رجال غامضون في الحكم: من هم أبرز قادة طالبان؟
طالبان هي حركة أنشأها مجموعة من طلبة المدارس الدينية في قندهار، لتلك النشأة تأثير في فكر الحركة وفي ألقابها أيضًا. لهذا نجد أسماء غالبية القادة مسبوقة بكلمة الملا أو المولوي.
الفارق بينهما هو التدرج في التعليم، فكل من يدخل المدرسة الدينية ويبدأ في تحصيل العلم هو طالب. أما من يقطع شوطًا في التعليم الديني، لكنه لم يتخرج من المدرسة الدينية بعد، أو اكتفى بقدر معين من التعليم الديني واتجه للعمل الجهادي مباشرة، فيظل لقبه مُلّا، مهما تقدم في العمر أو المنصب.
أما من أكمل تعليمه، وتلقى دورة الحديث التي تستغرق عامًا وتعتبرها المدارس الدينية في أفغانستان ذروة العلم، فيحصل على لقب مولوي، وتوضع على رأسه العمامة ويحصل على إجازة للتدريس.
لهذا نجد اختلافًا في الألقاب الموضوعة قبل قادة طالبان، وبعضهم لا يسبقه ملا أو مولوي، فقط يُذكر اسمه مباشرة ما قد يعني أن لم ينخرط في المدارس الدينية بشكل نظامي، أو قد يعني في بعض الحالات أنه إعلاميًا بات معروفًا باسمه مباشرة.
المولوي هبة الله أخوند زاده
ولد في 19 أكتوبر / تشرين الأول1967، بحسب سيرة ذاتية نشرها الموقع الرسمي لحركة طالبان. واستلم المُلّا هبة الله القيادة في مايو/ آيار عام 2016. كان انتقالًا سريعًا للسلطة آنذاك بسبب اغتيال سلفه أُختر محمد منصور على يد طائرة مسيّرة أمريكية في باكستان. هبة الله لم يكن معروفًا بصورة كافية قبل وصوله للقيادة، حتى داخل الحركة كان مشهورًا بانشغاله بالمسائل القضائية والدينيّة، كما عُرف عنه ابتعاده عن فنون الحرب.
لكن لم يؤدِّ ذلك إلى قلة نفوذه، بل على النقيض منحه علمه الفقهي والديني محبةً لدى قطاع واسع من الحركة. ويُقال إنه عمل قاضيًا في محكمة عسكرية أنشأها المؤسس الملا عمر. كما أن والده كان عالم دين مرموق من قندهار، أصل حركة طالبان. فور أن أُشيع عن تولي هبة الله القيادة بايعه أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، أميرًا للمؤمنيين.
مبايعة أيمن الظواهري كان لها أثر قوي في تثبيت أقدام هبة الله في مختلف أوساط الجهاديين على اختلاف مشاربهم الفكرية. كما مهد الطريق أمام الرجل في القيام بالمهمة الصعبة المتمثلة في توحيد طالبان التي بدأ الخلاف يدب بين أفرعها بعد اكتشاف بعضهم لحقيقة أن قيادة طالبان أخفت وفاة المؤسس المُلا عمر لسنتين.
استطاع هبة الله، كما هو واضح بعد انتصار الحركة، أن يوحد الحركة تحت رايته. وطوال السنوات الماضية لم يسعَ الرجل لفك الغموض المحيط به، فظل محافظًا على تجنب الظهور العلني حتى بين أفراد الحركة، واكتفى ببث رسائل سنوية في الأعياد.
الملا عبد الغني برادر
نشأ في أرزغان في قندهار، وهو أحد مؤسسي الحركة بالشراكة مع الملا عمر، وقاتل بجواره طوال فترة الغزو السوفياتي للبلاد. وظل عبد الغني حتى بعد وفاة الملا عمر شريكًا في صنع السياسات التي تسير عليها الحركة، ويشغل حاليًا رئيس المكتب السياسي لها في العاصمة القطرية الدوحة.
ومن ذلك المكتب قاد الرجل المفاوضات مع الولايات المتحدة التي أسفرت عن خروجهم من أفغانستان، ثم خاض جولات من المفاوضات مع الحكومة الأفغانية لم تسفر عن شيء محدد. كان يشغل منصب القائد العسكري للحركة عام 2010، وفي ذلك العام اعتقل في مدينة كراتشي الباكستانية، لكن أطلق سراحه عام 2018. من الملفت في إطلاق سراحه أنه تم بسبب ضغط من الولايات المتحدة.
لا يوجد تفسيرات كثيرة لضغط الولايات المتحدة لعودة عبد الغني للمشهد بعد اعتقاله، لكن الصحف الأفغانية تتحدث عن حوزة الرجل لحب واسع بين فصائل طالبان المختلفة، ولباقة في الحديث وقدرة على التفاوض، والأهم هو إيمانه بقابلية التفاوض، وبدور المفاوضات في حسم ما لا يستطيع السلاح حسمه، ولعل ذلك هو سبب ضغط الولايات المتحدة لعودة الرجل إلى المشهد.
وفي فترة حكم الحركة ما بين 1996 إلى 2001، شغل الرجل مجموعة من المناصب، من بينها حاكم هراة ونمروز، وكان نائب وزير الدفاع عندما احتلت الولايات المتحدة بمساعدة حلفائها من الأفغان أفغانستان وأطاحت بالحركة عام 2001.
سراح الدين حقاني
نجل أحد أشهر قادة الجهاد ضد الروس، جلال الدين حقاني. سراج الدين يمكن اعتباره، أو تعتبره الاستخبارات الأمريكية، الرجل الثاني في طالبان بعد قائدها هبة الله.
سراج الدين يملك فصيلة قتالية قوية تحمل اسم عائلته. الفصيلة التي يقودها حقاني تصفها الولايات المتحدة كأخطر الفصائل، ويعتبرها حلف شمال الأطلسي أعنف فصيلة مقاتلة قابلها خلال العقدين الماضيين. كتيبة حقاني تعتمد العمليات الفدائية مذهبًا، وكانت هي المسئول الأول وراء غالبية العمليات الفدائية في أفغانستان. كما أنها كانت المتسبب في معظم العمليات التي أوجعت الإدارة الأمريكية وكبدّتها جنودًا وعتادًا.
سراج الدين هو المتهم الأول وراء اغتيال كبار القادة الأفغان، كما أنه معروف باحتجازه رهائن غربيين وإطلاق سراحهم لاحقًا دون مساسهم بالسوء بعد الحصول على فدية أو مبادلة. فقد حمل سراج الدين على عاتقه مسئولية إخراج أعضاء الحركة من جوانتانامو، فاختطف الجندي الأمريكي بو برجدال وظل في مفاوضات مع الإدارة الأمريكية حتى أُطلق سراحه عام 2014 في مقابل الإفراج عن 5 معتقلين للحركة من سجن جوانتانامو.
صلابة سراج الدين انتقلت لرجاله كافة، فبات مقاتلو كتيبة حقاني معروفين وسط جميع الأفغان باستقلاليتهم ومهارات قتالية كبيرة واستعداد منقطع النظير للموت. كما يشتركون أيضًا في عملهم بالتجارة، وتُعتبر كتيبة حقاني هي المسئولة عن كافة العمليات في المناطق الجبلية في شرق أفغانستان. وبسبب كل تلك الأمور تقتنع الإدارة الأمريكية أن آراء حقاني لها تأثير كبير على قرارات الحركة.
الملا يعقوب ابن الملا عمر
لا وراثة في طالبان، قاعدة يؤكدها الملا يعقوب. فقد كان هو من رفض تولي قيادة الحركة بعد وفاة والده، وكان هو أيضًا من طرح اسم هبة الله لتولي القيادة. يعقوب فسّر رفضه بأنه صغير السن ويفتقر للخبرة الميدانية الكافية لقيادة حركة في منتصف حرب مع قوى عظمى. ورغم ذلك يُعتبر يعقوب من أصغر القادة الأفغان، فالتقديرات لعمره عام 2021 لا تتجاوز 30 عامًا في أقصاها، ما يعني أنه كان يبلغ قرابة 25 عامًا في وقت عرض القيادة عليه.
هو ابن المؤسس والزعيم التاريخي الملا عمر. لكنه لا يشغل منصب أمير المؤمنين ولا القائد العام للحركة، بل يشغل قيادة اللجنة العسكرية. ولم يتم وضعه في قيادة هذه اللجنة إلا عام 2020، فيما يبدو أنه إجراء رمزي قام به هبة الله من أجل التأكيد على توحيد كافة صفوف الفصائل المقاتلة في طالبان.
اللجنة التي يرأسها يعقوب هي المسئولة عن تقرير التوجهات الإستراتيجية في الحرب ضد الحكومة الأفغانية.
من هو الرئيس القادم؟
بعض الأسماء المهمة في الحركة لا يوجد حولها الكثير من المعلومات، لكن ظهورهم المتكرر في الوفود المفاوضة وفي الصور الإعلامية يوحي بأن دورهم بالتأكيد أكبر من المعلومات المتاحة عنهم. من هؤلاء عبد الحكيم حقاني، رئيس فريق طالبان في المفاوضات، كما أنه رئيس مجلس علماء الدين، ويُشاع أنه أقرب الناس إلى هبة الله، وأن الأمير يثق في عبد الحكيم أكثر من أي أحد آخر.
كذلك يوجد شير محمد عباس ستاتيكنزاي، محمد عباس كان نائب وزير في حكومة طالبان عام 2001 قبل الغزو الأمريكي، ويعيش في قطر منذ عشر سنوات، وكان رئيس المكتب السياسي للحركة عام 2015، وشارك في المفاوضات الأخيرة مع الحكومة الأفغانية. ويمكن اعتباره سفير طالبان الدولي، فقد مثّل طالبان في رحلات دبلوماسية لدول عدة.
من كل تلك الأسماء فإن هبة الله، أو أخونده زاده كما يحلو للصحف الغربية ذكره، هو القائد الأعلى للحركة. لكن من غير المتوقع أن يكون هو رئيس إمارة أفغانستان الإسلامية التي أعلنتها الحركة بعد جلاء الجنود الأمريكيين من أفغانستان بالكامل. التكهنات الدولية تتجه إلى الملا عبد الغني برادر، أنه سيكون الرئيس القادم للإمارة، نظرًا لعلاقته القديمة ومصاهرته للملا عمر.
كما أن التقارير الاستخباراتية التي كُشف عنها في فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب تكشف أن الولايات المتحدة احتاجت لدعم عبد الغني في المفاوضات، وأنها تفضل التواصل معه عن الآخرين. وفي حال صار عبد الغني هو الرئيس، فسيصبح هبة الله زعيمًا روحيًا فحسب، وهو ما يتناسب مع شخصيته أكثر. فالرجل يبدو أنه لن يحتمل الظهور الإعلامي والسجالات السياسية التي يتطلبها كونك رئيسًا لدولة أو مسئولًا عن مفاوضات يومية مع العالم أجمع أو بحاجة لبث رسائل طمأنة صباحًا ومساءً.