مصطفى حمدي: والدي «مايسترو نشر» أعاد الشباب للقراءة
كثيرًا ما نحنّ لزمن الثمانينيات، صوت الراديو والتلفزيون والبرامج المميزة في بيوت بسيطة تتخللها أشعة الشمس، وقد شكلت روايات الجيب جزءًا من هذا المشهد الحميم، وفرضت حضورها في أوقات الفراغ والإجازات. انطلقت لتصبح مشروع القرن الثقافي، وكانت سابقة لعصرها، وفكرة طموحة من ناشر وطني ظل يبحث عن وسيلة تجعل الكتاب محمولًا في كل يد كما كان يشاهد الأطفال والشباب في أوروبا.
بدت روايات الجيب مغايرة للأدب الكلاسيكي بجرعة تشويق عالية تحبس الأنفاس، وقطع صغير وصفحات تلتهمها في جلسة واحدة، لغة عذبة خالية من التعقيد، يتداولها القراء الصغار فتقودهم لعالم الكتب، كل منّا كان يجد نفسه مع نوع أو أكثر سواء الرعب في «ما وراء الطبيعة» أو الرومانسية في «زهور» أو المتعة المفيدة في «فلاش» أو البوليسية والجاسوسية في «رجل المستحيل» والخيال العلمي في «ملف المستقبل» و«كوكتيل».
كتب حفرت في وعينا مناطق حميمية غائرة، ربما يتجاهلها البعض أو يتعالى عليها بعد أن وصل لمرحلة القراءة الأعمق. ولكن نسيانها ليس حقيقيًا والدليل حلقات «ما وراء الطبيعة» التي تحولت لمناسبة جديدة للمشاهدة على نطاق واسع.
من شرارة ثورة 1919 انطلقت النواة الأولى لـ«العربية النشر» وظلت لأكثر من قرن مؤشرًا لتحولات الحياة في مصر. حدثنا عن ذلك
مفاجآت كثيرة وكواليس كثيرة يخبرنا بها حامل راية المؤسسة، ونعني به الناشر مصطفى حمدي، نجل الرجل الأهم في مسيرة أصحاب «المؤسسة العربية للنشر». أسرار عن علاقة أبيه حمدي مصطفى بالمبدعين وقد وصفوه بـ«الأب» و«المايسترو»، وقد كان هو الكاتب والناشر الذي فضّل حياة الظل، ليصنع مجدًا من نوع آخر. كما يحدثنا الابن عن سباق العصر الذي تخوضه المؤسسة بكتيبة مبدعيها اليوم. حكايات بدأت قبل 100 عام وتنتظر فصولًا جديدة مبهرة لتُروى.
بالفعل انطلقت المؤسسة العربية للنشر في نواتها الأولى عام 1920 بالتزامن مع ثورة المصريين بزعامة سعد زغلول، ولهذا سماها الجد سيد مصطفى «دار سعد مصر»؛ وكانت تهتم بالشق الأدبي والتعليمي؛ فتنشر للأطفال مبادئ القراءة والحساب، وتنشر في الأدب أعمال كبار الكتّاب، ومنهم طاهر أبوفاشا، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم.
وفي الستينيات حوّل الوالد حمدي مصطفى اسم الدار إلى «المؤسسة العربية الحديثة» وكانت أيضًا مواكبة للروح القومية السائدة في عصر الزعيم جمال عبدالناصر؛ لهذا لم تكن المؤسسة مجرد ناشر، وإنما تزامنت مع أحلام وآمال المصريين وثوراتهم الوطنية.
ثم ظهرت روايات الجيب، وكانت أيضًا مسايرة لثقافة عصرها الذي عرف «التيك أواي» أو الوجبات السريعة، فكانت كتبًا سريعة وصغيرة الحجم يلتهمها الشاب في جلسةٍ، ولقد تمكنت كتب الجيب من صنع معجزة بأن قطعت الجفوة بين الشباب والكتب فلم تعد فقط هي المناهج التعليمية، وبالفعل حققت الانتشار المطلوب بسبب موضوعاتها الشيقة وطابعها العصري.
في الوقت نفسه؛ لم تتنازل روايات وكتب الجيب عن جودة المضمون، والذي كان يغلف بطابع تشويقي، ولكنه يحمل غزارة علمية ولغة أدبية، والدليل أن كثيرًا من مشاهير الأدب حاليًا قد تربوا على تلك السلاسل، باعترافهم. وكان ذلك جزءًا من رؤية المؤسسة لإثراء وجدان الشباب بالقراءة الحرة، بعد تنمية عقولهم في المناهج التعليمية.
كيف كان لشخصية الوالد تأثير في الطفرة التي حققتها المؤسسة في عالم النشر؟
بداية لمن لا يعلم، فقد كان الوالد حمدي مصطفى أديبًا، وليس ناشرًا فحسب؛ وكان قارئًا نهمًا ومتذوقًا للأدب، ولديه ثلاث قصص مقررة على الطلاب خلال اتحاد مصر وسوريا في نهاية الخمسينيات؛ وهي «أيام خالدة» و«عمالقة البرلس» و«بطولة سفينة» وكلها تدور في إطار مواجهة العدوان الأجنبي المهيمنة في زمن عبدالناصر، فكانت قصة البرلس عن مجد الأسطول العربي الحديث، وقصة عن قائد سفينة مصرية ضربت ميناء حيفا في تل أبيب، وقد كتبها خلال العدوان الثلاثي على مصر. ولم تكن قصصه تأتي من فراغ، ولكن بدافع من حسه الوطني وبعضها من شهادات الجنود أنفسهم على خطوط المقاومة.
ونتيجة إيمان أبي بالتعليم فكانت رعايته الكبيرة وتطويره لـ«سلاح التلميذ»، لقد تمنى والدي أن يرى الكتاب في يد الأطفال والشباب أينما ذهبوا تمامًا مثلما شاهد في عواصم أوروبا، وكان لديه من الذكاء ومسايرة مستجدات العالم لحل المعضلة واستحداث سلاسل الجيب في الثمانينيات كمشروع قومي للقراءة، بلغة سهلة وفصيحة بعيدًا عن صعوبة الروايات الكلاسيكية.
ظل أبي على الرغم من ذلك يعمل خلف الكواليس، ولم يكن يحب الظهور، والشو الإعلامي، وكان ارتباطه بالمبدعين إنسانيًا، وليس بمنطق العمل وحده، وكان يعتبرهم كأبنائه، ويقرأ لهم جميعًا، ويناقشهم، ويسأل عنهم، ويشاركهم الأفراح والأتراح في حالة أخوة وأبوة يصعب أن تتكرر؛ ولهذا كان العمل يتم بمنطق الثقة المتبادلة، وأن المكان أصبح بيتًا جديدًا للمبدع، ولهذا نجد أن هذه القيم قد ترسخت في المؤسسة فأصبح دكتور نبيل فاروق فيما بعد أبًا ثانيًا للجيل اللاحق، ومنهم سالي عادل ودكتور سيد زهران، وهكذا أصبحت الصلة بين المؤسسة والمبدع كالزواج الكاثوليكي لا تنفك.
وماذا عن مسابقات اختيار المواهب، بعد أن كان النشر معتمدًا على إلحاح المبدع أولًا؟!
بالفعل كان البحث الأساسي في مسابقاتنا عن تبني مواهب جديدة وتلك رسالتنا، وليس تبنيًا لنجوم نحقق معهم المبيعات، وكانت إعلانات المؤسسة تُنشر في الصحف القومية، كما تضمنت أنماطًا غير مطروقة للكتابة الإبداعية التي يطلبها الناشرون، وأتحدث عن الخيال العلمي مثلًا؛ ويعطينا ذلك لمحة عن شخصية أبي المواكبة لما يحدث في العالم.
كان أبي يرأس لجنة القراء التي تختار الفائزين؛ لكن الاختبار الأصعب الذي يواجهه الكاتب للاستمرار هو تقديم أعداد لاحقة تصلح كسلسلة مشوقة لا تقع في فخ السطحية والتكرار فيمل القارئ منها.
من هذه المسابقات ظهر جيل الرواد من كتّاب المؤسسة وهم يتمتعون بالفعل بالثقافة الموسوعية والخبرة الطويلة في الكتابة وغزارة الإنتاج، كما رأينا مع الراحلين دكتور أحمد خالد توفيق ودكتور نبيل فاروق، أو شريف شوقي وخالد الصفتي، وكل من تبنت المؤسسة إبداعهم حتى اليوم.
وميزة هذا الجيل أنه كان من الاختلاف بحيث تجد قارئًا يحدثك عن 160 عددًا قرأها من سلسلة «رجل المستحيل»؛ تخيل هل تستطيع قراءة كل هذه الروايات لكاتب واحد في زماننا؟!
لقد كان الراحل دكتور نبيل يقدم أعدادًا متفرقة في العام الواحد من سلاسل «زهور» و«كوكتيل» و«رجل المستقبل»؛ وكذلك فعل العراب في «ما وراء الطبيعة»، وهذا هو الإبداع الذي يستمد من أرضية ثقافة وإبداع متدفقين ومتنوعين.
كناشر لسلسلة تعليمية رائدة، كيف كان الأب ينظر لرسالته؟
كان مؤمنًا بدوره بالفعل؛ باعتبار أن التعليم هو أهم سلاح يبني دولة حديثة قوية، ويعين المرء لبناء مستقبل أفضل، وبالتالي فقد كرّس جزءًا كبيرًا من حياته لهذا الغرض وما زلنا نسير على خطاه، وكان يرفض رفع أسعار الكتب التعليمية بشكل عشوائي، لأنه ينظر إليه كرسالة، بل وكانت سعادته يستمدها من وصول الكتاب لقرى ونجوع نائية تعاني من غياب جودة التعليم وتعينهم على فهم مناهجهم.
ظلّ المصروف الشخصي لأغلبنا كافيًا لاقتناء أعداد الجيب الشهرية، فهل كان ذلك متعمدًا؟
بالتأكيد لم نكن نرفض تحقيق أرباح لتغطية إصدار أعداد جديدة وما يعنيه من أجور للمبدعين وكتيبة أخرى من الأشخاص الذين يعملون على التصميم والطباعة، لكن كانت الفلسفة في التسعير تقوم على تحقيق أعلى قدر من الانتشار، وهامش الربح الذي يعينك فقط على الاستمرار، والسبب أنه مشروع يستهدف في الأساس إشاعة القراءة وليس جني المال.
يعلم كثيرون أن بعض السلاسل قبل شهرتها لم تكن تحقق عوائد، وربما استمر الأمر بحيث أصبحت تغطي بالكاد تكلفتها، ومع ذلك استمرت إيمانًا بأهميتها. وهناك مثال آخر، أنه حتى أكثر السلاسل شهرة في طبعتها الأولى مثل «رجل المستقبل» لم نكن نرفع أسعارها في الطبعات اللاحقة، وهو خلاف ما يحدث حاليًا في سوق النشر.
قدمتم وجبة دسمة من بوليسية لرعب وفانتازيا وصولًا للسفاري والرومانسية. حدثنا عن كيفية اختيار مضمون السلاسل
كانت الفكرة القيمة هي المحرك وليس الكاتب، وكان القيمة العليا هي نشر الوطنية والعلم والذوق الرفيع. وقد اختار الوالد أن ترضي أذواق القراءة للشباب، وميولهم المختلفة، لكن كنّا حريصين على أن تكون صالحة للقراءة في أي وقت، وليس مرتبطة بأحداث بعينها، ولهذا تجدون أن القراء لا يزالون وعلى الرغم من تطور العصر يقتنون روايات الجيب المصرية، لأن أفكارها لها طابع لا يموت، وقد صيغت كذلك بلغة أدبية يمكن للشباب المبتدئ فهمها بغير تعقيد.
لقد كان أبي شاعرًا وكاتبًا وليس ناشرًا بالمعنى التجاري، ولهذا كانت ذائقته تحكم في أوقات كثيرة وتعد فيصلًا لنجاح اختيار أفكار السلاسل ومن سيكتبها، وكانت عينه تلتقط المبدع من أول صفحة، كما كان يناقش المبدعين لتطوير شخصيات السلاسل، وكان يقترح عليهم إضافة أبطال جُدد يُزيدون من حيوية إبداعاتهم مثل شخصية سونيا جراهام في «رجل المستحيل»، ولهذا كان إيمانه بجودة أي محتوى يعينه على المراهنة عليه، وقد علمني أن تلك المهنة تحتاج صبر أيوب ومال قارون.
بالفعل لقد خرجت من عباءة «العربية للنشر» أسماء لعشرات المبدعين الكبار ومنهم الدكتور محمد سليمان عبدالملك، وكانت أولى قصصه، وهو بعد في عامه الثاني الجامعي، وقد اتصل به أبي على الهاتف الأرضي للمنزل بعد أن أعجبته القصة التي تقدم بها للمسابقة، وطلب لقاءه في مكتبه، وبدأ اللقاء يثمر العديد من الإبداعات.
كيف استقبلتم الانتقادات التي ترى روايات الجيب نوعًا يرضي الشباب ولا ينتمي إلى الأدب؟
دعوني أخبركم أن قيمة نقد الذات أيضًا جوهرية في هذا المكان، فمن يكثر من مدحي لا أطيل المكوث معه، لأني طوال الوقت أرغب في تطوير ثغراتي، وأنظر كيف أنافس نفسي، وهذا ما عشنا عليه مع أبي.
نأتي للانتقاد الأول؛ وهو المضمون الأكثر سهولة من الروايات الكلاسيكية، والصفحات الأقل عددًا، وكان ذلك مقصودًا، لكسر الفجوة بين الشباب والقراءة، وجذب شرائح جديدة لم تقرأ من قبل، ومع ذلك كان الشرط أن يكون الكاتب نفسه ملمًا وصاحب لغة بديعة، ولكن يسعى لتكثيف العمل في صفحات أقل، ويكتبها بشكل مشوّق، ولا ينكر أحد أن كاتب مثل أحمد خالد توفيق كان يمكنه إبداع روايات حقيقية كما فعل لاحقًا، ولكنه آثر المضي في سلاسل الميتافيزيقا، ومنها «ما وراء الطبيعة» وكذلك فعل كتّاب السلاسل، وهذا أسلوب عصري لتقديم الأدب، ولا يلغي النمط السائد ولكن لا يجب محاربة كل جديد لمجرد كونه مختلفًا.
لو جئنا على سبيل المثال لسلسلة «سفاري» التي تطلع من خلالها على ثقافات الشعوب بشكل مشوق، هل هذا استخفاف بالشباب، وهل سلاسل المعلومات والتسالي قبل ظهور جوجل ومحركات البحث يتغافل أحد عن كونها أسهمت في وعي وإثراء المعلومات العامة، وزيادة رقعة الترفيه المفيد. وهل سلاسل مثل «رجل المستحيل» لا يمكن استيعاب أنها في الأساس تحيي فكرة المقاومة ضد العدو المشترك، وتمجد من بطولة المصريين، من خلال ملفات حقيقية تضافر معها الخيال، هل هذا لا يسهم في تعزيز ثقة الشباب وهويته، وهذا ما يمكن أن يقال عن «ما وراء الطبيعة» التي وإن احتوت على وجبة كبيرة من الرعب، ولكنها قدمت محتوىً إنسانيًا راقيًا في العمق كان يلتقطه القراء، وكانت تسلط الضوء على جوانب فساد بالمجتمع أحيانًا.
أما عمن انتقدنا بخصوص المضمون فأراهن أن مضمون تلك السلاسل كان يلائم دومًا الأسر المصرية وكانت تحتفظ به في مكتباتها، وجنبًا إلى جنب مع الكتب التعليمية، وكنّا نشعر بالطمأنينة لقراءة شاب أو مراهق للمحتوى بين أبويه، من دون خجل، أو مواراة، بخلاف أعمال أدبية أخرى رائجة وقتها.
شكلّ الرحيل المفاجئ للدكتور نبيل فاروق صاحب البصمة الثقافية صدمة كبيرة. حدثنا عن تأثركم برحيله؟
بداية نحن نتحدث عن نموذج يصعب تكراره، وترك فجوة حقيقية برحيله، فهو كاتب موسوعي حقًا في معارفه، وثقافته، واحتوائه للجيل الجديد، ونبله الشخصي، ووطنيته التي كانت الدافع الحقيقي لإنتاج كتاباته ومنها «رجل المستحيل» أدهم صبري، والذي كان بطلًا ينتمي لقيمنا الأخلاقية بدلًا من النماذج الغربية القائمة على فكرة القوة وحدها، وكانت كثيرًا من كتاباته تتخذ طابعًا يضفر الخيال بالواقع المستند لقصص الأبطال الحقيقيين.
كل ذلك قبل أن نتحدث عن كونه كاتبًا مبدعًا وصاحب إنتاج غزير ومتنوع ينم عن عبقرية حقيقية، فقد كان كما تحدثنا يكتب في الجاسوسية والحب والأدب عمومًا بإخلاص شديد، وكان مديرًا للنشر في المؤسسة العربية، وصديقًا بطبيعة الحال لوالدي ولنا، وكان يحمل عاطفة الأبوة تجاه كل الكتاب الجدد ولا يبخل عليهم بنصيحة وتعليم، وكان يقود كتيبة من المبدعين داخل الدار لقراءة كل جديد وتنقيحه، وقد أعد لرحيله مبكرًا فكان يدربهم جيدًا على اتخاذ القرارات بخصوص ما يصلح للنشر، وما يستوجب التعديل لمراعاة طبيعة السلسلة، إضافة طبعًا لعينه الثاقبة في انتقاء المواهب التي تستحق الرعاية.
بصراحة، هل حظيت المؤسسة العربية للنشر برعاية من الدولة؟
بطبيعة الحال ولولا أن المناخ كان صالحًا لما أمكن للمؤسسة العربية أن تستمر في أداء دورها، والمساعدة تلك هي التي نقصدها، مجرد إتاحة المناخ إذا كنت تمتلك مقومات النجاح.
والتعاون مستمر بين الدار ووزارة التربية والتعليم بشكل خاص، وهناك ورش تعقد لتطوير الكتاب الخارجي أسوة بالكتاب المدرسي الذي تطور بشكل ملحوظ، إضافة لتطوير الوسائط التي يعتمد عليها الطالب فتصبح مرتبطة بالتكنولوجيا العصرية وفكرة التفاعلية بدلًا من التلقين، وهو الأسلوب الذي نعتمده حاليًا.
كما طلبت وزارة الثقافة تكريم الكاتب دكتور نبيل فاروق، ولكن ما زلنا ننتظر الفرصة السانحة بعد زوال خطر جائحة كورونا بسبب إلغاء الفعاليات الثقافية، ولكن هناك تعاونًا مستمرًا عمومًا مع كافة قطاعات الحكومة.
على الرغم من نجاحها المدوي، كيف تفسر تراجع الأعداد التي تصدر من روايات مصرية للجيب وخصوصًا منذ عام 2000؟
روايات الجيب في عصرها كانت فكرة لجعل الكتاب محمولًا في أي مكان، وفي الثمانينيات والتسعينيات كنّا نتحدث عن وسائل ترفيه محدودة هي التلفزيون والراديو، والتي سعى أبي لأن يدمج معها كتاب الجيب. ولكن الأمر اختلف كثيرًا مع مطلع الألفية وأصبحنا في جيل الإنترنت ثم المشاهدة بالطلب مثل «نتفليكس» والتفاعلية الكاملة والطفرة في الأبعاد الثلاثية والتخيل، وبالتالي كان لزامًا علينا أن نتّخذ هدنة ليست للراحة، وإنما للتفكير في مواكبة القارئ الجديد ومخاطبته بلغته، وقد قطعنا أشواطًا كبيرة في هذا المجال، وأصبح ما يحمله الشاب هو الهاتف الحديث، ولهذا أردنا أن تكون الأعمال على هاتف القراء وبدأنا في مشروع كبير لتحويل روائع الدار للإذاعة والدراما التلفزيونية.
هل ننتظر مفاجآت شبيهة بـ«ما وراء الطبيعة». ولماذا تأخر ظهوره؟
بالفعل كما ذكرت هناك مشروع نعمل فيه بلا هوادة لانتقاء ما يصلح لتقديمه دراميًا، وهناك عروض تأتينا من محطات الفيديو بالطلب ومنها «نتفليكس»، وقد تولت المسلسل من الناحية الفنية بشكل كامل، فظهر بإمكانيات احترافية، وهذا ما نطمح إليه، وهذا ما عرقل كل المحاولات السابقة لإنتاجه، ولكن أؤكد أننا كنا حريصين على إنتاجه للدراما كحرص مؤلفه الراحل الكبير، ومن يتأمل نجاح المسلسل حاليًا يتأكد أنه ما زال باقيًا في قلوب الآلاف من محبيه الذين شاهدوا الحلقات بنفس شغف قراءتها.
وأحب أن أتوجه لمبدعينا بالشكر لأنهم جزء من نجاح مسلسل «ما وراء الطبيعة» وكانوا في الأساس من قراء السلسلة قبل أن يصبحوا من مبدعي الدار، وقد كتبوه للدراما في سيناريوهات مستوحاة من النص الأصلي، فالكتابة الدرامية تختلف عن الكتابة الأدبية العادية، وقد أبهرنا أحمد أمين بأدائه المتقن لشخصية د.رفعت إسماعيل بطل الحلقات.
ما الجديد بخصوص مسلسل «فلاش» الكارتوني؟
بدايةً، حلم خوض مجال تقديم أعمالنا كارتونيًا عملنا منذ سنوات لتحقيقه، بفريق متكامل من المصممين والمبدعين، والأمر يستلزم وقتًا عادة لظهور عمل بشكل يرضينا.
حلقات «فلاش» الكوميدية الكارتونية يجري التباحث مع محطات تلفزيونية عدة لبثها، وقد تم إنتاجها أيضًا بشكل احترافي عالمي، ونرجو أن تكون مفاجأة تسعد قراء الدار بأن يشاهدوا نجوم «فلاش» الذين ارتبطوا بهم طويلًا.
وكما ذكرنا فقد تم التدخل في صياغة الحلقات لتصبح ملائمة للعصر، فأصبح (علّام) مثلًا في صراع مع (جوجل). أو البحار غريق الغبي وهو يمسك بـ«الجي بي إس» لإنقاذ سفينته التائهة . فماذا يمكن أن يحدث؟!
لماذا لم تفرز الدار أسماء تحمل نبوغ توفيق وفاروق؟
جزء من المسألة مرتبط فعلًا بأنهما كاتبان يصعب تعويضهما، ومن هذا الجيل خالد الصفتي مبدع «فلاش»، وشريف شوقي مبدع «زهور». ولكن بالفعل صعد جيل ثان وثالث، وبعضهم استطاع تحقيق مكانة كبيرة، ومنهم دكتور محمد سليمان عبدالملك لارتباطه أيضًا بالكتابة للدراما، وبعضهم يحتاج لتسليط الضوء على إبداعه، ولكن الدار تفرز مواهب حقيقية كل يوم، ونتيجة زخم الكتابة والقراءة في مصر، أحيانًا تتأخر نجومية البعض.
هناك للمثال لا الحصر رواية أستاذة علا الشربيني التي تدور في عالم كوريا الجنوبية، ومبنية على معايشة، وقد كرمتها السفارة الكورية على الرغم من كونها الرواية الأولى لمؤلفتها، وهناك روائع تاريخية نادرة مغلفة بالإثارة للدكتور سيد زهران وهو مؤلف سلسلة «الطارق»، وتناول مختلف للأديبة سالي عادل صاحبة سلسلة «الحب والرعب». هناك نجوم بالطبع نفخر بهم، والقائمة تطول.
ما الجديد الذي ننتظره في معرض القاهرة للكتاب؟
كثير من الأعمال وأهمها «سوبرميجا» وهي قصص منفصلة ولها تيمة واحدة شارك فيها دكتور نبيل فاروق مع مبدعي الدار الذين أحبهم القراء.
وقد أجرينا مسابقة شهرية باسم «مختارات نبيل فاروق» وستصدر المختارات الفائزة من أعمال المواهب المصرية وتحمل تيمات العصر من خيال علمي وغيره.
وهل لا يزال الطريق مفتوحًا أمام المواهب للانضمام لكتاب الدار؟
لقد استحدثنا أساليب كثيرة تسهل من وصول إبداع الشباب لمسابقات المؤسسة، وأصبحت المشاركة تتم بشكل إلكتروني من خلال موقع وصفحة المؤسسة، ونفكر أيضًا حاليًا في التعقيب على الأعمال التي لم تحظ بالفوز عن أوجه القصور التي ينبغي العمل عليها، بحيث يظل الباب مفتوحًا أمامهم لتطوير ذواتهم في الكتابة لسلاسل الشباب.
وأنا مؤمن بأن العمل لا بد أن يكون بشكل فريق، وأن يعلم كل منا صلاحياته، طالما وثقنا بكفاءته، وألا ينزعج حتى إن أخطأ، لأنه لا عمل بلا أخطاء، المهم أن نتداركها مبكرًا ونطور من الأساس المتين الذي خلفه لنا الأب. وقد علمنا أن تلك المهنة تحتاج لصبر أيوب ومال قارون . ولم يعد بالإمكان النظر لدورنا إلا باعتباره رسالة وطنية في المقام الأول نؤديها بإخلاص لمجتمعنا. وأكثر ما يسعدنا هي تلك الرسائل المحملة بالمحبة أو النصائح . من قارئ قديم . هذا ما نعمل لأجله دائمًا.