض على مجموعة من العنصريين البيض، خططوا لتجميع رذاذ المصابين بفيروس كورونا في زجاجات وإلقائها على السود واليهود وأفراد الشرطة، لنشر العدوى بينهم. الغريب أن هذه المجموعات نفسها، هي من تردد عبر صفحاتها على فيسبوك أن كورونا مجرد مؤامرة من الحكومة الأمريكية لتقييد حرياتها!

لكن الحقيقة أن هذه الأحداث ليست وليدة لحظتها، ولا نتاج أزمة كورونا، فالحظر المنزلي المفروض حول بلدان العالم، وأمريكا من بينها، كان لوقف تفشي العدوى، لكنه كان فرصة مناسبة لتنفيذ مخططات موضوعة في الأدراج منذ فترة طويلة.

قبل هذه الأزمة بشهور، ومنذ نهايات 2018، كان الباحثون والمراقبون يتتبعون كماً كبيراً من المجموعات على فيسبوك، يديرها عناصر «النازيون الجدد» و«العنصريون البيض» التي جمعت في جعبتها آلافاً من عناصر تلك المجموعات، الذين أعلنوا عن مخطط «Boogaloo» وهو شعار الحرب الأهلية الجديد كما أعلنوه.

المخيف في الأمر أن انتشار هذه المجموعات وأعضائها لم يكن ضمن حيز ضيق على الإطلاق، فالتقارير تشير إلى أن هذه المجموعات واسعة الانتشار، فقد بلغ عدد المنشورات والدعوات عبر هذه المجموعات ما يقارب 100 مليون عملية تفاعل، وكشفت التقارير أن هذه الدعوات كانت موجهة بالأساس لخلق مواجهات عنيفة ضد اليسار، لا الحكومة، وكان السبيل الوحيد لذلك من وجهة نظرهم، هو خلق حالة احتراب أهلي فعلي.

لم يكن فيسبوك وحده داخل هذه الدائرة، فانتشار تلك المجموعات، زاد بنسبة 50% على مختلف المنصات الشهيرة كتويتر وReddit وانستجرام.

 
مجموعات على فيسبوك يديرها عناصر من «النازيون الجدد» و«العنصريون البيض»

من ضغط زر البدء؟

في يونيو/نيسان من العام 2018، كتب أحدهم تغريدة على موقع Reddit قائلاً «الحرب الأهلية الثانية: Electric Boogaloo»، وهي كلمة اعتاد الأمريكيون في الماضي استخدامها كمزحة، بعد ظهورها في أحد الأفلام عام 1984. تحولت التغريدة إلى حملة، والحملة استقطبت داخلها كل المتوافقين معها بالفعل.

في أغسطس/آب من العام 2019، كتب أحدهم على تويتر قائلاً: «من أراد الحصول على سلاح فليفعل الآن، فالأمر مستقبلاً سيكون صعباً للغاية، يجب أن نضغط على زر بدء Boogaloo الآن». في الشهر نفسه غرد آخر على تويتر على وسم Boogaloo «لدينا مائة مليون قاتل متأهب».

بحلول العام 2020 بدأت صيحة قميص Boogaloo في الانتشار عبر المتاجر الإلكترونية الخاصة بتلك المجموعات، وعليها صورة جون إرنست، صاحب حادثة إطلاق النار على معبد يهودي في كاليفورنيا في أبريل/نيسان الماضي.

سرعان ما انتشرت بعدها أغنية كلماتها:

لتبدأ الـ Boogaloo
لنقتل الأوغاد وننقذ البيض
هيا.. هذا وقتنا
لتبدأ الـ Boogaloo
اقتل الخنزير.. اقتل اليهودي اللعين
لتبدأ الـ Boogaloo.. معاً الآن

بعد بدء حظر كورونا، صار الأمر متشعباً بصورة أكبر وأكثر ضراوة، على فيسبوك مثلاً، كشف المختصون عن ظهور 125 مجموعة على فيسبوك، تحمل الشعار نفسه، ظهر 60% منها خلال الشهور الأولى من أزمة كورونا.

ظهر على هذه المجموعات، كثير من التكتيكات العسكرية واقتراحات الأسلحة، وبدا بعض المشاركين متأثرين بتغريدة قديمة للرئيس ترامب كتب فيها: «حرروا الولايات التي فرض فيها المحافظون أوامر البقاء في المنزل».

الغريب أن هذه المجموعات، تبنت مبادئ معادية للسلطات الأمريكية، ووضعت خططاً لمهاجمة المنشآت المختلفة، وشهدت هذه المجموعات إقبالاً كبيراً من المستخدمين. تعدى عدد مستخدمي إحدى المجموعات 72 ألف عضو، فيما تعدت أخرى الـ32 ألف عضو.

واحد من أشهر محركي هذه المجموعات، هو متجر إلكتروني لبيع الملابس، يحمل اسم Thicc Boog Line، يمتلك على صفحته أكثر من 30 ألف متابع، الإضافة إلى 11 مجموعة على فيسبوك، بجوار صفحة تحمل اسم Intelligence and Surveillance والتي تضم أكثر من 12 ألف متابع.

صفحة Intelligence and Surveillance
صفحة Thicc Boog Line

في الوقت نفسه، انتشر بصورة واسعة مقطع فيديو على يوتيوب حقق ملايين المشاهدات، حمل اسم «Top 5 Boogaloo Guns»، تجاوز عدد مشاهديه 2.5 مليون مشاهدة.

وقد خرجت ورقة بحثية مهمة، كشفت عن العديد والعديد من نداءات الحرب الأهلية والدعوات للعنف المجتمعي خلال فترة الفيروس.

شرطيون.. ولكن!

لا أظن أن هناك عنصرية مقننة في الشرطة الأمريكية، أنا أرى أن 99% من قوات إنفاذ القانون بالولايات المتحدة هم أمريكيون عظماء، لكن ثمة بعض العناصر الفاسدة.
روبرت أوبرين، مستشار ترامب للأمن القومي، في حديث مع سي إن إن
https://youtu.be/dPyyZPrRP_s

في ظل ذلك السعار المنادي بحرب أهلية واسعة في الولايات المتحدة، لم تكن الشرطة الأمريكية غائبة عن الصورة بشكل كامل، فحادثة مقتل جورج فلويد، التي جاءت في ذلك الوقت المشتعل، ربما كانت صدفة، لكنها جزء من تراكم قديم خضع للبحث والتنقيب على مدى السنوات الماضية.

في العام 2006 وإبان فترة حكم الرئيس الأمريكي بوش الابن، قدمت المباحث الفيدرالية تقريراً يحذر من الانتشار الواسع لعناصر «العنصريين البيض» داخل قوات إنفاذ القانون -«الشرطة الأمريكية»- في مختلف الولايات.

ثم أصدرت وحدة مكافحة الإرهاب بالمباحث الفيدرالية في العام 2015 تقريراً يتحدث عن تزايد واضح لميليشيات «العنصريين البيض» داخل الشرطة الأمريكية، وعن كون هذه العناصر «نشطة» بشكل واضح ضمن قوات الشرطة، ويجب العمل على كشف وجودها. وبعد أربع سنوات، في العام 2019، صدر تقرير يتحدث عن وجود مئات العناصر الخطرة من «العنصريين البيض» ضمن قوات الشرطة، وضمن أفراد الشرطة المتقاعدين.

لكن اكتشاف هذه العناصر لم يكن وليد الأفعال المباشرة، بل عبر حسابات فيسبوك، التي كشفت تكوين المئات منهم لمجموعات على فيسبوك، تحمل شعارات معادية وكارهة للسود والمهاجرين.

نشرت منصة «باز فيد» (Buzz feed) تحقيقاً استقصائياً مُستقى من مشروع «Plainveiw project» الذي أطلقه مراقبون في ولاية فيلادلفيا، لمتابعة موجات الكراهية والعنصرية داخل أفراد الشرطة بالولاية، وكشف التقرير عن انتشار كبير لهذه الأفكار، حيث رصد أكثر من 1269 منشوراً على مجموعات أو على حسابات شخصية، تنادي بالتخلص من السود والمهاجرين.

 

فالضابط المتهم في حادثة جورج فلويد، وجهت ضده 17 شكوى سابقة، كشفت التقارير أن لمعظمها علاقة بالعنصرية.

كانت التقارير الرسمية قد حذرت على مدى سنوات من التفشي الكبير والواضح لعناصر «العنصريين البيض» وغيرهم داخل أفراد الشرطة بمختلف الولايات، وهو ما ساهم بشكل كبير في تزايد حدة الحوادث المرتكبة خلال السنوات الماضية، كما أنه -بحسب التقرير- شكل خطراً على جهاز الشرطة الأمريكي.

لماذا ترامب وليس أوباما؟

في العام 2014 اندلعت احتجاجات واسعة في ولاية ميسوري الأمريكية وغيرها من الولايات، بعد مقتل شاب أمريكي من أصل أفريقي على يد ضابط شرطة، وواجهت إدارة أوباما الأزمة وقتها بنفس الطريقة التي اتبعها ترامب حالياً، مع بعض التفاصيل المختلفة، واستمرت الاحتجاجات لوقت طويل، وكان أثرها واضحاً على إدارة أوباما، فما الذي تغير؟

بدا الوضع مختلفاً هذه المرة، فأنصار ترامب من السياسيين والعامة، خرجوا بمعادلة المواجهة من كونها مواجهة سياسية إلى مواجهة عنصرية، ومؤخراً مع تصاعد الأحداث أضيف إليها الجانب العقائدي.

دعا ترامب أنصاره بعد أن وصلت الحشود إلى البيت الأبيض، إلى إحياء ما يعرف بالـ Maga Night وهو شعار حملة ترامب الشهير، والذي يمكن رؤيته بوضوح لدى مشاهير داعمي ترامب.

كتب ترامب في تغريدته محذراً من يقتربون من البيت الأبيض، بأنهم سيتعرضون للنهش من قبل كلاب شرسة، وأنهم سيواجهون أسلحة لا قبل لهم بمواجهتها.

لم يمضِ وقت كثير حتى ظهر واحد من أشهر أنصار ترامب، متحدث تحفيزي شهير، يقول في فيديو عبر منصته للبث، إنه بصفته من مؤيدي ترامب، في انتظار سطر واحد منه، لحمل السلاح والدخول في مواجهة فعلية إن أراد ذلك، وقد تتابع ظهور الصور اليوم بالفعل، كاشفة عن ظهور أنصار ترامب بصورة واضحة حاملين أسلحة ثقيلة مستعدين للمواجهة، بانتظار حدث كارثي جلل سيحدث، لا سيما أن المجتمع الأمريكي بشكل عام، هو المجتمع الأكثر امتلاكاً للأسلحة في العالم، بمختلف أنواعها من العادية إلى الثقيلة.

في الوقت نفسه ضاعف تويتر من مأساة ترامب، حيث نشر ترامب تغريدة يعلن فيها أن زيادة العنف خلال الاحتجاجات ستؤدي إلى مزيد من إطلاق النار. اعتبر موقع تويتر تلك التغريدة دعوة إلى العنف وتمجيداً له، فقرر حظرها، أي منع المستخدمين من التفاعل معها أو إعادة تغريدها، مع تنويه أسفلها بأنها تغريدة تدعو للعنف، لكن تويتر قرر بقاءها على الموقع.

 

في الوقت نفسه ارتفعت حدة التوترات بين الجمهوريين والديمقراطيين. ففي اللحظة التي أعلن فيها ترامب استدعاء الجيش لأول مرة للتدخل في الأزمة، أعلن حكام الولايات من الحزب الديمقراطي رفضهم تلك القرارات ما يعني الدخول في أزمة سياسية فعلية.

وحتى هذه اللحظة، يبدو الأمر غامضاً وغير واضح المعالم، فهل سينتهي إلى حالة من الاستقرار والهدوء كما حدث مع سلفه في إدارة أوباما، أم أن الأمور ستزداد تعقيداً، لا سيما وأن الانتخابات القادمة على بعد شهور من الآن، فاتحة المجال أمامها للعديد والعديد من الاحتمالات والنتائج.