رواية «لقلبي حكايتان»: مواجهة الحب العاصف بلعبة الأيام
لا تزال العلاقات الإنسانية ومشاعر الحب والكراهية وتقلب الناس بينها واحدة من أهم دوافع الكتابة الأدبية، ولا يزال الخوض فيها ومحاولة الكشف عن حقيقتها وأسرارها أحد عوامل الجاذبية للعديد من القراء، الذين لا شك يرون مع كل قصة وحكاية حب جديدة انعاكسًا لما يمر بهم في الحياة من مواقف وتجارب.
ورغم عدد الروايات والقصص التي يمكن وصفها بأنها رومانسية كونها قامت في الأساس على مناقشة علاقة حب بين بطلين في الرواية أو ربما أكثر، فإن كل تناول جديد لتلك العلاقة القائمة على المشاعر الإنسانية يبدو واعدًا مثيرًا للفضول في استعادة اكتشاف العالم من خلاله.
في روايته الجديدة «لقلبي حكايتان» يقدّم الروائي الشاب أحمد مدحت سليم قراءة جديدة لعلاقات الحب المختلفة من خلال حكاية بطل روايته رجل الأعمال الخمسيني الناجح طارق الكيلاني الذي يعيش حياة هانئة يملؤها الحب بين زوجته وابنته، ولكن تدخل حياته فتاة عشرينية تقلبها رأسًا على عقب، وتجعله يعيد النظر والتفكير في دوافع حياته، وكيف بدأت وإلى أي شيءٍ انتهت.
سيبدو للقارئ في البداية أنه إزاء قصة حبٍ تقليدية، وصراعٍ معتاد، كثيرًا ما تناولته الروايات والأعمال الدرامية، صراع بين الزوجة صاحبة الحق والعشرة، والفتاة الجديدة التي تعد بتجدد الشباب والحياة والحب الذي يواجه تلك الأزمات، وأي المرأتين سينجح في النهاية في الفوز بهذه المعركة الباردة المفترضة، إلا أن الكاتب ينجح في أن ينقل الصراع نقلةً أخرى كبيرة ونوعية.
عبر عتبات/فصول الرواية يكتشف القارئ أن ثمة أسئلة أخرى تطرحها الرواية أكثر أهمية وخطورة من مجرد أسئلة الحب واستحقاقه، بل إنه يقودنا في رحلةٍ عبر الزمان والمكان من خلال ما يسميه «لعبة الأيام» لنتعرّف على الشخصيات بشكلٍ آخر من خلال تغيير بعض الأحداث والمواقف، وتغيير عمر الأبطال وكيف كانوا سيواجهون نفس تلك المواقف والأحداث مع تغير الزمان بهم.
رغم ذلك لا تبدو قصة الحب أو الصراع الدائر بسببه ـ على أهميتها ـ هي المحرّك الأساسي للرواية، ولكنه بحث البطل، وربما الكاتب، وربما يشرك قارئه معه أيضًا، عن حقيقة المشاعر الإنسانية التي يسهل علينا دومًا الحكم بحقيقتها ووجودها، في الوقت الذي لو تغيّرت فيه بعض شروط تلك اللعبة لربما اكتشفنا أن تلك المشاعر غير حقيقية بل ربما تتحوّل إلى مشاعر مستحيلة.
البطل بين السراب والشباب
استطاع أحمد مدحت في الجزء الأول من الرواية أن يوصّف حالة بطل روايته بشكلٍ كبير، وأن يترك القارئ أمام تلك الحيرة التي أصبح فيها بسبب ظهور مشاعر الحب الجديدة نحو الفتاة الشابة بيريهان. ومع توالي صفحات الرواية يتكشف لنا أن ثمة علاقة أخرى ملتبسة بين البطل ووالدته، ربما جعلته يعيش ذلك التذبذب في علاقاته بالنساء بصفةٍ عامة، وهو الأمر الذي يذكرنا على نحوٍ ما بكامل رؤبة بطل رواية «السراب» لنجيب محفوظ.
رغم الاختلاف الواضح بين الشخصيتين بناءً وتفصيلاً إلا أن الحيرة التي وقعا فيها تبدو متقاربة، وتبدو شخصية طارق بطل روايتنا هنا كأنها معالجة جديدة لتلك الحالة التي وقع فيها كامل قبل سنوات، ويبدو أنه استطاع أن يخلصه من تلك الحيرة من خلال ذلك الانتقال الزمني والعودة إلى الشباب.
من جهةٍ أخرى تفتح فكرة وحلم العودة للشباب الباب واسعًا للعديد من الأعمال الدرامية والروائية التي عرضت تلك الفكرة بشكلٍ فانتازي، وانتهت تقريبًا كلها إلى استحالة العودة للشباب، بل والتركيز على قيمة الرضا بالأمر الواقع، وهو ما ناقشه توفيق الحكيم مثلاً في مسرحيته «لو عرف الشباب».
كما وردت فكرة الانتقال بالزمن وتغيير الأحداث والظروف في عدد من الأفلام نذكر منها butterfly effect وكيف أن أي تغيير طفيف في أحداث الماضي قد ينتج عنه تحول كبير وغير متوقع في المستقبل، وهو ما واجهه بطل رواية «لقلبي حكايتان» بشكلٍ فانتازي تمت صياغته ليبدو واقعيًا بإحكام.
بناء الرواية بين السرد والحوار
هكذا استطاع أحمد مدحت أن ينقلنا إلى حكايته، وأن يعرض للقارئ فلسفته ورؤيته الخاصة لذلك الصراع الذي يبدو بلا نهاية، وكيف أنه ليس صراعًا بين حب قديم وآخر جديد، ولكنه صراع الإنسان دومًا بين ماضيه وحاضره، وأحلامه نحو المستقبل، واستطاع أن يعبّر عن ذلك ليس فقط من خلال بطل روايته طارق، ولكن من خلال عرضه الجانبي لشخصيات الرواية الأخرى، وكيف كان ماضي كل منها عاملاً مؤثرًا وفارقًا في حياتهم ورؤيتهم للمستقبل.
توزّع بناء الرواية بين السرد من خلال الراوي العليم والراوي المخاطب، وكان الانتقال بينهما مربكًا للقراءة في بعض الأحيان. كما أثرت الحوارات التي دارت بين الأبطال من الرواية، وأضافت إليها حيوية شديدة عوضت ما كان في السرد أحيانًا من فتور، لا سيما الحوار بين بطل الرواية ووالدته في الفصل الثالث، وحواراته بين زوجته وحبيبته بيريهان التي كانت تحمل في كل مرة وجهًا آخر من وجوه المشكلة.
ربما عاب السرد في النهاية بعض الجمل الوصفية الطويلة التي لا تتناسب مع حالة الرواية، بالإضافة إلى الاستخدام المفرط لحروف العطف الواو والفاء بشكلٍ ملحوظ في بداية كثير من جمل الرواية.
أحمد مدحت سليم روائي مصري، صدرت روايته الأولى «ثلاثة فساتين لسهرة واحدة» عام 2015 ولاقت استحسانًا نقديًا وجماهيريًا كبيرًا، وبقيت على قوائم الأعلى مبيعًا لفترة طويلة.
يهتم مدحت في كتابته بشكلٍ عام بالعلاقات الإنسانية وتحليلها من منظور نفسي رومانسي في الوقت نفسه، والكشف عما يدور بين الرجال والنساء. صدر له أيضًا رواية «خريف دماء وعشق» التي تناول فيها صفحات مجهولة من التاريخ المصري الفرعوني عام 2017، وبين يدينا روايته الثالثة.