مصطفى محمد والزمالك: ماذا حدث عند عودة التيار الكهربائي؟
يُحكى أن أربعة أشخاص كانوا يأكلون اللحم في مطعم، أخذ كل منهم نصيبه ولم يبقَ سوى قطعة واحدة في الطبق. مرت بهم لحظة من التردد بصدد ما يمكن عمله، لحظة باقي القسمة التي نعرفها جميعًا، هنا انقطع التيار الكهربائي، ساد الظلام، ودوت صرخة رهيبة.
لما عاد التيار وجدوا ثلاث شوك مغروسة، لكن ليس في قطعة اللحم كما تظن، وإنما في يد أحدهم، ما حدث أن كل واحد منهم أراد أن يسرق القطعة في الظلام، لكن أحدهم قرر أن سرقتها باليد أسهل، وهكذا عندما عاد التيار افتضح كل شيء.
هذه لحظة قاسية نعرفها جميعًا، كأن يظهر بالخطأ أحيانًا صوت المذيع من خلف البث وتكتشف أنه شخص عصبي فاحش غير الذي يبتسم في وجهك دائمًا، هذه لحظة لا يحب أحدنا أن تقع له أبدًا، ويفضل البعض أن يظل جاهلًا عن معرفة أشياء لا يحب أن يعرفها.
كان احتراف مصطفى محمد هو الموضوع الأهم على الساحة الرياضية المصرية خلال الفترة الماضية. وسواء انتهى الأمر برحيله أو بقائه، فإن هذه القصة انقطع فيها التيار وعاد عدة مرات. في كل مرة يفتضح شيء ما، والغريب أنه لم يظفر أحد بقطعة اللحم!
من يحكم من؟
يمتد العقد بين الزمالك وبين مصطفى محمد حتى 2023. لا يملك مصطفى محمد الرحيل إلا بموافقة الزمالك، ورغم ذلك فهو متمسك بالرحيل، لذلك لجأ للتمرد لإجبارهم على الموافقة.
سلوك مرفوض بالطبع، لكن مصطفى ليس الأول، وقد سبقه الكثيرون، ديمبيلي وكوتينيو وفان دايك فعلوا ذلك، وكذلك زميله في المنتخب الأولمبي رمضان صبحي حين أراد الرحيل من الأهلي إلى ستوك سيتي، والمشترك أنهم جميعًا حققوا رغبتهم في النهاية رغم سريان عقودهم.
وفي كل حالات التمرد دائمًا يظهر السؤال نفسه: أين تكمن القوة في اللعبة هذه الأيام؟ هل صارت في يد اللاعبين بشكل كامل ولم تعد الأندية قادرة على التحكم؟ وما دور الجمهور في الأمر؟
اكتسب اللاعبون سلطة أعلى منذ ظهور قانون بوسمان، الذي سمح لهم بالانتقال الحر عقب نهاية عقودهم. ومع الوقت بدأت تتزايد هذه السلطة، لكن مع ذلك ظلت العقود تحكم الطرفين ولا يستطيع أحد الإخلال بها مهما حدث.
لكن بتحول كرة القدم إلى منظومة استثمارية حقيقية هدفها تحقيق أعظم ربح، فإن العلاقة بين اللاعبين والأندية صارت لا تحكمها العقود فقط وإنما أصبحت علاقة منفعة متبادلة واستثمار يحكمه تحقيق أقصى ربح بأقل مخاطرة.
لذلك يكون تمرد اللاعب إعلانًا للإدارة بأنه بات استثمارًا خاسرًا ولن يمكنهم الاستفادة منه؛ لأنه لن يعود للمشاركة مع الفريق بنفس الحماس مجددًا. تمرد يكون أداة أيضًا لإفساد علاقته مع الجمهور لرفع الحرج عن الإدارة لتوافق على رحيله.
وفي الغالب تفضل الأندية أن تبيع اللاعب وتستفيد بالأموال، لأن هذا هو الخيار الصحيح من وجهة نظر استثمارية ومادية، ويكون التمرد حينها فرصتهم للهروب من غضب الجمهور وتوجيهه إلى اللاعب باعتبارهم اضطروا للرضوخ لرغبته، والموقف حينها يكون مربحًا للاعب والنادي معًا.
بالنسبة للجمهور، فإن هذه الحسبة تبدو جافة وقاسية أكثر من اللازم، نفس الكليشيه المرفوض دائمًا الذي يشبه النادي بالشركة واللاعب بالموظف، ويبحث كلاهما عن أعلى ربح، لكن مشكلة كرة القدم الوحيدة أنها مبنية في الأساس على نقيض ذلك: العاطفة.
عاطفة يبالغ اللاعبون في إظهارها، وبيان مدى حبهم للجمهور وعشقهم للنادي، وعند لحظة معينة يتجاهلونها ويُطلب من الجميع التفكير بالمنطق المادي فقط.
عندها يشعر الجمهور بالخيانة، حين يكتشف أن اللاعب الذي استثمر معه وقته ومشاعره ودافع عنه ضد جماهير الأندية الأخرى، لا يهتم برأي الجمهور من الأصل ولا يشغله النادي كما يشغلهم، وأن كلامه لم يكن سوى شعارات ووعود زائفة.
والحقيقة أنه لا شيء تغير، فقط هذه لحظة من لحظات عودة التيار الكهربائي التي يكتشف فيها الجمهور الطريقة التي تدار بها اللعبة، والتي يستغل فيها اللاعبون عواطف الجمهور لتحقيق مكاسبهم، ثم يضربون بها عرض الحائط في أول فرصة.
اللاعبون خائنون ولا يقدرون المعروف؟ ربما، لكن هذا هو الواقع الذي يرفض الجمهور في كل مرة تقبله، ويقرر في كل مرة أن يلعب لعبة «اخدعني ودعني أنخدع» الشهيرة، ويعود ليستثمر عواطفه ومشاعره مع لاعب آخر ليعيد الكرة، وهكذا.
هل حان الوقت؟
إذا كان مصطفى سيرحل عاجلًا أم أجلًا، فإن تحديد الموعد المناسب أمر هام للغاية، خصوصًا مع عمر مصطفى الذي يقترب من الـ 24، وهي السن التي لا تعد قليلة بالنسبة للعمر الذي تخرج فيه المواهب من أفريقيا نحو أوروبا.
في العموم فإن تحديد هذا الموعد عملية شاقة للغاية يتحكم بها العديد من العوامل، والمشكلة أن مسيرة اللاعبين لا تخضع لمنحنى ثابت أو نمط معين يمكن التعامل معه، لكن الظروف والنشأة والعقلية ومركز اللاعب وعدة أمور أخرى قد تؤثر في الأمر، وقرار واحد خاطئ أو إصابة مفاجئة في مسيرة اللاعب قد يدفعها للانحدار، ويخسر النادي الكثير من ثمنه.
لذلك حين ترغب الأندية في البيع فإنها تستغل فترات التوهج التي يمر بها اللاعب للحصول على أعلى سعر، لأن هذه الفترات في الغالب لا تستمر كثيرًا.
ماذا يفعلون في دورتموند؟
لنضرب المثال بأحد أهم مصدري المواهب في أوروبا حاليًّا، بوروسيا دورتموند. صفقة ديمبيلي كانت مثالًا واضحًا على ذلك، وموسم اللاعب معهم لم يستطع تكراره حتى الآن. كذلك حين باعوا أوباميانج، وحتى ما يحدث الآن مع سانشو رغم استمراره معهم يعد مثالًا مهمًّا أيضًا.
كان موسم سانشو الماضي ملفتًا للأنظار، وتوهج اللاعب بشكل غير عادي، بتسجيل 20 هدفًا وصناعة مثلهم، استطاع جذب أنظار كبار أوروبا وكان اليونايتد الأكثر جدية من بينهم واقترب عرضه من 90 مليون يورو طبقًا لبعض المصادر، لكن الطرفين اختلفوا على طريقة الدفع وتوقفت الصفقة، وكان غريبًا أن يرفض بورسيا في النهاية ويقرر بقاء اللاعب لموسم إضافي.
طبقًا لـرافائيل هونيغشتاين محلل «The Athletic» فإن موسم سانشو الرائع لن يكون قابلًا للتكرار، ومن المرجح ألا يستمر سانشو في تألقه، ولن يحصل دورتموند على عرض بنفس القيمة مجددًا.
بلغة الأرقام، فإن ما حققه سانشو الموسم الماضي كان أزيد من المتوقع أو ما يسمى «Over Performance»، حيث سجل اللاعب 17 هدفًا وصنع 16 في الدوري، بينما كان متوقعًا أن يسجل 9.3 ويصنع 9 فقط طبقًا لمعيار (xِِA)،(xG) على الترتيب.
ورغم أن معيار الـ (xG) ليس دقيقًا تمامًا لقياس مستوى اللاعب بشكل عام، إلا أنه يعطي دلالة عامة، وفي المعتاد لا يتجاوزه اللاعبون بشكل كبير ويحوم أداؤهم الفعلي حول هذه القيم، لذلك فإن هبوط مستوى سانشو حاليًّا هو المتوقع وليس العكس.
وبالفعل كان التوقع بانخفاض المستوى صحيحًا، طبقًا لوكالة «fbref» للإحصائيات، فإنه بعد مرور 13 جولة من البوندزليجا ورغم أن سانشو ما زال يحقق معدل xG لكل 90 دقيقة مقاربًا للموسم الماضي ( 0.36 العام الماضي مقابل 0.33 هذا الموسم ). لكن ما تغير هو أنه سجل هدفين فقط من 3.4 هدف متوقع، وتغير معدل تحويل التسديدات إلى أهداف من 0.33 الموسم الماضي، إلى 0.07 فقط في الموسم الحالي.
هذا ما يجب أن تحسبه إدارة الزمالك جيدًا، 5 ملايين دولار في لاعب صاعد لا يمتلك هدفًا دوليًّا واحدًا، ليست قيمة منخفضة، والرهان على تألق اللاعب والحصول على عرض أفضل بعد الأوليمبياد ليس مضمونًا أيضًا، وبقاء اللاعب يجب أن يكون محسوبًا حتى لا يخسر الطرفان معًا، وإذا كانت إدارة الزمالك تفكر في انتظار وقت أفضل لا يلتزم فيه الفريق بمباريات، فربما عليهم أن يقرأوا الفقرة القادمة.
لنحيِّ الحاج عامر حسين
في كل مرة يقرر فيها لاعب الرحيل من الدوري المصري يسأل الجمهور السؤال نفسه، وهو لماذا يرحل في هذا التوقيت تحديدًا؟ ألا ينتظر حتى تنتهي بطولة الدوري أو أفريقيا أو كأس مصر ثم يرحل؟
والإجابة أنه لا إجابة، لأنه دائمًا هناك بطولة لعينة قادمة لا تنتهي، اعترض الجمهور على رحيل حجازي في انتقالات الصيف، ولم يعجبهم رحيل مصطفى في انتقالات الشتاء، فماذا يفعل اللاعبون؟
تعاني أفريقيا ككل من هذه المشكلة، وهي عدم وجود نافذة انتقالات موحدة على فرق القارة، يتسبب الطقس في تغيير مواعيد البطولات في أغلب الدول، وبالتالي في الوقت الذي تفتح فيه نافذة الانتقالات في أوروبا تكون بطولة أفريقيا ما زالت مستمرة، والدوريات المحلية نفسها تختلف في مواعيدها من دولة لدولة.
لكن رغم ذلك وطبقًا لهيئة الإذاعة البريطانيةـ BBC فإن أفضل موعد للانتقالات في أفريقيا هو شهر يناير/كانون الثاني، باعتبار أنه مشترك بين الكثير من الدول، ويمكن للأندية تعويض لاعبيها بسهولة خلاله.
في مصر تحديدًا يزداد الأمر سوءًا، حيث لم نعترف بعد بفكرة المواسم المنفصلة، ولا نملك حتى أي جدول زمني محدد لأكثر من شهر، ولا أحد يعلم متى تبدأ البطولات ومتى تنتهي، لذلك ليس هناك وقت سيرحل فيه اللاعب بغير أن يترك بطولة قائمة.
هذه إحدى لحظات عودة التيار أيضًا، حين يكتشف الجمهور مدى سوء وتدهور البطولات التي يتصارعون مع جمهور المنافس عليها، وينفقون الأوقات في الجدال حولها، ولا يحب أحدهم أن يخضع لحقيقة أن أنديتهم التي يتعصبون لها أقل من نادٍ يصارع الهبوط في أي دوري أوروبي محترم، وعند هذا الأمر، يرغب الجميع في بقاء التيار منقطعًا للأبد.