المسلمون في أمريكا: من «الهيب هوب» إلى عضوية الكونجرس
الثمانينات والتسعينات: الرهائن والهيب هوب[1]
«في مطلع الثمانينات، تقريبا عام 1979، سببت الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن حالةً من الضيق الشديد في الرأي العام الأمريكي»، يقول عبد الله؛ فقد أدت الانتفاضة الشعبية التي اندلعت بقيادة الخميني ضد نظام الشاة المدعوم من أمريكا إلى إنشاء نظامٍ ثيوقراطي إسلامي شيعي. في تلك الفترة، قام عددٌ من الطلاب المشاركين في الانتفاضة بأسر 52 رهينة أمريكية في إيران، واحتجزوهم لأكثر من عام حتى تم الإفراج عنهم في 20 يناير 1981.
نقلت وسائل الإعلام من خلال تغطيةٍ مستمرة، لأزمة الرهائن والحماس الديني الثوري من قِبل خاطفيهم المسلمين، المشهد لمنازل ملايين الأمريكيين. يلاحظ المؤرخ إدوارد إي كيورتس الرابع، «عندما اختطف الطلاب الإيرانيون عددًا من موظفي السفارة الأمريكية واحتجزوهم، اشتعل غضب العديد من الأمريكيين، انعكس ذلك في صورة ارتفاعٍ ملحوظٍ لجرائم الكراهية ضد المسلمين والعرب الإيرانيين، في جنوب آسيا والولايات المتحدة».
من الناحية الأخرى، اختلط العديد من الأمريكيين بالإسلام عن طريق موسيقى الهيب – هوب والراب، والتي يعكس جزءٌ منها تراث الحركات القومية السوداء التي تأسست في فترة الحقوق المدنية. يقول أندرو إيمري في الجارديان:
«بالنسبة للكثير من عشاق الموسيقى في الثمانينات والتسعينات، فإن الهيب – هوب هي أول عرضٍ مثيرٍ ونابضٍ للثقافة الإسلامية وللدين الإسلامي؛ فقد انطوى الـ (بريك دانس) على عنصرٍ روحيّ ودينيّ، وقد زاد ذلك من عدد مغنيّ الراب المسلمين أمثال: ياسين باي (المعروف سابقًا باسم: موس ديف) – هناك أيضًا تي بين (فهيم رشيد نجم)، والنجم اللامع ناز، أيضًا أندري بينجامين (المعروف بـ أندريه 3000)، لوبي فياسكو، آيس كيوب وباستا رايمز.
لقد عبر الهيب – هوب عن عقيدة المسلمين بشكلٍ أيسر من «أمة الإسلام و الخمس في المئويين»، حتى أن حزنهم يتقطّر عبر كلمات الراب، لقد كان واضحًا أن أثر الهيب – هوب على الموسيقى والثقافة ذات جذورٍ ضاربةٍ في العمق تنطق عن نفسها».
تدريجيًّا، أصبح هناك ألفة بالإسلام في الحياة الأمريكية. وفي عام 1991 و 1992 أصبح سراج وهاج، الإمام المتحوّل دينيًّا، إلى جانب وارث الدين محمد، أول مسلمين يعرضون الصلاة قبل مجلس النوّاب والشيوخ على التوالي.
أحداث 11 سبتمبر ونتائجها الرهيبة على المسلمين
لقد كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية نقطةً فاصلةً في تاريخ المسلمين في أمريكا، وهي أكبر هجومٍ على الأراضي الأمريكية منذ تفجير بيرل هاربور في عام 1941، والذي قام به متطرفون باسم الإسلام. لقد غيرت الهجمات من طبيعة علاقات المسلمين في الولايات المتحدة، وفتحت الباب لجدالٍ كان يتم تجنّبه وهو: هل يجب اعتبار المسلمين على قدم المساواة مع بقية المواطنين الأمريكيين؟
وعلى الرغم من أن العديد من الزعماء المسلمين والمنظمات الدينية في الولايات المتحدة نددوا بأن هذا الفعل ليس من الإسلام؛ إلا أن الكثير من الأمريكيين شعروا بالخوف وعدم الثقة، وأصبحوا يكرهون جيرانهم المسلمين. حتى أن الإف بي آي أقرّت بارتفاع معدلات جرائم الكراهية ضد المسلمين لتصل لـ 1600% في عام 2001:
{لقد رفعت المساجد والمنظمات الإسلامية العلَم الأمريكي حول البلاد، وفتحوا بيوتهم لغير المسلمين، كما سعى المسلمون إلى تثقيف جيرانهم من غير المسلمين حول الإسلام وطمأنة الرأي العام بأن ولاءهم للولايات المتحدة وبأنهم يحبون الحلم الأميركي. زار العديد من الأمريكيين مساجد لأول مرة، وحضروا أحيًانا دوراتٍ معلوماتيةً عن الإسلام الذي قدمه قادة المسلمين على أنه دينٌ مسالمٌ لا يشجّع على الإرهاب}.
{انضمت شاباتٌ وطنياتٌ مسلمات لمجموعات الكشافة}، يقول كورتيس، {لقد وضعن شارات الاستحقاق وأبديْن استعدادهن للإجابة على أي أسئلةٍ حول الممارسات الإسلامية، وتعليم غير المسلمين الإسلام، وتعليم الصلوات الإسلامية}. ونعم، لقد بعن الكوكيز ولبسن الزي البني والأخضر ، وأحيانا مع إضافة الحجاب.
لقد كانت هجمات 11 سبتمبر، مثلها مثل الحروب اللاحقة في أفغانستان والعراق، أظهرت اهتمام أمريكا بالإسلام والشرق الأوسط، بما في ذلك بين الأواسط الأكاديمية والحكومية، فظهرت دوراتٌ جامعية، أخبارٌ متخصصة، العديد من الكتب والأفلام الوثائقية؛ فعرف ملايين الأمريكيين الدين الإسلامي، العادات، الناس والأراضي المكرمة التاريخية.
للأسف، تلك الشهية المفتوحة لمعرفة الإسلام، أدت أيضًا لظهور ما يعرف بـ(الإسلاموفوبيا)؛ فقد نشر المعادون للإسلام كتبًا، ومجلاتٍ شبه أكاديمية، جرائد، مقالات، وأسسوا مواقع، مدوناتٍ ومراكز بحثية غير ربحية، وظهروا على القنوات الإخبارية لينشروا (حقيقة) الإسلام، الذي تم تصويره على أنه عنيف، شرير ومُعادٍ لأمريكا. وعلى الرغم من أن هولاء تم تقديمهم على أنهم (خبراء في الإسلام)؛ إلا أنهم قدموا معلوماتٍ شديدة التحيّز وغير دقيقةٍ للجمهور، تعبّر عن تعصّبٍ واضحٍ ونظريات مؤامرة. ولأن 62% من الأمريكيين لا يعرفون شخصًا مسلمًا بشكلٍ مباشر، حسب استطلاعٍ أجراه مركز بيو للأبحاث؛ فهم أكثر عرضةً لتصديق الأسوأ، وقبول الرؤية البغيضة العنيفة التي يُقدمها أولئك الخبراء. نتيجةً لذلك، تجذّر هذا الفهم المغلوط للإسلام في ثنايا المجتمع الأمريكي، ما رمى بدوره الأساسات للإسلاموفوبيا التي نشهدها اليوم.
أزمة الهوية عند المسلمين الأمريكيين والنقاشات الدائرة حولها
المسلمون الأمريكيون عبارة عن جماعاتٍ مختلفة، ونضالهم من أجل رسم هويتهم وتحديد مكانتهم لم يكن متعلّقًا فقط برفض الإرهاب والعنف والشعور بقبول غير المسلمين لهم؛ فالنقاشات التي تدور حول الهوية، الجنس، الأخلاق وما إلى ذلك مما كانت تناضل أمريكا كلها من أجله؛ كانت تدور أيضًا في مجتمعات المسلمين.
لقد تطوّرت وتفرّعت قنواتٌ ثقافيةٌ جديدة، خاصة في منتصف عام 2000، ويرجع سبب ذلك جزئيًّا إلى الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام، الذي مكّن أشخاصًا لهم نفس الاهتمامات من التواصل أسهل مما مضى. يقول زين عبد الله:
{لقد أصبح لجمعياتٍ، مثل اتحاد المسلمين التقدميين (Progressive Muslim Union (PMU، والتي مارست عملها من 2004 – 2006، ومسلمون من أجل القيم التقدمية Muslims for Progressive )Values (MPV، وجودًا على الإنترنت. حتى أن مجتمع المسلمين مثليّ الجنس، المُخنثين والمتحولين جنسيًّا أصبح أكثر وضوحًا، وانخرط في النقاشات الدائرة حول الهوية الإسلامية. لقد تحدى أفراد تلك المجتمعات التعريفات الحصرية التي ورثوها لحيواتهم الجنسية باعتبارهم مسلمين. وفي عام 1998، تم إنشاء مؤسسة الفاتحة في نيويورك كاستجابةٍ لمجتمعٍ مثليّ الجنس، المُخنثين والمتحولين جنسيًا، المسلمين}.
كتب مايكل محمد نايت، وهو أمريكي أبيض اعتنق الإسلام في سن 16 بعد أن قرأ سيرة مالكوم إكس، وقد قضى شهرين في مسجد فيصل في إسلام أباد في باكستان دارسًا الإسلام، رواية خيالية تسمى تقواكورز Taqwacores. ربما يعتبر أفضل تقديم للرواية هو تقديم موقع الأمازون لها، فقد قدم شرحًا موجزًا للرواية، والذي يجسّد جانبًا واحدًا من البحث عن الهوية بين الجاليات الإسلامية الأمريكية:
«بيتٌ إسلامي غيرُ وَرِع في بوفالو، نيويورك، تسكنه فتياتٌ سافلات يرتدين الحجاب، موهوك [2] صوفيون، سنيون مستقيمون، شيعة حليقو الرؤوس، متزلجون أندونيسيون، صبيان سودانيون سفلة، مسلمون مثليّون، مسلمون مدمنون على الكحول ونسويّات، يقيمون في غرف معيشتهم الصلوات والحفلات، مع ثقبٍ في الحائط يشير لاتجاه مكة، حيواتهم سويًّا عبارة عن جرعاتٍ متساويةٍ من الجنس، المخدرات، والدين، يُعبّر عنها إخلاصهم لثقافتهم الإسلامية الخاصة التي تحتوي على نوعٍ من الفسق. لقد اشتُقت (تقواكور) من مصطلع عربيّ هو (التقوى)، بمعنى الورع والوعي بالوجود الإلهي.
نُشرت تقواكور بالجهد الذاتيّ وتم تكعيبها باليد، وهي الآن تعد بمثابة بيانٍ لمحبي الروك من المسلمين غير المتدينين، وبمثابة الحارس في حقل الشوفان[3] للمراهقين».
عندما كتب نايت الرواية، لم يكن هناك حقًا بيت تقواكورز؛ لقد اختلق نايت الحكاية كلها. ولكن المفاجئة هي، أن الكتاب والفيلم الذي استند عليها، كليهما كانا لسان حال آلاف المسلمين في أمريكا وخارجها، الذين عكست شخصيات تقواكورز الخيالية حيواتهم وقضاياهم، لقد أصبحت تقواكورز حقيقة.
في عام 2009، أنتج صُنّاع السينما فيلمًا وثائقيا عن الظاهرة بأسرها، يقدم فيلم تقواكور: ميلاد الإسلام الخالي من معانيه، وقد دخل الفيلم ترشيحاتٍ رسمية في مسابقات صندانس 2010 Sundance، ومهرجان SXSW.
المسلمون الأمريكيون اليوم
في عام 2007، أدى كيث أليسون، وهو أول مسلمٍ منتخبٍ لعضوية الكونجرس، اليمين الدستورية مستخدمًا نسخة توماس جيفرسون المترجمة من القرآن. ولكن هذه الخطوة الدالة على اندماج الأقليّات المسلمة المهاجرة في المجتمع الأمريكي قابلها البعض بالخوف والكراهية؛ فالنائب أليسون مُطالبٌ دائمًا مِن قبل زملائه ونقّاده بأن يثبت ولاءه لأمريكا، وبهذه الطريقة، أصبحت إنجازات أليسون، إلى جانب المطالب غير المتكافئة وغير العادلة بإثبات ولائه، دليلًا على وضع المسلمين في أمريكا اليوم.
في نفس الصدد، في 9 ديسمبر، ظهر عضو الكونجرس عن ولاية آيوا ستيف كينج على قناة إم إس إن بي سي MSNBC، معلنًا:
«أن كلا من كيث أليسون وأندريه كارسون لن يقيما قواعد الشريعة الإسلامية في هذا الكونجرس، لقد أتى كلاهما من الشرق الأوسط وبالتالي لقد كانوا غارقين في الإسلام طوال حياتهم».
النائب أندريه كارسون هو ثاني مسلمٍ يُنتخب للكونجرس الأمريكي، وما يرمي إليه تصريح ستيف كينج هو أنهم محطّ شُبهاتٍ بسبب انتمائهم الديني، ولإثبات ولائهم عليهم إنكار قيم الشريعة.
إن إحصائيات التعداد السكاني في الولايات المتحدة لا تقوم بحصر الانتماءات الدينية للسكان؛ لذلك فنحن لا نعرف على وجه الدقة عدد المسلمين في الولايات المتحدة. في استطلاعٍ قام به مركز بيو للأبحاث، باللغة الإنجليزية، والعربية، والفارسية، والأردية عام 2011، قدَّر أن هناك 1.8 مليون مسلم بلغوا سن الرشد، فيما بلغ عدد المسلمين من كل الأعمار 2.75 مليون، فيما قدَّر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، منظمة إسلامية مقرها واشنطن، أن عدد المسلمين الأمريكيين أعلى من ذلك بكثير؛ يتراوح بين 6 – 7 مليون نسمة.
وبغض النظر عن العدد الحقيقي، فإن النقاشات السياسية في أمريكا اليوم تضع المسلمين في قلب أكثر الإشكاليات المعاصرة جدلا؛ سياسات الولايات المتحدة، الأمن القومي، الإرهاب، الاندماج، الحرية الدينية والهوية الأمريكية. لقد أحدث صعود داعش طفرةً في الحركات الجهادية العالمية، ما زاد بدوره من خطر الأعمال الإرهابية داخل الديار. هذا غير الخوف من الإسلاموفوبيا.
والآن، على الأمريكيات المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب لأسبابٍ منها الحياء والهوية الدينية أن يقررن ما إذا كن سيبقين على تلك الممارسة وسيواجهن مخاطر جرائم العنف من أولئك الذين ربطوا بين الإسلام والإرهاب، فالمساجد تتعرض للتخريب، والأبرياء يتعرضون للأذى، والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية الجمهورية قال – علنًا وبلا خجل – أنه سيضع قيودًا على دخول المسلمين للولايات المتحدة، ولو مؤقتًا.
وعلى الرغم من تاريخهم الطويل والغني باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي بالنظر في الأصول المؤسسة لأمريكا؛ إلا أن المسلمين في 2015 لا يزال يتم التعامل معهم كأجانب غير مُرحّبٍ بهم. قد لا يكون هذا انطباعًا عالميًّا، لكنه ليس شعورًا من فراغٍ أيضًا.
[1] هي حركة ثقافية تشكّلت في سبعينات القرن الماضي على يد أمريكيين من أصولٍ أفريقية في نيويورك. لاقت نجاحًا واسعًا وشعبيةً كبيًرة وسط مجتمعات السود والأفارقة، وسريعًا ما انتشرت حول العالم كله. (إضافة المترجمة)
[2] قبيلة من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية كانت تعيش في وداي الموهوك. (إضافة المترجمة)
[3]الحارس في حقل الشوفان، بالإنجليزية The Catcher in the Rye ، هي روايةٌ للكاتب الأمريكي جيروم ديفيد سالينغر صَدرت عام 1951. كانت الرواية في الأصل موجهةً للقراء البالغين، لكنها أصبحت ذات شعبيةٍ كبيرةٍ بين القرّاء المُراهقين بسبب محاورها الرئيسية؛ مثل اليأس والعزلة خلال مرحلة المراهقة. أصبح بطل الرواية هولدن كولفيلد رمزًا لتمرد المراهقة. تُعالج الرواية قضايا مُعقدة مثل الهوية والانتماء والخسارة والعلاقات والعُزلة. (المصدر ويكيبيديا) (إضافة المترجمة)