New Horizons رحلة ناسا المذهلة لاكتشاف بلوتو وحزام كايبر
أقل من يوم، و(900000 ميل)، هو ما يفصلنا عن مرور المسبار الفضائي «New horizons» بالقرب من كوكب بلوتو، وعبوره نطاق آخر كواكب المجموعة الشمسية لينطلق هاربًا منها لاحقًا بأخيه الأكبر «Voyager 1 و Voyager 2» في رحلتهم اللانهائية «بين النجوم – interstellar».
كوكب بلوتو، الكوكب القزم الغامض. خلال الـ85 عامًا هم عمر معرفة أهل الأرض به. لم يكمل دورة كاملة حول الشمس. فـ«بلوتو» يحتاج لــ247.7 عام أرضي حتى يكمل دورته. كما أنه بعيدًا جدًا عن الأرض فلا تستطيع أقوى التلسكوبات الأرضية رؤية تفاصيل سطحه.
لكن تغير هذا بوصول المسبار «New Horizons» إلى نطاقه وتوجيه كاميراته عالية الدقة لتصوير الكوكب القزم من على بعد عشرات الآلاف من الأميال فقط. وفي يوم الثلاثاء الساعة (7:49:58 ET)سيكون مسبار ناسا «New Horizons» على بعد 8000 ميل فقط بجانب بلوتو.
سيكون المسبار قادرًا على تصوير سطح الكوكب الثلجي، وإظهار تفاصيل غير مسبوقة عن جغرافيته، وغلافه الجوي، والبقع السوداء الغامضة على سطحه. يقول «آلان ستيرن – Alan Stern» قائد مهمة «New Horizons»:
ومنذ رحلتي المسبارين «Voyager 1،2» في الثمانينات من القرن الفائت، لم تقم أي مركبة فضائية باستكشاف كوكبيّ بخلاف الهبوط على المريخ. فقد قامت «Voyager 1» بالمرور قرب كوكبي المشترى وزحل، كما قامت «Voyager 2» بالمرور بالقرب من «المشترى، زحل، أورانوس، ونبتون».
وقبل إطلاق «New Horizons» كان بلوتو ما زال في عداد الكواكب، لكنه الآن يُعتبر «كوكب قزم – Dwarf planet». فالمجموعة الشمسية تنقسم إلى الكواكب الداخلية الصخرية؛ عطارد، الزهرة، الأرض، والمريخ. أما الكواكب الغازية الخارجية فهي؛ المشترى، زحل، أورانوس، ونبتون.
ثم النطاق الثالث الخارجي من الصخور والجليد المتبقية من تكوّن المجموعة الشمسية، وأكبرهم هو الكوكب القزم بلوتو، ويُعرف هذا النطاق بـ«حزام كايُـبِـر – kuiper belt».
ووراء مهمة المسبار «New Horizons» قصة مثيرة وصراع، ويرجع الفضل في النجاح في إطلاقه لمجموعة العلماء التي تُطلق على نفسها «The Pluto Underground»، وهم مجموعة من علماء الفلك لهم اهتمام مشترك بكوكب بلوتو.
ففي اجتماعهم عام 1989 لمناقشة اكتشاف جديد بشأن سطح بلوتو، وهو البقع السوداء الغامضة على سطحه، والتي لاحظوها نتيجة لحدوث خسوف لبلوتو بسبب مرور قمره «شارون» من أمامه ناحية الأرض لأكثر من مرة خلال تلك الفترة، وهو حدث فلكي نادر يتكرر مرة كل 100 عام.
وبدراسة الضوء القادم من بلوتو والظل الذي سببه «شارون»، أمكن للعلماء التقاط تلك البقع السوداء، والتي أثارت فضولهم، وكانت نتيجة اجتماع الفريق هي ضرورة إرسال مركبة لاستكشاف بلوتو. يقول «مارك بيو – Marc Buie» عضو المجموعة والعالم في فريق «New Horizons»:
ولذلك خطط الفريق للضغط من أجل تنفيذ المهمة، وعينوا «آلان ستيرن» قائدًا غير رسمي لهم. وطوال العقد التالي رفضت الحكومة الأمريكية تمويل أي مهمة للوصول لبلوتو بسبب مشاكل في الميزانية.
وكان الوقت المناسب من الناحية الفلكية لمهمة كتلك يمضي بسرعة، فبلوتو ذو «المدار الإهليلجي – Ellipse» حول الشمس، يدور في اتجاه البُعد عن مصدر الدفء، مما سيؤدي لتجمد غلافه الجوي بعد فترة، ليكوّن عازلا جليديا لن تنجح أي مهمة في سبر أغواره.
ولن يكون بهذا القرب من الشمس مرة أخرى حتى يكمل دورة كاملة وذلك عام 2200. وبالتالي فهي فرصة لن تتكرر بالنسبة للعلماء. كما أن موقع كوكب المشترى بالنسبة للمسار المُتوقع للمسبار؛ كان مثاليًا جدًا لاستخدام جاذبيته كقوة دافعة للمسبار، مما سيوفر حوالي ثلث وقت الرحلة الطبيعي.
وهذه الفرصة لن تستمر للأبد، فبعد بضعة سنوات لن يصبح استغلال المشترى ممكنا بسببب حركته وبعده عن المنطقة المثالية لخطة الرحلة تجاه بلوتو. ولذلك فكل تأجيل في تنفيذ الرحلة كان يقربها خطوة نحو الاستحالة.
لكن لحسن الحظ انتهى هذا الصراع في لحظة زمنية حرجة، وذلك بعد أن قام «بيل ني – Bill Nye» بعرض توقيعات الآلاف من مؤيدي الرحلة على مجلس الشيوخ الأمريكي، كما أن المهمة تصدرت استطلاع «المجلس القومي للبحث العلمي – National Research Council» لأهم مهمات العقد، وذلك نتيجة لمجهودات «ستيرن» وفريقه في الدعاية للرحلة وحشد الأصوات. وصدر القرار أخيرًا بتمويل المهمة «New Horizons» والتي تعني بالعربية «آفاق جديدة».
وبعد الحصول على التمويل وتكوين الفريق العلمي بقيادة «ستيرن»، كان التحدي الحقيقي الذي يواجههم هو الفترة الزمنية الضئيلة المتاحة أمامهم قبل أن يبتعد المشترى في مداره، وهي فترة 4 سنوات فقط.
كما أن الميزانية المحدودة كانت 600 مليون دولار، مما يمثل تحديًا آخر، وهو استخدام تلك الميزانية لبناء مسبار قادر على السفر لأكثر من 3 مليار ميل، والعمل لمدة 15 عامًا على الأقل. لكن الفريق صمد أمام التحديات ونفذ المطلوب منه بنجاح.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني عام 2006 انطلق المسبار «New Horizons» على متن صاروخ «Atlas V»، وهو الصاروخ الأقوى والأسرع في تاريخ ناسا حتى لحظتها. وبسرعة إطلاقه غير المسبوقة؛ وصل المسبار للقمر في 9 ساعات، مقارنة برحلة أبولو 11، والتي استغرقت 3 أيام، وحملت أول إنسان سار على سطح القمر.
و«New Horizons» هو مسبار صغير الحجم يزن 478 كيلوجرام، وفي حجم بيانو متوسط. ويتكون من 7 أجهزة أساسية:
1. Ralph: وهي كاميرا، ومطياف للتصوير بالضوء وبالأشعة تحت الحمراء.
2. Alice: وهي مطياف ضوئي للموجات فوق البنفسجية.
3. PEX: لالتقاط وقياس الطاقة الإشعاعية.
4. LORRI: وهي كاميرا تلسكوبية.
5. SWAP: مطياف لقياس قوة الرياح الشمسية، وتفاعلها مع غلاف بلوتو الجوي.
6. PEPSSI: مطياف لالتقاط الجسيمات المشحونة والأيونات.
7. SDC: وهو يقيس تأثير الأتربة في الفضاء على المسبار أثناء رحلته. قام ببنائه فريق من الطلاب بجامعة كولورادو.
تحصل أجهزة المسبار على الطاقة من بطارية من «النظائر المشعة – radioisotope thermoelectric generator» التي تحتوي على 10 كيلوجرامات من البلوتونيوم 238 المشع، تقل قدرتها بنسبة 5% كل 4 سنوات.
كما يحتوي المسبار على حاسوبيّ تحكم، ومثلهما بشكل احتياطي. وهذا بجانب هوائي الاتصال بمركز التحكم وبعض الأجهزة الدافعة للتحكم بالمسار والدوران. في هذا الفيديو، تظهر عملية إطلاق المسبار.
المهمة الرئيسية لــ«New Horizons» هي اكتشاف كوكب بلوتو وأقماره. ووصل المسبار لبلوتو أخيرًا بعد مرور 9 سنوات ونصف منذ إطلاقه. وأرسل بالفعل العديد من الصور للكوكب القزم.
وخلال تحليقه المنتظر بعد أقل من يومين بجانب الكوكب؛ سيعمل المسبار بكل طاقته لتصوير الكوكب بمختلف الأجهزة، حتى أنه سيقطع الاتصال بمركز التحكم على الأرض في جامعة جون هوبكنز في «معمل الفيزياء التطبيقية – Johns Hopkins University Applied Physics Laboratory»، حتى يستطيع التركيز بكل طاقته في فحص الكوكب.
سيتوجب على العلماء في مركز التحكم؛ الصبر حتى إتمام المسبار لمهمته قبل أن يرسل البيانات والصور، والتي ستحتاج لعام كامل لإرسالها بسرعة 1 كيلوبت لكل ثانية. والصور من «LORRI» ستكون أول البيانات وصولًا. يقول «ريتشارد بنزل – Richard Binzel» العالِم في معهد «MIT» وأحد علماء المشروع:
يحمل المسبار أيضًا البقايا الرمادية لــ«كلايد تومبو – Clyde Tombaugh» أول من اكتشف كوكب بلوتو عام 1930، وأسطوانة عليها صور جميع أفراد المشروع، وأسطوانة أخرى عليها أسماء من أرادوا إرسال أسمائهم لبلوتو، بها أكثر من 434000 اسم، وعلم لأمريكا، وطابع بريد مكتوب عليه: لم يتم اكتشاف كوكب بلوتو بعد!.
يهدف فريق العلماء من المسبار إلى تكوين صورة ثلاثية الأبعاد للكوكب القزم، ودراسة غلافة الجوي المكون من الميثان والنيتروجين، وخصوصًا تفاعل الميثان في غلافه الجوي مع الرياح الشمسية، وأيضًا كشف غموض البقع السوداء الغامضة على سطحه، وربما كشف وجود محيط سائل تحت الثلوج التي تغطي سطحه.
وسيقوم المسبار أيضًا بدراسة أقمار بلوتو وأهمهم «شارون»، والذي يبلغ قطره نصف قطر بلوتو، ويكونان سويًا نظام كوكبي ثنائي يدور حول نقطة مركزية بينهما. وحتى الآن تم اكتشاف خمسة أقمار لبلوتو. وبمرور «New Horizons» بجوار بلوتو تنتهي مهمته الأساسية باستكشاف الكوكب، ويكون قد حلق لمسافة 4.76 مليار كيلومتر، وسيستمر بعدها ليكمل باقي مهامه.
يمكنك متابعة أخبار المسبار من خلال الصفحة الرسمية للمهمة على فيسبوك:New Horizons.
فبعد ذلك سيتم توجيه المسبار لــ«حزام كايُبِر»، حيث سيدفعه العلماء للتحليق بجوار جسيمان أصغر من بلوتو، أحدهما قريب والآخر بعيد لكنه أهم. وفي تلك المرحلة سيرافق أخاه الأكبر «Voyager 2» والذي ما زال داخل الحزام.
وبعد ذلك سينطلق خارجًا من نظام المجموعة الشمسية تمامًا ليحلق «في الفضاء بين النجوم – interstellar space»، حيث لم يصل من قبل أحد سوى المسبار «Voyager 1». ويعتبر برنامجي «Voyager و New Horizons» من الرحلات المحفزة لكثير من العلماء للبحث في تاريخ الكون. وكما يقول «ستيرن» رئيس المشروع؛ نحن مستمرون في الاسكشاف!.