مسلسل «نصيبي وقسمتك»: في مديح التسلية واللاشيء
ما هي رسالة الفن؟ سؤال عام جداً ويتطلب عمراً حتى تجيب عنه. حسناً لديك كل الحق، فلنكن أكثر تحديداً، في رأيك ما هو الهدف من الدراما؟ هذا سؤال سهل نوعاً، فالهدف من الدراما هو خلق واقع مواز بأحداث تشبه الحياة اليومية وبشخوص يمكن أن تقابلهم في حياتك الحقيقية فتتعلم مما يحدث معهم على الشاشة أشياء عن الحياة والحب والقيم، بالإضافة للاستمتاع بأداء تمثيلي جيد، وإيقاع مناسب للأحداث.
حسناً، ماذا لو لم تتعلم شيئاً من الدراما التي تشاهدها، ماذا إذا لم يكن هناك عبرة أخلاقية تستنتجها من الأحداث، ولم تكن هناك عظة معينة وصلتك منها؟ أقصد ماذا إذا كانت القصة ساذجة أو مكررة أو متوقعة ولكنها نجحت في جذبك لمقعدك حتى تنتهي الأحداث؟ هل وقتها يكون العمل الدرامي ناجحاً أم لا؟ هذا سؤال يستحق الإجابة عليه.
نصيبي وقسمتك
اليوم نتحدث عن مسلسل «نصيبي وقسمتِك» (لاحظ كسر التاء في قسمتك) الذي يعرض جزؤه الثاني الآن على الشاشات، بعد أن نجح إلى حد كبير جزؤه الأول والذي يحمل اسم «نصيبي وقسمتَك» (بفتح التاء في قسمتك)، والذي كان من بطولة «هاني سلامة» بشكل أساسي، والذي يختلف عنه هذا الجزء في أن البطلة الأنثى تتغير في كل قصة من قصصه التسعة، كل قصة في خمس حلقات بأبطال مختلفين، كلها تدور حول مشاكل المرأة وكيف تواجه حياتها، قصص عن الخيانة والزواج والحب والعنف الزوجي ومفاهيم الاستقلال والتضحية وكل ما يمكن أن يقابل امرأة تعيش في مصر.
مؤلف المسلسل في جزئه الثاني هو نفس مؤلف الجزء الأول «عمرو محمود ياسين»، أما الإخراج في هذا الجزء فمناصفة بين مصطفى فكري وسيف يوسف، أغنية التتر أيضاً مختلفة في الكلمات رغم أنها تحمل نفس اللحن، وتقوم بغناء التتر في الجزء الثاني «يارا»، أما القصص نفسها فكل قصة لها بطلة مختلفة، فنرى على الشاشة «حنان مطاوع»، و«بسمة»، و«شيري عادل»، و«مريم سمير»، و«ريم مصطفى»، و«هنا شيحة» في أدوار أساسية.
كل قصة من قصص المسلسل تختلف عن الأخرى في الحبكة والتصاعد الدرامي والتيمة الأساسية، فتجد قصة تحكي عن زوجة خائنة تتسبب في موت زوجها مقهوراً من خيانتها له، وأخرى ترى زوجة مقهورة يخونها زوجها ويسومها أصناف العذاب، وترى زوجة جديدة تواجه مشاكل مستعصية في حياتها بسبب دورتها الشهرية، وتجد المرأة الروحانية التي تصل قلبها بالله وتتمكن من هزيمة الشر بقوة إيمانها، تنوع شديد في القصص وفي فريق التمثيل رغم أن الكاتب واحد، ورغم أن القصص كلها تدور حول المرأة ومشاكلها.
ماذا يقدم المسلسل؟
التنوع الذي يأتي به المسلسل في القصص والذي يقع في مصلحة المشاهد بالطبع، خلق فجوة في القصص لم تكن لتوجد لولا تمسك صناع العمل بأن تأتي كل قصة في خمس حلقات، فهناك قصص لا تتحمل المط والتطويل، فحكاية «إهدي يا مدام» مثلاً لم تكن تتحمل أكثر من حلقتين على الأكثر، الكثير من الوقت والمشاهد المكررة التي تضيع الحبكة والتي لا تأتي في مصلحة العمل بشكل عام وتقلل من قدرات المخرج والسيناريست على حد سواء، ومن حسن الحظ أنها لم تتكرر كثيراً في القصص.
أما التمثيل فقد كان جيداً في المجمل، خاصة إذا تحدثنا عن «حنان مطاوع»، أو «بسمة»، أو حتى «ريم مصطفى» في دورها الذي كان يميل إلى الكوميديا التي هي موهوبة فيها، ولكن على الجانب الآخر هناك «أحمد مجدي» في حكاية جدول الضرب والذي كان يمثل بطريقة غريبة جداً وكأنه لو استطاع تمثيل الدور جيداً سوف تلتصق به تهمة العنف والدناءة فأصر على أن ينفي عن نفسه التهمة في كل مشهد، بالطبع يأتي في مصلحة العمل أن الممثلين متغيرين فلم نر أحمد مجدي سوى خمس حلقات فقط، باقي القصص كان التمثيل فيها حتى لو لم يكن رائعاً فهو لم يكن سيئاً بحال.
أما عن الحبكات نفسها فلم تكن مبهرة، ربما حكاية «604» والتي كانت تدور في عالم الماورائيات والروحانيات كانت جديدة وغير مطروقة في الدراما المصرية، رغم أن نفس المسلسل بنفس المؤلف في جزءه الأول قدم قصة ما ورائية أيضاً ولكنها تختلف عن قصة 604 في كون الأخيرة مليئة بالروحانيات وقد أثرتها بالطبع حنان مطاوع على مستوى التمثيل. باقي الحبكات دراما يومية عادية وقصص متكررة رأيتها من قبل كثيراً وسوف تظل تراها إلى أن تكف الدراما عن إنتاج الجديد، فهذه هي الحياة الحقيقية.
هل هو مسلسل ناجح؟
عودة لافتتاحية المقال والسؤال الأول، ما هو الهدف وراء الدراما؟ هل هو العبرة والعظة وتعلم أشياء جديدة واكتساب خبرات وكل هذا الكلام المكرر، أم أنه يمكننا أن نكتفي بالتسلية كهدف مناسب ولا يقلل من المحتوى الدرامي؟ في الحقيقة أن التسلية في حد ذاتها هدف من أهم أهداف الفن بشكل عام، فالمحتوى الذي لا يقدم تسلية للمشاهد حتى لو كان يحمل كل القيم والتقنيات وحرفية الصناعة، لن يلقى استحساناً لدى الجمهور ما دام لا يقدم له بغيته الأساسية.
المسلسل رغم تيماته المكررة إلا أنه مسلٍ للغاية، حتى بالمط والتطويل في بعض قصصه، يخدمه أنه مهما كان التطويل فإنه سينتهي حتماً في خمس حلقات، والحلقات الجديدة تأتي بشغف جديد لتعرف القصة الجديدة، خاصة أنه يناقش في الأغلب قضايا المرأة من وجهة نظرها، فنجد التعاطف كبيراً مع معظم قصص المسلسل، أو على أقل تقدير التفهم حتى لو لم يكن تعاطفاً.
مسلسل «نصيبي وقسمتك 2» يمكن اعتباره ناجحاً بضمير مستريح، ربما أكثر من جزئه الأول لاعتبارات كثيرة أولها، أن هاني سلامة لا يطل علينا في كل حلقة، ولأن الجمهور الأساسي للمسلسلات -خاصة البعيدة عن السباق الرمضاني- هم من النساء فالتسلية هنا هي اسم اللعبة وهي العامل الأهم في نجاح المسلسل، خاصة إذا كنت تتحدث عن مشاكل هؤلاء النساء.