أفراح القبة وفي رواية أخرى انتصار سامي!
أفراح القبة من الروايات المميزة لمحفوظ، فهي ذات طابع خاص وتجربة لم تتكرر كثيرًا وهي وجود أربعة رواة بأصوات مختلفة لنفس الحدث.
يقوم الكاتب الشاب عباس كرم يونس بكتابة مسرحية ويقدمها للمسرح الذي يعمل فيه والداه. تحكي تلك المسرحية عن العالم الخفي لحياتهم في العمل وفي البيت وتفضح نفوسهم وتحكي أيضًا قصة حبه مع الشابة تحية ووفاتها بعد الولادة.
تدور القصة داخل مسرح بل والبناء نفسه يشبه المسرحية في كثرة الحوارات بين الشخصيات. تروي الشخصيات المختلفة بين الممثل والكاتب والأب والأم، كل منهم يحكي نفس القصة لكن في نفس الوقت يحكي حياته أيضًا ويبرر بعض الأفعال وينفي الأخرى مما يجعلنا ندور بينهم بحثًا عن الحقيقة المحتملة، فلا نعرف أيهم يكذب أو يفتعل.
لاقت رواية أفراح القبة استحسان القراء الروس بين المواقع المختلفة ووجدت أنها من أكثر روايات نجيب قراءة بين أعماله المترجمة وهذا غريب لسبب سنعود إليه لاحقًا لأن هناك فكرة أولى يجب الحديث عنها أولًا فيما يتعلق بترجمة هذا العمل ألا وهي بالطبع العنوان الذي يعتبر عامل جذب قوي ومعبر عن كنه الرواية وموضوعها.
ترجمت رواية أفراح القبة حديثًا فقد صدرت عام 2008 وترجمت من العربية مباشرة من قبل المترجمة فيكتوريا زاريتوفسكايا وقد اختارت المترجمة أن تغير اسم الرواية من أفراح القبة إلى «انتصار سامي».
تغيير اسم الرواية لا يبدو شيئًا جديدًا حتى على مستوى أعمال نجيب المترجمة إلى الروسية فقد سبق ترجمة رواية «عبث الأقدار» إلى «حكمة خوفو» وترجمت رواية رادوبيس كذلك إلى «فرعون والمحظية» وهو تغيير مفهوم في ظل تقديم الأعمال إلى القارئ الروسي في قالب يوضح أو يكشف عما داخل الرواية مثل زمن قدماء المصريين الذي سيكون بلا شك عامل جذب كبير. لكنني أرى أن تغيير العنوان في هذه الرواية بالذات قد غير شيئًا، أو دعوني أقول أكثر منه التغيير فهو الاختيار نفسه. دعونا نعود إلى الاسم العربي «أفراح القبة» اختيار سهل وواضح يعني ببساطة (البهجة التي تحدث تحت قبة المسرح) وبما أن الأحداث بالفعل تدور في مسرح فلا يستدعي الأمر تفكيرًا كثيرًا. أما الاختيار الروسي لطبعة الكتاب «انتصار سامي» فهو يضيف شيئًا جديدًا للقصة، أولًا لاحظت من عدة تعليقات تركيزهم الكبير على النهاية، في البداية لم أنتبه إلا عندما قرأت مقالًا يتساءل كاتبه ترى ماذا يقصد بالانتصار؟ هل هو انتصار عباس الذي كتب مسرحيته في النهاية؟ أم انتصار الحقيقة لتطفو على السطح؟
من هذا الاقتباس الصغير نرى تعلق القارئ بهذه الكلمة وما أضافته من معانٍ تجمعت في وعيه أثناء القراءة نتيجة للعنوان المختلف.
لقد أضافت كلمة واحدة معنى جديدًا للرواية وقرأها الكثيرون بمعانٍ مختلفة، فالبعض فسرها كانتصار الحقيقة رغم الروايات المتعددة. ولهذا تكررت الكلمة كثيرًا في مراجعات الروس وهو على عكس القراءات العربية التي لم تركز على العنوان كثيرًا ولم يتكرر كنقطة رئيسية في كتاباتنا عن الرواية.
الأسماء أسماؤنا ولكن!
بما أن المقدمة تحدثت عن اسم العمل نفسه فيمكننا استكمال فكرة الأسماء، حان الوقت لنتحدث قليلًا عن الشخصيات.
اختلاف الثقافات قد يحدث تغييرات طفيفة غير ظاهرة، من تلك الاختلافات الصغيرة هي الأسماء، أو بشكل أوضح استقبال الأسماء، فقد تذمر بعض القراء الروس من الأسماء الغريبة وتلاحقها (بالطبع نسبة لكثرة الحوارات في العمل) وهو ما كان مضحكًا لي، وتخيلت الكثير من أصدقائي والقراء الذين يسخرون من الأسماء الروسية الطويلة عندما يعلمون أنني مترجمة من اللغة الروسية. اكتشفت أن عددًا لا يستهان به من القراء العرب يفكرون عدة مرات قبل قراءة عمل روسي بسبب عدم تمييزهم بين الأسماء أو على الأقل عجزهم عن نطق الاسم، ترى ما رد فعل هؤلاء عندما يعلمون أنه هناك في الجزء الآخر من العالم من يتذمر من اسم عباس وكرم وطارق ويجدونها غريبة بلا معنى. لكن هل هي حقًا بلا معنى؟
بالطبع لا، هذه الأسماء تعني شيئًا، لكن ليس المعنى الذي يقصده الروس لأن تلقيهم للأسماء مختلف عنا. أثناء دراستي بقسم اللغة الروسية في كلية الآداب درسنا القصص الروسية في أغلب سنين الدراسة ولم تمر قصة أو رواية واحدة في دراستنا دون أن ندرس بجانب تحليل الشخصيات تحليل «أسماء الشخصيات» فأسماء الشخصيات في الأدب الروسي تضيف معنى، ومعنى ربما لم يذكر بشكل صريح كصفة ولكن يفهمه القارئ وحده ويستنتج، مثلًا قصة المعطف لجوجول كان اسم البطل «أكاكي أكاكيفيتش باشماتشكين» واسم العائلة مشتق من كلمة «باشمتك» أي حذاء، مما يدل على حقارة أصل البطل وتدل على دنو المرتبة وهو ما يتميز به البطل بالفعل.
وفي قصة تشيخوف الحرباء يظهر الشرطي أوتشيميلوف والذي يعني اسمه الشخص الذي يبحث عن مصلحته وهي بداية قد تفسر للقارئ الروسي لم سيتغير رأي الشرطي عدة مرات بتغير الظروف لكن القارئ العربي لن يعرف تلك الفكرة المزروعة في الاسم. لا يقتصر الأمر على الأسماء الأدبية بل يؤمن الروس أن الأسماء قد تدل على عدد من السمات الشخصية وهناك مواقع كاملة مخصصة لتحليلات الأسماء وهو ما يرجع لعدة أفكار أن الأسماء أولًا هي مؤثر اجتماعي قادر على تعريفك بدولة الشخص وانتمائه الديني وطبقته الاجتماعية كما أنها مؤثر سمعي خاصة في أسماء الإناث حيث تكون دائمًا ذات حروف متناسقة ووقعها لطيف على الآذان لذا نرى أن أسماء الإناث في الأدب الروسي تتنوع بين (يوليا، جوليا، أنستازيا، فاريا، آنا) لأن أسماء النساء أيضًا بجانب أنها ذات معنى (أنستازيا تدل على المرأة الحالمة مثلًا أو أولجا التي تتميز شخصيتها بالضعف) فإنها مظهر يدل على جمال الفتاة مثل جمال اسمها.
الفقرة السابقة قد تعطينا فكرة سريعة عن كيفية تفاعل الروس مع الأسماء وخصوصًا فيما يتعلق بالأدب، فهم يظنون أن هناك فكرة وراء الأسماء لذا أن يجهلوا كليًا بالأسماء لهي مشكلة، خصوصًا وأن هناك تناولًا كبيرًا وشرحًا لشخصيات نجيب بالعربية بالفعل حتى لو كان بعيدًا عن هذا العمل بالذات، فرواياته ذاخرة بالأسماء ذات المعنى مثل (الناجي) أو (محجوب عبد الدايم) وغيرها ويوجد كتاب كامل عن الأسماء في أدب نجيب محفوظ وتكرارها ودلالتها وهو «معجم شخصيات نجيب محفوظ» كتبه مصطفى بيومي في أربعة أجزاء.
قرأت أكثر من مراجعة مستاءة من الأسماء التي لا يفهمونها والتي بدت غريبة، تقول قارئة:
لكن تولت قارئة أخرى مهمة البحث وحدها عن تلك الشخصيات وربط ما تجده في الرواية بتلك الأسماء:
هذه الصفات قد تضيف للقارئ مستوى مختلفًا من التركيز والإدراك وربط بين كل ما تقوله الشخصية بصفات اسمها وهل هي تدعمه أم تبتعد عنه أو مجرد تسمية عشوائية بلا معنى. خصوصًا وأن مشكلة هذه الرواية بالذات هو وجود أربع قصص مختلفة وبالتالي أربع وجهات نظر عن كل شخصية، هل كانت حليمة وديعة وصبورة حقًا كما ظهرت في قصتها أم إنها سيدة سيئة السلوك كما في قصة عباس، وهل كان عباس صارمًا منذ البداية أم يمكنك قراءة اسمه كشخص تغير مع السنين، هذا سيعود للقارئ ولمن يصدق حقًا في قصصهم.
«إنهم يتنفسون الكراهية»
لا عجب أن تحليلات الشخصيات كثيرة في هذه الرواية فهي تعطي مساحات واسعة من أجل التخيل ورسالة الرواية واضحة وهي أن كل راوٍ مختلف عن الآخر حتى لو يحكون نفس القصة لذا لا تحكم من فوق برجك العالي، فهناك أربع قصص يدعي أبطالها أنهم الضحايا، ورغم هذه النقطة الهامة أن الأبطال يحاولون الظهور بأفضل ما يمكن في قصصهم على الأقل كضحايا وليس كجلادين إلا أن آراء القراء قد اختلفت تمامًا ولم يتعاطفوا معهم، هدف عرض الأربع قصص أن يختار القارئ هو ما يراه مناسبًا لكن الروس وجدوا الجميع مذنبين بدرجات أخلاقية مختلفة.
في أحد مراجعات الرواية التي وجدتها على مدونة تدعى «كتاب الحب» تقول القارئة:
«بدت الشخصيات الرئيسية بالنسبة لي بائسة: في رأيي هم لا يعرفون كيف يواجهون شيئًا آخر غير الكراهية والاشمئزاز والغضب واحتقار بعضهم البعض، حتى خط الحب لا ينقذ الموقف ولا يقلل من مقدار السلبية العامة.»
بينما كتب قارئ آخر:
«العنف والمخدرات والأوساخ والحياة اليومية، لا يمكن العثور على الأشخاص السعداء هنا، فهم يتخبطون ويحاولون البقاء على أقدامهم، لكنهم في الواقع يتسببون فقط في الشر والألم لبعضهم البعض»
لقد خرق بعض القراء القاعدة ولم يختاروا شخصية يظنون أنها الأفضل بينهم بل كانت ملاحظتهم مبنية على العالم الصغير للمسرح الذي قد رسمه نجيب بشكل وكر تعرف شخصياته بعضهم البعض منذ زمن حتى سقطت الأقنعة وشرعوا يشتمون ويعايرون بعضهم البعض بكل وضوح، وليس من السهل أن يندمج القارئ في هذا الجو المشبع بالضغائن سريعًا، ربما قد يكون هذا عاملًا، وعامل آخر مهم ذكره القراء في تعليقاتهم مثل الاقتباسين السابقين، رغم أن الشخصيات ضحايا لبعض الوقائع إلا أن هذا جعلهم أشرارًا يسببون الألم للآخرين وهو ما قد يكون محيرًا، إذا تأذيت من شيء فيجب أن تمنع ابنك أن يتأذى منه، لكن العلاقة هنا بين الوالدين والابن ملتبسة للغاية ويتخللها الكراهية أيضًا. وهو ما جعل أحد القراء يصف بيئة الأبطال بـ «تنفس الكراهية»
وهذا ما يجعلنا نتحرك إلى نقطة أخرى وهو أن البعض علق أن أكثر شخصية كرهوها هي شخصية الأب (كرم) ووصفوه بالمقزز وبالرجل المقيت، أتذكر قراءتي للرواية في المرة الأولى وأنني تأثرت بتلك الشخصية التي عانت أثناء طفولتها ولذا رأيت أن أفعاله كأب مبررة من جانب تشوهه النفسي، لكن الروس حملوا لكرم كرهًا أكبر ولم يتسامحوا مع شخصيته كأب كان يجب أن يفصل بين طفولته ومشاكلها والحاضر وتعامله مع ابنه.
آراء فردية
حتى الآن ما كتبته عن «انتصار سامي» هي آراء لاحظت تكرارها كثيرًا وبأشكال وصيغ مختلفة وهو هدفي أن أجمع الأفكار العامة التي يركزون عليها أثناء القراءة أو الآراء المختلفة عنا لكن قرأت بعض التعليقات التي لم تتكرر كثيرًا ومع ذلك جذبت انتباهي ويمكننا تناولها أيضًا وهي قراءة مختلفة للشخصيات، ليست مختلفة عن القراءات العربية فقط بل وحتى عن القراءات الروسية أيضًا، من هذه الآراء هي (الوحدة) أحد القراء رأى أن الرواية تملؤها الوحدة:
وصف الوحدة لرواية تمتلك أربعة رواة وتدور أحداثها فوق خشبة مسرح لهو أمر غريب! لكن في ذات الوقت فهي تدل على الوحدة النفسية وانعدام التواصل رغم مشاركتهم نفس الأماكن والأيام، وهو ما يفسر أيضًا هذه الروايات المختلفة فكل منهم في عالمه وحده ويحكي قصته وحده أيضًا.
رؤية أخرى عجيبة لم أفكر فيها من قبل هي وضع النساء في تلك الرواية، بالطبع يمكننا أن نقرأ أحوال المجتمع ككل من أي عمل أدبي ونرى الضغوط حول الرجال وأيضًا مشاكل النساء وكيف تتطور لتنتج شكل المجتمع النهائي، عدة قراء علقوا على تعاطفهم مع حليمة شخصية الأم المضحية وتعاملها مع ابن ذي تفكير مثالي وزوج مدمن للأفيون وأن تلك المرأة البسيطة هي ضحية كلٍ منهما، كما أن تحية كذلك رغم أن الرواية تدور حولها تقريبًا إلا أنها لم تكن فاعلة في الأغلب بل لعبت دور المفعول به، من يتحدثون عنها كفعل ماضٍ، أحد القراء قال رأيًا يغطي على كل هذا:
ومرة أخرى رأيت القصة من منظور آخر فعلًا لم أنتبه إليه لأننا كما أشرنا في السابق فشخصيات الرواية كلها سيئة مليئة بالتناقضات والشر رغم مآسيهم الخاصة ومع ذلك استطاعت تلك العين أن ترى ضمن تلك الحيوات السيئة حيوات أسوأ من غيرها ومميزة بشتائم معينة تصف النساء بالعاهرات كناية حتى لو لم يكن كذلك لكنها مجرد طريقة لإذلالهن لأنه كما قال صاحب المراجعة فقد كان الرجال يستفيدون منهن لمصالحهم الخاصة لكن ولاستمرار تلك المصالح يجب إخضاعهن تمامًا، وأتذكر أن ممدوح عدوان كتب رأيًا مشابهًا في كتابه «حيونة الإنسان» عن أن الإذلال عبارة عن دائرة، في الوطن العربي بالذات يتعرض المواطن العادي للسحق والإذلال من الأنظمة ومن الشارع ومن المجتمع لذا يحاول أن يتمسك بشيء يثبت أنه مازال مسيطرًا على شيء، أي شيء، وبالطبع السيطرة تخرج على حلقة الأضعف وهن النساء وهو تفسيره لتركيز الرجال اجتماعيًا على كل ما تقوم به النساء من عمل وملبس ووجوب وجود رقيب على تعاملاتها وحديثها وهيئتها.
الرواية المختلفة
لم تترجم كل أعمال نجيب محفوظ إلى الروسية ومنها بعض الأعمال الهامة مثل الكرنك والثلاثية (السكرية وقصر الشوق وبين القصرين) والحرافيش التي لم تصل إلى الروسية بعد وربما يعود هذا إلى قلة حركة الترجمة من العربية إلى الروسية أو حتى حذر دور النشر الروسية مما تقدمه للقارئ وهل سيخضع هذا العمل لمعايير اهتمام قرائهم أم لا. ورواية «انتصار سامي» مختلفة قليلًا عن باقي أعمال نجيب المترجمة إلى الروسية، فتنقسم الأعمال المترجمة من رأيي إلى قسمين:
- الأعمال التاريخية التي تدور في زمن قدماء المصريين مثل رادوبيس والعائش في الحقيقة وكفاح طيبة.
- الأعمال التي تدور في الحارات المصرية وتكشف الشعب المصري في الشارع مع عاداتهم اليومية وحديثهم وطعامهم.
هذان القسمان هما اللذان ركز عليهما الناشرون إلى الآن لجذب انتباه القارئ إلى كاتب من دولة بعيدة وغريبة عنهم وبعدها إذا نجح الأمر واشتهرت الروايات بين القراء من يدري يمكن أن يترجموا باقي الأعمال.
الفكرة أن رواية «أفراح القبة» لا تنتمي إلى كلا القسمين، نعم لقد كشفت الشخصيات الكثير لكنني شخصيًا أميل إلى تصنيفها كرواية نفسية تتبع الشخصيات والخير والشر والمثل بداخلهم أكثر من الحديث عن المجتمع من حولهم. هذا لم يشكل مشكلة لدى العديدين ممن أعجبتهم الرواية وتقنية السرد، لكن هناك قلة عبروا عدة مرات أنهم لم يروا مصر حقًا في تلك الرواية.
في إحدى المراجعات كتب قارئ:
عند كتابة الأعمال الروائية فلا ينتبه الأديب إذا كان يريد أن يرسم صورة واضحة لمحيطه أو لا فذلك يعتمد على أفكاره نفسها وعدم وضوح الدولة وعاداتها في رواية ما لا يمكن اعتبارها نقطة سيئة ولكن في نفس الوقت يرشدنا هذا إلى الترجمة واختياراتها ويمكننا منها أن نفهم مثلًا لماذا لم تترجم روايات نجيب التي تناقش السياسة فلن يستطيع أن يتابع القراء البعيدون كل البعد عن التاريخ والسياسة المصرية ما يجري أو أن يتفاعلوا معها كما سيفعلون مع الأعمال التي تدور في نطاق بسيط ولا تحتاج خلفية للقراء مثل رواية أفراح القبة التي تدور بين عدد من الزملاء داخل مسرح.
ربما نعتقد في البداية أن هذا تفكير ساذج من القراء أنهم يرون في أي رواية مميزة من دولة أخرى أنها مرآة لهذا المجتمع ولكن لعل الأدب هو طريقتهم في البحث لأنه مهما توافرت لدينا أدوات بحث فإن مشاهدة الصور أو قراءة المقالات أو معرفة بعض العادات لا تشبه أبدًا قراءة المجتمع في إطار منظم ومرتب، لأن تلك المصادر تعطي شذرات من الأفكار والصور، لا الصورة المرتبة التي تعطيها الرواية التي تضم البشر وقصص طفولتهم وتطورهم النفسي وشخصياتهم الحالية وطريقة مأكلهم وملبسهم وتتحدث عن شوارعهم ولهجتهم، وهذا التسلسل بالضبط هو ما فسر به البعض شهرة نجيب محفوظ كونه رجل الحارة وأن الإغراق في المحلية هو ما نجح في إيصاله إلى العالمية، وهذا هو سبب تعجبي لعدم ترجمة ثلاثية نجيب محفوظ إلى الروسية فهي تعتبر أفضل مثال لوصف الواقع المصري في هذه الفترة من الزمن.
نبذة لم تجد طريقها إلى الرواية
في بعض الأجزاء ذكرت أن نبذة الكتاب التعريفية أحيانًا تؤثر في التلقي والفهم لكن هذا لم يحدث مع «أفراح القبة» أو «انتصار سامي» فرغم تعريف الرواية القصير عن أنها قصة نفسية تضم أربعة أصوات لأربع شخصيات إلا أن السطر الأخير حمل كلمة مهمة:
لقد وصلنا لنهاية هذا الجزء وبالتأكيد لا يوجد ذكر لأي حب من الأساس حتى يكون هناك حب عاطفي، نعم نحن نعلم أن الشخصيات خاضت علاقات لكننا لم نرَ منها أي شيء بل لم نرَ سوى الكره والجملة التي علقت في ذهني من أحد القراء «إنهم يتنفسون الكراهية».
هذا التناقض بين وصف الكتاب والمحتوى الفعلي للرواية يثير تساؤلات حول كيفية تقديم الأعمال الأدبية المترجمة للقراء في ثقافات مختلفة. فهل يتم تعديل الوصف ليتناسب مع توقعات القراء أم لجذب اهتمامهم؟ وكيف يؤثر ذلك على تجربة القراءة وفهم العمل الأدبي؟
في النهاية، يبدو أن «أفراح القبة» أو «انتصار سامي» قد نجحت في تقديم جانب آخر من أدب نجيب محفوظ للقارئ الروسي، جانب يركز على العمق النفسي للشخصيات وتعقيدات العلاقات الإنسانية أكثر من تصوير الحياة اليومية في مصر. وربما هذا ما جعلها تحظى باهتمام خاص وتفسيرات متنوعة من القراء الروس، رغم – أو ربما بسبب – اختلافها عن الصورة النمطية التي قد يتوقعونها عن رواية من العالم العربي.