انقلاب جديد بليبيا: طرابلس ما بين حكومة الغويل والوفاق
تلقت حكومة الوفاق بليبيا هدفًا جديدًا في شباكها، بعد سيطرة قوات خليفة حفتر على منطقة «الهلال النفطي»، حيث قام «خليفة غويل»، رئيس حكومة الإنقاذ السابقة، بالاستيلاء على مقر مجلس الدولة يوم الجمعة، بمعاونة مجموعة مسلحة، دون أن تحدث أي معارك بين الطرفين.
حكومة الوفاق المنقلب عليها
حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، وفقًا للاتفاق السياسي الليبي الموقع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015 بمدينة الصخيرات المغربية، ويترأس تلك الحكومة فائز السراج، النائب البرلماني السابق عن دائرة طرابلس ببرلمان 2012، كما كان يترأس المجلس الرئاسي وفق الاتفاق ذاته.
تواجه حكومة الوفاق العديد من العقبات منذ ما قبل توقيع الاتفاق والاعتراف بها كممثلة شرعية عن ليبيا. فعند التوقيع النهائي، لم تحضر الكثير من القوى السياسية الليبية للتوقيع؛ مما جعل الاتفاق غير ملزم لهم حيث أنهم لم يكونوا أطرافًا في توقيعه، انتقالًا إلى اعتراض مجلس النواب حينها على المادة الثامنة من باب الأحكام الانتقالية بالاتفاق، إلى جانب رفض حكومة عبد الله الثني – المسيطرة على شرق ليبيا – تسليم السلطة لحكومة الوفاق حتى يتم الاعتراف البرلماني بها.
يضاف إلي تلك الأزمات، أزمة ضرورة التصويت البرلماني على تشكيلة الوزارة، وهو ما أعاق التشكيل الأول للوزارة حين اعترض مجلس النواب بأغلبية مطلقة على التشكيل المقترح لحكومة الوفاق. وفي مطلع يوليو/تموز السابق، أعلن المجلس الرئاسي استبعاد 4 وزراء من الوفاق بسبب مطالبتهم بحصول الوزارة على اعتراف وتصديق البرلمان، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن.
الغويل يعود من جديد
من بيان حكومة الإنقاذ الوطني (حكومة الغويل)
حكومة الغويل أو حكومة الإنقاذ الوطني الليبي هي الحكومة التي سبقت توقيع الاتفاق السياسي الليبي؛ أي التي كان مقرها طرابلس، وانبثقت تلك الحكومة من البرلمان الليبي المنتخب عام 2012. ومنذ توقيع الاتفاق السياسي في ديسمبر/ كانون الأول 2015 وحتى أبريل/نيسان 2016، لم تكن حكومة الإنقاذ قد تنازلت بعد عن سلطتها لحكومة الوفاق، رغم اعتراف الأمم المتحدة بها واعتبارها الممثل الشرعي لليبيا.
وأضاف الغويل في تبريرات تحركه بأن حكومة الوفاق فشلت في تشكيل حكومة وحدة وطنية على الرغم من الفرص التي أتيحت لها طوال العام الماضي، إلى جانب اتهام الوفاق بممارستها السلطات التنفيذية بشكل غير قانوني وشرعي حيث لم تحصل على موافقة البرلمان حتى الآن، هذا إلى جانب الفشل في السيطرة على الوضع الأمني بليبيا.
وعقب سيطرته على مجلس الدولة، استطاع الغويل بالقوات الموالية له السيطرة على باقي المؤسسات الحكومية، داعيًا الوزراء والمسئولين الحكوميين إلى مباشرة أعمالهم وعدم تعطيلها خاصة ما يتعلق بمصالح الشعب، وهو الأمر الذي رآه السراج محاولة لخلق مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة، داعيًا لاعتقال أي ممن يتورط في تلك الأعمال.
تعرف حكومة الغويل بموالاتها للإخوان المسلمين. فعقب قيام حكومة الوفاق بإعلان قرار بشأن تشكيل لجنة أمنية لتنفيذ اتفاق الصخيرات، أعلنت حكومة الغويل أنها سوف تلاحق أيًا من الضباط المنضمين لتلك اللجنة وتحولهم إلى المدعي العسكي بتهمة الانقلاب على الحكومة الشرعية. كما قام الغويل بالانقلاب على انتخابات 2014 البرلمانية عندما خسرها الإخوان مما اضطر البرلمان المنتخب إلى عقد اتفاق «طبرق».
ما بين انقلاب وتشكيل حكومة وحدة وطنية
من الممكن استنتاج ردود الأفعال حول انقلاب الغويل على حكومة الوفاق بكل سهولة إذا ما قرأنا خريطة المشهد السياسي الليبي محليًا ودوليًا، فنجد أن حكومة الثني مؤيدة لموقف الغويل، بل وتطالب البرلمان بإعادة النظر في طلبه بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية لتمثيل كافة أطياف الشعب الليبي.
حيث إن حكومة الثني – تقع في شرقي ليبيا – كانت معارضة للاتفاق السياسي الليبي، ورفضت تسليم سلطتها لصالح حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، كما أنها اشترطت أن تحصل حكومة الوفاق على الموافقة البرلمانية، وهو الشرط الذي لم يتحقق بالنسبة لهم حتى الآن. وبالنسبة لموقف حفتر، فإنه مرهون حتى الآن بإلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، الخاصة بعزل قيادات الجيش.
وفيما يخص المواقف الدولية، نجد أنها لم تتغير كثيرًا. فعندما تكون حكومة الوفاق خارجة ن مظلة الاتفاق السياسي الذي تم تحت رعاية الأمم المتحدة، فيمكن بسهولة قراءة الوضع الحالي ومعرفة إدانة الأمم المتحدة لتحرك الغويل، هذا إلى جانب مشاركة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الأمم المتحدة في قرارها.
حيث صرح مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بدعمه لقوى المجلس الرئاسي، واصفًا إياها بالسلطة الشرعية الوحيدة بالبلاد وفقًا للاتفاق، كما جاء في بيان للاتحاد الأوروبي: «إن استخدام القوة للاستيلاء على السلطة في ليبيا لا يمكن أن يؤدي إلا لمزيد من الفوضى، وإلى دوامة عنف يكون الشعب الليبي ضحيتها الرئيسية». وعلى الجانب الآخر نجد أن قطر من أكبر الداعمين للإخوان المسلمين والموالين لهم بليبيا؛ مما يجعلها تقف بصف انقلاب الغويل ومحاولة العودة إلى سدة الحكم والسلطة مرة أخرى.
يبدو أن الرغبة في الاستقرار الليبي وإيجاد حكومة وحدة وطنية أصبح بعيدًا عن الواقع بعض الشيء؛ ما بين اتفاق سياسي يرى الموقعون عليه أنه لا يجوز تغييره أو تطويره من أجل ضمان انخراط جميع فئات الشعب في كيان الاتفاق وتمثيلهم في باقي المؤسسات، وبين حكومات تسعى لتكوين وحدات فيدرالية لتسيطر على الموارد الموجودة بها، ومجموعة أخرى تسعى لتكوين وتشكيل حكومات وسلطات من أجل مصالحها السياسية.