هبة السماء لإسرائيل: هل تغسل نتفليكس سمعة الموساد؟
بعد عقود من العمل في الظل، ظهر الحديث عن جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية «الموساد» بكثافة، خلال الشهور القليلة الماضية، في مواد إعلامية تنوعت بين الأخبار أو الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية، عرضت نتفليكس معظمها.
وبعدما كان الكشف عن تورط الموساد في عمليات بعينها يتأخر لعقود غالبًا، لحين رفع السرية عن الملفات، بات معتادًا أن تظهر تفاصيل العمليات المنسوبة إلى دولة الاحتلال في العلن خلال أشهر، وأحيانًا أيام من تنفيذها، خصوصًا العمليات التي طالت إيران، وبينها سرقة الأسرار النووية، التي اعترف بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، واغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زادة.
منصات البث الشهيرة، خصوصًا نتفليكس، لعبت دورًا في نشر قصص متتالية عن حكايات الموساد، وبينها الملاك، الذي يحكي قصة المصري أشرف مروان، والجاسوس، الذي غطى الرواية الإسرائيلية عن جاسوس الموساد في دمشق، إيلي كوهين.
مطلوب جواسيس جدد
يقول جواسيس سابقون إن الموساد -الذي كان يومًا حريصًا على إحاطة نفسه بسرية مفرطة- بات بحاجة إلى هذا الانكشاف في الفترة الأخيرة؛ لأنه ببساطة يحتاج لمجندين جدد.
وبحسب واشنطن بوست، وجد الموساد نفسه محاطًا فجأة بتطورات متتالية في التكنولوجيا العسكرية، بما دفع كثيرين من كبار قادة الجهاز إلى الاستقالة منه للعمل في شركات ناشئة مربحة، أو فتح شركاتهم الأمنية الخاصة، وبينها Waze – Wix – Viber.
التطورات الجديدة وضعت الموساد في معدل دوران أعلى من أي وقت مضى، ولملء الفراغ في المناصب التي تتطلب مهارات عالية، والمناسبة بشكل فريد لساحات المعارك الإلكترونية في العالم.
استجابة لذلك، شرع الموساد منذ 2016، في عهد مديره السابق يوسي كوهين، في فورة توظيف، وزاد من عدد عمليات التخريب للوكالة ووسع ميزانيتها بمليارات الشواقل، وفقًا لتقرير في صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية.
وتضمنت حملة تجنيد الموساد حضورًا متزايدًا على السوشيال ميديا، وتسريبات محسوبة من المعلومات غير المؤكدة حول «بطولات الجهاز». ويقول جواسيس سابقون إن الوكالة تتبنى بهدوء عددًا كبيرًا من البرامج التلفزيونية والأفلام بهدف واحد: تصوير الحياة في المنظمة بصورة جذابة.
يقول أفانير أفراهام، ضابط الموساد لـ 28 عامًا، والذي يدير الآن شركة استشارات لإستوديوهات هوليوود، إن مثل هذه الإنتاجات التليفزيونية تنشر صورة تستهدف جذب الجيل الجديد من العملاء.
أفراهام نفسه ساهم في تصميم موقع الموساد الإلكتروني الجديد، مع اقتباس في صفحته الرئيسية: «فجأة، أجد نفسي أقوم بأشياء ربما لا تراها إلا في الأفلام». التصريحات تجد ما يدعمها على أرض الواقع؛ إذ أطلق الموساد علنًا، وللمرة الأولى، حملة دعائية علنية تطلب عملاء جددًا!
صنع في الموساد
الأعمال التي تظهر على الشاشة للموساد وتعرض على منصات عالمية تصل للجمهور العربي، وبينها نتفليكس، تكاد تكون مصنوعة في دولة الاحتلال. وتقول واشنطن بوست إنها جزء من نوع أوسع من الأعمال الدرامية ذات الطابع الحربي والتي ساعدت في جعل الكيان مُصدِّرًا رئيسيًا للأفلام والبرامج التلفزيونية العالمية.
ويؤكد المخرج الإسرائيلي إيتان فوكس علاقة الموساد شبه المباشرة بهذه الأعمال التلفزيونية. يقول إن الكتّاب والمنتجين في إسرائيل «جزء من مجتمع متماسك بشكل وثيق، حيث لكل شخص صديق أو عم في الموساد»، مما يسهل على الموساد مهمة تقديم الصورة التي يريدها على الشاشة.
يضيف فوكس أن لديه العديد من الأصدقاء الذين يعملون أو عملوا في الجهاز، وأنه تشاور معهم بشأن مسلسله القادم حول مهاجر أمريكي إلى إسرائيل جنده الموساد كجاسوس.
يعود هذا الاتجاه إلى عام 2010، عندما أصبح العرض الإسرائيلي «حاتوفيم» أو «أسرى الحرب»، الذي يصور عودة ثلاثة إسرائيليين كانوا محتجزين في لبنان، أساس برنامج «الوطن» الذي عرضته شوتايم.
بعد ذلك، في 2016، استحوذت نتفليكس على حقوق عرض مسلسل «فوضى» عن وحدة عسكرية إسرائيلية عاملة في الضفة الغربية المحتلة. وفي عام 2019، لعب ساشا بارون كوهين دور البطولة في فيلم «الجاسوس» من إنتاج نتفليكس، والذي يدور حول عميل أسطوري للموساد ساعد في جمع المعلومات الاستخبارية التي ضمنت لإسرائيل انتصارها السريع في نكسة يونيو 1967.
وفي مارس 2020، أعلنت أوما ثورمان أنها ستشارك في النسخة الأمريكية الجديدة من المسلسل الإسرائيلي المثير «False Flag»، الذي يستند إلى قصة اغتيال القائد العسكري لحركة حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010.
والآن، يبدو أن الموساد قرر تسليط الضوء على صراعه مع إيران، بداية من مسلسل «طهران»، الذي يتابع قصة شابة تتبع الموساد بينما تخترق العاصمة الإيرانية، والذي أنتجته الدولة في إسرائيل، قبل بثه عبر منصات دولية.
روني بيري، رئيس الإنتاج الدرامي في قناة كان التلفزيونية العامة في إسرائيل، تقول إن الأخبار الأخيرة حول صراع الظل الإسرائيلي الإيراني لها ضجة كبيرة، إذ يبدو وكأنه السر الذي يُسمح لك بالدخول إليه.
ومع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، يستعد التلفزيون الإسرائيلي لإنتاج الموسم الثاني من المسلسل.
اللعب على المكشوف
يتذكر عميل الموساد السابق، ميشكا بن دافيد، الذي كتب رواية جاسوسية، يجري تعديلها حاليًا كمسلسل تلفزيوني إسرائيلي، قبل أن يسوق لمنصات عالمية لاحقًا، عندما بدأت الوكالة تصبح أكثر انفتاحًا بشأن عملها.
كان ذلك بعد اغتيال محمود المبحوح في دبي عام 2010. وبحسب ما ورد، استخدمت فرقة الاغتيال أسماء إسرائيليين حقيقيين، ونسخًا مزورة من جوازات سفر أوروبية، في خطأ دبلوماسي كان محرجًا لدولة الاحتلال. يروي الرقيب بن دافيد، أن رؤساءه شجعوه على التحدث إلى وسائل الإعلام عن الوكالة، بأمر محدد: «التوقف عن رفض إجراء المقابلات».
يقول بن دافيد: «استغرق الأمر بضع سنوات، لكن رؤساء الموساد يعرفون اليوم أنه لا يوجد خيار بأن يظلوا مجهولين».
أيضًا، تلك العروض التلفزيونية تحقق فائدة أخرى. بحسب فاينانشال تايمز، كانت العروض التي أنتجتها إسرائيل بإيعاز من الموساد «المتبجح بقصص نجاحه» دائمًا من بين أكثر العروض مشاهدة في لبنان والأردن والإمارات عبر نتفليكس، بعدما أثارت اهتمام الجمهور العربي، لتضيف إلى التصور السائد في الشرق الأوسط بأن الموساد في كل مكان يستمع إلى كل شيء.
والآن، يخطط المخرجون وصناع الأفلام في دولة الاحتلال أن يمنحهم نجاح تلك الأعمال فرصة إضافية للخروج بأعمال أخرى لا تتعلق بالجاسوسية بالضرورة، تصل إلى محيط كان يفترض أن يكون معاديًا.
هل نتفليكس متورطة؟
«نتفليكس.. الآن إسرائيلية حقًا»، هكذا عبّرت الشبكة العالمية في إعلانها الرسمي عن دخول خدماتها إلى دولة الاحتلال.
لم تكن نتفليكس تقصد المعنى الذي وصلك بالضبط. كانت تقول تحديدًا إنها ستقدم خدمة مغرقة في المحلية للمستوطنين. لكن الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) قالت إن نتفليكس تورطت فعلًا في بث مواد دعاية إسرائيلية عنصرية معادية للعرب، تمجد جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، في تورط مباشر في الترويج لانتهاكات حقوق الإنسان وتبريرها بعد تقديمها في صورة درامية تعمل على تعقيم وتطبيع تلك الجرائم. وأشارت الحملة «مجددًا» إلى احتضان المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية لمثل هذه الأعمال.
ميدل إيست آي وصف نتفليكس بـ «هبة السماء الحقيقية لإسرائيل»؛ إذ تعيد إنتاجاتها تقديم الدعاية الإسرائيلية القائمة على قلب العلاقة بين الضحية والجاني، بحيث يكون إرهاب إسرائيل المؤسسي للفلسطينيين انتقاميًا بطبيعته، في حين يلعب أولئك الذين يواجهون أكثر من سبعة عقود من العدوان الإسرائيلي، دور المعتدين، لكنها أمور لا تهتمُّ نتفليكس بعرضها على شاشاتها.