نابولي: ماذا لو استعاد «سباليتي» سيارته المسروقة؟
كُتبت هذه العبارة على حائط مواجه لفندق إقامة لوتشيانو سباليتي، المدير الفني لنابولي الإيطالي، مع توقيع لمجموعة عرفت نفسها بـ«اللصوص».
في مايو/آيار 2022، وقتما اختفت سيارة سباليتي الزرقاء، كانت جماهير نابولي قد سئمت من تراجع مستوى الفريق الجنوبي، الذي فقد فرصته في المنافسة على لقب «سكوديتو» لصالح «إيه سي ميلان» ووصيفه «إنتر ميلان».
لم يرحل سباليتي، بالتالي لم يسترد سيارته الـ«فيات». لكن ربما كانت هذه الحادثة بداية لسلسلة من الأحداث السيئة، التي قادت -للمفارقة- لوتشيانو لبناء فريق يُنظر إليه كأحد أفضل أندية أوروبا بعد أشهر معدودة.
سوء تفاهم
في مزرعته الخاصة بتلال توسكانا، آثر سباليتي الابتعاد عن التدريب عقب إقالته من إنتر ميلان في صيف 2019، مفضلًا الاستمتاع بتربية دواجنه، حصد ثمار الزيتون والعنب، واستضافة وفود مستمرة من السياح على البحث عن فرصة تدريبية جديدة، مستفيدًا من عدم فسخ عقده الممتد لعام 2021.
في ريميسا، يشعر لوتشيانو أنّه راهب في دير، يجد حلولًا للأزمات التي يمر بها ويراجع الأخطاء التي ارتكبها بالماضي. والأهم يمضي وقتًا طويلًا في دراسة عمل أنجح مدربي كرة القدم وصقل أفكاره حول اللعبة، بعيدًا عن تسارع وتيرة العمل كمدير فنّي.
للوهلة الأولى، بدا تعاقد نابولي مع سباليتي مثاليًا؛ لأنّه رجل يؤمن بجمالية اللعبة، ثائر على تقاليدها، مُعاديًا لثقافة أبناء جيله من المدربين الإيطاليين. وهنا يبدأ سوء التفاهم.
لم تكن قدرة الأصلع التوسكاني على بناء فريق يلعب كرة قدم جميلة يومًا محل شك؛ فمع روما كان أول من أعاد اكتشاف مركز «المهاجم الوهمي» متمثلًا في فرانشيسكو توتي. وأراد «رومان أبراموفيتش»، مالك تشيلسي الأسبق، أن يكون مسؤولًا عن صبغ فريقه اللندني بهويته الهجومية.
لكن المشكلة كانت أنّه على الرغم من رومانسية مشجعي نابولي، فهم مشجعون في النهاية؛ يرغبون في رؤية فريقهم يحقق الألقاب، يتفوقون على أموال أندية الشمال. باختصار، أرادت الجماهير أن ترى فريقها عريسًا، لا مجرد وصيفًا للعريس.
قلق مبرر
مع بداية الموسم الثاني لسباليتي، تفاقمت الأزمات؛ اصطدمت جماهير الجنوب الإيطالي المصابة بالحنين إلى الماضي بفقدان ثلاثة من أهم لاعبي النادي: «دريس ميرتينز»، الهدَّاف التاريخي لنابولي و«لورينزو إنسيني»، الابن المدلل للجماهير وأخيرًا «خاليدو كوليبالي»، القائد الحقيقي للفريق.
عند هذه اللحظة، كان غضب الجماهير مُبررًا. فكما تقول الأسطورة الإيطالية: لا يمكن اعتبارك منافسًا إلا عندما تنجح في التغلب على ثلاثي القمة التقليدي. فكيف يمكن أن يحدث ذلك بعدما تخلّى النادي عن أهم لاعبيه؟
في 2018، قام دي لاورنتيس بشراء باري الذي كان قد أشهر إفلاسه. وبعد نحو 4 سنوات، بات باري أقرب من أي وقت مضى إلى الصعود للدوري الممتاز. بالتزامن مع ذلك، أثارت سياسة انتقالات نابولي حفيظة الجماهير، حيث ارتأت أنّ رئيس النادي كان قد اكتفى بما قدمه ويبحث عن تجربة جديدة عبر الاستثمار في نادٍ جديد.
تبلورت هذه الفكرة تمامًا حين أصبح على دي لاورنتيس بيع نابولي أو باري بحلول موسم 2024/2025، بموجب قرار الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، الذي يحظر حيازة رجل أعمال واحد أو أحد أقاربه لأكثر من نادٍ ناشط بنفس الدرجة.
إعادة ضبط المصنع
بغض النظر عن نوايا رئيس النادي في ما يتعلّق بالمستقبل، الذي ربما فضل أن يخفض ميزانية النادي بسبب الخسائر المادية، كانت سياسة التعاقدات واضحة، حيث أراد الرئيس برفقة المدير الرياضي «كريستيانو جينتولو» خفض رواتب الفريق لتصل إلى ما يقرب من الـ70 مليون يورو، مع التشديد على ضرورة لعب الفريق «كرة قدم جميلة».
بالفعل، نجح نابولي في إدارة سوق انتقالاته بحكمة شديدة بقيادة جينتولو، الذي استقطب مجموعة من الأسماء الجائعة للعب كرة القدم مثل الجورجي «خفيتشا كفاراتسخيليا»، والكوري «كيم مين جي» والرهان على أسماءٍ تعيش فترات مخيبة مثل: النيجيري «فيكتور أوسيمهين» والفرنسي «تانغي ندوبيلي».
ربما كان هذا التقشُّف -إن صح التعبير- هو أفضل ما حظي به سباليتي؛ لأن الرجل الذي اشتهر بصدامه مع نجوم مثل فرانشيسكو توتي في روما، وماورو إيكاردي في نابولي، استبدل مجموعة من اللاعبين الذين يُعتقد أنهم قدّموا كل ما في جعبتهم لصالح النادي، بمجموعة أخرى أقل نجومية وتطلبًا.
العامل «سباليتي»
مع سباليتي، أعاد «أوسيمهين» اكتشاف نفسه مجددًا، ورفع الستار عن موهبة «كفارا» الذي ينظر إليه كخليفة شرعي لمارادونا. لكن الأهم كان قدرة المدرِّب على بناء فريق أكثر عمقًا، متشبعًا بأفكاره، لا يتأثَّر بغياب أحد نجومه.
بعد مرور أكثر من نصف موسم 2022/2023، شارك 24 لاعبًا من أصل 25 مع الفريق في كل المسابقات، والأهم كان مشاركة 17 لاعبًا من قائمة الفريق في تسجيل الأهداف، التي وضعت نابولي متصدرًا للدوري الإيطالي، بل أقرب من أي وقت مضى فعلًا لتحقيقه.
وبعيدًا عن شكل الفريق الهجومي، يرى «كريستيان ڤييري»، نجم إنتر ميلان السابق، أن أفضل ما قام به سباليتي أثناء رحلته المحفوظة بالمخاطر مع نابولي لم يكن بناء لفريق يلقن الدروس لخصومه، بحسب تعبير الإيطالي «فابيو كابيلو»، بل نجاحه في جعل «دي لاورنتيس» صامتًا.
على مدار ما يدنو من عقدين، تعامل «دي لاورنتيس» مع النادي من وجهة نظر أبويه، حيث لم يجد حرجًا في انتقاد المدربين الذين يوظفهم علانية، بل إنّه كان قد أجبر لاعبيه في 2019، على الدخول في معسكر عقابي بسبب سوء النتائج، الأمر الذي اعتبره «كارلو أنشيلوتي»، المدير الفني للفريق وقتئذٍ، تدخلًا في صميم عمله.
حقيقةً، لا نعلم إذا ما كان صمت «دي لاورنتيس» مرهونًا بالنتائج وحسب؟ ولا ندري ما إذا كان يمكننا اعتبار ما يحدُث في الجنوب الإيطالي مشروعًا يجب أن تقتدي به أندية أوروبا به أم مجرّد صُدفة؟ وماذا كان ليحدث إذا ما قرر سباليتي ترك الفريق لاستعادة سيارته المسروقة؟
يؤمن سباليتي أن كل مباراة هي مغامرة نحو المجهول، بالتالي ربما يكشف المستقبل وحده عن إجابات هذه الأسئلة، إجابات أكثر ماديّة من وعود سباليتي بالوقوع في غرام الفريق الذي صنعه. وقتئذ، ربما يتخلّص من سمعة «الرجل المناسب في الوقت غير المناسب» التي لازمته طوال مسيرته.