فيلم «My Blueberry Nights»: رحلة البحث عن الحب
يتابع الفيلم رحلة الشابة الجميلة «ليزي»، للتغلب على خيانة وهجران حبيبها، وأثناء الرحلة تقابل مجموعة من الرحّالة أيضًا في دنيا الحياة، كلٌ تجرع كأس الحب القاسي، ووقع ضحيةً للعشق، ومع الوقت تبدأ ليزي في إعادة اكتشاف نفسها، واستكشاف العالم من حولها، حيث يزيد رصيدها من الخبرات، وترى أنها ليست وحدها في مأساتها.
عُرض الفيلم في مهرجان «كان» لأول مرة، وهو من إخراج الصيني Kar-Wai Wong، مخرج أفلام: In the Mood for Love، و2046، وChungking Express، وFallen Angels، وHappy Together.
وفي أول أفلامه الدولية خارج «هونج كونج»، ومن بطولة المغنية الأمريكية «نورا جونز»، صاحبة أكبر نسبة مبيعات خلال هذا القرن، أعلى من أي مغنية أخرى، يشاركها مجموعة من النجوم الكبار: جود لو، وديفيد ستراثيرن، وريتشل فايز، وناتالي بورتمان.
الفصل الأول: طائر الليل الحزين
أولى محطاتها عند جود لو في نيويورك، الذي يلعب دور صاحب المقهى الذي يعاني من الوحدة، شاب إنجليزي صاحب لكنة بريطانية قوية يدير مطعمًا في نيويورك، يقضي يومه ما بين تقديم الطلبات، وإصلاح كاميرا المراقبة التي لا تعمل لسبب ما لا يستطيع الوصول إليه، ومتعته الوحيدة في مشاهدة فيديوهات المراقبة ليلًا.
يبدأ الفيلم بها تسأله عن صديقها هل حضر بالأمس، هل جاء مع أحد غيرها، بالطبع لا يتذكر أو يتظاهر أنه لا يتذكر، لا يمكنك بالضبط الجزم، لكنه يملك سلاحًا سريًا يُمكّنه من التذكر… لا ليس كاميرا المراقبة، مع أنه الحل البديهي.
على أية حال، تصف له ما يطلبه صديقها عادةً من طعام، وبعد محاولات ومراوغات، يتذكر بالفعل: «جاء بالأمس مع صديقته»، فتترك مفتاح الشقة في المطعم ليأخذه صديقها، ثم تغادر غاضبة.
هكذا تقابلا في البداية، لكنها لم تكن الأولى في إمبراطورية الليل الطويل، فهو معتاد على قضاء الليل وحده يُنظِّف ويجهز لليوم التالي، ويضيف مفتاحيها إلى صندوق يحتوي عددًا كبيرًا من المفاتيح، جُمعت في ظروف مماثلة أو غير مماثلة، بعضها لشبان أفسدت الحياة شهيتهم، أو صدم الواقع أحلامهم، أو ممّن لم يعيشوا كفاية حتى يعودوا من أجل مفاتيحهم.
لكن يبقى الصندوق وصاحبه فيما يبدو كالأبدية، وعندما تعود وتسأله لماذا لا يتخلص من كل هذه المفاتيح، يرد: «إذا تخلّصت من هذه المفاتيح، بعض الأبواب ستظل مغلقة للأبد، لا يمكنني أن أقرر ذلك»، ربما كان يخاطب نفسه ويطلب منها الصبر والتحمل حتى تعود محبوبته هي الأخرى، التي يُعشِّش مفتاحها في الصندوق منذ سنوات.
هل لكل شيء سبب؟ هل هجرك الحب بسببك أنت؟ لماذا تحدث الأشياء السيئة لنا مع أننا أُناس طيبون؟
فتأكل هي التوت، في إشارة إلى رحلتها كشطيرة رائعة لا يريدها أحد، ومن هنا اسم الفيلم «ليالي التوت الأزرق».
الفصل الثاني: من الحب ما قتل
تعمل ليزي في وظيفتين بعد انتقالها إلى بلدة جديدة، وذلك بعد أن ألقت الوداع على الفصل الآخر من حياتها، تاركة كل شيء خلفها، لا تنهك نفسها في العمل من أجل المال، بل لتشغل عقلها عن التفكير في الماضي وفى صديقها، فقد اكتشفت أن قطع الطريق أمام الوقت للتفكير هو الحل الوحيد في مواجهة الذكريات المؤلمة. في الصباح تعمل في مطعم عائلي، أمّا المساء ففي ملهى، هناك تقابل الضلع الجديد من الحكاية، أرني.
هو رجل في منتصف العمر، تكسو وجهه ملامح الحزن، حتى تبدو جزءًا من ملامحه، كأن الحزن اعتاد وجهه فلم يَعُد يعرف غيره، حتى بعد أن يغادر الجميع، يظل أرني يتناول الشراب بلا متعة، لا يقصد مضايقة أحد أو الوقوف في طريق أحد. وتكتشف أن الطريق للتخلص منه وإغلاق الملهى، ببساطة أن تقدم له الفاتورة وسوف يدفع وينصرف.
الغريب في أمره أنه لا يدفع مقابل الشراب بل «يضعه على الحساب»، بالرغم من أنه يقدم لها البقشيش، رجل لطيف. يتعرف عليها ويُلقي عليها الأخبار السعيدة، لن تراه بعد اليوم، لماذا؟ «هذا آخر يوم لي في الشرب، ليس لي ما أعود من أجله»، لكنه على أي حال يظهر في اليوم التالي، ليحتفل باعتزال الشراب.
ثم تعلم الحقيقة المرة عنه، هو أيضًا عضو في نادي المجروحين عاطفيًا، غير قادر على تخطي هجر زوجته، ولا يملك القدرة على مواجهة الحقيقة، فيهرب للشراب، نفس حال ليزي، هي أيضًا تهرب من المواجهة إلى العمل، لكن عمله لا يُمكِّنه من ذلك، فهو لمفاجأتها ضابط شرطة صباحًا، وسِكّير ليلًا.
أمّا زوجته الجميلة تقوم بدورها «رايتشل وايز»، التي قرّر المخرج تغيير مواعيد التصوير من أجل انتظار انتهاء حملها. تحضر الزوجة إلى الملهى مع عشيقها، ثم مرة أخرى لمواجهة أرني للمرة الأخيرة.
تُخبره ليزي مرة أن بعض الأشياء أفضل على الورق، فيتفاعل مع الحياة لأول مرة منذ زمن، وفي المساء يُمسِك ورقة ويحاول كتابة جواب لزوجته، لكن حضور عشيقها للملهى يفسد ليلته، ويُنهي الدرس سريعًا، مُسبِّبًا سلسلة من الأحداث تؤدي للهاوية.
الفصل الثالث: عودة الابنة الضالة
يستمر جيرمي صاحب المطعم في محاولة العثور على ليزي، يُهاتف كل المطاعم والحانات في الطريق، لكن بلا هدف، ومن ناحية أخرى فهي تستمر في إرسال الخطابات إليه، وتتساءل هل سيتذكرها على أنها الفتاة التي تحب شطائر التوت الأزرق، أم صاحبة القلب المجروح، وبينما تبحث هي عن المستقبل، يلتقي به الماضي.
تصل ليزي هذه المرة للعمل في كازينو، ليس رغبة فيه أو حبًا لهذا العمل، لكن لأن الحافلة توقفت هناك، العمل لساعات طويلة يُمكّنها من التغلب على مشاكل النوم، لكن مشاكل أخرى كانت في الطريق، تقابل هناك مُقامِرة شابة، لا تهتم لشيء وتعيش الحياة كما هي، اللعبة هي حياتها، لكن الحظ يعاندها في تلك الليلة، وتخسر كل أموالها بسبب مغامرة غير محسوبة، وتدخل ليزي في الصورة.
تتفق معها على اللعب بمدخرات ليزي في مقابل جزء من الأرباح، وفي حالة الخسارة تحصل على سيارتها، لكنها تخسر مرة أخرى، وتبدأ رحلتهما إلى مدينة القمار والأموال لاس فيجاس، وتكتشف أنها أيضًا تعاني من الحب، لكن نوع آخر من الحب.
بينما كان باقي الأطفال يتعلمون العد، كان والدها يُعلِّمها لعب البوكر ودراسة الاحتمالات، ولكن درسه الأهم كان ألّا تثق بأحد أبدًا، وكان هو أول منْ اكتوى بنار النصيحة، ودب الخلاف بينه وبين ابنته، حتى ابتعدت عنه للأبد، ولم تعد حتى تثق بنفسها. فكانت رحلتها إلى فيجاس، بمثابة عودة الابنة الضالة، البطلة نفسها ربطتها علاقة صعبة ومشاكل مع والدها، ولم تستطع الارتباط به بالقدر الكافي.
بهذا تكون وصلت ليزي للمرحلة الأخيرة من رحلتها لتجد نفسها أخيرًا، بعد أن تعرّفت على نفسها من جديد، ولم تعد تخشى الماضي، وعادت من حيث أتت.
الفصل الرابع: من حيث بدأنا
بعد 300 يوم حول عالمها الصغير، تعود ليزي إلى المطعم، بعد أن صار جيرمي شخصًا جديدًا، تجده يُدخِّن أمام المطعم في ليل قارص البرودة، وتدخل معه لتناول الطعام، فتجد كرسيًا محجوزًا باسمها، لتكون أولى ملاحظاته عنها «لقد تغيرتِ عن آخر مرة تقابلنا، أو ربما أنا من تغيّر».
لتجد أن كليهما قد تغيّر، فقد تخلص جيرمي من سلاسل الماضي وتخلّص من المفاتيح، حاول إيصال بعضها لأصحابها، والبعض الآخر ألقى به للأبد، وأصبح متاحًا لعيش الحاضر، لكن شيئًا واحدًا لم يتغير:
استغرقها الأمر عامًا ومئات الكيلومترات، عبرت فيها الطريق إلى الحياة الأفضل. ربما كان الأمر صعبًا أحيانًا، وأحيانًا لا، الأمر بأكمله يعتمد على دافعك للاستمرار. قد يظهر عبور طريق واسع ومزدحم صعبًا، لكن الأمر يعتمد تمامًا على منْ ينتظرك على الجانب الآخر.