لا تيأس أبدًا: قصة تيشيرت «محمد صلاح» الذي تحول إلى حلم
نحن على موعدٍ مع مباراة ملحمية؛ نجوم برشلونة يدخلون الأنفيلد يتبادلون الضحك، واثقون من تأهلٍ مضمون، لا تفصلهم عنه سوى 90 دقيقة حتّمت عليهم قوانين «الفيفا» لعبها ولو بأروابٍ مخملية، وإلا لأعلنوا وصولهم النهائي من معقلهم وانتهى الأمر، مدججون بثلاثية هوت كالمطرقة على الأحلام الحمراء بالتتويج الأوروبي، وببرغوث أرجنتيني قادر على جلب لبن العصفور، وفجأة تحول كل شيء إلى كابوس حالك.
قصف ليفربولي متتالٍ لمرمى الكتالونيين بأربعة ظلت دون رد، رحّلت رفاق ميسي إلى إقليمهم المتمرد مُطأطئي الرؤوس، ولتكتمل الدراما فإن هذا النصر أتى بفضل أقدام لاعب لم يفارق دكة الاحتياطي طوال الموسم إلا دقائق معدودات، يستحق أن يُرفع على الأكتاف إذن ملكًا متوجًا للمباراة… لحظة، لم يتحدث عنه أحد؟ والإشادات كلها كانت من نصيب لاعب آخر لم يخض المباراة أصلاً؟
تقلبات الدراما هذا اليوم لم تنقطع، فأبَت ختمه إلا بعد «تويست» آخر بالأحداث، كان هذه المرة من نصيب ولدنا «صلاح»، الذي لا يتوقف القدر أبدًا عن إنصافه، وإن اقتصرت مساهمته بالنصر على ابتسامة… و«تيشيرت».
لا تيأس أبدًا «Never give up»
ماذا تتوقع أن يتحدث عنه الجمهور عقب ليلة ملحمية فاقت في روعتها الحلقة الثالثة من موسم «لعبة العروش» الثامن؟
عبقرية كلوب… تألق أوريجي… عظمة الحارس الأمين أليسون… صبي الكرة الحاذق بطل الهدف الرابع؟
كلها افتراضات شديدة المنطقية بالطبع، لم يقتنع بها جمهور ليفربول ولله الحمد، وإلا لذهبت «كريزة» النصر لواحدٍ آخر غير خير سفرائنا لبلاد الإنجليز، انهمك الجميع في تداول صورته وهو جالس بالمدرجات يرتدي قميصًا أسود خُطَّ عليه بالأبيض عبارة تدعونا لعدم اليأس مطلقًا، صورة احتفائية بنصر أتى من بعيد حققت رواجًا فاق أهداف اللقاء، بل وصورة «صلاح» نفسه وهو يرفع الكأس ذات الأذنين، وكأن عشاقه يسيرون على درب روايات باولو كويلهو التي تعتبر أن الطريق إلى الكنز أعظم من الحصول عليه… لحظة، «كويلهو» نفسه احتفى بذات الصورة؟
لم ينتهِ الأمر بعد، فيبدو أن حكايتنا مع «لا تستسلم أبدًا» أطول وأعقد مما ينبغي، فبين ليلة وضحاها صار «التيشيرت» حديث العالم. وأصبح الشغل الشاغل لجمهور ليفربول هو «من أين يمكن أن نبتاع واحدًا مثله؟».
حمى شراء اندلعت سريعًا تفاعلت معها فورًا مواقع المبيعات، تناسى الكُل مَن صنعه أو صمَّمه، فقط تداولته الأسواق بِاسم «قميص محمد صلاح».
«اشرب اللبن… والبِس زي صلاح»
لا توجد مناسبة أكثر من الأعياد يحرص خلالها المصريون على شراء أفضل ما يستطيعون جلبه من ملابس، يتباهون بها خلال نزهاتهم بالشوارع والحدائق، وهو ما تتفاعل معه المحلات قبل هذه الأحداث بمدة طويلة، فتتزامن معها بمعروضات متنوعة تُلائم الجميع، هذا العيد كان الوضع مختلفًا وسهلاً، فالجميع يريد شيئًا واحدًا.
واجهات المحال تعرض «القميص» كاختيار أول، مئات الشباب والصبية يرتدونه خلال «فُسحة العيد»، ابننا الذي لم يتمكن من الخروج من منزله للصلاة من فرط الزحام، كان حاضرًا بـ «تيشيرته» في «خروجات» الكثيرين الذين تكالبوا على اقتنائه، وكأنه تعويذة أمل سيحاولون تجربتها، لعل وعسى تنفك عقد الحياة التي لا تنتهي، فإن قال سيد الناجحين إن هذا الشعار أفاده بحياته فكلنا وراءه.
يقول محمد علي (42 عامًا) صاحب محل ملابس في ميدان الجيزة، لـ «إضاءات»، إنه يحرص على وضع القميص على أكبر «مانيكان» لديه خلف الفاترينة الرئيسية مباشرة «عشان يتشاف كويس، لأن عليه رِجل، وكل شوية حد يسأل عليه»، مؤكدًا أنه توقع أن يحدث هذا الإقبال عقب المباراة «الناس بتحب صلاح وبتقلده في كل حاجة»، مضيفًا أنه ظن أن حالة الشغف بالقميص ستقل تدريجيًا مع الوقت، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل زاد.
ويضيف:
فيما قالت سيدة، كانت تحاول أن تشتري ذات القميص لابنها، لـ «إضاءات»، إنها تتمنى عندما يكبر صبيها أن يكون ناجحًا مثله:
وقال محمد الداعور رئيس شعبة الملابس الجاهزة بالغرفة التجارية بالقاهرة، لـ «إضاءات»، إنه من الصعب معرفة أرقام محددة عن حجم مبيعات أو استيراد هذا القميص بسبب تعدد المنتجين، أما عما تردد عن نية بعض المصانع بتخصيص خطوط إنتاج محلية لتصنيعه داخل مصر بدلاً من استيراده فأكد لنا أنها مجرد شائعات.
عقب انتهاء نهائي البطولة الأوروبية، لم يصعد «صلاح» إلى منصة دوري الأبطال وحده وإنما صعدنا معه، أمسك بكفنا وقاد أقدامنا التي ضاقت بأسفلت الطرق المكسرة إلى منصة تتويج خاصمتنا دهرًا، وفور أن التفَّتْ الميدالية الذهبية حول عنقه كانت بذات اللحظة قد كللت رقاب ملايين الكادحين الذين لم يعرفوا للذهب ولا للنصر طريقًا أبدًا.
في روايته «في ممر الفئران»، حكى الأديب الراحل د. «أحمد خالد توفيق» عن رجل اختلط واقعه البائس بأحلامه السماوية، لدرجة بات معها عاجزًا عن معرفة أيٍّ منهما هو حياته الحقيقة، وعلى هذا فإننا كلما شاهدنا «ابننا» يحرز الأهداف والانتصارات الواحد تلو الآخر خارج عوالمنا التي نحتسي بها خيباتنا مع كل قهوة صباح، نتمنى ونتضرع إلى الله، لنا قبل أن يكون له، أن يواصل «مو» نجاحاته، عزاءً للواحد منّا بأنه كان يمكنه أن يكون يومًا أفضل مما هو عليه فقط إن عبر الحدود مبكرًا، أو كان أكثر صبرًا ومثابرة لتغيير واقع أصبح من السهولة الآن الاستغناء عنه والاكتفاء بساعات نوم طويل مُشبّعة بكل ما لدينا من مخزون انتصارات «صلاحية» نتمنى أن تستمر للأبد، فلا يتوقف عن التألق ولا نتوقف عن الحلم بها.